الاثنين، 27 مايو 2013

عار يونيو ... الذكرى تقترب أم الكرّة الثانية؟!



عار يونيو ... الذكرى تقترب أم الكرّة الثانية؟!



أيام وتأتي الذكرى ...
عار يونيو الذي ما زال يأتي كسحابة سوداء كثيفة تثير الفكر والشجون، ترى ما الذي دفع بنا إلى ذلك العار، وما الذي فعله بنا ذاك الطاغية في ذلك اليوم أو قل تلك الساعات التي كانت حصاداً مراً لسنوات من العمل الإعلامي الدعائي والقمع الأمني الدموي والاضطهاد السياسي الظالم .. كانت النتيجة عاراً كبيراً لا زلنا نحمله ولم يمحه الزمن.

ذكرى عار يونيو تقترب وكأني أراهم كما هم في تلك الصباحات الغائمة رغم إشراق شمسها.
ذكرى عار يونيو تقترب وما زال فينا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة فكراً وعقلاً وأخلاقاً وفطرة.
ذكرى عار يونيو تقترب، وكل منشغل بغيره لا ينظر لنفسه في مرآته ومن يحمل له مرآته يحطمه قبل أن يحطمها ... ذكرى عار يونيو تقترب.

قال كمال الدين حسين يوما للطاغية ناصر:
ولا تكن كمن "إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم" فحبسه وفرض عليه الإقامة الجبرية ؛ ترى كيف الحال وكلنا الآن ناصر صغير إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم؟
أرى الذكرى أقرب مما يُتخيّل، ربما ليست الذكرى وإنما الكرة الثانية.

وتدوي في أذني كلمات الفاروق لسعد بن أبي وقاص –رضي الله عنهما- : ولا تقولوا إن عدونا شر منا، فلن يسلطوا علينا وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمعاصي الله كفرة المجوس لأرى ذكرى القادسية تتلاشى هي واليرموك وتحل محلهما ذكرى عار يونيو والعار المنتظر قريبا، حيث الأفضلية صارت نسبية لا تمت بصلة لمعاصي الله ولا طاعاته ولا مرضاته.

في فجر الخامس من يونيو كان المصريون ينتظرون نشرة الأخبار التي تبث عليهم خبر تحرير القدس ونسف دولة الصهاينة، ولهول المفاجئة ولكثرة الكذب ظنوا أن المعجزة تحققت وأن الله أعطاهم ما لم يعط غيرهم من الأمم وبدل سنته في خلقه فانتصروا وهم لا يستحقون، خرافة أبناء الله وأحباؤه تغزو القلوب والعقول بشدة، وبين يونيو 1967 وعاره المحفور، والعار المنتظر لم يتغير شيء سوى نمو الخرافة لتصير أكبر وأكثر انتشارا، فمن كانوا حينذاك ينكرون ، صاروا الآن يستكبرون ويظنون أنهم صفوة أبناء الله وأحبائه.

بداخل آلات معدنية محشوة بالأسلاك والمجالات الكهرومغناطيسية نمت أسطورة البعض الذاتية، ونشأت أقلام لم تسمع صرير كتابتها ليس لأن قرقعة ألواح الكاتبة عالية ولكن لأن طبول الهوى تدق بصوت أعلى من كل شيء فلا تسمع غيرها ولو حتى همسا.
هناك في تلك البقعة البعيدة المليئة بخوادم الانترنت تنمو شخصية وسطوة كل منهم وينسى أن الأمر مرتبط فقط بسريان إلكترونات قد يتوقف في جزء من ثانية تموت بها السطوة التي ليس لها أثارة من حقيقة في عالم البشر، كما يمكن أن تتوقف الحياة ذاتها فهي الأخرى مرتبطة بسريان دم ونبضات عصبية قد تتوقف في جزء من ثانية ليقول بعضهم : أراح واستراح وكُفينا شر لسانه.
وقبل عار يونيو نمت تلك الأسطورة التي غُنّي لها "أبو الثوار" و"أبو خالد" و "حكاية شعب" لتنمو الأسطورة الشعبية الفردية ويكون الفرد هو الشعب والشعب هو الفرد، فلم يستمع الشعب كله لطبول الحرب يدقها عدوهم وظنوها أصوات مجنزراتهم وأزيز طائراتهم التي كانت في ذات اللحظة تُدَك وهي واقفة في مرابضها ومطاراتها عارية إلا من غطاء كثيف من قذائف المدفعية والمدرعات والطائرات الصهيونية.

عار يونيو انغرس أكثر في قلب الأمة حين خرجت مظاهرات الغائبين المهزومين ينادون الطاغية ناصر بعد تمثيليته المحبوكة : لا تتنحى لا تتنحى، فتعمقت جذور العار أكثر وأكثر كما تتعمق الآن لدى بعضهم جذور عار معاداة إخوانه ومجاهرته لهم بالبغضاء والكراهية والاستعلاء بالعلم أو حتى بسلاطة اللسان.

قبل العار بأيام أو شهور أو سنوات عملت الآلة الإعلامية للطاغية على تخدير الشعب بتصوير إنجازات وهمية وافتعال معارك دون كيشوتية واختلاق أعداء للشعب والوطن والعروبة كلها –للصدفة البحتة- تدور حول شخص الطاغية، وكم من طاغية الآن يصور وتصَوَّر له الأمور بأنها كلها تدور حوله في فلكه الواسع، فالإنجاز هو ما يحصده والمعارك الحق هي ما يخوض والعدو هو من يعلنه عدوّا ... هناك تضخم للذات وهنا تضخم للذوات، هناك طاغية واحد حوله طغاة صغار هنا عتاة من الطغاة كلهم إمبراطور عقله يطغى به على من حوله ... صدقا ذكرى العار تقترب وربما تكون كرّته الثانية.

هناك في الستينيات عبثوا بعقول الشعب فصار العار بطولة والعهر شرفا والقمع أمنا والدين إثما، واليوم –وذكرى العار تقترب- صارت الدعارة فنا والدياثة رأيا والكبر حقّا، والكلام ثروة والعمل منقصة.
ذكرى العار تقترب والأيام تترى نبتعد من كرّة العار الأولى لندرك أن كرّة العار الثانية أدنى.
أفيقوا قبل أن نكون أهل العار، وحينها لن يكون هناك طاغية كناصر يحمل جلّه، بل هنا آلاف من الطغاة تفرغوا لطغيانهم وسلطانهم فمُنعوا العمل ورزقوا الجدل.

إبراهيم محمد
القاهرة 27-5-2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق