الخميس، 22 يوليو 2010

ليلة النصف من شعبان بقلم فضيلة الشيخ : محمود شلتوت رحمه الله

ليلة النصف من شعبان
بقلم فضيلة الشيخ : محمود شلتوت رحمه الله .

هذه المقالة نقلا عن كتاب (الفتاوى) للشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله في شأن ليلة النصف من شهر شعبان 
وهي تبين بوضوح ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر وتكشف له ما يفعله أسرى الخرافات وأدعياء العلم في ليلة النصف من شعبان ، من أعمال كلها زيف وإثم . 
فاعرف أيها المسلم من هذه المقالة شيئا عن دينك الحق وكن على بصيرة من أمرك . 
هدانا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى .


قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)( ] الدخان 3، 4 ، 5 ، 6 [ .
هذه إحدى آيات ثلاث جاءت في القرآن تتحدث  عن إنزاله ، وعن الزمن الذي أنزل فيه .
والآية الثانية هي قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ( ] القدر 1 [ والآية الثالثة قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ ( ] البقرة 185 [.
وهذه الآيات الثلاث تأكيد بأن القرآن لم يكن - كما كان يزعم منكرو الرسالة  - من صنع محمد صلى الله عليه وسلم  ، وإنما هو من عند الله أنزله بعلمه وحكمته هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . 
وقد وصفت الآية الأولى الليلة التي أنزل فيها بأنها ( ليلة مباركة ) وهي الصفة التي وصف بها القرآن في قوله تعالى : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا( ] الأنعام 92 [
وسميت في الآية الثانية ( بليلة القدر ) وهو الشرف وعلو المكانة ، وبينت الآية الثالثة أن شهر تلك الليلة هو شهر رمضان الذي فرض الله على المؤمنين صومه تذكيرا بنعمة إنزال القرآن وشكرا لله عليها .
الروايات والآراء :
ومع وضوح الاتساق بين الآيات الثلاث هكذا وتساندها وشد بعضها أزر بعض في تقرير أن القرآن أنزله الله على الناس في ليلة مباركة ذات قدر وشرف ، وأن رمضان هو شهر تلك الليلة مع وضوح هذا نرى الروايات والآراء خلقت في كتب التفسير حول هذه الآيات جوا اصطرعت فيه اصطراعا أثار على الناظرين في القرآن غبارا طمس عليهم محورها الذي تدور عليه ، وباعدت بينها في الهدف الذي ترمي إليه ، وكان من ذلك ما قيل وذاع بين الناس أن )الليلة المباركة( في الآية الأولى هي : ( ليلة النصف من شعبان ) ، وأن الأمور الحكيمة التي تفرق فيها هي الأرزاق والأعمار وسائر الأحداث الكونية التي يقدرها الله ثم يظهر ما يقع منها في العام للمنفذين من الملائكة الكرام . 
ويمتد الكلام إلى التفرقة بين التقدير الذي يحصل في تلك الليلة ، والتقدير الذي يروى أيضا عن ليلة القدر ، ثم إلى الفرق بين كل من هذين التقديرين اللذين يحصلان على هاتين الليلتين ( ليلة النصف ، وليلة القدر ) وبين التقدير الأزلي لهذه الأحداث . . . يمتد الكلام في الفرق بين هذه التقديرات الثلاثة بما اعتقد ويعتقد كل مؤمن أنه خوض في محجوب وهجوم على غيوب استأثر الله بعلمها ، ولم يرد بها نص قاطع من قبله .
الناس في ليلة النصف .
وكان منه أيضا اعتقاد العامة وأشباههم أن ليلة النصف من شعبان ليلة ذات مكانة خاصة عند الله ، وأن الاجتماع لإحيائها بالذكر والعبادة والدعاء والقرآن مشروع ومطلوب . 
وتبع ذلك أن وضع لهم في إحيائها نظام خاص يجتمعون في المسجد عقب صلاة المغرب ويصلون صلاة خاصة باسم (صلاة النصف من شعبان) ، ثم يقرءون بصوت مرتفع سورة معينة هي (سورة يس) ثم يبتهلون كذلك بدعاء يعرف " بدعاء النصف من شعبان " يتلقنه بعضهم من بعض ويحفظونه على خلل في التلقين ، وفساد في المعنى ، ويكررونه ثلاث مرات : إحداها " بنية طول العمر " والثانية " بنية دفع البلاء " والثالثة " بنية الإغناء عن الناس " ويعتقد العامة أن في التخلف عن المشاركة في هذا الاجتماع نذيرا " بقصر العمر "  و " كثرة البلاء " و " الحاجة إلى الناس " وينتهز بعض تجار الكتب ليلة النصف فرصة يطبعون فيها سورة يس مع الدعاء ، ويكلفون الصبية توزيعها في الطرقات والمركبات والمجتمعات منادين على سلعتهم " سورة يس ودعؤها بخمسة مليمات " .
أما الدعاء فهو " اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإنعام ، لا إله إلا أنت ظهر الاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين . 
اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا علي في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي ، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات ، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . . . . .الخ " .
دعاء نصف شعبان :
فإذا كنت ممن لم يوفقوا إلى قراءة هذا الدعاء أو سماعه فاعلم أنهم يطلبون فيه من الله  محو ما كتبه في أم الكتاب من " الشقاوة وتبديله سعادة " و " الحرمان وتبديله عطاء " و " الافتقار وتبيدله غنى " ويذكرون في تبرير هذا الطلب وحيثياته أن الله قال في كتابه "(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) ] الرعد 39 [وهو تحريف واضح للكلم عن مواضعه  . فإن هذه الآية سيقت لتقرير أن الله ينسخ من أحكام الشرلئع السابقة ما لا يتفق واستعداد الأمم اللاحقة . أي يمحو من شريعة موسى ما يشاء ، ويثبت في شريعة عيسى ما يشاء ، وكذلك يمحو من شريعة عيسى ما يشاء ، ويثبت في شريعة محمد ما يشاء . . . وهكذا حسب ما تقتضيه سنة الله في تغير أحوال البشرية وتطورها ينسخ الله منها ما يستحق نسخه ويلزم محوه . وثبت ما تقتضيه حكمته ، ويقتضيه عدله .
وأن الأصول التي تحتاجها الإنسانية العامة كالتوحيد والبعث والرسالة وتحريم الفواحش دائمة ثابتة وهي " أم الكتاب " الإلهي الذي لا تغيير فيه ولا تبديل . وإذن فلا علاقة لآية المحو والإثبات بالأحداث الكونية حتى تحشر في الدعاء ، وتذكر حيثية للرجاء .
شهر شعبان :
والذي صحابة رسول الله رضى الله عنهم  عن النبي صلى الله عليه وسلم  وحفظت روايته عن أصحابه ، وتلقاه أهل العلم والتمحيص بالقبول إنما فقط شهر شعبان كله ، لا فرق بين ليلة وليلة . وقد طلب فيه على وجه عام الإكثار من العبادة وعمل الخير ، وطلب فيه الإكثار من الصوم على وجه خاص ، تدريبا للنفس على الصوم ، وإعداد لاستقبال رمضان حتى لا يفجأ الناس فيه بتغيير مألوفهم ، فيشق عليهم .
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم  ] أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ فقال : شعبان لتعظيم رمضان [. وتعظيم رمضان إنما يكون بحسن استقباله والاطمئنان إليه بالتدريب عليه وعدم التبرم به . أما خصوص ليلة النصف والاجتماع لإحيائها وصلاتها ودعائها فإنه لم يرد فيها شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم  ، ولم يعرفها أحد من أهل الصدر الأول .
رأي الشيخ محمد عبده :
ويجدر بي أن أسوق هنا ما كتبه الشيخ الإمام عن " الليلة المباركة " في تفسير " جزء عم "  قال أجزل الله ثوابه : " أما ما يقوله الكثير من الناس من أن " الليلة المباركة " التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة النصف من شعبان ، وأن الأمور التي تفرق فيها هي الأرزاق والأعمار ، وكذلك ما يقولونه من مثل ذلك في ليلة القدر فهو من الجرأة على الكلام في الغيب بغير حجة قاطعة . وليس من الجائز لنا أن نعتقد بشيء من ذلك ما لم يرد به خبر متوتر عن المعصوم صلى الله عليه وسلم  . ومثل ذلك لم يرد لاضطرابات الروايات ، وضعف أغلبها ، وكذب الكثير منها ، ومثلها لا يصح الأخذ به في باب العقائد ، فإنه لا يجوز أن يدخل في عقائد الدين لعدم تواتر خبره عن النبي صلى الله عليه وسلم  . ولا يجوز لنا الأخذ بالظن في عقيدة مثل هذه . وإلا كنا من الذين " إن يتبعون إلا الظن " نعوذ بالله .
وقد وقع المسلمون في هذه المصيبة : مصيبة الخلط بين ما يصح الاعتقاد به من غيب الله ويعد من عقائد الدين ، وبين ما يظن به للعمل على فضيلة من الفضائل ، فاحذر أن تقع فيه مثلهم . "
يحذرنا الأستاذ الإمام أن ننزل في عقائدنا على حكم الظن لا ينبع منه اليقين . وأن الظن لا يغني من الحق شيئا . وأن الاعتقاد بالظن قول على الله بغير علم صنو الإثم والبغي عند الله .
وقد كان هذا هو منهج الإمام في العقائد ،ومنهجه في تفسير كتاب الله ، سير في المحجة الواضحة ، واعتقاد بالحجة القاطعة ، وبعد بكتاب الله عن الظنون والأوهام . ورحمة الله على الإمام والسلام على من اتبع الهدى .
 
محمود شلتوت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق