الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

حوار مع الدكتور جاسم بن سلطان مؤسس مشروع النهضة (الحلقة الأولى)

حوارمع المفكر الإسلامي والخبير الاستراتيجي الدكتور جاسم بن سلطان
مؤسس المشروع الفكري للنهضة
(الحلقة الأولى)

الدكتور جاسم سلطان أثناء الحوار مع عبد الرحمن المراكبي
درس الطب وعمل بمجال الإدارة الطبية ، لكن غرامه بالعلوم الإنسانية جعله يسعى لدراسة الشريعة على يد المشايخ وكذلك دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية ، والقراءة لابن تيمية وابن القيم وسيد قطب وسعيد حوى وغيرهم ؛ عمل مديراً لإحدى المستشفيات القطرية لمدة خمسة عشر عاماً ، انتسب إلى تنظيم الإخوان المسلمين بقطر ولكنه رأى هو وزملاءه عدم احتياج قطر إلى وجود مثل هذه التنظيمات فقرروا حل الجماعة ؛ وعكف بعدها على إعداد مشروع النهضة وهو مشروع فكري ، يعمل على معالجة عالم الأفكار من خلال إنتاج الكتب وتقديم الدورات التدريبية في المجال الفكري ، ولا علاقة له بمشروع النهضة الذي أطلقته جماعة الإخوان المسلمين في قطر ، وقد استهدف المشروع إعداد اثنين وعشرين كتاباً صدر منها سبعة كتب حتى الآن وهي : « من الصحوة إلى اليقظة .. استراتيجية الإدراك للحراك » ، « قوانين النهضة.. القواعد الاستراتيجية في الصراع والتدافع الحضاري » ، « فلسفة التاريخ » ، « الذاكرة التاريخية .. نحو وعي استراتيجي بالتاريخ » ، « التفكير الاستراتيجي والخروج من المأزق الراهن » ، « قواعد في الممارسة السياسية » ، « خطوتك الأولى نحو فهم الاقتصاد »وغيرها من الكتب.
إنه الدكتور جاسم سلطان المفكر الإسلامي والخبير الاستراتيجي ضيفنا في هذا الحوار حول مشروع النهضة ورؤيته للمستقبل عقب ثورات الربيع العربي .

·  في البداية اسمح لنا أن نسألك السؤال الروتيني من هو د.جاسم سلطان وكيف أصبحت المفكر والخبير الاستراتيجي ومؤسس مشروع النهضة ؟

د.جاسم :  خليني أبدأ من نهاية السؤال ، مفكر وخبير ومؤسس مشروع النهضة هذا كلام سرد ، أنا أزعم أن أبسط تعريف عن شخصي : جاسم محمد سلطان ، وتخصصي أساساً الطب ، ودرست إلى جانبه الإدارة ، وانشغلت في العلوم الإنسانية ، وأما الكتابة في مجال النهضة فهي أفكار تجمعت عبر مشوار العمر وحاولت أن أشترك فيها مع القراء ، أنا لا أقول عنها مشروع النهضة ، بل أقول أنها مساهمات في مشروع النهضة ، وإن كانت خيراً فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزينا عليها ، وإن كانت شراً فالله يجنب الأمة شرها.

·  دراستك  للتراث الإنساني من الشرق والغرب، وتربيتك على كتب ابن تيمية وابن القيم من السلف ، وكتب الغزالي وسيد قطب وسعيد حوى وفتحي يكن وقراءتك أيضاً لتوينبي، وهيجل وغيرهم من اليساريين ، كيف أثرت هذه القراءات في شخصية د. جاسم سلطان ؟

د.جاسم :  نشأت في بيئة متدينة ، فالأساس الديني وضع لي خارطة طريق في النظر إلى الأشياء ، وأنا واحد من الناس الذين يؤمنون أن الإسلام منظور شامل إذا ما تركب في عقل الإنسان يستطيع أن يقرأ ما يشاء وينظر إلى الحياة كيف يشاء ويعود هو نفسه ذاته كشخص يُقَّوِم الأشياء من خلال المنظور الذي يحمله ، فلم أجد معاناة كبيرة جداً لأنني أساساً درست الشريعة في سن مبكر جداً ، وقرأت الكتب الإسلامية في سن مبكرة ، ولما بدأت أتنبه أن العالم أوسع مما نقرأ ، والإنسان ابن عصره يجب أن يعرف العصر الذي نعيش فيه حتى يستطيع أن يتكلم مع غيره ؛ قرأت لكل التراث الإنساني الذي وقع بين يدي ، فاتني الكثير لكن على الأقل "خميرة" الفكر الإنساني في آسيا أو في أوروبا اطلعت عليها بشكل من الأشكال وهذه ساعدت كثيراً في تشذيب الأفكار والقدرة أيضاً على نقدها .
نحن اليوم كأمة تشارك الحضارات الأخرى في هذا العالم ، لا شك أن بيننا وبينهم حوار مستمر ، هذا الحوار أحياناً يأخذ شكل الحوار الهادي والكلمة الحسنة ، وأحياناً يصل إلى درجة السباب والتشاتم ، وأحياناً يصل إلى درجة الحروب ، لكن في نهاية المطاف هؤلاء هم البشر الذين نعيش معهم على كوكب الأرض وكلما استطعنا أن نفهمهم واستطاعوا أن يفهمونا كلما قلت الاحتكاكات الموجودة ، ومنهج القرآن { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } ، وهذا التعارف يحتاج إلى أخلاق وعلم ، وأنا حاولت قدر المستطاع أن أعرف الآخر قبل أن أحكم عليه ، وساعدني في ذلك أنني عشت في أوروبا في مرحلة الشباب مرحلة الدراسات العليا ، فلم أكن شاباً صغيراً عندما ذهبت إلى أوروبا بل نضجت الأفكار في ذهني ، وأصبح عندي طريقة للنظر في الأشياء والحكم عليها ، هذا التفاعل بين البيئتين ولَّد أشياء أعتقد أنها كانت عبارة عن "خلطة العمر" إن صح التعبير .

·  لا شك أن هناك الكثير من المعوقات والعراقيل التي تواجه النهضة في العالم الإسلامي ، ما هذه المعوقات من وجهة نظرك وكيف يمكن التغلب عليها ؟

د.جاسم :   أي نهضة من النهضات تواجهها ثلاث أشياء :
1-          عالم أفكار أدى إلى الركود وتحتاج أن تتحرر منه.
2-          عالم طموح ومستقبل تريد أن تخلقه ، ماذا تريد في المستقبل ؟
3-          وعالم وسائل تريد أن تنتجه حتى تعبر به من الواقع النائم إلى الطموح الذي تريد أن تتحرك إليه .
ونحن كمجتمعات عندنا مشكلة في عالم الأفكار أدت إلى ركود الحضارة الإسلامية ابتداءً ، وفي عالم القيم عندنا مشكلة أيضاً ، فالقيم الإسلامية راقية جداً لكن القيم المفعلة منها ضئيل جداً ، وبالتالي توجد هذه الفجوة بين ما هو مكتوب في الكتب والذي نخطب به ونحاضر به ، وبين القليل الذي يمارسه الإنسان ، وربما هذا هو سبب تفوق بقية الحضارات ولو كان ما عندهم قليل لكن المطبق كثير ، بعكس ما عندنا الموجود كثير لكن المطبق قليل جداً ؛ فعالم الأفكار عندنا يعاني من ضمور شديد جداً وهذا أعاق الحضارة الإسلامية وجعلها تصبح في تراجع باستمرار ، وهذا الموضوع الفكري يحتاج إلى عمل جبار في هذه المرحلة .
وإذا نظرنا إلى الحلم نحو المستقبل ، وما هو شكل المجتمع الذي نأمله ، سنجد ثلاثين أربعين خمسين صورة معظمها صور ضبابية ، فواحد يحلم بمجتمع مثل مجتمع الصحابة ويريد أن يرجع بكل شيء إلى مجتمع الصحابة ، وهناك آخر يريد مجتمعاً ليبرالياً مثل المجتمعات الغربية ، وبينهما كل ما لك أن تتخيله من التصورات.
ما هو المستقبل الذي نتبناه لأنفسنا ، لأجيالنا يعيشون فيه في حرية وعدالة وكرامة ومساواة في حياتهم ، لم تقف الحدود عندنا ، ولدينا عبارات كثيرة غامضة لكن عندما توضع في شكل قوانين تشكل حياة عملية نجد خلافاً كبيراً جداً عليها ، وهذه أيضاً منطقة في عالم الأفكار تحتاج إلى عمل كبير جداً.
فالطموح غير واضح بالدرجة الكافية ، أو أنه ليس عليه أجماع الغالبية ، والناس أسهل شيء عليها أن تقول نريد تطبيق الكتاب والسنة ، ولن يختلف اثنان على الجملة العامة ، ولكن عندما تتنزل إلى الواقع ، نجد عندنا إشكاليات كثيرة .
بقى العالم الثالث الذي عندنا فيه مشكلة إلى الآن وهو عالم الوسائل التي تنقلنا من عالم الأفكار إلى المستقبل الذي نريده سواء كانت الوسائل السياسية أو الاقتصادية أو الصناعية أو الزراعية وغيرها ، لم نلحق بالعصر بعد ، وما زلنا نعاني ، فالفلاح ما زال يزرع بيده ، فليس عندنا ثقافة الآلة ، والصانع ما زال يعمل بالآلة القديمة ولم يتحول إلى عامل المصنع ، قيم العمل نفسها لا زال بها إشكالية كبيرة جداً عندنا فإذا أعطيت أحداً عملاً وتظل ورائه تتابعه ومع ذلك يحدث الخطأ ، فما بالك إن تركته ، ولكن هذه مجالات فرص لنا حتى نؤجر عندما ننجز فيها شيئاً ، فهي ليست مشاكل بقدر ما هي فرص للنابهين أن يتصدوا لها ويكسبوا أجر الدنيا والآخرة.

·  ما هي تصوراتكم المستقبلية للعالم العربي في ظل التطورات السياسية والاستراتيجية بعد ثورات الربيع العربي ؟
د.جاسم :  أعتقد أنه سوف تتحقق إنجازات ممتازة ولا شك في بعض الدول العربية التي بدأت فيها الأمور تستقر ، ولا شك أن بعض الدول ستعاني صعوبات قاسية جداً حتى بعد ما تتحرر من الدكتاتوريات ، سوريا ستعاني من مشاكل حادة حتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري ؛ لا شك أن هناك درجة من الغموض تحيط في صورة المستقبل ، ولكن هذا الغموض بداخله إشارات إيجابية جداً ، فاستقرار الأوضاع في مصر الآن لدرجة من الدرجات ، واستقرار الأوضاع في ليبيا لدرجة من الدرجات ، وفي تونس ، كل هذا بداية حراك جديد ، التفاهم مع العالم الخارجي وعدم التحول إلى أداة صراع مع العالم ، وعينا بمصالحنا ، كل هذا ازداد بدرجة كبيرة جداً ، وأعتقد أن هذا مبشر جداً إن شاء الله .

المصدر : شبكة رسالة الإسلام
http://main.islammessage.com/newspage.aspx?id=15681

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق