الاثنين، 31 أغسطس 2009

فضائياتنا في رمضان

فضائياتنا في رمضان
عبد الرحمن جمال المراكبي
أقبل شهر رمضان ، شهر الخيرات ، شهر يتزيّن الكون لاستقباله وتنبض القلوب فرحاً وشوقاً للقائه ، فُتِّحت أبواب الجنة ، وغلِّقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين ومردة الجان ، ينادي المنادي : يا باغي الخير أقبل, ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار ، وذلك في كل ليلة .
ومع هذه البركات ابتُلِيَ العبد المسلم بما يعكر عليه نهار رمضان وليله، فلم يعد شهر رمضان شهر العبادة وإنما أصبح رمضان يرتبط في الأذهان بأشياء أخرى في مقدمتها الفوازير والمسلسلات وخيام اللهو واللعب .
في زمن كثرت فيه وسائل الإعلام ، أغفل القائمون عليها الدور الحقيقي لها وهو تثقيف وتوعية المجتمع، وقاموا بدور آخر يتنافى تمامًا مع القيم والمبادئ الإسلامية ، وأصبح همها وشغلها الشاغل عرض الأفلام والمسلسلات والفوازير والأغاني الهابطة وذلك لجذب المشاهدين أطول فترة ممكنة ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد استغلوا شهر رمضان المبارك لعرض هذه المواد التي تسيء إلى كل مسلم، وتؤدي إلى فساد المجتمع وتضيع الأجور، قاموا بتحويل هذا الشهر الكريم من شهر للتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله عز وجل إلى شهر تعرض فيه الفوازير الخليعة والمسلسلات وغيرها من البرامج الفاشلة التي تساهم في إفساد الشباب وإشغالهم عن عبادة الله عز وجل وصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك من العبادات .
وأقول للمسئولين والقائمين عن برامج الفضائيات : اتقوا الله فيما يُقدم من برامج لجمهور المشاهدين ، حتى لا تحملوا إثم أنفسكم، وإثم المشاهدين معكم وتذكروا قول الله تعالى: [ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ]
والحقيقة ، أن التلفاز سلاح ذو حدين له جانبين : جانب مضيء وآخر مظلم، فقد من الله تبارك وتعالى علينا بالقنوات الدينية النافعة التي تقدم أنواعًا من الإعلام الراقي حيث وصلت إلى أكثر البيوت ، وخاطبت أكبر الشرائح ، فهي تحمل رسالة تفقيه الناس بأمور دينهم، والرقي بهم نحو الأفضل في عباداتهم وعلاقاتهم وثقافتهم وجميع شؤون حياتهم.
فعلى المسلم أن يحتاط لدينه، حتى لا يبطل صومه، ولا يذهب أجره، ويُحرم من الثواب العظيم في هذا الشهر الكريم .

الخميس، 27 أغسطس 2009

ليلة القدر خير من آلف شهر

ليلة القدر خير من آلف شهر
اعداد د . جمال المراكبى
رئيس مجلس علماء الجماعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فلقد منَّ الله تبارك وتعالى على أمة محمد بأن اختصها على غيرها من الأمم بخصائص عديدة، من هذه الخصائص تلك الليلة المباركة التي هي خير ليالي العام على الإطلاق، والتي نزل فيها القرآن الكريم، ويُكتب فيها ما يكون في سنتها من موت وحياة ورزق ومطر، وقد جعل الله عز وجل العبادة فيها هي خير من عبادة ألف شهر، قال تعالى «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ» سورة القدر
فضل ليلة القدر :
وفضائل ليلة القدر كثيرة وعظيمة من حُرم خيرها فهو المحروم حقاً، ومن وفقه الله عز وجل لقيامها فهو الفائز السعيد، ومن فضائل ليلة القدر أنها ليلة مباركة نزل فيها القرآن الكريم على النبي ، قال تعالى «إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ» الدخان ، ، وقال تعالى «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ» القدر فيها تكتب الآجال والمقادير، قال تعالى «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» وعن ربيعة بن كلثوم قال سأل رجل الحسن ونحن عنده فقال يا أبا سعيد أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي ؟ قال إي والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كل شهر رمضان إنها ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم فيها يقضي الله عز و جل كل خلق وأجل وعمل ورزق إلى مثلها الإبانة لابن بطة وعن مجاهد في قوله تعالى «يمحو الله ما يشاء ويثبت»، قال إن الله ينزل كل شيء في ليلة القدر فيمحو ما يشاء من المقادير والآجال والأرزاق، إلا الشقاء والسعادة فإنه ثابت العمل فيها خير من عمل ألف شهر، قال تعالى «لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» القدر أن قيام ليلها سبب لغفران الذنوب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رسول الله «من قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه»ِ متفق عليه من حرمها فقد حُرم، فعن أنس بن مالك قال دخل رمضان فقال رسول الله إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم صحيح سنن ابن ماجه أن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى يقبل الله التوبة فيها من كل تائب وتفتح فيها أبواب السماء وهي من غروب الشمس إلى طلوعها وعلى كل من الحائض والنفساء أن تحسن العمل طوال الشهر حتى يتقبل الله منهن، ولا يحرمهن فضل هذه الليلة، قال جويبر قلت للضحاك «أرأيت النفساء والحائض والمسافر والنائم لهم في ليلة القدر نصيب؟»، قال «نعم، كل من تقبل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر» شؤم المشاجرة والملاحاة رفعت معرفة ليلة القدر بسبب الشجار والمخاصمة والتنازع فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، «فَقَالَ إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالخَمْسِ» فالتنازع والتشاجر سبب في رفع البركة وفي رفع الخير الذي يحدث لهذه الأمة
الاختلاف في تحديد ليلة القدر
اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وقد أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح أكثر من أربعين قولاً فيها، منها أنها رُفعت، ومنها أنها في جميع السنة، ومنها أنها في جميع ليالي رمضان، ومنها أنها أول ليلة من رمضان، وأنها ليلة النصف، وأنها ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين وغير ذلك من الأقوال
دليل من قال هي ليلة إحدى وعشرين
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الوُسْطَى مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ صُبْحَهَا مِنِ اعْتِكافِهِ، قَالَ مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مِعِي، فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ مِنْ صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَالتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ انْصَرَفَ عَلَيْنَا، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ لَيْلَةِ إِحْدَى ولهذا كان أبو سعيد يقول إن ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين استناداً إلى هذا الحديث عن النبي
دليل من قال هي ليلة ثلاث وعشرين
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ رضي الله عنه قلتُ لِرَسُولِ اللَّهِ إِنَّي أَكُونُ بِبَادِيَتِي، وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ أُصَلِّي بِهِمْ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ أَنْزِلُهَا إِلَى المَسْجِدِ، فَأُصَلِّيهَا فِيهِ، فَقَالَ انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرينَ، فَصَلِّهَا فِيهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَسْتَتِمَّ آخِرَ الشَّهْرِ فَافْعَلْ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ فَكُفَّ، قَالَ فَكَانَ إِذَا صَلَّى العَصْرَ، دَخَلَ المَسْجِدَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلا فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ، كَانَتْ دَابَّتُهُ بِبَابِ المَسْجِدِ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ القَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «كَمْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ، قُلْنَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ، وَبَقِيَ ثَمَانٍ، فَقَالَ مَضَى اثْنَتَانِ وَعِشرُونَ وَبَقِيَ سَبْعٌ، اطْلُبُوهَا اللَّيْلَةَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُون»َ
دليل من قال هي ليلة سبع وعشرين
عَنْ زِرٍّ، قَالَ قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَبَا المُنْذِرِ أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، قَالَ فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، يَقُولُ مَنْ يَقُمِ الحَوْلَ يُصِبْهَا، فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ، فَتَتَّكِلُوا، هِيَ وَالَّذِي أَنْزَلَ القُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْنَا يَا أَبَا المُنْذِرِ، أَنَّى عَلِمْتَ هَذَا ؟ قَالَ بِالآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ ، فَحَفِظْنَا وَعَدَدْنَا، هِيَ وَاللَّهِ لا نَسْتَثْنِي، قَالَ قُلْنَا لِزِرٍّ وَمَا الآيَةُ ؟ قَالَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، كَأَنَّهَا طَاسٌ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ هذا والراجح أنها في العشر الأواخر من رمضان فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» وعَنْها أَنَّ النَّبِيَّ ، قَالَ «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنْ عَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ» قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّاهَا المُؤْمِنُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ جميعها كَمَا قَالَ النَّبِيُّ «تَحَرَّوْهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ» وَتَكُونُ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ أَكْثَرَ وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ كَمَا كَانَ أبي بْنُ كَعْبٍ يَحْلِفُ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ اهـولا شك أن الحكمة في إخفاء ليلة القدر أن يحصُل الاجتهاد فى التماسها وطلبها علامات ليلة القدر ورد لليلة القدر علامات منها أنها ليلة بلجة منيرة، وأنها ساكنة لا حارة ولا باردة، وأن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر
طلب العفو والعافية في ليلة القدر
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي ماذا أقول إن وافقت ليلة القدر ؟ قال لها النبي «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ولو تأملت أخي في جواب النبي تجد أن هذه الكلمات تجمع للإنسان خيري الدنيا والآخرة، بأن يسلم من البلاء في الدنيا ومن العذاب في الآخرة، فإذا عوفي الإنسان في دنياه وآخرته كان مآله إلى الجنة ولا بد فبالعافية تندفع عنك الأسقام ويقيك الله شرها ويرفعها عنك إن وقعت بك، وبالعافية يقيك الله شر ما لم ينزل من البلاء، وتستشعر نعمة الله عليك، وقد علمنا النبي أن نقول عند رؤية المبتلى سواء في دينه أو في بدنه وأهله وماله الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا وبين لنا أنها بمثابة المصل الواقي من طروء مثل هذا البلاء، فمن قالها عند أهل البلاء لم يصبه ذلك البلاء وقد ثبت عن النبي أنه كان يسأل ربه العفو والعافية والستر والأمن والحفظ في كل يوم و ليلة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي» الأدب المفرد وسنن الترمذي، قال الشيخ الألباني صحيح وأتى النبيَ رجلٌ فقال يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه الغد فقال يا نبي الله؛ أي الدعاء أفضل قال سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة فإذا أُعطيت العافية في الدنيا والآخرة، فقد أفلحت قال الشيخ الألباني صحيح
ليلة الإسراء و ليلة القدر
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل قال ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، وقال آخر بل ليلة القدر أفضل فأيهما المصيب ؟ فأجاب
الحمد لله، أما القائل بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، فإن أراد أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي ونظائرها من كل عام، أفضل لأمة محمد من ليلة القدر، بحيث يكون قيامها، والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر فهذا باطل، لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها، فكيف ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر
ليلة القدر وليلة النصف من شعبان
روي عن عكرمة رحمه الله أنه قال في تفسير قوله تعالى «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان، يبرم فيها أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْر»، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ» ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن في رمضان ا هـ والحق أن هذه الليلة المبارك هي ليلة القدر، لا ليلة النصف من شعبان، لأن الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله «فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ» وبينها في سورة البقرة بقوله «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ» وبقوله تعالى «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْر» فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان لاشك أنها دعوى باطلة، لمخالفتها النص القرآني الصريح، ولاشك أن كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به ابن العربي وغير واحد من المحققين، فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتاب ولا سنة صحيحة عن أبن أبي مليكة قال قيل له أن زياداً النميري يقول إن ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر فقال ابن أبي مليكة لو سمعته منه وبيدي عصا لضربته بها فعلى المسلم العاقل أن يطلب ليلة القدر، ويجتهد فيها قدر الإمكان حتى يحوز ذلك الفضل العظيم، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال قال رسول الله «اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله عز وجل نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله عز وجل أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم» وعن محمد بن مسلمة قال قال رسول الله «إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبداً» اللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، واجعلنا من عتقائها يا رب العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

رمضان خطوة نحو التغيير


رمضان خطوة نحو التغيير
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد ..فمن فضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لها مواسم للخيرات ، تتهيأ فيها النفوس إلى عمل الصالحات ، وتُقبل فيها القلوب على الله راجية أن تنال عفوه ورضاه .ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان المبارك ، وقد شرع الله تعالى لنا صيام رمضان حتى نغير فيه من أنفسنا فنحبسها عن الشهوات، ونفطمها عن المألوفات.
- فرمضان خطوة نحو التغيير لمن كان مفرطاً في صلاته ، فلا يصليها مطلقاً ، أو يؤخرها عن وقتها , أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد بأن يواظب على أداء الصلوات في أوقاتها مع جماعة المسجد ، فأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ، فإذا صلحت صلح سائر عمله ، وإذا فسدت فسد سائر عمله .
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الإسفاف في الكلام أن يغير من نفسه فلا يتكلم إلا بخير ، ولا يقول إلا خيراً فالكلمة الطيبة صدقة ، وحفظ اللسان طريق لدخول الجنة والنجاة من النار ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم » [ صحيح البخاري كتاب الرقاق حديث 5997 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن خاصم أحداً من الناس أن يعفو ويصفح ، قال تعالى : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ سورة البقرة : 109 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير للغارقين في بحور الذنوب والمعاصي أن يسارعوا بالتوبة والرجوع والإنابة لله سبحانه وتعالى فهو سبحانه {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [ غافر : 3 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن هجر قراءة وحفظ القرآن الكريم وتدبره والعمل بما فيه ، بأن ينتهز شهر القرآن فيحدد لنفسه ورداً معيناً يحافظ عليه في كل يوم .
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الشح والبخل أن يكثر من الصدقات فالله سبحانه وتعالى يربي الصدقة لصاحبها حتى تصير مثل الجبل ، قال تعالى : {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } [ سورة البقرة : 276 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير للغافلين عن ذكر الله تعالى أن يكثروا من الذكر آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الأحزاب :41 ، 42]وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الذكر فقال : « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ » [ رواه الترمذي 3702 ]
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الكذب أن يترك هذه العادة السيئة ويتحلى بالصدق ، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم :أيكون المؤمن كذاباً ؟ قال : لا ، وقال : « ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا » [ مسند أحمد 3896 ].
- رمضان خطوة نحو التغيير لمن قطع رحمه أن يصلها ، فصلة الرحم تزيد في الرزق وتطيل العمر ومن وصلها وصله الله تعالى .
أخي الكريم : حتى تقوم بالتغيير يجب عليك أن تواجه نفسك بأخطائها ومعاصيها ، ولا تتنصل من تلك الأخطاء بأن تجد لها المبررات ، واعلم أنك لن تُصلح من شأنك إلا إذا كنت عازماً ومصراً على التغيير ، فلتكن جاداً في تغيير نفسك من الآن ، ولا تؤجل ولا تسوف .

لا تقل : من أين أبدأ طاعه الله البداية 
لا تقل : أين طريقي شرعة الله الهداية 
لا تقل : أين نعيمي جنة الله كفاية 
لا تقل : في الغد أبدأ ربما تأتي النهاية

واعلم أن البداية عليك وعلى الله التمام ، يقول الله تعالى : « ابن آدم ، قم إلي أمشي إليك ، امش إلي أهرول أليك » [ أحمد ( 3 / 478 ) ، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2287 ]فاستعن بالله أولاً وأخيراً ، ولتكن لك إرادة وعزيمة قوية في أن تغير نفسك إلى الأفضل ، واعلم أن التغيير لا بد أن يبدأ من أعماق نفسك ، واعلم أن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فدرب نفسك وعودها على الطاعة ، واستعن بالله عز وجل واطلب منه أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وليكن شعارك :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى         فما انقادت الآمال إلا لصابر

وإذا تهت عن الطريق فعُد من جديد ، وتُب إلى الله ، افتح صفحة جديدة في حياتك ، وجدد نيتك ، واعلم أنك إذا لم تنجح في تغيير نفسك في رمضان فإنك لن تقدر على التغيير، بل أظنك لا تريد التغيير، فأنت من المحرومين والخاسرين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ » [ مسند البزار 1405 ].
وأخيراً : لا بد من أن يكون لك هدف واضح تريد الوصول إليه ، تعيش من أجله ، وتجعله دائماً نُصب عينيك ، ولا شك أن أعظم وأسمى هدف يسعى إليه المؤمن في هذا الشهر الكريم أن يعتق الله رقبته من النار .
فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين في هذا الشهر الكريم.

الاثنين، 24 أغسطس 2009

رمضان : خصائص ولطائف

رمضان : خصائص ولطائف
صفوت الشوادفي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم ؛ إمام الصائمين والقائمين والعاكفين والصالحين … وبعد : فقد أظلنا شهر كريم مبارك ، كتب الله علينا صيامه ، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه ، فيه تفتح أبواب الجنة ، وتُغلق أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، من صامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم ، وقد بارك الله في هذا الشهر ، وجعل فيه من الخصائص واللطائف ، والعبر ما ليس في غيره من الشهور . فمن لطائفه وعجائبه أنه أسرع قادم ، وأسرع ذاهب ، فإن شهور السنة - وهي جزء من عمر الإنسان - تمر مرّ السحاب ، ولا نشعر بذلك إلا بقدوم رمضان لسرعة عودته بعد رحيله . وهو أسرع ذاهب ، لأنه ما أن يبدأ حتى ينتهي ، وتمر أيامه ولياليه مرور النسيم تشعر به ولا تراه . وأعجب من ذلك كثرة دموع التائبين التي تنهمر في ليل رمضان كأنها سيل جاري ، أين كانت هذه الدموع الغزيرة عبر شهور كثيرة قد مضت وانقضت ؟ لقد حبستها المعاصي ، وسجنها القلب القاسي ، ثم أطلقتها التوبة فسالت وانحدرت من مآقيها لتنقذ العين من عذاب الله ؛ لأنها بكت من خشية الله ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) [ رواه الترمذي ( 1639 )] . وفي رمضان يقبل المسلمون في المشارق والمغارب على القرآن ، في الليل والنهار ، ويتنافسون على تلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة ، يدفعهم إلى ذلك رجاء رحمة الله ، والخوف من عذاب الله . كما يختص رمضان دون غيره من الشهور بكثرة التائبين والعائدين إلى الله ، فهو شهر توجل فيه القلوب ، وتدمع العيون ، وتقشعر فيه الجلود ، وهذه الصفات الثلاثة كانت ملازمة للجيل الأول في كل شهور العام ، كما أن هذه الصفات قد جعلها الله عز وجل علامة صادقة على الإيمان ؛ فقال سبحانه وتعالى عن الصفة الأولى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) [ الأنفال : 2] . وقال في الثانية : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) [ الزمر : 23] . وقال عن الثالثة : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ ) [ المائدة : 83] ، وقد أثمر هذا الإيمان الراسخ ، واليقين الكامل عند السلف الصالح مجموعة من الخصال التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والتي لا تجتمع أبدًا إلا في مؤمن صادق ، ويجمعها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله : ( ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذ الناس مفطرون ، وبحزنه إذ الناس يفرحون ، وببكائه إذ الناس يضحكون ، وبصمته إذ الناس يخوضون ، وبخشوعه إذ الناس يختالون ) . إنها : قيام ليل ، وصيام النهار ، وحزن وندم على التفريط والإسراف على النفس ، وبكاء من شدة الخوف ، وصمت يحفظ من الزلل ، ويدعو إلى التفكر والتدبر ، وخشوع محاط بذل العبودية لله رب العالمين . ويجتمع في رمضان من صنوف البر ، وأوجه الخير أنواع كثيرة وافرة وكلها أبواب مفتوحة على الجنة ، مفضية إلى رضوان الله ، ومع كثرة الأبواب ووفرتها فإن المسلم قد يطرق بابًا واحدًا ويغفل عن بقيتها ! فيحرم نفسه ، ويضيع عمره هباءً !! قد يصوم ولا يقوم ، أو يقوم ولا يتصدق ، أو يتصدق ولا يقرأ القرآن ، أو يصوم بطنه ولا تصوم جوارحه ، أو يصوم النهار ولا يصوم الليل ! فيمتنع عن الحلال نهارًا ( الأكل والشرب ) ، ويفطر على المعاصي ليلاً ( الدخان والفيلم ) ، وإذا غلبك شيطانك في رمضان فإنك لن تغلبه غالبًا في غيره !! إلا أن يشاء الله . ومن أعظم القربات ، وأجلّ الطاعات التي غفل عنها الغافلون : تقديم النصيحة للمسلمين ، ودعوتهم إلى الخير ، وتعليم جاهلهم ، وتذكير غافلهم ، فإن الدال على الخير كفاعله ، وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يرون النصيحة والموعظة أعظم أجرًا ، وأبقى نفعًا من الصدقة !! كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى القرضي : أما بعد : فقد بلغني كتابك تعظني ، وتذكر ما هو لي حظ ، وعليك حق ، وقد أصبت بذلك أفضل الأجر ، إن الموعظة كالصدقة ، بل هي أعظم أجرًا ، وأبقى نفعًا ، وأحسن ذخرًا ، وأوجب على المؤمن حقًا لكلمةٌ يعظ بها الرجل أخاه ليزداد بها في هدًى رغبةً خيرٌ من مال يتصدق به عليه ، وإن كان به إليه حاجة ، ولما يدرك أخوك بموعظتك من الهدى خير مما ينال بصدقتك من الدنيا … ولأن ينجو رجل بموعظتك من هلكة خير من أن ينجو بصدقتك من فقر !! وفي رمضان تقبل الأمة الإسلامية بكل شعوبها على الله إقبالاً لو استقامت عليه لنصرها الله على أعدائها ، وأورثها سعادة الدنيا ، ونعيم الآخرة ! لكن الواقع يشهد أن كثيرًا من المسلمين يكون مع الطاعات في كرّ وفرّ ؛ فهو بين الإقبال والإدبار ، فهل من عودة صادقة واغتنام لفرصة سانحة قبل أن تتمنى ساعة واحدة من ساعات الدنيا فلا تُعطاها : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ( 99 )لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ) [ المؤمنون : 99 ، 100] ، وإن أكثر شيء في الأحياء الغفلة ، وأكثر شيء في الأموات الندم على ما فات ! فيا أيها المقبول هنيئًا لك بثواب الله عز وجل ورضوانه ، ورحمته وغفرانه ، وقبوله وإحسانه ، وعفوه وامتنانه . ويا أيها المطرود بإصراره ، وطغيانه ، وظلمه وغفلته ، وخسرانه ، وتماديه في عصيانه ، لقد عظمت مصيبتك ، وخسرت تجارتك ، وطالت ندامتك ، فأدرك نفسك قبل أن تكون من القائلين ( يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) [ الفجر : 24] ، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا وسائر أعمالنا الصالحات ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه

بين السحور والفطور

بين السحور والفطور
بقلم فضيلة الشيخ صفوت الشوادفي - رحمه الله - الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ، فقد أظلنا شهر رمضان من جديد ، وأشرقت أنواره ، وحلَّت بركاته ، وكثرت حسناته ، وقلَّت سيئاته . والناس فيه منهم من هو سابق بالخيرات تارك للمحرمات ، مقيم على الطاعات ؛ يبكي ذنوبًا قد فعلها ، وسيئات قد اقترفها وهؤلاء هم الذين حبب الله إليهم الإيمان ، وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان . ومن الناس سفهاء وجهال يستثقلون رمضان ، وكثير منهم لا يصلى إلا في رمضان ، ولا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان ، وهو يعد الأيام والليالي حتى يعود إلى معاصيه ! فهم مصرون على ما فعلوا وهو يعلمون ، وفيهم من لا يصبر على المعاصي ؛ فيظل مقيمًا عليها في رمضان ، وقد ذكر ابن رجب - رحمه الله - أن رجلًا كان مصرًّا على شرب الخمر فعاد إلى بيته في آخر يوم من شعبان وهو سكران ! فعاتبته أمُّه ، وهي توقد التنور ( الفرن ) فحملها فألقاها في التنور فاحترقت !!! أما أهل الإيمان والطاعة ، أهل السنة والجماعة فلهم شأن آخر . إن أبواب الطاعات في رمضان كثيرة متنوعة ، وكلها أبواب إلى الجنة . ففي رمضان يكون الصوم وقراءة القرآن والعمرة التي تعدل حجة ! والجود والعطاء وتفطير الصائم ، وتعجيل الفطر ، وتأخير السحور ؛ وصلاة التروايح ، وليلة القدر ، والاعتكاف ، وفتح أبواب الجنان ، وإغلاق أبواب النيران ، وتصفيد الشياطين ، والمغفرة في آخر الشهر ، وغير ذلك من أبواب الخير وصنوف البر ، وأنواع الطاعات والقربات . والمؤمن الحق يرى أن رمضان فرصة قد لا تتكرر ، وشهر قد لا يعود فكم من صائم عامًا مضى قد أصبح اليوم أثرًا بعد عين ! وفي كل يوم يشيع الناس غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه ، وانقضى أجله ، فخلع الأسباب ، وفارق الأحباب ، وسكن التراب ، وواجه الحساب ! ومن بين نصوص السنة الصحيحة التي تتحدث عن رمضان جاءت نصوص تتعلق بالفطر والسحور ، فأردنا أن ننبِّه على بعضها طمعًا في إدراك أجرها ممن عنده حسن الثواب . · تفطير الصائم : روى الترمذي بسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من فطَّر صائمًا ، كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ) . ويفهم من هذا الحديث أن تفطير الصائم طاعة من أعظم الطاعات ، وقربة من أجلِّ القربات . وننبه هنا على فائدتين : الأولى : في قوله : ( من فطر صائمًا ) ، وصف يصدق على من قدم إلى الصائم طعامًا أو شرابًا يفطر عليه ، وبعض الناس يدعو صائمًا أو أكثر إلى مائدته ، فيأتي الصائمون إلى المسجد فيفطرون على تمر المسجد ويشربون من مائه ثم يذهبون بعد الصلاة إلى بيت من دعاهم وهم مفطرون مصلون ! فيكون هذا الداعي قد عشَّى مفطرًا ، ولم يفطِّر صائمًا !! الثانية : في قوله : ( كان له مثل أجره ) ، ومعلوم أن أجور الصائمين متفاوتة ، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش . فهل يقال : إن هذا الحديث فيه ترغيب وحث على اختيار الصائم المؤمن التقي لمن أراد أن يفطر صائمًا طمعًا في زيادة الأجر ! للنظر في ذلك مجال ، والله أعلم . · تعجيل الفطر : روى البخاري بسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . وتعجيله يتحقق بأمرين : الأول : المبادرة إلى الفطر إذا تحقق غروب الشمس ، والثاني : تقديمه على الصلاة . ويبحث الناس عن الخير الموعود به في هذا الحديث : ( لا يزال الناس بخير ) ، فيقال لهم : هذا الخير يتحقق بأمور منها : مخالفة أهل الكتاب كما جاء في رواية أبي داود وابن خزيمة : ( لأن اليهود والنصارى يؤخرون ) أي : الفطر . مخالفة بعض طوائف الشيعة الذين يؤخرون الفطر إلى ظهور النجوم . الرفق بالصائم وتقويته على العبادة بتعجيل فطره . وهذه وغيرها أبواب خير فتحها الله لمن يعجل الفطر . · بركة السحور : روى البخاري ومسلم بسنديهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( تسحورا فإن في السحور بركة ) . من المعلوم أن السحور ما يؤكل وقت السحر ؛ فهو طعام وشراب ، ومع هذا فقد خصته النصوص بفضل ليس لغيره من الأطعمة والأشربة ! فأمرت به ، ونبهت على أنه بركة !! ولقد نبه أهل العلم على هذه البركات . فذكروا منها : امتثال الأمر الشرعي واتباع السُّنَّة ، وهذا يوجب الأجر والثواب . ومخالفة أهل الكتاب ؛ فإنهم لا يتسحرون : ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) رواه مسلم . والدعاء والاستغفار وقت مظنة الإجابة : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [ الذرايات : 18] . وتدارك نيّة الصوم لمن أغفلها قبل النوم . وصلاة الفجر مع الجماعة في وقتها الفاضل بسبب الاستيقاظ ، ولذا تجد المصلين في المساجد فجر أيام رمضان أكثر منهم في غيره ! ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع !! والتَّقوي على العبادة والزيادة في النشاط . وأخيرًا : الصدقة على السائل في ذلك الوقت (1) !! · مدفع الإمساك ؟!! قال ابن حجر - رحمه الله - : ( من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان - أي زمانه - من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس ، وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا !! فأخرُّوا الفطر ، وعجلوا السحور ، وخالفوا السنة ، فلذلك قل عنهم الخير ، وكثر فيهم الشر ، والله المستعان ) . ا هـ من ( فتح الباري ) ( 4/ 235) . ومن يتدبر هذا الكلام يجد أن الحافظ - رحمه الله - قد نبه على أن مخالفة السنة سبب لقلة الخير ونزع البركة ! وكثرة الشر والمعصية والفساد ، وكأنه يعيش في زماننا ويشاهد حالنا . ولما أُختُرت المدافع في القرن الرابع عشر الميلادي - كما في دائرة معارف القرن العشرين - تغير شكل البدعة وبقي أصلها ! وأصبحت علامة الإمساك إطلاق مدفع الإمساك بعد أن كانت في الماضي إطفاء المصابيح ، وكلاهما علامة باطلة . وإنما علامة الإمساك المشروعة طلوع الفجر الصادق ، وهو الوقت الذي يُرفع فيه الأذان لأجل صلاة الفجر . وبعد : فالحديث عن رمضان حديث شيق ، وكله خير ، وبركة ، وفوائد ، وعوائد ، وأجر ، وثواب ، وجودٌ ، وعطاء . فنسأل الله بمنه وفضله وكرمه أن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا ودعاءنا ، وسائر أعمالنا الصالحات ، إنه ولي ذلك ، والقادر عليه . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
صفوت الشوادفي
(1) راجع ( فتح الباري ) ج4 ص 166 كتاب الصوم - باب بركة السحور .

السبت، 22 أغسطس 2009

رمضان والتوبة

رمضان والتوبة

بقلم : د. جمال المراكبي

الحمد لله أرشد النفوس إلى هداها، وحذرها من رداها قد أفلح من زكاها *وقد خاب من دساها. وبعد: الأيام تمرُّ عجلى، والسنين تنقضي سراعًا، وكثير من الناس في غمرة ساهون، وعن التذكرة معرضون، وما أحوج المسلم إلى موقف المحاسبة في هذه الأيام الفاضلة، ونحن مقبلون بعد ساعات على شهر كريم يجعلنا نقف مع النفس وقفة المتأمل، يتأمل الإنسان حاله، وأحوال الغافلين من حوله. والله سبحانه وتعالى يذكرنا ويدعونا في قرآنه الكريم، أن نتدبر الخلق، ونتدبر أحوال الكون، والله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو العالم، فهو القائل سبحانه: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق {فصلت:53} فعلينا أن نستعِدَّ ليوم القيامة وما فيه من أهوال لا تقارن ولا تقاس بما نراه على الأرض من أهوال أو متاعب، والله سبحانه قد جعل الإنسان شاهدًا بنفسه عليها: إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الإنسان ما لها {الزلزلة:1-3}. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، ويظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسعى فيه، ولتقومن الساعة، وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها". {متفق عليه}. وفي صحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني غير لابث فيكم، ولستم لابثين بعدي إلا قليلا، وستأتوني أفنادًا، يفني بعضكم بعضًا، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل". {صحيح ابن حبان 6777}. بأس الله في إعصاريْ كاترينا وريتا أمريكا بوش تلك القوة العظمى التي تنفرد الآن بالعالم كله تنكل بمن تشاء وتبيد من تشاء، وتقتلع الأخضر واليابس مع خنازير اليهود في العراق وأفغانستان، وفلسطين، والكل يعلم تمامًا قدرة أمريكا التي تمتلك من العلم والقدرة ما يجعلها تتحسب جيدًا لكل خطر يتهددها، وتدرأ بقوتها كل قوة تحاول أن تنال منها فعندها قنابلها الذرية، وطائراتها المبيدة، وأسلحتها الفتاكة. وقد تابع العالم كله انتقام الله بعد أن ضرب أمريكا يوم الاثنين 29-8-2005 في مساحة كبيرة تقدر 235 كم إعصار كاترينا، حيث غمرت الفيضانات مدنًا وولايات أمريكية، وأبادتها بالكامل، بعد أن رسمت المأساة صورة قاتمة لواقع أليم تعيشه الشعوب حتى في أقوى وأغنى دول العالم قاطبة بين البؤس والاقتتال والسلب والنهب، والأنانية واليأس فقد عاشت الولايات المنكوبة من جراء إعصار كاترينا حالة من الأهوال التي تذكر بيوم القيامة، وإذا كنا نذكر بهذا الموقف الشعب الأمريكي وقيادته من رعاة البقر بأن لا يتعالى، وأن يتذكر الشعب الأمريكي ومعه بوش بأنه لا قدرة لمخلوق فوق قدرة الخالق، وأن الله سبحانه منزل الغيث، منتقم جبار وأن ما حدث في زلزال كاترينا، وكلف ميزانيتها ضعف ما كلفتها حربها ضد العراق وأفغانستان، ليعي بوش وشعبه أن هناك إله منتقم جبار فوق كل الجبابرة!! وما كادت أمريكا تلتقط أنفاسها بعد إعصار كاترينا الذي ضرب ولاية لويزيانا، ومدينة نيو أورليانز أجمل مدنها حتى جاءتها آية أخرى من آيات الله الذي يقول للشيء كن فيكون!! وضرب أمريكا إعصار ريتا الذي تسبب في نزوح ثلاثة ملايين شخص من منازلهم خوفًا من الإعصار ريتا الذي ضرب الساحل الجنوبي للولايات المتحدة الأمريكية وولاية تكساس ولويزيانا. وقد كشفت المصادر المطلعة أن تقدير حجم الخسائر بالنسبة لإعصار كاترينا وحده تقترب من 250 مليار دولار كما بلغ عدد القتلى من جراء الإعصار نفسه 1075 شخصًا في إحصائية مبدئية غير نهائية، ناهيك عن الآثار الاقتصادية المدمرة التي سببها إعصار ريتا والتي لم يتم حصرها بشكل نهائي حتى تاريخ كتابة هذه السطور. عنصرية الأمريكان وقد كشفت الأعاصير التي وقعت في أمريكا عن عنصرية الأمريكان فما زال سكان الولايات المنكوبة وما حولها حول خليج المكسيك يعيشون بعيدًا عن بيوتهم بعد أن طارت السيارات واليخوت لتستقر فوق أسطح البيوت المدمرة، وغرقت شوارع المدن بمياه الخليج حتى سبحت فيها أسماك القرش، وإذا كانت ولاية لويزيانا أشهر ولاية سياحية وكذلك مدينتها نيو آورليانز، فإن تكساس هي أكبر ولاية بترولية في أمريكا وبها 65% من آبار البترول الأمريكي، 5،27% من كل معامل تكرير البترول فيها، كما أن هيوستون هي رابع مدينة في أمريكا وهي عاصمة صناعة البترول. وقد كشف الإعصار كاترينا عن سوء الإدارة الأمريكية، بل نستطيع القول أنه قد كشف عن حقيقة هذا الشعب والمتمثلة في طبيعته العنصرية، حيث تفاوت الاهتمام في ردود الأفعال من مكان إلى آخر، ومن فئة إلى فئة حسب اللون حيث يسكن المناطق التي ضربها إعصار كاترينا غالبية من السود ذوي الأصول الأفريقية، ومع أن إعصار كاترينا لم يكن مباغتًا مثل ما حدث في تسونامي، لكنه كان متوقعًا قبل حدوثه بمدة كافية، ومع ذلك لم تستطع الحكومة إقامة المشروعات الوقائية، وإجلاء السكان، وتوفير أماكن الإيواء، ومواد الإغاثة اللازمة، فظهر آداؤهم في إدارة الأزمة كدولة متخلفة من دول العالم الثالث. وإذا كانت العنصرية الأمريكية ضد السود والتي كشف عنها إعصار كاترينا قد عرّت الأمريكان أمام العالم ليست هي العار الوحيد الذي يلاحق إدارة بوش في الولايات المتحدة فهناك عار آخر يتحدث عنه العالم؛ فهناك أكثر من 600 معتقل مسلم يقبعون في معتقل جوانتانامو دون محاكمة، ودون أن يتحرك أصحاب الضمائر الذين تحركوا وجيشوا الجيوش للسوريين واللبنانيين للبحث عن المدبر الحقيقي لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الحريري وتوجيه أصابع الاتهام لسوريا وبعض الشخصيات اللبنانية فور وقوع الحادث وقبل الحصول على أي دليل إدانة، حتى الآن لم يتحرك أصحاب تلك الضمائر لإنقاذ هؤلاء المعتقلين الذين أهدرت كرامتهم وآدميتهم بفعل خنازير الأمريكان القابعين للتعذيب والتنكيل بالمسلمين في جوانتانامو وسجن أبو غريب وغيره من المعتقلات المخصصة لإهدار الكرامة للآدميين، فأين منظمات حقوق الإنسان العربية والإسلامية والغربية، الأهلية والحكومية التي تقرأ أخبارها في الصحف كل يوم؟ أم أنه ليس ضمن مهمة تلك المنظمات حماية حقوق الإنسان العربي والمسلم؟!! التفسيرات العلمية لأهل الباطل قال الله تعالى في محكم آياته: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا {الإسراء:59}، فالزلازل والبراكين والعواصف والرعد، والبرق، والخسوف والكسوف آيات باهرة تدل على قدرة الله تعالى وعظمته ووحدانيته، يرسلها سبحانه على الكافرين غضبًا وانتقامًا كما أهلك من قبل مدين وثمود وغيرهم. ويرسلها على المؤمنين عذابًا وتطهيرًا لهم في الدنيا. وأما الكلام عن الحكمة من تلك الآيات الكونية فمن شأن علوم الوحي والله سبحانه مسبب الأسباب، ومدبر أمور الكون وهو العليم الحكيم، وقد قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الله يخوِّف بها عباده، فكونها آية يخوف الله بها عباده فهي من حكمة ذلك". وغالبًا ما نسمع عن تفسيرات لتلك الأحداث تصدر عن أهل الضلال عندما يقولون: "إن هذا أمر طبيعي لا علاقة له بالدين وليس هناك من ورائه حكمة". والله سبحانه مسبب الأسباب، ومجري الأفلاك، ذو حكمة بالغة، وذو قدرة مقتدرة، وإذا كان هذا هو كلام من يقصرون فهمهم فقط على تحليل الأسباب العلمية لمثل تلك الظواهر، فقد قال عنهم مالك الملك ومجري السحاب، ومنزل المطر، من يقول للشيء كن فيكون: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون {الروم:7}. فذاك شيء متوقع ممن لا يؤمن بمن رفع السماء بلا عمد، وفرش الأرض وجعلها قرارًا ومهادًا، يُدبر الأمر، ويسيِّر الأفلاك وهو الحكيم الخبير!! ولكن العجب العجاب أن يصدر هذا الكلام ممن يدعون الإسلام، ويرددون هذا الكلام، ويرمي من تكلم بالحكمة من هذه الظواهر بالتخلف والخذلان!! أما قرأ هؤلاء المارقون قول المولى عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا {الإسراء:59}. وقال: وما هي من الظالمين ببعيد {هود:83}. وقال: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء {الرعد:13}. وقال: ريح فيها عذاب أليم (24) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين {الأحقاف:24، 25}. ولكن الأمر كما قال الله تعالى: ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا {الإسراء:60}. وقد يظن بعض الناس أن الحسابات العلمية والأسباب التي يتحدث عنها أهل الاختصاص تعني أنه لا حكمة من وراء ذلك، وهذا خطأ واضح، واعتقاد فاسد. قال العلامة ابن دقيق العيد: في قوله صلى الله عليه وسلم : "يخوف الله بها عباده" إشارة إلى أنه ينبغي الخوف عند وقوع التغيرات العلوية. ومما يدل على أن مثل هذه الآيات إنما هي تخويف للعباد وتحذير لهم ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانت الريح الشديدة إذا هبَّتْ عُرِفَ ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم " {البخاري 1034} وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سُرِّيَ عنه، فَعَرَّفته عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وما أدري كما قال قوم عاد: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم {الأحقاف:24}" {البخاري ومسلم}. وفي الحديث تذكُّرْ ما يذهل المرء عنه مما وقع للأمم الخالية والتحذير من السير في سبيلهم من وقوع مثل ما أصابهم. وتأمل معي حال القلوب عند وقوع تلك الآيات وقد دبَّ فيها الخوف والهلع وحالها بعد انكشاف الضرّ، ففيه إشارة للمسلم وتنبيه له على سلوك طريق الخوف والرجاء. وقوع الآيات قد يكون غضبا وانتقامًا من الكافرين ينبغي أن يعلم أن الذنوب التي أهلك الله بها الأمم السابقة على قسمين: *فالقسم الأول: معاندة الرسل وجحد رسالاتهم. *والقسم الثاني: الإسراف في الفجور والذنوب. أما القسم الأول فإن الله سبحانه يهلك أصحاب هذا القسم هلاك استئصال وإبادة. كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب وأضرابهم. قال الله تعالى: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {العنكبوت:40}. أما القسم الثاني فإنهم يصابون بالمجاعات والأمراض والزلازل وغير ذلك، وقد يكون، مع ذلك موت وقد لا يكون وعذاب هذه الأمة الإسلامية من هذا القبيل، فإن الله تعالى لا يستأصِلُها ولا يهلكها نهائيًا كما كان يفعل مع الأمم الكافرة السابقة، ولكنه يعذبهم بأنواع عديدة متنوعة من البلاء. وعذاب الله تعالى وعقابه للأمم لا يختصُّ بنوع واحد بل جرت سُنَّة الله تعالى في تنويعه على ألوان مختلفة ومتنوعة، فقد يكون صاعقة، أو غرقًا، أو ريحًا، أو خسفًا، أو قحطًا أو مجاعة وارتفاعًا في الأسعار، أو أمراضًا، أو ظلمًا وجورًا، أو فتنًا بين الناس واختلافًا، أو مسخًا في الصُّور أو مطرًا بالحجارة أو رجفة الخ!! وما ارتكبه الأمريكان من تدنيس للمصحف في جوانتانامو، ووضعهم الكتاب الكريم، ووضع أقدامهم فوقه مما استوجب غضب المنتقم الجبار وإذا كان المسلمون عجزوا عن الدفاع عن كتاب ربهم من التدنيس والإهانة فللكتاب ربٌّ يحميه.. والمولى يقول في كتابه عز وجل: إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر {القمر:30} وقول المولى عز وجل: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم *يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد {الحج:1، 2}. والحمد لله رب العالمين

جنة الدنيا

جنة الدنيا -------
اعداد : د جمال المراكبى
رئيس مجلس علماء جماعة أنصار السنة المحمدية
*******
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد قال الله تعالى «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» الملك والناس في حياتهم يتقلبون بين النعم والنقم والابتلاءات، والمؤمن الموفق يعلم كيف يتعامل مع هذه الاختبارات، قال رسول الله «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرًا له» صحيح مسلم
ونعيم الدنيا لا يخلو من شقاء وتعب ونصب، فنعيمها لا يبقى، فإما أن يتركه الإنسان ويموت، وإما أن يتركه وهو أحوج ما يكون إليه ونعيم الدنيا لا يشبع، فلو أن لابن آدم واديًا من ذهب لتمنى له اثنين، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ونعيم الدنيا لا يصفو، فهو لا يخلو من تعب ونصب تعبٌ كلها الحياة فواعجبًا مِن راغب في ازدياد
أرى الدنيا لمن هي في يديه
عذابًا كلما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصُغر
وتكرم كل من هانت عليه
والإنسان في الدنيا لا يشعر بالرضا أبدًا، وقد صدق القائل
صغيرٌ يطلب الكِبَر
وشيخٌ وَدَّ لو صَغر
وخالٍ يشتهي عملاً
وذو عملٍ به ضَجِرا
وربُّ المال في تَعَبٍ
وفي تعبٍ من افتقرا
وأجمل من هذا ما قاله ابن عبد البر، رحمه الله
من ذا الذي قد نال راحة فكره في عمره من عسره أو يسره يلق الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره فيظل هذا ساخطًا في قله ويظل هذا تاعبًا في كُره عم البلاء لكل شمل فرقة يرمي بها في يومه أو شهره والجن مثل الإنس يجري فيهمُ حكم الفضاء بحلوه وبمره ونبي صدق لا يزال مكذبا يُرمى بباطل قولهم وبسحره ومحقق في دينه لم يخل من ضدٍ يواجهه بتهمة كفره والعالم المفتي يظل منازعًا بالمشكلات لدى مجالس ذكره والويل إن زَلَّ اللسان فلا يرى أحدٌ يساعد في إقامة عذره أو ما ترى الملك العزيز بجنده رهن الهموم على جلالة قدره فيسره خبرٌ وفي أعقابه شر تضيق به جوانب مصره وأخو العبادة دهره متنغص يبغي التخلص من مخاوف قبره وأخو التجارة حائر متفكر مما يلاقي من خسارة سعره وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينة في صدره وكل قرين مُضمر لقرينه حسدًا وحقدًا في غناه وفقره ولرُب طالب راحةِ في نومه جاءته أحلامٌ فهام بأمره والطفل في بطن أمه يخرج إلى غصص الفطام تروعه في صغره والوحش يأتيه الردى في بره والحوت يأتي حتفه في بحره ولقد حسدت الطير في أوكارها فوجدتُ منها ما يُصاد بوكره كيف التلذذ في الحياة بعيش من لا زال وهو قُروعٌ في أسره والله لو عاش الفتى في أهله ألفًا من الأعوام مالك أمره متنعمًا معهم بكل لذيذةٍ متلذذًا بالعيش طيلة عمره لا يعتريه النقص في أحواله كلا ولا تجري الهموم بفكره وما كان ذلك كله مما يفي بنزول أول ليلة في قبره كيف التخلص يا أخي مما ترى صبرًا على حلو القضاء ومره
لقد كان رسول الله يقول في دعائه «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضى والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين» رواه النسائي وصححه الألباني فالنعيم الذي لا ينفد هو نعيم الجنة ؛ لأن نعيم الدنيا لا بد وأن ينفد، وقرة العين التي لا تنقطع تكون في الجنة ؛ لأن سرور الدنيا لا يدوم، ولهذا قال رسول الله «وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك» وهذا كله لا يكون إلا في الجنة
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» كتاب الزهد والرقائق
وروى البيهقي في الزهد الكبير عن فضيل بن عياض في معنى قول النبي «الدنيا سجن المؤمن» قال هي سجن من ترك لذاتها وشهواتها، فأي سجن هي عليه؟
وروى أبو داود في الزهد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، إن المؤمن إذا مات خلى له سربه يسرح في الجنة حيث شاء»
وروى ابن المبارك عن الحسن قال والله إن أصبح مؤمن فيها إلا حزينًا، وكيف لا يحزن وقد أخبره الله أنه وارد جهنم، ولم يأته عن الله أنه صادر عنها، وليلقين أمراضًا ومصيبات وأمورًا عظيمة، وليُظلمن فيها فما ينتصر، يبتغي من ذلك الثواب من الله، وما يزال فيها حزينًا خائفًا حتى يفارقها، فإذا فارقها أفضى إلى الراحة والكرامة
قال النووي في شرح الحديث معناه أن المؤمن مسجون فيها ممنوع عن الشهوات المحرمة والمكروهة، ومكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من المنغصات، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات انقلب إلى العذاب الدائم وشقاوة الأبد قُلْتُ ويشهد لهذا قول النبي لعمر رضي الله عنه لما قال ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسًا وقال «أفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا» فقلت استغفر لي يا رسول الله متفق عليه وقال المناوي في شرح الجامع الصغير الدنيا سجن المؤمن بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم، وجنة الكافر بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم اهـ
ومن عدل الله عز وجل أن نعم الله الدنيوية يستوفيها الكافر في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب مر الحافظ ابن حجر العسقلاني قاضي قضاة مصر برجل يهودي يبيع السمن والزيت، وكان ابن حجر يركب عربة تجرها والبغال الناس حوله، فاستوقفه اليهودي قائلاً إن نبيكم يقول «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»، فكيف أكون أنا بهذه الحال، وأنت بهذه الحال؟ فقال ابن حجر أنا في سجن بالنسبة لما أعده الله للمؤمنين في الآخرة، وأنت في جنة بالنسبة لما أعده الله للكافرين في الجحيم فأسلم اليهودي والحقيقة أن الكافرين وإن استمتعوا بالدنيا، فإنهم في كرب وضيق لإعراضهم عن الله عز وجل، يقول الله تعالى «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا» طه ولهذا يُقدم أحدهم على قتل نفسه بسبب هذا الضنك إن ما يُعطى الكافر من نعيم في الدنيا إنما هو إمهال واستدارج، يقول تعالى «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ» الأعراف وقال تعالى «وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» البقرة وقال تعالى «لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى» طه وقال تعالى «لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ» آل عمران ،
قال السعدي، رحمه الله وهذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا، وتنعمهم فيها، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات، وأنواع العز، والغلبة في بعض الأوقات، فإن هذا كله «متاع قليل» ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلاً ويعذبون عليه طويلاً، هذه أعلى حالة تكون للكافر، وقد رأيت ما تؤول إليه أما المتقون لربهم، المؤمنون به، فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها «لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» فلو قدر أنهم في دار الدنيا، قد حصل لهم كل بؤس وشدة، وعناء ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، والسرور والحبور، والبهجة نزرًا يسيرًا، ومنحة في صورة محنة، ولهذا قال تعالى «وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لالَْبْرَارِ»، وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرًا عظيمًا، وعطاءً جسيمًا، وفوزًا دائمًا اهـ ولأجل هذا يُكره للمؤمن الانغماس في لذات الدنيا والترفه فيها لأن هذا مما يُطغي ويُنسي، قال الله تعالى «فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» النازعات عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أُتي بطعام وكان صائمًا، فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، فكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه وأراه، قال وقتل حمزة وهو خير مني، يعني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام رواه البخاري جنة الدنيا إذا رَضِيَ المؤمن بالله تعالى ربًا، وتذوق طعم الإيمان ووجد حلاوته ورضي عن الله تعالى في كل ما يفعله به ويقدره عليه، وجد في قلبه لذة لا تعادلها لذة، ألا وهي لذة الرضى بالله والأنس به والشوق إلى لقائه وحب هذا اللقاء، ومن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ولقد كان النبي يسأل ربه لذة النظر إلى وجهه الكريم والشوق إلى لقائه، ولما خيره الله بين الدنيا وما فيها، وبين لقاء الله، اختار لقاء الله، وقال «اللهم الرفيق الأعلى»
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول «ذاق طعام الإيمان من رَضِيَ بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ رسولاً» رواه مسلم وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله «من قال حين يمسي رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبينًا، كان حقًا على الله أن يرضيه» رواه الترمذي وحسنه هذه الأمور الثلاثة التي تضمنتها هذه الأحاديث وهي الرضا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً، هي الأصول الثلاثة التي بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه «الأصول الثلاثة وأدلتها»، وهي الأمور التي يسأل عنها في القبر، فالإنسان يسأل في قبره عن دينه وربه ونبيه محمد ورد في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» «ذاق طعم الإيمان» أي حلاوة الإيمان ولذاته، «من رضي بالله ربًا»، قال صاحب التحرير معنى رضيت بالشيء قنعت به، واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث لم يطلب غير الله تعالى ولم يسع في غير طريق الإسلام ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد ، ولا شك أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه
وقال القاضي عياض معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه وخامر باطنه ؛ لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشته قلبه ؛ لأن من رضي أمرًا سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له
وقال ابن القيم فالرضى بإلهيته يتضمن الرضى بمحبته وحده وخوفه ورجائه والإنابة إليه والتبتل إليه، وانجذاب قوى الإرداة والحب كلها إليه، فعل الراضي بمحبوبه كل الرضى وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له والرضى بربوبيته يتضمن الرضى بتدبيره لعبده ويتضمن إفراده بالتوكل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه وأن يكون راضيًا بكل ما يفعل به فالأول يتضمن رضاه بما يؤمر به، والثاني يتضمن رضاه بما يقدر عليه وأما الرضى بنبيه رسولاً فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلا إليه ولا يحكم عليه غيره ولا يرضى بحكم غيره البتة وأما الرضى بدينه فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى رضي كل الرضى ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليمًا ولو كان مخالفًا لمراد نفسه أو هواها أو قول شيخه وطائفته «مدارج السالكين»
وقال في «الوابل الصيب» وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة وقال لي مرة ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة وكان يقول في محبسه في القلعة لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، ونحو هذا وكان يقول في سجوده وهو محبوس «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ما شاء الله»
وقال لي مرة «المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه» ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها، نظر إليه وقال «فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ»
وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها وكان بعض العارفين يقول لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف
وقال آخر مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل وما أطيب ما فيها ؟ قال محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا وقال آخر إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين، وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة أعينهم بالله عز وجل، فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات
قال الشيخ ابن عثيمين معلقًا على قول ابن تيمية «جنتي في صدري» ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى «لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى» الدخان
يعني في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، ومعلوم أن الجنة لا موت فيها لا أولى ولا ثانية، لكن لما كان نعيم القلب ممتدًا من الدنيا إلى دخوله الجنة، صارت كأن الدنيا والآخرة كلها جنة وليس فيها إلا موتة واحدة
قال الله تعالى «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»، فهذا في الدنيا، ثم قال «وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، فهذا في البرزخ والآخرة
وقال تعالى «وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»
وقال تعالى «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ»، فهذا في الآخرة
وقال تعالى «قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، فهذه أربعة مواضيع ذكر الله تعالى فيها أنه يجزي المحسن بإحسانه جزاءين جزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة فالإحسان له جزاء معجل ولا بد، والإساءة لها جزاء معجل ولا بد، ولو لم يكن إلا ما يجازى به المحسن من انشراح صدره في انفساح قلبه وسروره ولذاته بمعاملة ربه عز وجل وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته، وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى أعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه بسلطانه وما يجازى به المسيء من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وغمه وهمه وحزنه وخوفه، وهذا أمر لا يكاد من له أدنى حسن وحياة يرتاب فيه، بل الغموم والهموم والأحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية وجهنم حاضرة، والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل وآخر داعونا أن الحمد لله رب العالمين

الخميس، 20 أغسطس 2009

التوبة وذكرالموت

التوبة وذكرالموت
قال تَعَالَى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِم الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد : 16 ] وفي صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ " كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ " ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ " . وسُئِل حاتم الأصم : علام بنيتَ أمرَكَ هذا في التوكل علي الله ؟ قال: علي خصالِ أربع: علمتُ أن رزقي لا يأكله غيري ، فاطمأنت به نفسي، وعلمتُ أن عملي لا يعملهُ غيري ، فأنا مشغول به، وعلمتُ أن الموت يأتيني بغتةً ، فأنا أبادره، وعلمتُ أني لا أخلو من عين الله حيث كنتُ، فأنا مستحٍ منه . يقول أبو الحسن محمد بن حاتم المظفري: يحب الفتى طول البقـاء وإنــه ... على ثقــة أن البقاء فناء زيادته في الجسم نقص حياتــه ... وليس على نقص الحياة نماء إذا ما طوى يوماً طوى اليوم بعده ... ويطويه إن جن المساء مساء جديدان لا يبقى الجميع عليهمـا ... ولا لهمـا بعد الجميع بقـاء قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى في خطبة له: أيها الناس! إنما الدنيا أجل محترم، وأمل منتقص، وبلاغ إلى دارٍ غيرها، وسير إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله من فكر في أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربه، واستقال ذنبه. أيها الناس! قد علمتم أن أباكم _آدم _ أخرج من الجنة بذنبٍ واحد، وأن ربكم وعد على التوبة خيراً، فليكن أحدكم من ذنبه على وجل، ومن ربه على أمل.

الأربعاء، 19 أغسطس 2009

عسل النحل غذاء وشفاء

عسل النحل غذاء وشفاء

بقلم د . أحمد شاهين

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ، وأسكنه هذه الأرض لتعميرها .. ، ووهبه سبحانه من النعم ما يحفظ به حياته وصحته .. وسخَّر له كل المخلوقات لخدمته .. ومن بين هذه المخلوقات النحل .. ذلك المخلوق الضعيف الذي يفرز أشهى غذاء وأعظم سقاء ؛ إنه عسل النحل .ولقد ظل الإنسان يعتمد أساسًا في غذائه - ولقرون عديدة - على العسل قبل أن يعرف الخبز واللبن والحبوب ، وكان يجمع العسل من أقراص النحل المنتشرة في الغابات ؛ فاحتفظ بصحته وقوته .. ، إلى أن جاءت المدينة الحديثة فخربت ومزقت في كل شيء .ولقد وجد النحل منذ حوالى 56 مليون عام قبل ظهور الإنسان الأول ولذلك السبب كان النحل يشغل لدى كل الشعوب القديمة مكانًا هامًّا وعظيمًا بالمقارنة بالحشرات الأخرى والحيوانات ، والنحل قد صورته الكثير من الأساطير والحكايات .

ففي أحد المعابد المصرية القديمة - منذ ستة آلاف عام - رسم النحل على جدارن المعبد ، وكان رمز شمال مصر زهرة اللوتس .

أما الجنوب فكان يرمز له (بالنحل) وقد نقل المصريون من الجنوب إلى الشمال هذه الأزهار الكثيرة .

وكان للنحل مكان مرموق عند الهنود القدامى واعتبرته حشرة مقدسة .

ومن الثابت في الوقت الحاضر أن نقطة من العسل تحتوي على أكثر من مائة من المواد المختلفة المفيدة لجسم الإنسان .

ومن المعروف أن الرياضيين يأكلون العسل قبل المباريات أو في فترات الراحة بين المباريات حتى يتمكنوا من استعادة طاقة العضلات المفقودة بسرعة .كما أنه يحتوي على إنزيم الأكسير العجيب الذي يحلم به الكيميائيون ، فإن الجسم يكاد يموت من النحافة لو لم يكن لديه إنزيمات حتى في ظل وجود كمية كبيرة من المواد الغذائية الضرورية ، حيث إنها في تلك الحالة لا يمكن للجسم الاستفادة منها ، إن عسل النحل يحتوي كل الإنزيمات الضرورية للجسم ولقد أبدى العلماء الباحثون دهشتهم لوجود تلك الإنزيمات في عسل النحل بكميات وفيرة تفي بحاجات الجسم .

إن عسل النحل كان يستخدم في حفظ اللحم الطازج والعصائر والنباتات والورود والأزهار من الفساد طوال العام دون أي تغير بل أكثر من ذلك مذاقة الذي أصبح أفضل من ذي قبل .

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

رسالة إلى خطيب

رسالة إلى خطيب

بقلم فضيلة الشيخ / وحيد عبد السلام بالي

الحمد لله وكفى ، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى ، وبعد :فإنَّ الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال ، وكيف لا تكون كذلك وهي رسالة الرسل والأنبياء ، وطريق المصلحين والعلماء ، لا يقوم الدين إلا بها ، ولا ينتشر إلا عن طريقها .

الداعي إلى الله قائل بأحسن قول :

قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [ فصلت : 33] .ولقد بشر الله الدعاة إلى الله بالفلاح في الدنيا والآخرة :فقال سبحانه : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ آل عمران :104] .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة لازمة لعباد الله المؤمنين : قال سبحانه : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) [ التوبة : 71] .

وحسبك أخي الداعية أنَّ المخلوقات تدعو لك بظهر الغيب : فقد روى الترمذي بسند جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله وملائكته ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر ، ليصلون على مُعَلِّمِ الناس الخير ) .

أخي - خطيب الجمعة - إن خطبة الجمعة لها أهمية كبرى بين وسائل الدعوة المتاحة للدعاة ، فقد يتكاسل الناس عن المحاضرة ، وقد يتخلفون عن الدرس ، لكنهم لا يتخلفون عن الجمعة إلا الذين لا يصلون أصلًا ، لأن المسلمين مأمورون جميعًا بحضور الجمعة .

قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) [ الجمعة : 9 ] . ولذا فقد تجد أمامك جمعًا غفيرًا من المسلمين ، وربما تجد من بينهم من لا يدخل المسجد إلا يوم الجمعة ، وستجد فيهم الصالح والطالح ، والـمفرط والمحافظ ، والمتواضع والمتكبر ، والمتقبل والمعاند . بل ستجد منهم المتعلم والأمي ، والصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، وغير ذلك من فئات المجتمع ، فكيف تخاطب هؤلاء جمعيًا بالأسلوب المناسب ، وكيف تستغل هذا الموقف للأخذ بأيدي هؤلاء جمعيًا إلى طريق الله عز وجل .فبات من الواجب عليك - أخي الخطيب - أن تتعلم فنَّ الدعوة ؛ لتقدم تعاليم الإسلام في أبهى منظر ، وأجمل حُلة .

أسباب نجاح الخطبة :

1- التكلم باللغة العربية الفصحى :

ينبغي على الخطيب أن يحرص على أن يلقي خطبته بالفصحى قدر جهده ، لأنها لغة القرآن ، وشعار الإسلام .والحديث بالفصحى يضفي على خطبتك إشراقًا ، وعلى كلماتك نورًا ، وفي نفوس مستمعيك قبولًا .

2- التوسط في الإلقاء :

بحيث لا يكون كلامك سريعًا فلا يُفهم ، ولا بطيئًا فيمله السامعون ، ولتعط لكل موقف ما يلزمه ، فإذا احتاج إلى انفعال أسرعت ، وإن احتاج إلى إقناع أبطأت .

3- الاقتصاد في الخطبة :

فلا تكون طويلة مملة ، ولا قصيرة مخلة ، ولا تكون متشعبة الأفكار ، كثيرة الشواهد ، ركيكة المعاني ، بل موجزة متقصده ، وتلك هي السنة ، فقد قال سيد الخطباء صلى الله عليه وسلم : (إنَّ قصر خطبة الرجل ، وطول صلاته ؛ مَئِنَّة من فقهه ) رواه مسلم ؛ لأن القصر والإيجاز وإيصال المعنى من أقرب طريق ؛ دليل على الفصاحة والعلم والفقه .

4- ربط الخطبة بالواقع :

عليك أن تتحسس مشاكل مدينتك وتعالجها من فوق أعواد منبرك ، تعايش الناس وتترك المنبر يجيب على تساؤلاتهم ، فحينما تكون خطبتك منتزعة من الواقع تكون أقرب إلى قلوبهم وأوقع في نفوسهم .

5- المخاطبة على قدر الفهم :

فلا تخاطب العوام بمنطق علمي مرتفع ، ولا المتعلمين المثقفين بمنطق بدائي ممجوج ، بل تخاطب الناس على قدر عقولهم وعلومهم .

6- الترفع عن الغلظة في القول والبذاءة في اللسان :

فلا تحقر مستمعيك ، ولا تقلل من شأنهم ، ولا ترميهم بالجهل وقلة الفهم ، ولا تقذفهم بالفسق والفجور ، أو غير ذلك مما لا يليق بمكانة الداعية - حتى لو كانوا كذلك - بل تتلطف بهم في الحديث ، وترفق بهم في القول .قال تعالى مبينًا سبب اجتماع الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) [ آل عمران 159 ] .وقال تعالى مرشدًا للطريقة المثلى في الدعوة : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) [ النحل : 125] .

7- استثارة همم المدعوين بما يفتح قلوبهم :

كأن تخاطبهم بـ (يا أخوة الإسلام ) ، ( يا أيها المؤمنون ) ، ( يا من آمنتم بالله ربًّا ، وبمحمد نبيًّا ، وبالإسلام دينًا ) ، وما شابه ذلك مما يفتح قلوبهم ، ويقرب نفوسهم ، فإن المحبة مفتاح القلوب .فهذا إبراهيم عليه السلام يذكِّر أباه برابطة الأبوة أثناء دعوته ، فيقول : ( يَاأَبَتِ …. ) [مريم : 42] ، ويكررها كثيرًا . وهذا لقمان يذكَّر ابنه برابطة البنوة ليكون أدعى لقبول الموعظة ، فيقول : ( يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ….. ) [ لقمان : 13] . وهذا هود يذكَّر قومه برابطة القرابة فيقول : ( يَاقَوْمِ …. ) [ هود : 50] .وربنا تبارك وتعالى يذكَّر المؤمنين يإيمانهم ؛ ليردهم وازع الإيمان إلى الاستجابة والطاعة ، فيقول سبحانه : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ) [ البقرة : 153 ] .

8- الابتعاد عن الحركات الكثيرة :

ينبغي أن تتسم بالاتزان أثناء الإلقاء ، فلا تتحرك ، أو تشير إلا في الموقف الذي يدعو إلى ذلك ، وعليك بتجنب الحركات التي تسقط هيبتك من أعين الناس : مثل كثرة بلع الريق ، وفتل الأصابع ، والسعال المتكلف ، وكثرة الالتفات ، وما شابهها .

9- حسن المظهر :

ينبغي أن تصعد المنبر بالمظهر اللائق بالداعية ، فلا تلبس ثيابًا رثة ، أو ممزقة ، ولا تلبس ثياب المترفين الرقيقة الشفافة .فعليك أن تكون نظيف الثياب من غير تبرج ، طيب الرائحة من غير إسراف ، مهيب المنظر من غير تكلف .

10- التحضير الجيد للخطبة :

لا تصعد المنبر إلا وقد حددت موضوعك ، ورتبت أفكارك وانتقيت ألفاظك ، حتى لا ترتج عليك العبارات ، وتستعجم عليك الكلمات ، فلا تتمكن من تبليغ دعوة مولاك .ولا بأس بأن تستمع إلى أشرطة الخطباء المشهورين ، والوعاظ المبرزين لتتدرب على طرق الإلقاء ، ووسائل التأثير ، وأساليب الإقناع .

11- ألا تصعد المنبر وأنت ممتلئ المعدة :

لأنه إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وكسلت الأعضاء عن العبادة .وقال محمد بن واسع : من قل طعامه فهم وأفهم ، وصفا ورق ، وإنَّ كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد .

وقال الشافعي : الشِّبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .تلكم هي أسباب نجاج الخطبة ، فاحرصوا عليها إخواني الخطباء ، وكونوا منها على ذكر دائمًا ، وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه .

وحيد عبد السلام بالي

حكم الاعتماد على الإذاعة في الصوم والإفطار

حكم الاعتماد على الإذاعة في الصوم والإفطار

بقلم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله -

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد ، فقد سألني كثير من الإخوان عن حكم الاعتماد على الاذاعة في الصوم والإفطار وهل ذلك يوافق الحديث الصحيح : (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) الحديث .

وهل إذا ثبتت الرؤية بشهادة العدل في دولة مسلمة يجب على الدولة المجاورة لها الأخذ بذلك؟ وإذا قلنا بذلك فما دليله ؟ وهل يعتبر اختلاف المطالع ؟

والجواب عن هذه الأسئلة أن يقال : قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه قال : (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُم عليكم فاقدروا له ثلاثين) وفي لفظ آخر : (فأكملوا العدة ثلاثين) وفي رواية أخرى (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) و الأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تدل على أن المعتبر في ذلك هو الرؤية أو إكمال العدة .أما الحساب فلا يعول عليه وهذا هو الحق وهو إجماع من أهل العلم المعتد بهم .

وليس المراد من الأحاديث أن يرى كل واحد الهلال بنفسه وإنما المراد ثبوت ذلك بشهادة البينة العادلة .

وقد خرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام .

وخرج أحمد وأهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابيًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال فقال : (أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ فقال نعم قال فأذن في الناس يا بلال يصوموا غدًا).

وعن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه فقال ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم وأنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يومًا فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا) رواه أحمد ، رواه النسائي ، ولم يقل فيه مسلمان وعن أمير مكة الحارث بن حاطب قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره ، وشهد شاهدَا عدل نسكنا بشهادتهما . رواه أبو داود والدارقطني وقال هذا إسناد متصل صحيح .

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه يكتفى في رؤية هلال رمضان بالشاهد الواحد العدل ، أما في الخروج من الصيام وفي بقية الشهور فلابد من شاهدين عدلين جمعًا بين الأحاديث الواردة في ذلك .

وبهذا قال أكثر أهل العلم ، وهو الحق ؛ لظهور أدلته ، ومن هنا يتضح أن المراد بالرؤية هو ثبوتها بطريقها الشرعي وليس المراد أن يرى الهلال كل واحد ، فإذا أذاعت الدولة المسملة المحكمة للشريعة كالمملكة العربية السعودية أنه ثبت لديهما رؤية هلال رمضان أو هلال ذي الحجة فإن على جميع رعيتها أن يتبعوها في ذلك .

وعلى غيرها أن يأخذ بذلك عند جمع كثير من أهل العلم ، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .

وأخرجه مسلم بلفظ : (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمى عليكم فاقدروا له ثلاثين).

وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).

وأخرجه مسلم بهذا اللفظ لكن قال: (فإن غمى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين) فإن ظاهر هذه الأحاديث وما جاء في معناها يعم جميع الأمة

ونقل النووي رحمه الله في شرح المهذب عن الإمام ابن المنذر رحمه الله أن هذا هو قول الليث بن سعد والإمام الشافعي والإمام أحمد رحمة الله عليهم قال - يعني ابن المنذر - ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي - يعني مالكًا - وأبا حنيفة رحمهما الله انتهى .

وقال جمع من العلماء: إنما يعم حكم الرؤية إذا اتحدت المطالع ، أما إذا اختلفت فلكل أهل مطلع رؤيتهم ، وحكاه الامام الترمذي رحمه الله عن أهل العلم ، واحتجوا على ذلك بما خرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن كريبا قدم عليه في المدينة من الشام في آخر رمضان فأخبره أن الهلال رئى في الشام ليلة الجمعة وأن معاوية والناس صاموا بذلك فقال أن عباس : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل العدة ، فقلت : أولاً تكتفى برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال: لا - هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : فهذا يدل على أن ابن عباس يرى أن الرؤية لا تعم وأن لكل أهل بلد رؤيتهم إذا اختلفت المطالع وقالوا : إن المطالع في منطقة المدينة غير متحدة مع المطالع في الشام .

وقال آخرون : لعله لم يعمل برؤية أهل الشام لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده ، والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج وإنما يعمل بها في الدخول .

وقد عرضت هذه المسألة على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في الدورة الثانية المنعقدة في شعبان عام 1392 هـ ، فاتفق رأيهم على أن الأرجح في هذه المسألة التوسعة في هذا الأمر ، وذلك بجواز الأخذ بأحد القولين على حسب ما يراه علماء البلاد .

قلت : وهذا قول وسط وفيه جمع بين الأدلة وأقوال أهل العلم إذا علم ذلك .فإن الواجب على أهل العلم في كل بلد أن يعنوا بهذه المسألة عند دخول الشهر وخروجه وأن يتفقوا على ما هو الأقرب إلى الحق في اجتهادهم ثم يعملوا بذلك ويبلغوا الناس وعلى ولاة الأمر لديهم وعامة المسلمين متابعتهم في ذلك ولا ينبغي أن يختلفوا في هذا الأمر لأن ذلك يسبب انقسام الناس وكثرة القيل والقال إذا كانت الدولة غير إسلامية .

أما الدولة الإسلامية فإن الواجب عليها اعتماد ما قاله أهل العلم وإلزام الناس به من صوم أو فطر عملا بالأحاديث المذكورة وأداء للواجب ومنعًا للرعية مما حرم الله عليها .

ومعلوم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن - وأسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه والحذر مما خالفه ، إنه جواد كريم .

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبهعبدالعزيز بن عبدالله بن بازرئيس الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة

الصيام حكمه وأحكامه

الصيام حكمه وأحكامه

بقلم فضيلة الشيخ سيد سابق

الصيام فريضة إسلامية وعبادة من العبادات المقررة في جميع الأديان القديمة، يقول سبحانه وتعالى: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) صدق الله العظيم

والصيام هو الإمساك عن شهوات الجسد وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مدة شهر رمضان تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لمرضاته، يقول الله سبحانه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

وورد في فضل الصيام وفضل العمل الصالح في رمضان أحاديث كثيرة نذكر بعضها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به").

وعن عبد الله بن سمرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله).وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غـُـفر له ما تقدم من ذنبه).

حكمة الصيام:

والصيام حكم وأسرار منها ما هو صحي ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو خلقي ومنها ما هو اجتماعي، يقول الطب: إن الصيام يفيد في حالات كثيرة وهو أهم علاج إن لم يكن العلاج الوحيد للوقاية من أمراض كثيرة كاضطرابات الأمعاء المزمنة والمصحوبة بتخمر في المواد الزلالية والنشوية وزيادة الوزن الناشئ عن كثرة الغذاء وقلة الحركة وزيادة الضغط والبول السكري والتهاب الكلى الحاد المزمن المصحوب بارتشاح وتورم وأمراض القلب المصحوبة بتورم والتهاب المفاصل.

خصوصا إذا كانت مصحوبة بسمنة كما يحصل عند السيدات غالبا بعد سن الأربعين.والله سبحانه فرض الصيام على هذه الأمة كما فرضه على من تقدمها من الأمم؛ ليعد النفوس ويهيئها لكل خير وبر، وذلك .. إن الصائم يترك شهواته، وأحب الأشياء إليه - مع قدرته عليها - امتثالا لأمر الله ومسارعة إلى مرضاته، وهذا من شأنه أن يورث خشية الله وينمي ملكة المراقبة ويوقظ الضمير.

ثم إن الصيام يقوي الإرادة ويعودها الصبر والاحتمال فيستطيع الإنسان مواجهة الحياة ومكافحتها بشجاعة، فلا تلينه صعابها، ولا تتغلب عليه أحداثها ، وبقدر ما تقوى الإرادة يضعف سلطان العادة وبذلك تتاح الفرص لهجر الكثير من العادات السيئة.. مثل عادة التدخين وتناول المكيفات وغيرها مما يضعف البدن ويمرضه ويذهب بالمال في غير طائل.

وبإيقاظ الضمير وتقوية الإرادة يعظم الإنسان ويشرف ويصل إلى الذروة من الفوز والنجاح.

والصيام ليس مجرد الإمساك عن المفطرات وإنما هو هجر جميع المعاصي والسيئات فلا يحل للصائم أن يتكلم إلا حسنًا ولا يفعل إلا جميلا، وإلى ذلك يشير الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:(الصيام جنة) أي وقاية من المنكرات والشرور.

وبهذا يكون الصيام درسا عمليا في أخذ النفس بالفضائل وحملها على الاتصاف بكل ما هو حسن في جميع الحالات، وبذلك تزكو وتتطهر ويصبح الإنسان مأمول الخير مأمون الشر، فإذا لم يبلغ الصيام بالإنسان هذه الغاية من التهذيب فإن صيامه لا وزن له عند الله، وأنه لا حظ من صيامه إلا الجوع والعطش، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)ويقول صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

وفي الصيام معنى المساواة بين الأغنياء والفقراء في الحرمان وترك التمتع بالشهوات وهذا من شأنه أن يرفع من نفس الفقير، إذ يجد الغني مثله في القيام بهذه الفريضة كما أنه يفجر ينابيع الرحمة والعطف في قلوب الأغنياء ويحثهم على مواساة الذين ضاقت بهم سبل العيش فتتألف القلوب وتذهب الأحقاد ويتعاون الفقراء والأغنياء على النهوض بالمجتمع وتوفير الطمأنينة له.

ولقد كان يوسف عليه السلام أمينًا على خزائن الأرض وكان يكثر من الصيام فسُئل عن ذلك فقال: (أخاف أن أشبع فأنسى الجائع).

هذه هي آثار الصيام وحكمه في النفس والخلق والمجتمع وهي آثار بعيدة المدى.

إذ إنها تعد الفرد المهذب والمجتمع الفاضل وتصل بالأمة غاياتها من الرفعة والسمو.

من أحكام الصيام:

والصيام أحكام فلا يتحقق الصيام إلا بالنية، ولابد أن تكون قبيل الفجر من كل ليلة من ليالي شهر رمضان، وتصح في أي جزء من أجزاء الليل ولا يشترط التلفظ بها.

وأجمع العلماء على أن الصيام يجب على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس فلا صيام على كافر ولا مجنون ولا صبي ولا مريض ولا مسافر ولا حائض ولا نفساء ولا شيخ كبير ولا حامل ولا مرضع، ويرخص الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يُرجى برؤه وأصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يجدون متسعًا من الرزق غير ما يزاولون من أعمال، هؤلاء يرخص لهم في الفطر إذا كان الصيام يجهدهم ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فصول الســنة وعليهم أن يُطعموا عن كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو أولادهما أفطرتا وعليهما الفدية ولا قضاء عليهما عند ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.

وعند أحمد والشافعي رضي الله عنهما: إنهما إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا فعليهما القضاء والفدية، وإن خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولدهما فعليهما القضاء لا غير.

ويُباح الفطر للمريض الذي يُرجى برؤه والمسافر ويجب عليهما القضاء، وكذلك المقاتلون الذين يحاربون حربًا فعلية أو يقومون بتدريبات شاقة تجهدهم ولابد لهم منها كضرورة من ضروريات الحرب فلهم أن يفطروا وعليهم القضاء بعد انتهاء الحرب.

واتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء، ويحرم عليهما الصيام و إن صامتا لا يصح صومهما ويقع باطلا، وعليهما قضاء ما فاتهما. ويُباح للصائم الاغتسال وشم الروائح الطيبة، كما يُباح الاكتحال والقطرة ونحوهما مما يدخل العين ولو وجد طعمه في الحلق وتـُباح الحقنة بكل أنواعها، ويصح للصائم أن يصبح جنبًا ثم عليه أن يغتسل من أجل الصلاة.

وللصائم أن يتمضمض ويستنشق ويغسل فمه بالفرشاة مع تركه المبالغة في المضمضمة والاستنشاق.ويبطل الصيام بالأكل والشرب عمدًا.

فإن أكل أو شرب ناسيا أو مخطئا أو مكرها فلا قضاء عليه ولا كفارة.

كما يبطل الصيام بالقيء عمدا فإن غلبه القيء فلا شيء عليه.

ومتى جامع الصائم بطل صومه ووجب القضاء والكفارة، والكفارة صيام ستين يوما غير اليوم الذي أفطر فيه، فإن عجز عن الصيام وجب عليه أن يُطعم ستين مسكينًا.

بيـن ربا الجاهلية وربا البنوك

بيـن ربا الجاهلية وربا البنوك
بقلم فضيلة الشيخ / محمد صفوت نور الدين - رحمه الله -
الحمد للَّه رب العالمين ، أتم النعمة ، وأكمل الدين ، وأوضح للناس سبلهم التي عليها يسلكون ، فأنزل كتابـًا حفظه بقدرته ، وبينه بوحيه ، أجمل فيه الحق وفصله ، فما أجمل في موضع ؛ فصله اللَّه سبحانه في مواضع ، لكن من الناس من يُلَبِّسون على الخلق فيرتكبون المحظور الذي حرمه رب العزة سبحانه في قوله : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ... } [ آل عمران : 7 ] .
هذا ، وإن أوضح قواعد الإسلام حرمة الربا ؛ لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين @ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } [ البقرة : 278، 279 ] فترى من في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ، فيقولون : إنما حرم اللَّه سبحانه الربا أضعافـًا مضاعفة لقوله في سورة (( آل عمران )) : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ @ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 130، 131 ] ، وإنما ذلك لأن العرب كانوا إذا أجلوا الدين جعلوا الزيادة مضاعفة لا كما يتوهم بعضهم جعلوا الأصل مضاعفـًا ، فبمرور الأعوام يكون الربا أضعافـًا لكل عام ضعف ، فإذا جعلوا في كل مائة عشرة ، فإنها بعد عام آخر تصبح عشرين ، ثم ثلاثين .. وهكذا - وليس أن تكون المائة مائتين ، ثم ثلاثمائة في كل عام ضعفـًا لأصل المال - وهذا عين الربا الذي تقوم به البنوك الربوية اليوم .
وإن المجامع الفقهية المعاصرة قررت بالإجماع حرمة الربا الصادر من البنوك الربوية ، ومن أكبرها وأقدمها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بمصر ، والذي انعقد مؤتمره الأول في سنة 1384 هـ بحضور جمع كبير من علماء أجلاء من كل العالم الإسلامي ، وقد جاء في قراراته :
إن السبيل لمراعاة المصالح ومواجهة الحوادث المتجددة هي أن يتخير من أحكام المذاهب الفقهية ما يفي بذلك ، فإن لم يكن في أحكامها ما يفي به فالاجتهاد الجماعي المذهبي ، فإن لم يف كان الاجتهاد الجماعي المطلق ، وينظم المجمع وسائل الوصول إلى الاجتهاد الجماعي بنوعيه ليؤخذ به عند الحاجة .
الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالاستهلاكي أو الإنتاجي.
الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة ، والاقتراض بالربا محرم كذلك ، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة .
فتدبر أيها القارئ الكريم هذه الفقرة التي جاءت في قرارات المجمع منذ ستة وثلاثين عامـًا ، فهي أساس عمل المجمع .
وفي سنة 1385 هـ عقد المجمع مؤتمره الثاني بحضور مئات العلماء من جميع بلدان المسلمين ، وجاء في قراراته ما يلي : أ- الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي ؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين . ب- كثير الربا وقليلة حرام ، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً . ج- الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة ، والاقتراض بالربا محرم كذلك ، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة(1) . اهـ . من قرارات مجمع البحوث الإسلامية .
هذا ، وقد لمست إن بعض الكُتَّاب والواعظين تخيلوا صورة لربا الجاهلية ، ثم حدثوا الناس بها ، حتى ظن بعض من سمعهم أن ذلك هو حقيقة الواقع ، حيث زعموا أن الربا الذي كان محرمـًا في الجاهلية إنما هو ربا اقتراض الفقراء من الأغنياء ، وأنهم كانوا يقترضون لينفقوا على مطعمهم وملبسهم وحاجاتهم اليومية ، ورتبوا على ذلك أن الربا في القروض الإنتاجية والذي يكون الطرف المقترض فيه غنيـًّا ليس هو الربا المحرم .
وهذا كلام يخالف الشرع في حكمه ، والواقع في وضعه ، وليس له من مستند تاريخي ولا من تدبير عقلي اقتصادي . وفي ذلك نتدبر أن العرب في الجاهلية لم تكن حاجاتهم الأساسية بالتي تعجز عنها نفقة المحسنين منهم ،
وذلك للأسباب الآتية :
أ- أن حاجة الإنسان في ملبسه ( إزار ) ، فإن زاد ( فرداء مع الإزار ) ، ولم يكن لكلهم إزار ورداء ، فضلاً عن أن يكون له ملبوس على بدنه ، وآخر محفوظ في بيته ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : (( أَوَ لكلكم ثوبان )) .
ب - أن اشتهار العرب بالبذل والكرم والعطاء يأبى أن ينسجم في فهمه مع وجود الفقراء والمحتاجين مجاورين لأصحاب الأموال من المرابين ولا يطعمونهم ، فإن العرب كانت تفخر بإطعام الطير ، فكيف لا تُطعم الإنسان ؟!
جـ - علمنا بنص خطبة حجة الوداع أن من المرابين في الجاهلية ( العباس بن عبد المطلب ) ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : (( ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله ، وأول ربا ابدأ به ربا عمي العباس )) .
والنبي صلى الله عليه وسلم يصف العباس هذا بما أخرجه أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفـًّا وأوصلها )) .
والحديث صححه الشيخ أحمد شاكر ، وقد جاء الحديث في (( المستدرك )) من عدة طرق .
ومعلوم أن العباس كان غنيـًّا ذا مال وفير ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم طالبه بأن يفدي نفسه يوم بدر ويدفع فداء ابني إخوته عقيل ونوفل ، ويفدي حليفه عتبة بن عمر ، ولم يحسب من ذلك عشرين أوقية كانت معه أخذها منه المسلمون في المعركة ، فقدم فداء أربعة يوم بدر ، فكان العباس ذا مال ، وكان صاحب جود وصلة ، وكان يعامل الناس بالربا في الجاهلية .
د - أن أصحاب رءوس الأموال يحرصون عليها وعلى تنميتها ، فإن أقرضوا المعدمين بربا عجز عن السداد ولا بد ، فكيف يضاعف عليه عامـًا بعد عام وهو مفلس ، وذلك يعني أن تضيع أموال أصحاب رءوس الأموال ، وهذا ما يعرفه الاقتصاديون أنه لا يتناسب مع انتظام الأسواق ؛ لأن الفقير مفلس بوضعه ، وصاحب رأس المال يجتهد في اختيار المكان الذي يضع فيه ماله خوفـًا من الخسارة ، فضلاً عن الإفلاس ، وطمعـًا في الربح ، فلا يقرض صاحب المال ، إلا أن يأخذ الضمان الكافي الذي يحقق له عدم ضياع ماله ، وهذا ما تعمله البنوك اليوم ، وهو من بدهيات الاقتصاديين ، فكيف نتصور أن القروض الربوية في الجاهلية كانت للفقراء المعدمين .هـ أن الأموال التي كانت في يد الناس من قريش كانوا يرتادون بها الأسواق ليتاجروا بها ، ولكن ليس كل صاحب مال يجد عنده المقدرة في الاتجار بالمال ؛ لذا فإنه يعهد به إلى غيره ليضارب له فيه ، وإن قصة خديجة - رضي اللَّه عنها - وقصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم بمالها مشهورة ومعلومة ، فكان التجار يخرجون بأموال الناس يتجرون فيها ، وقصة تجارة أبي سفيان التي كانت سببـًا في غزوة بدر ، بل وغزوة أُحد أيضـًا ، إنما كانت في تجارة أبي سفيان بأموال قريش جميعها من أصحابها يتجر لهم فيها .
فيُفهم من ذلك أنهم كانوا يعهدون بأموالهم للأغنياء يتاجرون فيها لهم ، ونفهم أيضـًا أن منهم من كان يتاجر معهم مضاربة في البيع والشراء على نصيب من الكسب يقتسمونه ، وأن منهم من كان يأخذ أموالهم يتاجر فيها على نسبة معلومة منها ، وذلك هو الربا ؛ لذا حكى القرآن الكريم عنهم في هذه الآية : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } [ البقرة : 275 ] ، فكأن المعاملة كانت تتم في حالة واحدة ؛ يأخذ التاجر أموال هؤلاء يبيع بها بيع المضاربة ، أو يبيع بها بيع الربا .
وهذا يدلنا على أن الفقراء كانوا يقرضون الأغنياء ليتاجروا ، طامعين في أن تكسب أموالهم إما بالمضاربة ، أو الربا ، فأصحاب الأموال القليلة ( الفقراء ) هم المقرضون والتجار الأغنياء هم المقترضون ، فتنبه .
وفي ذلك يقول القرطبي في (( المُفهم )) عند شرح حديث : (( وربا الجاهلية موضوع )) : كانت لهم بيوعات يسمونها بيع الربا ، منها : أنهم كانوا إذا حل أجل الدين يقول الغريم(2) لرب الدين : أنظرني وأزيدك ، فينظره إلى وقت آخر على زيادة مقررة ، فإذا حل ذلك الوقت الآخر قال له أيضـًا كذلك ، وربما يؤدي ذلك إلى استئصال مال الغريم في نذر يسير كان أخذه في أول مرة ، فأبطل اللَّه ذلك وحرمه ، وتوعد عليه بقوله : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [ البقرة : 275 ] ، وردهم إلى رءوس أموالهم ، وبلَّغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك قرآنـًا وسنة ، ووعظ الناس وذكرهم بذلك في ذلك الموطن(3) مبالغة في التبليغ ، وبدأ صلى الله عليه وسلم بربا العباس لخصوصيته بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ليقتدي الناس به قولاً وفعلاً ، فيضعون من غراماتهم ما كان من ذلك . ( انتهى من (( المفهم ).
وذكر ابن عباس : أن الجوع أصاب بعض قريش ، فقام فيهم هشام بن عبد مناف خطيبـًا ، فقال : إنكم أجدبتم جدبًا تقلون فيه وتذلون ، وأنتم أهل حرم اللَّه وأشراف ولد آدم ، والناس لكم تبع ، فقالوا : نحن تبع لك ، فليس عليك منا خلاف ، فجمع كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام للتجارات ، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير ، حتى كان فقيرهم كغنيهم ، فجاء الإسلام وهم على ذلك ، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعز من قريش .
قال الشاعر فيهم :
الخالطيـن فقيـرهم بغنيهم حتى يكون فقيرهم كالكافي
فهذه عادة التكافل بين العرب من فك العاني وإطعام الجائع ، والتي كانوا يمدح بعضهم بها ويفخرون بها تتنافى تمامـًا مع ما يدعيه المدعون أن ربا الجاهلية ربا استهلاكي يأخذ فيه الفقراء من الأغنياء حتى يشتد عليهم الحال فيعجز عن السداد .
لذا كتبت تلك الكلمات رغبة في توضيح حقيقة ربا الجاهلية ، وبيانـًا ليعلم أن المجامع الفقهية التي أجمعت على حرمة ربا البنوك ما كانت غافلة عن نوع الربا اليوم ، وقد أنعم اللَّه علينا بعدد من علماء الإسلام ورجالهم يجاهدون للتخلص من الربا ، ولهم في ذلك ثمار جيدة ؛ من أهمها ظهور البنوك الإسلامية ، والتي يحاول العلمانيون وأشياعهم محاربتها والتضييق عليها .
واللَّه غالب على أمره ، وعليه فليتوكل المتوكلون .
وكتبه : محمد صفوت نور الدين
(1) انظر - رعاك اللَّه - كيف أنه حرم على المقرض أن يقرض بالربا ، فلا يباح له فعله لا في حاجة ولا في ضرورة ، ولكنه قال عن المقترض : إنه لا يرفع الإثم إلا إذا دعت الضرورة ، والضرورات خمس : هي ما يهدد : الدين ، والنفس ، والعرض ، والمال ، والعقل . فقطع بذلك السبيل على دعاوى المستحلين للربا المتأولين له ، والحمد للَّه رب العالمين .(2) والغريم هنا هو ذلك التاجر الذي يرى المال يربح عنده أو وقع في ضائقة ويرجو أن يقوم منها ليسدد ما عليه ، ولا يتصور أبدًا أن يكون فقيرًا معدمـًا يطعم أهله بمال الربا ، فهذا هو ربا الجاهلية .(3) أي في حجة الوداع في اجتماع الناس يوم عرفة .
عرضُ القرآن فى ليالى رمضان
بقلم فيلة الشيخ / محمد صفوت نور الدين - رحمه الله -
عن ابن عباس (1) رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير . وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة .( رواه البخارى ومسلم )
فى الحديث الشريف : أن الرفقة الصالحة فى الزمان الفاضل ، عند هدوء شواغل الدنيا ، وطيب الزاد ( بمائدة القرآن الكريم ) : يطيب الخلق ، وتعلو الهمة ، وتهون أعراض الدنيا .
فالحديث حث للمسلم أن يتخذ الأيام الفاضلة كرمضان وذى الحجة ، ليصحب فيها أهل الفضل على الزاد الطيب فى العلم النافع من القرآن والسنة ، فيقوى العبد فى جهاد أعداء الإسلام ، ولذا كان شهر رمضان شهر الانتصارات الباهرة للمسلمين على مر العصور ، وكذلك هو شهر الجود ، والعطاء ، والألفة ، والإخاء ، والمحبة ، وزوال البغضاء ، وشهر العبادة والطاعة .
قال النووى :
من فوائد الحديث : الحث على الجود فى كل وقت ، والزيادة فى رمضان عند الاجتماع بأهل الصلاح ، ومنه : زيادة الصلحاء وأهل الخير ، وتكرار ذلك ، إذا كان المزور لا يكرهه ، ومنها : استحباب ، والاستكثار من قراءة القرآن فى رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار .
قال ابن حجر : وفيه إشارة أن ابتداء نزول القرآن كان فى شهر رمضان ، فكان يعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان ، فلما كان العام الذى توفي فيه ، عارضه به مرتين .
ومنه : أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة .
وفيه : استحباب تكثير العبادة فى آخر العمر .
ومنه : مذاكرة الفاضل بالعلم ، وإن كان لا يخفى عليه .
وفيه : فضل الليل فى رمضان عن النهار فى التلاوة ، لأن الليل يخلو من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية .
من صور جود النبى صلى الله عليه وسلم :
قال جابر : ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا . ( متفق عليه ) .
وعن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسئل شيئاً على الإسلام إلا أعطاه . قال : فأتاه رجل فأمر له بشاءٍ (2) كثير بين جبلين مِن شاء الصدقة ، قال : فرجع إلى قومه ، فقال يا قوم أسلموا ، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة . ( مسلم ) .
وعن أنس ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه غنماً بين جبلين ، فأتى قومه فقال : يا قوم أسلموا ، فإن محمداً يعطى عطاء ما يخاف الفاقة . فإن كان الرجل ليجىء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا ، فما يمسى حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها ( أحمد ) .
فكان فى عطائه صلى الله عليه وسلم يتألف القلوب فى الإسلام ، كما فعل يوم حنين ، حيث قسم الإبل الكثيرة ، والشاء ، والذهب ، والفضة فى المؤلفة ولم يعط الأنصار وجمهور المهاجرين شيئاً ، بل أنفقه فيمن كان يحب أن يتألفها على الإسلام ، وترك أولئك لما جعل الله فى قلوبهم من الغنى والخير ثم قال لمن سأل من الأنصار : " أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير ، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، تحوزونه إلى رحالكم ؟ " قالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وأشجع الناس . وكيف لا يكون كذلك ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المحمول على أكمل الصفات ، الواثق بما فى يدي الله عز وجل ، الذى أنزل فى كتابه العزيز : " وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ" ( الحديد : 10 ) وقال تعالى : " وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " ( سبأ : 39 ) .
ولقد قال صلى الله عليه وسلم لبلال : " أنفق بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالاً " وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان يقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً "وقال لعائشة : " لا توعي فيوعي الله عليك ، ولا توكي فيوكي الله عليك "
[ قال ابن الأثير : أى : لا تجمعى وتشحى بالنفقة ، فيشح عليك وتجازى بتضييق فى رزقك ، ولا توكى أى : لا تدخرى وتشدى ما عندك ، وتمنعى ما فى يدك ، فتنقطع مادة الرزق عنك ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : ابن آدم أنفق أنفق عليك " .فكيف لا يكون أكرم الناس وأشجعهم ، وهو : المتوكل الذى لا أعظم من توكله . الواثق برزق الله ونصره ، المستعين بربه فى جميع أمره ؟ ولقد كان صلى الله عليه وسلم ملجأ الفقراء والأرامل والأيتام والضعفاء والمساكين .
دوافع الشح ودوافع الجود :
الإيمان بالقضاء والقدر ، وأن الله قدر العطاء تقديراً ، وأن الله سبحانه لا يترك عبداً بغير رزق ساعة من نهار أو ليل ، يزيل عن العبد شحه ويظهر جوده . وإيمان العبد بأنه لا ينفق نفقة إلا وجدها عند الله يوم القيامة .
" فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " ذلك يُزيل شحه ويزيد جوده .
وإيمان العبد بأهوال يوم القيامة و ، وأن الله سبحانه يدفعها بالصالحات من الأعمال : " عبدى استطعمتك فلم تطعمنى ، فيقول : كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ فيقول : استطعمك عبدى فلان ، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندى .. " فإذا علم العبد بأن النفقة فى رمضان يضاعف فيها الأجر ، ويزاد فيها الثواب ، سارع بالإنفاق فى سبيل الله فى رمضان ، كل ذلك يدفع الشح ويظهر الجود .
فإذا صح اعتقاد العبد فى ربه ، واليوم الآخر ، والقضاء والقدر ، زال شُحُه ، وظهر جوده .
فإذا حسنت رفقته أعين على ذكره فى ليلة ونهاره ، عند ذلك تهون الدنيا عليه ، ويؤثر الحياة الباقية على الفانية ، فيزداد جوده وعطاؤه (3) .
ولذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان ، ورافق جبريل ، ورتل القرآن ، كان فى عطائه كالريح المرسلة ، وفى التشبيه لعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالريح المرسلة - أى : بالخير - من المناسبة البديعة ، ولذا ، فإن الله سبحانه يقول فى سورة الروم : " وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ * اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى ءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( الروم : 46-50 ) .
وهكذا يذكرنا الله بأنه أرسل الرياح ، وأرسل الرسل ، وجعل فى كل حياة ، وجعل فى الرياح بشرى ، والرسل جاءوا مبشرين ، والماء الذى تسوقه الرياح يحيى موات الأرض ، والرسل يحيون موات القلوب ، وينصر الله المؤمنين ، فإذا جاء رمضان شهر القرآن : جمع للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من بعده بين العطائين : القرآن عطاء الهداية ، والصدقة والإنفاق عطاء المال ، فيحيى به الله موات القلوب ، وموات الأبدان ، ويؤلف القلوب على الإسلام .يقول ابن حجر : يعنى : أنه فى الإسراع بالجود أسرع من الريح ، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة ، وإلى عموم النفع ، وبجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه عرض القرآن :فى حديث فاطمة عليها السلام : ( أسر إلى النبى صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضنى بالقرآن كل سنة ، وأنه عارضنى العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلى ) .
وفى حديث أبى هريرة : كان يعرض على النبى صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة ، فعرض عليه مرتين فى العام الذى قبض فيه . وكان يعتكف فى كل عام عشراً ، فاعتكف عشرين فى العام الذى قبض فيه .
ومن ذلك تفهم أن الله قد أحكم كتابه إحكاماً ، فلم تنته حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى عارضه بالقرآن ودراسه القرآن ، فكان القرآن بسوره ، فواصله ، وترتيبه ، وتلاوته ، كله وحى من عند الله سبحانه ، نصاً ، وتلاوة ، وترتيباً ، وقد حضر العرض الأخير زيد بن ثابت ، وقيل : إن ابن مسعود حضرها كذلك فلله الحمد نزل القرآن ، وحفظه ، فحفظ به الأمة ، فدين فى عنق الأمة مدارسة القرآن ، وأن تكون أكثر المدارسة له فى شهر رمضان .
---------------------
(1) راوى الحديث هو : عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وهو ابن عم النبى صلى الله عليه وسلم ، وأبوه العباس بن عبد المطلب هو العم الذى عاش على الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .وعبد الله بن عباس حبر الأمة ، وفقيه العصر ، وإمام التفسير ، وكنيته أبو العباس .ولد بشعب بنى هاشم ، قبل الهجرة بثلاث سنوات ، صحب النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاثين شهراً ، وحدث عنه أحاديث كثيرة ، وعن عمر ، وعلى ومعاذ ، وعن العباس ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبى سفيان ، وأبى ذر ، وأبى ابن كعب ، وزيد بن ثابت ، وخلق كثيرين من الصحابة ، وقرأ القرآن على أُبى وزيد ، وقرأ عليه مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وطائفة من أهل القرآن ، وروى عنه ابنه على ، وابن أخيه عبد الله ، ومواليه : عكرمة ، ومقسم ، وكريب ، وطاووس ، وسواهم كثير .وكان وسيماً ، جميلاً ، مديد القامة ، مهيباً ، كامل العقل ، ذكى النفس ، من رجال الكمال .هاجر مع أبيه سنة الفتح ، وقد أسلم قبل ذلك ، فقد صح عنه أنه قال : كنت أنا وأمى من المستضعفين ، أنا من الولدان ، وأمى من النساء .قال ابن عباس : مسح النبى صلى الله عليه وسلم رأسى ودعا لى بالحكمة .مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس له ثلاث عشرة سنة .غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبى السرح ، وروى عنه من أهل مصر خمس عشرة نفساً ، ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم " اللهم علمه التأويل وفقهه فى الدين " .ومناقبة كثيرة وعلمه غزير . فليراجع فى مواضعه من كتب الرجال .
(2) الشاء : الغنم جمع شاة .
(3) هذا هو الدواء لكل من شكا من نفسه شحاً أوشكا انصرافاً وإعراضاً .