فصاحة غلام
دخل الحسن بن الفضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم، فأحب الحسن أن يتكلم، فزجره وقال: يا صبي تتكلم في هذا المقام؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت صبياً، فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا أنت بأكبر من سليمان عليه السلام حين قال: أحطت بما لم تحط به.
ثم قال: ألم تر أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود أولى.
ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، أتته الوفود، فإذا فيهم وفد الحجاز، فنظر إلى صبي صغير السن، وقد أراد أن يتكلم فقال: ليتكلم من هو أسن منك، فإنه أحق بالكلام منك.
فقال الصبي: يا أمير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك.
قال: صدقت، فتكلم.
فقال: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا عليك من بلد تحمد الله الذي من علينا بك، ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك، أما عدم الرغبة، فقد أمنا بك في منازلنا، وأما عدم الرهبة، فقد أمنا جورك بعدلك، فنحن وفد الشكر والسلام.
فقال له عمر رضى الله عنه: عظني يا غلام. فقال: يا أمير المؤمنين إن أناساً غرهم حلم الله وثناء الناس عليهم، فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس عليه، فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم: " ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون " .
فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة، فأنشدهم عمر رضي الله تعالى عنه:
تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
فإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق