الأحد، 14 أغسطس 2011

قراءة في كتاب : المشاركات السياسية المعاصرة في ضوء السياسة الشرعية

قراءة في كتاب

المشاركات السياسية المعاصرة في ضوء السياسة الشرعية

عبد الرحمن المراكبي
الكتاب: المشاركات السياسية المعاصرة في ضوء السياسة الشرعية.
المؤلف: د. محمد يسري إبراهيم.
الناشر: دار اليسر - ضمن سلسلة إصدارات الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.

تغيَّر شكلُ الحياة السياسية في مصر بعدَ أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، وشارَك السلفيُّون في السياسة بعدَ مقاطعتهم لها وبُعدهم عنها، وتمَّ بالفعل تأسيس أحزاب سلفيَّة أشهرها حزب النور السلفي، والذي أنشأته الدعوة السلفية بالإسكندريَّة إحدى أكبر التيَّارات السلفيَّة بمصر، وفي هذا الكتاب: "المشاركات السياسية المعاصرة في ضوء السياسة الشرعية" أوْضح المؤلِّف - حفظه الله تعالى - في مقدِّمته أن السياسة في نظَر بعض المنتسبين للشَّرع رجس من عمل الشيطان لا يجوز الاقترابُ منها، وأنها في نظَر البعض الآخَر بمثابة عورةٍ لا يجوز مسُّها أو كشفها، مبينًا أنَّ طائفة من العلماء والدعاة أعرضتْ عنها؛ لأنَّها ليستْ أولويةً مقدَّمةً على قائمة الإصلاح بحسبِ السِّياق الزماني والمكاني الذي عايشوه.


ثم تحدَّث المؤلِّف في الفصل الأول مِن كتابه عن معنى السياسة في اللغة والشرع والاصطلاح، وعرَّف علم السياسة الشرعية والعَلاقة بينه وبيْن عِلم الفقه.

وعن فائدة عِلم السياسة الشرعية بيَّن المؤلف أنَّه عِلم يبرهن على شمولِ الشريعة الإسلامية لاحتياجات البشَر، ووفائها بمطالب الإنسانية، وأنَّ ما فيها مِن المرونة والسَّعة يحقِّق في الواقع صلاحيتَها للتطبيق في كل زمان ومكان؛ كما أنَّه يمدُّ المجتمعات بما يواكِب التطورات مِن أحكام شرعيَّة، وإن لم يكن منصوصًا عليها في كتاب الله تعالى وسُنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو يدلُّ عليها إجماع، أو يكون لها نظير في القياس؛ وذلك بما يحقِّق مصالح الأمَّة، ويتفق وقواعدَ الشريعة، ويبرهن أنَّ الإسلام دينٌ ودولة.

وقسَّم المؤلِّف علم السياسة الشرعية إلى خمسة أقسام، وهي:
السياسة الدستوريَّة الشرعيَّة: وهي التي تُقابل القانون الدستوري في النُّظُم الوضعيَّة، وتتعلَّق ببيان علاقة الحاكم بالمحكومين، وبتحديد سُلطة الحاكم وبيان حقوقه وواجباته، وكذا الأفراد والسُّلطات المختلفة في الدولة.

السياسة الدولية: وهي التي تُقابل القانون الدولي العامَّ في النُّظُم الوضعيَّة، وتتعلَّق بعلاقة الدولة الإسلاميَّة بغيرها في حالتَي السِّلم والحرْب.

السياسة الماليَّة: وهي التي تقابل القانونَ المالي في النُّظُم الوضعيَّة، وتتعلَّق بالضرائب، وجباية الأموال، وموارد الدولة ومصارفها، ونِظام بيت المال.

السياسة الاقتصاديَّة: وهي التي تقابل علمَ الاقتصاد في النُّظُم الوضعيَّة، وتتعلَّق بتداول المال، واستثماره، والآراء والنُّظُم الجديدة؛ كالاشتراكيَّة والرأسماليَّة ونحوها.

السياسة القضائيَّة: وهي التي تبْحَث في الوقائع المتعلِّقة بالنُّظم القضائيَّة وطرق القضاء والإثبات، ويُقابلها هذه المباحِث في النُّظم الوضعيَّة قانون المرافعات، وقانون الإثبات، وبعض مباحِث القانون الدستوري.

ثم انتقل المؤلِّف - حفظه الله تعالى - إلى الحديثِ عن بعضِ خصائص النِّظام السِّياسي الإسلامي، وبيَّن أنَّه نظام يتقيَّد بالشرع المنزَّل كتابًا وسُنة، السيادة فيه للشرع والسلطان فيه للأمَّة، فالشرع وحْده الذي يملك تقريرَ الحق والإلزام به، وهو صاحِب الكلمة العليا في أمْر المجتمع والدولة، بحيث لا توجَد سلطةٌ أخرى تُساوي سُلطته أو تدانيها؛ والأمَّة صاحبة الحقِّ في اختيار حاكِمها، وهي التي تحاسبه وتراقبه وتحتسب عليه، وهي أيضًا التي تلِي أمْر عزله عندَ الاقتضاء.

وأوضح المؤلِّف الفرْق الشاسِع بين النِّظام السياسي الإسلامي والنِّظام الثيوقراطي مبينًا أنَّ الثيوقراطيَّة تقوم على دعامتين:
الأولى: التفويض الإلهي للسُّلطة السياسيَّة؛ بمعنى أن يكونَ الحاكِم نائبًا عنِ الله لا عن الأمَّة.
والأصْل في النِّظام الإسلامي أنَّ الحاكم بمثابة الأجير لدَى الأمَّة في عقد الإمامة، ولا يتولَّى عليها إلا بإذنها واختيارها.

الثانية: أنَّ الحاكم في النِّظام الثيوقراطي يختصُّ بحقِّ التحليل والتحريم والتشريع، فكل ما يصدُر عنه مِن أحكام واجب الاتِّباع، لا رادَّ لقضائه ولا معقِّب لحُكمه! وأمَّا التشريع في النِّظام الإسلامي، فهو حقُّ الله الخالِص لا ينازعه فيه منازِع.

وأضاف المؤلِّف: أنَّه ليس في النِّظام الإسلامي استبدادٌ بأيِّ شكل مِن الأشكال، وأنَّ الذين مارَسوا الاستبدادَ في التاريخ الإسلامي لم يكُن النظر إليهم على أنَّهم يُمثِّلون النموذج الإسلامي الرفيع الذي تقرُّه الشريعة المطهَّرة؛ كذلك ليس في النِّظام الإسلامي ما يدلُّ على عدم قَبول التعدديَّة الدينيَّة؛ فالتسامُح هو رُوح النِّظام الإسلامي في كلِّ مجالات الحياة، وهو ما أثار إعجابَ كلِّ منصف.

وأوضح المؤلِّف أنَّ مِن خصائص النِّظام الإسلامي في السياسة والحُكم أنَّه نظامٌ شوريٌّ، وأنَّ السياسة الشرعيَّة تقوم في نظامها على أداء الأمانة وإقامَة العدل.

وعن "مشروعية العمل السياسي في الإسلام" قال المؤلِّف: الإسلام دينٌ ودولةٌ، فإذا أُقيم الدين استقامتِ الدولة، وبإقامة الدِّين واستقامة الدولة تنطلِق الأمَّة في مجالات رحْبة؛ مِن الدعوة والتعليم والحِسبة، وباختلال الدَّولة تختلُّ واجباتٌ دينيَّة جماعيَّة؛ كالجِهاد والقضاء بالعدْل وجمْع الزَّكاة... وغيرها.

ونقَل المؤلِّف مِن كلام أئمَّة السلف الصالِح كابن تيمية والعز بن عبدالسلام والنووي ما يدلُّ على مشروعيةِ العمل السياسي مِن حيثُ الأصل، وعنِ المشاركة في السياسة في هذه الأيام أَبَانَ الدكتور يسري أنَّ هناك مفاسدَ كثيرةً ومشاكلَ عديدةً تكتنف هذا العَمل، ممَّا يجعله بوضعِه الحالي دائرًا في فلك قضايا السياسة الشرعيَّة القائمة على المقابلة بيْن المصالح والمفاسد، والتي قد تختلف فيها الفُتيا باختلاف الزمان والمكان والأحوال.

ثم شرَع المؤلِّف في بيان الأهداف والأغراض الأساسيَّة للعمل السياسي الإسلامي في الوقت الراهِن، ولخصها في:
1- استئناف الحُكم والتحاكُم إلى الشريعةِ الإسلاميَّة.
2- حماية الحقوق والحريَّات الإنسانيَّة الفرديَّة والجماعيَّة.
3- استفاضة الدَّعوة إلى الله وحمايتها.

وأوضح أنَّ الحدَّ الأدنى مِن مطالب الجميع للإصلاح السياسي المعاصر لا يخرج عن:
1- تعديل الدستور؛ فهو الرَّكيزة الأساسية في الدَّولة، ويمثِّل مرجعيتها، وعنه تنبثق القوانين واللوائح، وما دام أنَّه صناعة بشريَّة فيتعيَّن تعديله بما يوافِق الشرع المطهَّر.

2- إلْغاء العمل بقانون الطوارئ سيِّئ السُّمعة، والذي وضَع البلاد على حافة الانهيار، وعرَّضها للانفجار، وألْقى بظلال سوداء على الحياة بأَسْرها.

3- إعادة تنظيم العمليَّة الانتخابيَّة باعتبارها المرآةَ التي تعكس صورةً حقيقيَّة للمجالس النيابيَّة، وتفعيل الإشراف القَضائي عليها.

4- إتاحة الفُرصة لتطوير العمَل الحِزبي وتكوين الأحزاب السياسيَّة؛ ليخرجَ الحزب مِن كونه منبرًا للرأي فقط إلى دَور فاعِل في المجتمع له آلياتُه واتصاله المباشر بالجماهير.

5- القَبول بالتيَّار الإسلامي بكلِّ طوائفه المنضوية تحتَ راية أهل السنة والجماعة كقوَّة فاعلة في المجتمع، وعدَم اضطهاده، أو تجاهله، أو العمَل على عدم استيعابه داخلَ إطار المشروعيَّة.

6- تحريرُ الدَّعوة إلى الله على منهج أهل السُّنة والجماعة مِن قيود الممارسة، وتوسيع رُقعة الحريَّة في التعبير عنِ الرأي.

7- إتاحة الفُرصة والمجال لمراقَبة السُّلطة التنفيذيَّة ومحاسبتها سياسيًّا، وتأكيد استقلال القضاء والإفتاء والأزْهر، بما يَضْمَن عدمَ استغلال المناصب الشرعيَّة لتحقيقِ مصالح شخصيَّة أو فئويَّة.

واشتمَل الفصل الثاني على: "الأصول والركائز التي يقوم عليها الفقهُ الاجتهادي في السياسة الشرعيَّة"، وهذه الأصولُ والقواعد تهدف في جملتها إلى إقامةِ العَدْل الذي لا يتأتَّى على وجهِه إلا بإقامة الشَّرْع، وتحقيق المصلحة التي اعتبرَها الشارع فلمْ يهدرْها، وهذه الركائز هي: فِقه النصوص، وفِقه المقاصد، وفِقه الترجيح عندَ التعارض، وفِقه الواقع، وفِقه التوقُّع.

وتناول المؤلِّف في الفصل الثالث: "حُكم المشارَكات السياسيَّة المعاصرة"، وتحدَّث عن حُكم المشاركة النيابيَّة في المجالِس التشريعيَّة والشوريَّة، وقام بمعالجة هذا الأمْر مبينًا تباين أقوالَ العلماء ما بيْن قائلٍ بالجواز وقائلٍ بالمنْع والحظْر.

وشرَع في بيان أسماء بعض العلماء القائلين بالجواز، وذكر أنَّ عددهم كبيرٌ يصح أن يُطلق عليهم وصف الجمهور في هذا الزمان، وهم ما بيْن قائل بالإباحة، وقائل بالاستحباب أو الوجوب، أو مطلوبيَّة هذه المشاركة في الجملة، ثم سرَد المؤلِّف - حفظه الله تعالى - الأدلَّة التي اعتمَد عليها القائلون بالجواز مِن القرآن الكريم والسُّنة النبويَّة، والقواعِد الأصوليَّة والفقهيَّة والمعقول، ثم ذكَر بعدُ الفتاوى عن هؤلاء العلماء، وكذلك فتاوى المجامع الفقهيَّة؛ وذكر كذلك الضوابطَ التي وضعَها أغلبُ القائلين بجواز المشارَكات السياسيَّة المعاصرة.

وقدْ رجَّح المؤلف أنَّ تلك المشاركات - مع مراعاة الضوابط التي وضعَها العلماء - واجبةٌ في الجُملة، وعلى كلِّ أحد بحسبه، كالدعوةِ إلى الله - عزَّ وجلَّ - وأنَّ الأصل في حُكمها أنها فرْض على الكفاية، فإذا لم تتحقَّق الكفاية ممَّن يقومون بهذه الأعمال والمشاركات، تعيَّن على القادرين أن يبذلوا أنفسهم فيها نصرةً للدِّين، وطلبًا لعز المسلمين.

وأضاف المؤلِّف: وإذا تحقَّق الوجوب الكفائي في هذه الممارسات والمشاركات السياسيَّة في المجالِس التشريعيَّة والشوريَّة، فتحقيقُه فيما دون ذلك مِن المشاركات آكَد.

وأنهى المؤلِّف كتابه بتساؤلات وإجابات حولَ المشاركة السياسيَّة في الوقت المعاصِر.

فجزاه الله خيرًا، وجعَل أعمالَه في موازين حسناته يومَ القِيامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق