الحنين إلى دولة الخلافة الإسلامية
اليوم السابع ... خالد صلاح
ما الذى تريده من شعب صار قمحه رهناً بأيدى الخواجات فى روسيا ولا يستطيع حماية سفنه فى الصومال أو ينزع أنياب عدوّه فى تل أبيب؟
أنت تشعر هذا الهاجس الآن فى وجدانك، أو فى الحوارات بين الناس من حولك، أو فى الحوارات الناعمة حول شموخ تركيا فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى، أو فى سرد المظالم التى تعرضت لها الدولة العثمانية بفعل مؤامرات أوروبا القديمة، أنت تشعر ذلك حتى فى دراما التليفزيون فى رمضان، الخلافة الإسلامية تبدو الآن كأنها حلم يتجدد، وكنز نحفر الأرض من تحت أقدامنا لكى يشرق على مستقبلنا من جديد، لا يهم أى قربان نذبحه عند عتبة هذا الكنز، أو أى كلمة سر ننطق بها حتى تفتح لنا أبواب مغارة الكبرياء والصمود والعزة الضائعة فى سراديب التاريخ.
صورة الخلافة الإسلامية تبدو اليوم حاضرة فى الوجدان العربى والإسلامى أكثر من أى وقت مضى، كأن جروح الكرامة العربية والإسلامية لا تجد دواء أعظم من أن تغمض العين لتحلم بما كانت عليه أمجاد الماضى. الفقراء يحلمون بالخليفة عمر بن عبدالعزيز، والمظلومون يحلمون بالخليفة عمر بن الخطاب، والمقهورون تحت الاحتلال يحلمون بالسلطان صلاح الدين الأيوبى، والطامحون من بيننا يحلمون بصقر قريش عبدالرحمن الداخل لاستعادة مجد الأندلس.
ماضى الخلافة هنا صار هاجساً، كأنها سقطت ليلة أمس فقط، ولم يتآمر عليها أعداء الأمة لتنهار آخر قلاع الخلافة العثمانية فى عام 1924. ماضى الخلافة الإسلامية هنا صار حلماً، كأن الناس لم تعد تأمل خيراً فى كل الوجوه التى تتصدر زعامة الأمة اليوم من أقصى الشرق فى جاكارتا عاصمة إندونيسيا، حتى مراكش على المحيط الأطلنطى، فى أقصى غرب العالم الإسلامى.
هذا الحلم اليقظ الناشط فى القلوب اليوم لا تفسير له سوى حقيقة واحدة لا يغشاها الباطل أبداً، مفادها أن كرامة الأمم أعظم كثيراً من طعامها وشرابها، وأن الأمة الإسلامية من بين أمم الأرض يمكنها أن تتحمل كل المحن والصعاب، فيما عدا نكوص الرايات، وجرح الكرامة، وموت النخوة والشهامة فى الأمة التى جعلها الله وسطا بين العالمين، وخير أمة أخرجت للناس جميعاً، منذ خلق الله الأرض وما عليها.
مصر من بين كل أقطار العالم الإسلامى تشعر فيها بهذا الحنين طاغياً، ربما لأن قدر هذا البلد أن يشعر أهله بمسؤولية أكبر تجاه العالمين العربى والإسلامى، أو ربما لأن واقع هذا البلد يفرض حتما أن تتحمل مصر شعباً وأرضاً وتاريخاً عبء استعادة هذه الكرامة المسلوبة بين أمم الأرض، وربما أيضاً لأن شعب مصر من بين كل بلاد الإسلام يشعر بجرح أكبر فى كرامته الوطنية، إلى الحد الذى يبحث فيه بين كل الوجوه اليوم فلا يجد جسراً يعبر به نحو الحلم، لكنه يجد حلماً يعبر به نحو الماضى. مصر تعانى جرحاً كبيراً فى كبريائها لا يداويه سوى أمل كبير بهذا الحجم، مصر لا تجد قمحاً، وقمحها رهن بأيدى الخواجات فى روسيا وكندا، ومصر يعاندها أهل النيل حتى إن ماءها التاريخى الذى كان عنوانا لفخرها الأعظم ورسوخها التليد عبر السنين صار ماء مشكوكاً فيه، ومشكوكاً فى جريانه بين ضفتى النهر وفى شرايين الوادى. مصر تأكل من لحوم الأبقار فى إثيوبيا دون أن تقوى على أن تسد الرمق هنا بين سكان الدلتا. مصر لا تستطيع أن تحمى سفنها على شواطئ الصومال، ولم تنزع بعد أنياب العدو فى إسرائيل، ولم تلملم بعد أشلاء الفلسطينيين، ولا تعرف كيف تقنع أهل غزة بأن سيفها معهم وليس مع تل أبيب. مصر التى ظن أهلها أنهم يصدرون الكهرباء إلى العالم يبيتون على الظلام الحالك فى قلب العاصمة. مصر التى عاش أهلها على تراث دولة وادى النيل تراقب فى تعاسة تفكيك السودان باستفتاء تقرير المصير الذى يتوعد فيه الجنوبيون أهل الشمال بالطلاق البائن.
مصر تحن إلى الماضى أكثر من أى وقت مضى، مصر تحن إلى العدل والقوة والكرامة والكلمة المسموعة بين أقطار الأرض، مصر تحن للخلافة الإسلامية، لأنها لم تجد فى لغة المصالح التى يسوقها السياسيون اليوم أملاً فى أن تكون لها كلمة، هؤلاء الذين يقولون لنا إن العالم لم يعد يتوحد على أساس الدين أو العرق بل على أساس المصالح، أخفقوا حتى فيما زعموا أنهم بارعون فيه، فلم يستطيعوا بناء منظومة من المصالح تضمن لنا وحدة (ولو شكلية) مع أشقاء الدين أو العروبة. أهل مصر الذين غرسوا فى أرضهم جنات يتسوّلون اليوم أقواتهم، رغم شعار المصالح المتبادلة الخفاق على أبنية السياسة، وأهل مصر يخافون من أن تعصف بهم الأقدار إلى رعب أكبر من هذا الذى يعيشون فيه، أهل مصر يحنون إلى ماضى الخلافة لأنهم ضاقوا ذرعا وشبعوا يأساً من ملوك الطوائف الذين يبتذلون الأمة وكرامتها على أرصفة العالم.
الحنين إلى الخلافة الإسلامية ليس سوى ردة فعل قاسية للهرب من واقع لا ترضاه ضمائر أهل العزة من خير أمة أخرجت للناس.
أنت تشعر هذا الهاجس الآن فى وجدانك، أو فى الحوارات بين الناس من حولك، أو فى الحوارات الناعمة حول شموخ تركيا فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى، أو فى سرد المظالم التى تعرضت لها الدولة العثمانية بفعل مؤامرات أوروبا القديمة، أنت تشعر ذلك حتى فى دراما التليفزيون فى رمضان، الخلافة الإسلامية تبدو الآن كأنها حلم يتجدد، وكنز نحفر الأرض من تحت أقدامنا لكى يشرق على مستقبلنا من جديد، لا يهم أى قربان نذبحه عند عتبة هذا الكنز، أو أى كلمة سر ننطق بها حتى تفتح لنا أبواب مغارة الكبرياء والصمود والعزة الضائعة فى سراديب التاريخ.
صورة الخلافة الإسلامية تبدو اليوم حاضرة فى الوجدان العربى والإسلامى أكثر من أى وقت مضى، كأن جروح الكرامة العربية والإسلامية لا تجد دواء أعظم من أن تغمض العين لتحلم بما كانت عليه أمجاد الماضى. الفقراء يحلمون بالخليفة عمر بن عبدالعزيز، والمظلومون يحلمون بالخليفة عمر بن الخطاب، والمقهورون تحت الاحتلال يحلمون بالسلطان صلاح الدين الأيوبى، والطامحون من بيننا يحلمون بصقر قريش عبدالرحمن الداخل لاستعادة مجد الأندلس.
ماضى الخلافة هنا صار هاجساً، كأنها سقطت ليلة أمس فقط، ولم يتآمر عليها أعداء الأمة لتنهار آخر قلاع الخلافة العثمانية فى عام 1924. ماضى الخلافة الإسلامية هنا صار حلماً، كأن الناس لم تعد تأمل خيراً فى كل الوجوه التى تتصدر زعامة الأمة اليوم من أقصى الشرق فى جاكارتا عاصمة إندونيسيا، حتى مراكش على المحيط الأطلنطى، فى أقصى غرب العالم الإسلامى.
هذا الحلم اليقظ الناشط فى القلوب اليوم لا تفسير له سوى حقيقة واحدة لا يغشاها الباطل أبداً، مفادها أن كرامة الأمم أعظم كثيراً من طعامها وشرابها، وأن الأمة الإسلامية من بين أمم الأرض يمكنها أن تتحمل كل المحن والصعاب، فيما عدا نكوص الرايات، وجرح الكرامة، وموت النخوة والشهامة فى الأمة التى جعلها الله وسطا بين العالمين، وخير أمة أخرجت للناس جميعاً، منذ خلق الله الأرض وما عليها.
مصر من بين كل أقطار العالم الإسلامى تشعر فيها بهذا الحنين طاغياً، ربما لأن قدر هذا البلد أن يشعر أهله بمسؤولية أكبر تجاه العالمين العربى والإسلامى، أو ربما لأن واقع هذا البلد يفرض حتما أن تتحمل مصر شعباً وأرضاً وتاريخاً عبء استعادة هذه الكرامة المسلوبة بين أمم الأرض، وربما أيضاً لأن شعب مصر من بين كل بلاد الإسلام يشعر بجرح أكبر فى كرامته الوطنية، إلى الحد الذى يبحث فيه بين كل الوجوه اليوم فلا يجد جسراً يعبر به نحو الحلم، لكنه يجد حلماً يعبر به نحو الماضى. مصر تعانى جرحاً كبيراً فى كبريائها لا يداويه سوى أمل كبير بهذا الحجم، مصر لا تجد قمحاً، وقمحها رهن بأيدى الخواجات فى روسيا وكندا، ومصر يعاندها أهل النيل حتى إن ماءها التاريخى الذى كان عنوانا لفخرها الأعظم ورسوخها التليد عبر السنين صار ماء مشكوكاً فيه، ومشكوكاً فى جريانه بين ضفتى النهر وفى شرايين الوادى. مصر تأكل من لحوم الأبقار فى إثيوبيا دون أن تقوى على أن تسد الرمق هنا بين سكان الدلتا. مصر لا تستطيع أن تحمى سفنها على شواطئ الصومال، ولم تنزع بعد أنياب العدو فى إسرائيل، ولم تلملم بعد أشلاء الفلسطينيين، ولا تعرف كيف تقنع أهل غزة بأن سيفها معهم وليس مع تل أبيب. مصر التى ظن أهلها أنهم يصدرون الكهرباء إلى العالم يبيتون على الظلام الحالك فى قلب العاصمة. مصر التى عاش أهلها على تراث دولة وادى النيل تراقب فى تعاسة تفكيك السودان باستفتاء تقرير المصير الذى يتوعد فيه الجنوبيون أهل الشمال بالطلاق البائن.
مصر تحن إلى الماضى أكثر من أى وقت مضى، مصر تحن إلى العدل والقوة والكرامة والكلمة المسموعة بين أقطار الأرض، مصر تحن للخلافة الإسلامية، لأنها لم تجد فى لغة المصالح التى يسوقها السياسيون اليوم أملاً فى أن تكون لها كلمة، هؤلاء الذين يقولون لنا إن العالم لم يعد يتوحد على أساس الدين أو العرق بل على أساس المصالح، أخفقوا حتى فيما زعموا أنهم بارعون فيه، فلم يستطيعوا بناء منظومة من المصالح تضمن لنا وحدة (ولو شكلية) مع أشقاء الدين أو العروبة. أهل مصر الذين غرسوا فى أرضهم جنات يتسوّلون اليوم أقواتهم، رغم شعار المصالح المتبادلة الخفاق على أبنية السياسة، وأهل مصر يخافون من أن تعصف بهم الأقدار إلى رعب أكبر من هذا الذى يعيشون فيه، أهل مصر يحنون إلى ماضى الخلافة لأنهم ضاقوا ذرعا وشبعوا يأساً من ملوك الطوائف الذين يبتذلون الأمة وكرامتها على أرصفة العالم.
الحنين إلى الخلافة الإسلامية ليس سوى ردة فعل قاسية للهرب من واقع لا ترضاه ضمائر أهل العزة من خير أمة أخرجت للناس.
المصدر : جريدة اليوم السابع
الأربعاء، 25 أغسطس 2010
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=269864&SecID=229&IssueID=129
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق