الخميس، 23 يونيو 2011

الديمقراطية واستبداد الأقلية

الديمقراطية واستبداد الأقلية

  عبد الرحمن المراكبي
يسعى الكثيرون من نُخبتنا المثقَّفة - مُتمثِّلة في بعض الكُتَّاب - إلى تخويف الناس من الدين؛ بحُجَّة أنه سبيل لاسْتِبداد الحاكم، إلاَّ أنهم - بقصْدٍ أو دون قصد - يُمارسون نوعًا آخرَ من الاستبداد وهو استبداد الأقليَّة؛ ذلك أنهم يدَّعون أنهم أوَّل مَن نادى بالتسامح، وأنهم أصحاب فكرة التعدُّديَّة، وأنهم أصحاب الآراء المتطوِّرة والمستنيرة، وأنهم وحْدهم الذين ينبغي أن يُسمع صوتهم؛ لأن ما عداهم ليسوا من النُّخب، وإنما هم في وجهة نظرهم أصحابُ عقول مُنغلقة.

ويريدون بذلك أن يَرسموا مستقبل الشعب المصري على حسب أمْزِجتهم وأهوائهم، لا على حسب إرادة الشعب، فيَحْجرون عليه، بل ويُشَكِّكون في قُدرته على اختيار الأكفأ والأصلح لقيادة البلاد، والخروج بها من المأْزق الذي تعيش فيه.

ثم هم يُنصِّبون أنفسهم قُضاة يُحاكمون ويُحاسبون الإسلاميين على خطابهم ولُغتهم، بل وأحيانًا أخرى على حُسْن تنظيمهم وشعبيَّتهم، ويَلومون عليهم تمسُّكَهم بثوابت دينهم، ويَدعُون إلى عدم خلْط الدِّين بالسياسة، فالدِّين لله والوطن للجميع، بل وصَل الأمر إلى أن يقول أحدهم: "إيه دخل الله بالسياسة؟!"، فهم يريدون من عموم المسلمين أن يَنسلخوا من هُويَّتهم، وعن عقيدتهم وشريعتهم.

وإذا ما أخطأ أحدُ الإسلاميين في تعبيرٍ ما "فيا وَيْله ويا سواد ليله"،تُنصَب له المحاكمات، في حين أنه إذا ما أخطأ أحدُهم الْتَمَسُوا له ألفَ عُذرٍ، فجلُّ هَمِّهم هو إقصاء الإسلاميين، وتشويه صورتهم؛ حتى يُحقِّقوا ما يريدون، يستخدمون في ذلك كلَّ الأساليب المشروعة وغير المشروعة.

وإذا ما نظرْنا إلى موقفهم من أوَّل تجربة ديمقراطية حدثَت في البلاد بعد الثورة، فإننا نجد تقليلَهم من شأْن الاستفتاء الأخير، ورغْبتهم في التحايُل على نتيجته، ومُطَالَبتهم بتأجيل الانتخابات؛ لخوفهم من حصول فصيل آخر على الأغلبيَّة في البرلمان، وكأنَّ الديمقراطية إن لَم تأْت لي بما أريد، فإني أستطيع تجاهُل نتائجها، ويدَّعون أن الأغلبيَّة التي قالت: "نعم" في الاستفتاء، قد غُرِّر بهم، أو أنهم لَم يكونوا على بيِّنة من أمرهم، وأنَّ هذه الأغلبية لا تُدْرك مصلحة الوطن الحقيقيَّة.

ولا أدري كيف يكون موقف هؤلاء إذا ما أتَت الديمقراطية بالإسلاميين؟ لا شكَّ أنهم سيَنصبون لها المشانق، ويقولون كما قال الإعلامي المشهور: "تولع الديمقراطية إذا أتت بالإسلاميين"، أو يُحرِّضون الجيش حينها على الانقلاب على هذه الديمقراطية كما تمنَّى رجل الأعمال الشهير أيضًا في أحد الحوارات التلفازيَّة.

فإلى نُخبتنا المثقَّفة أقول: كيف تريدون بناءَ دولة ديمقراطية وأنتم لا تعتبرون بأصوات الناخبين؟ إنكم بذلك تَسعون إلى خسارة قضيَّتكم بأيديكم لا بيد عمروٍ أو زيد!

ما يُحزنني حقًّا أن هذه النُّخبة - التي ما زِلْت أحترمها وأقرأ لها، بل وأتعلَّم منها مع اختلافي الشديد معها - لا تُريد أن تُغيِّر فكرتها عن دولة الإسلام، بل إنهم يَخلطون بين استبداد الكنيسة بالحُكم وبين دين الإسلام.

على نُخبتنا المثقفة أن تعلمأنَّ الإسلام قد اكتفَى في مسألة بيان النظام السياسي للدولة بتقعيد جُملة من القواعد، والتأكيد على جملة من المقاصد، غير عامدٍ إلى التقنين التفصيلي، إلاَّ في نطاق ضيِّق، تاركًا لأهْل الحَلِّ والعَقد في كلِّ زمان اختيارَ الأصْلح والأنفع للأُمَّة.

والدولة الإسلامية دولة شرعيَّة لا تَعْرف الاستبدادَ باسم الدِّين، والنظام السياسي الإسلامي لا يُقِرُّ بحالٍ سيطرة الديكتاتور - وإنِ ادَّعى أنه حاكمٌ عادل؛ لأن الحاكم في هذا النظام هو في الأصل محكومٌ بشرْعٍ سماوي، حكيم واضحٍ، يحقِّق مصالح العباد في الدنيا وفي الآخرة، ولا يجوز له أن يخرجَ عن أحكام هذا الشرع، كما أنَّ هذا النظام يقوم في الأساس على العدل والمساواة، وإقرار الحقوق والحريَّات، وإعمال مبدأ الشورى، فالسيادة في الدولة الإسلامية لله تعالى متمثِّلة في أحكام شريعته الخالدة، ولا سيادة ولا وِصاية لفردٍ من الأفراد ولا لطبقة من الطبقات على الأُمَّة.

وبناءً على ذلك، أرجو من النُّخبة المثقَّفة أن تَقِفَ عند هذا الحدِّ من الإساءة إلى كلِّ ما هو إسلامي، وعلى الجميع أن يحترموا أصحاب المواقف الأخرى، فليس بالضرورة أن يقتنعَ الناس برأْيك، ولن تَملِك استلابَ عقولِهم، فاعْرِض رأيك بهدوءٍ، فإن وافَقوا، فحَسَنٌ وجميل، وإن أنْكروا وعارَضوا، فلا تُلِحَّ وتُصِرَّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق