السبت، 30 يوليو 2011

قراءة في كتاب : هذه شريعتنا للدكتور : شهاب الدين أبو زهو


قراءة في كتاب : هذه شريعتنا
للدكتور : شهاب الدين أبو زهو 
إعداد : عبد الرحمن جمال المراكبي

الإسلام منهج حياة؛ دينٌ ودولة، عقيدة وشريعة، لم يأت لوقتٍ دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لِزَمن دون زمن.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا "هذه شريعتنا"، للأستاذ الدكتور/ "شهاب الدين أبو زهو" أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بطنطا - جامعة الأزهر، وأصل هذا الكتاب عبارةٌ عن مجموعة من الخُطَب قد ألقاها المؤلِّف في مسجد الهداية بحي "بولكلي" بمدينة الإسكندرية.

وقد بيَّن فيه المؤلِّف أنَّ الشريعة الإسلامية قد جاءت كاملة لا نَقْص فيها، جامعةً تَحْكُم كلَّ حالة، مانعة لا تخرج عن حكمها مسألةٌ، شاملة لِشُعَب الحياة كلِّها؛ في العقيدة وما يتَّصِل بها مِن عالَم الغَيْب وأمور الآخرة، وفي العبادات وكيفيَّتِها وتفصيلاتها، وفي المعاملات اللاَّزمة لحياة الجماعة وتبادُل المنافع، وفي حياة الأسرة منذ تكوين نواتها الأولى في بناء الحياة الزوجيَّة، وما يتلو ذلك من العِشْرة، وفي شؤون الحكم وأسُسِه، وتَبِعاته، وواجبات كلٍّ من الرَّاعي والرعية، وفي القضايا الماليَّة والاقتصادية والإدارية، وفي حالات الحرب والسِّلم والعلاقات بالأُمَم الأجنبيَّة، وفي الحياة الخاصة للفرد في أكلٍ وشرب، ولباسٍ وكلام، ونحو ذلك.

وقد صِيغت شريعة الإسلام بحيث لا يؤثِّر عليها مرورُ الزمن، ولا يَقتضي تغييرَ قواعدِها الأساسيَّة، فجاءت نصوصُها من العموم والمرونة بحيث تحكم كلَّ حالة جديدة، ولم يكن في الإمكان توقُّعُها.

وقد نزلت الشريعة الإسلامية لتسع حياة الإنسان من كلِّ أطرافها، وبكل أبعادها فلا تضيق بالحياة، ولا تضيق الحياةُ بها، وحَسْبُنا أنَّ الذي شرَعها أراد لَها أن تكون كذلك.

وقد قسَّم المؤلف كتابه إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: "دين وشريعة"، واشتمل على التعريف بالشريعة، وبيان علاقتها بتوحيد الألوهيَّة، والرُّبوبيَّة، والأسماء والصِّفات، وعلاقتها بالإيمان والإسلام، وبيان الصِّفات الخمس التي يقوم عليها حكمُ الله بإنزال الشريعة، وهي: العِلم، والعدل، والإتقان، والحكمة التي تحيط بمقاصد التشريع، والخيريَّة.

وفي الفصل الثاني: تحدَّث المؤلِّف عن "خصائص الشريعة الإسلاميَّة"، فبدأ بالربَّانية، مُبينًا أن الشريعة الإسلامية قد نزلت من عند الله - عزَّ وجلَّ - ولذلك فهي شريعة كاملة عادلة، لا ظُلْم فيها ولا جَوْر، معصومة من النَّقص والخطأ، لذا يجب تقديسها واحترامها، وقَبولُها كاملةً بغير تجزئة.

ثم تحدَّث المؤلِّف عن الخصيصة الثانية من خصائص الشريعة الإسلاميَّة، وهي "الشُّمول"؛ أيْ: إنَّها شاملة لكلِّ مناحي الحياة، وميادين النشاط البشري، فما من حالٍ ولا واقعة من الوقائع والأحوال إلاَّ وللإسلام حكمٌ فيها؛ فالإسلام ينظِّم حياة البشر في مختلف الجوانب؛ العقديَّة، والتعبُّدية، والجنائيَّة، والأحوال الشخصية، وفي الحُكم، والاقتصاد، والعلاقات الدولية.

ولم يكتفِ المؤلف الكريم بالاستدلال على شمول الإسلام بالآيات والأحاديث والآثار، وإنَّما أورد كلامًا لبعض المستشرقين المُنْصِفين من غير المسلمين، تدلِّل على هذا الأمر.

وانتقل الكاتبُ إلى الحديث عن خصيصة أخرى من خصائص الشريعة، وهي "الأخلاق"، فبيَّن أنَّ الإسلام في جوهره رسالة خُلقيَّة بكل ما تَحْمله كلمةُ الأخلاق من عمقٍ وشمول وعموم، وأنَّ الأخلاق متغلغلةٌ في كيان الإسلام كلِّه؛ في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والسِّياسة والاقتصاد، والسِّلم والحَرْب... وشرَع المؤلف - حفظه الله - في سرد الآيات والأحاديث والآثار الدالَّة على ذلك.

ثم انتقل إلى الحديث عن: "الوسطيَّة في شريعة الإسلام"، وبيَّن أن شريعة الإسلام تقوم على التوسط والتوازن، دون غلوٍّ أو تقصير، أو طغيانٍ أو إخسار؛ فقد جاء الإسلام بالوسط بين المثاليَّة والواقعية، بين الربَّانية والإنسانية، بين الفرديَّة والجماعية، بين الثبات والتغيُّر، فلم يُعْلِ شأن الفرد على حساب الجماعة والأمَّة، ولم يعلِ أمر الجماعة والأمة على حساب الأفراد، كذلك فإنه لم يكن مثاليًّا يُحلِّق في عالم الرُّوح، ولا ماديًّا يَهْبط إلى عالم المادة والحيوان.

وكعادته؛ شرعَ المؤلِّف - حفظه الله - في بيان الآيات والأحاديث الدالَّة على وسطيَّة الشريعة الإسلامية، ثم تحدَّث عن مظاهر الوسطيَّة في الشريعة.

وعن خامس هذه الخصائص تحدَّث الدكتور "أبو زهو" عن: "التيسير ورَفْع الحرَج، ودَفْع المشقَّة في الشريعة"، وذكَر الآياتِ والأحاديثَ الدالَّة على ذلك، وتحدث عن مرتَكزات اليُسر في الشريعة، وعن المَعالِم التي يتبيَّن فيها يُسْر الشريعة الإسلاميَّة في العقيدة والعبادات والمعاملات، والدَّعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ.

ثم تحدَّث عن: "عالَمِيَّة شريعة الإسلام" للإنسان أيًّا ما كان جنسه أو لونه، أو وطنه أو زمانه، وعن التدرُّج في التشريع حتَّى تكون الشريعة صالحةً لكلِّ زمان ومكان، وعن وضوح وجلاءِ الشريعة لجماهير المؤمنين المنتسبين إلى دين الإسلام؛ فشريعة الإسلام واضحةٌ في أصولها وقواعدها، ومناهجها ووسائلها، وفي أصولها ومَنابعها.

كما أنَّ مِن خصائص الشريعة الإسلاميَّة خصيصةَ التَّناسق والتكامل، والانسجام والتوافق بين جميع أجزائها؛ فهي وَحْدة تامَّة منسجمة، متَّفِقة مع بعضها، لا يصطدم بعضها ببعض، ولا يتنافر جزءٌ مع الآخر، ولا يختلف فيها طرَفٌ مع الآخر.

كذلك من خصائص الشريعة الإسلامية: أنَّها شريعة الإنسانيَّة؛ فهي ترفَعُ قدر الإنسان وتُعلي مكانته، وتَسْمو به، وتحرِّره وتكرمه، وتسعده وتحافظ على كافَّة حقوقه، فلا تُنتهك حرمته، ولا يُعتدى على حرِّيته، ولا يُمتهَن ولا يُذلُّ، ولا يصل إليه أحد بِظُلم.

وقد نبَّه المؤلِّف على أن الإنسانيَّة التي جاء بها الإسلام لا تَعْني مخالفة عقيدة الولاء والبراء؛ فالمُؤمن يُوالي الله تعالى وحِزْبَه المؤمنين، ويتبَرَّأ من كلِّ ما يُبغضه؛ وهذا لا يتصادم مع مبدأ الإنسانيَّة التي تَعني أن نتَعامل مع الناس جميعًا باحترام - إلاَّ مَن حاربنا - كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

كما نبَّه الشيخ على أن الماسونيِّين والعلمانيين واللِّيبراليين يَدْعون إلى هذا المبدأ، إلاَّ أن الإنسانيَّة عندهم تعني نَبْذ الدِّين، وخَلْطَ الحقِّ بالباطل، والمساواةَ بين دين الحقِّ وبين دين الشيطان، وهذا أمرٌ غير صحيح، بل مُنافٍ لأصول الشَّريعة.
وفي الفصل الثالث: تحدَّث المؤلف الكريم عن: "أُسس الشريعة الإسلاميَّة"؛ فتحدَّث عن "العدل" ومفهومه، وأقسامِه باعتبار الزَّمان والمكان، وباعتبار الشمول والعموم، وعن العدل في القول والحكم والقضاء، وذكر الأمثلة على كلامه، وتحدَّث عن: "الحُرِّية في الإسلام"، وعن أنواعها باعتبار حرِّيات الفرد من الناحيتين المادِّية المعنوية.

وبيَّن المؤلِّف أن الحُرِّية في الإسلام منضبِطةٌ بضوابط، ومقيَّدة بقيودٍ، منها:
ألا تُفضي الحرِّيةُ - حال مُمارستها - إلى الإخلالِ بنِظام المُجتمع العامِّ، وألا تُفوِّتَ حقًّا أعلى منها؛ فلِلفرد أن يقوم بما يُريد باختياره وإرادته، إلاَّ إذا صادم اختيارُه مصلحةً أعلى تتعلَّق به، أو بالجماعة، وألاَّ تضر حريَّةُ الفرد بالآخرين من شُرَكاء المُجتمع.

وعن مبادئ وقواعد الحرِّية في الإسلام؛ بيَّن المؤلِّف أنَّها تَمتاز بالثَّبات والاستقرار، وكذلك بالحقِّ المُطْلَق والعدالة المطلَقة، كما أنَّها تُحارب وتنكر الشرَّ الذي حكَم الله تعالى عليه بأنه شرٌّ، وتعمل على تحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، وتحرِّر المرء من جميع المؤثِّرات الخارجيَّة التي تقلِّل من حريَّتِه وحرية اختياره وقراره، وتمرُّ بصاحبها على كلِّ ما هو جميل أو طيِّب.

وعن الأساس الثالث من أسُسِ الشريعة الغرَّاء يتحدَّث المؤلف عن "المُساواة"، وعن الإعلان الإسلاميِّ لحقوق الإنسان، وأنَّه ليس هناك شريفٌ لأجل لُغَتِه أو لونِه أو جنسِه، أو نَسَبِه أو حسَبِه، أو وَضْعِه أو منصبه، أو جاهِه أو مُلكِه، أو ما شابه ذلك.

وتحدَّث المؤلفُ عن بعض صُوَر المساواة في الإسلام: في الأحكام الشرعيَّة، وفي الحقوق، وأمام القضاء، وذكَر بعض الأقوال التي شَهِد بها الغربيُّون في قضية المساواة، ثم ذكَر بعض فقرات مبادئ المساواة في الإعلان الإسلاميِّ لحقوق الإنسان الذي كُتِب على غرار الإعلان العالَميِّ لحقوق الإنسان، وتَمَّت الموافقة عليه من قِبَل منظَّمة المؤتمر الإسلامي في عام 1409هـ - 1989م.

واشتمل الفصلُ الرَّابع: على "مقاصد الشريعة الإسلاميَّة"، وبيَّن فيه المؤلِّفُ المقاصدَ الدِّينية والاجتماعية والاقتصادية، كما اشتمل على التعريف بالمصلحة الشرعيَّة، وأقسامِها من حيثُ اعتبارُها وعدَمُ اعتبارِها، وكذلك تقسيمها باعتبار الثَّابت والمتغيِّر، وباعتبار العموم والخصوص، وباعتبار القوَّة.

واشتملت الخاتمة على بيان خُلاصة ما جاء في الكتاب من أنَّ الشريعة الاسلامية شريعة إلهيَّةُ المصدر، ولذا فهي معصومةٌ من الخطأ والزَّلل، محفوظةٌ من التبديل والتغيير، وأنَّها مستقلَّة عن باقي الشرائع أو النُّظم القانونية البشريَّة، وأنَّها شريعة مقدَّسة، ينبغي للمسلم أن يَحْمِل في نفسه توقيرَها، ويَحْذر من مُخالفتها.

وأفاض المؤلِّف الكريم في تقرير وبيان أنَّ الشريعة الإسلامية هي الأفضل والأشمل لإدارة الحياة، وبيَّن أنَّها تمتاز على القوانين الوضعيَّة بثلاث ميزات جوهريَّة:

الميزة الأولى: الكمال: فقد استَكملَتْ كلَّ ما تحتاجه الشريعةُ الكاملة من قواعد ومبادئ ونظريَّات؛ لسدِّ حاجات البشر في الحاضر والمستقبل.

الميزة الثانية: السُّمو: فقواعدها ومبادئها أسْمَى دائمًا من مستوى الجماعة، وأنَّ فيها من المبادئ والنظريات ما يَحْفظ لها هذا المستوى السَّامي مهما ارتفع مستوى الجماعة.

الميزة الثالثة: الدَّوام: فهي تمتاز بالثَّبات والاستقرار؛ لأنَّ نُصوصها لا تَقْبل التَّعديل والتبديل، مهما مرَّت الأعوام وطالت الأزمان؛ وذلك لأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قد أراد لها هذا الأمر، وجعلها تمتلك من الخصائص التي تجعلها صالحةً لحياة الانسان مهما ترقَّتِ الحياة وتطوَّرت.

ويختم المؤلف بقوله: "وبِما سبق كلُّه؛ يتأكَّد لدى الجميع صلاحيةُ الشريعة الإسلامية وحْدَها لكلِّ زمان ومكان، وخلوُّها من النَّقائص والعيوب الموجودة في الشرائع الوضعيَّة، ومن ثَمَّ أحقيتها في حُكم البشر وسيادتِهم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق