الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

تعاليم النهضة من مدرسة الحج

تعاليم النهضة من مدرسة الحج

عبد الرحمن المراكبي


جاءت ثورات الربيع العربي مُؤذِنة ببَدء عهد جديد، بعد أن انطوى الظلم والطغيان وبدأنا نتحرَّك رويدًا رويدًا نحو النهضة والتقدم، وإن كنا نَسير ببطء شديد، إلا أنَّنا على الطريق الصحيح - إن شاء الله - ماضون.

وفي هذه الأيام يأتي الحج ليُبرِز لنا بعض تعاليم النهضة التي تُنير الطريق؛ لنسير على ضوئها، ونلتمس فيها الحلول لأزماتنا، ومِن هذه التعاليم والدروس:

• العِلم: فالحاج يحتاج إلى أن يتعلَّم مناسِك الحج وشعائره؛ حتى يستطيع الأداء على الوجه الأكمل والصحيح؛ وكذا الأمة تحتاج إلى العِلم حتى تنهَض وتتقدَّم.

• التجمُّع والوحدة: فالحجيج يؤدُّون مَناسِكهم في وقت واحد مُجتمِعين؛ ونحن نحتاج
إلى أن نتجمَّع ونتوحَّد ونتوافق؛ حتى نخرُج مِن عنُق الزجاجة، ونُنهي هذه المرحلة الانتقالية في أسرع وقت؛ لنمضي في طريق البِناء.

• المساواة بين أفراد الأمة: فكلُّ الحَجيج يرتدون ملابس مُوَحَّدة، ويؤدُّون مناسِك واحدة، ربُّهم واحد، وأبوهم واحد، وليس لأحدهم فضْل على الآخَر إلا بالتقوى، ونحن نحتاج إلى أن نُطبِّق المساواة بين الجميع؛ فلا نفرِّق بين شريف ووضيع، بل يكون الكل سواسيَة في الحقوق والواجبات.

• الالتزام بالمواقيت الزمانية والمكانية: فالحاجُّ لا يستطيع أن يَسير خلف هواه ويؤدِّي نسُكًا قبل وقته أو في غير محلِّه؛ بل إنه يَنتقِل بين المناسِك مِن منسَك إلى آخر وَفق ترتيب محدَّد، بدءًا بالإحرام، وانتهاءً بطواف الوداع، ويؤدِّي هذه المناسك في أيام محدودة تُعدُّ على أصابع اليد الواحِدة؛ ونحن نحتاج إلى أن نُحافِظ على الأوقات ونَستثمِرها، ونستغلَّها، ولا نضيِّع منها شيئًا في غير فائدة.

• الدقة في التنفيذ: فالحاجُّ يلتمس الدقة في أداء المناسِك، ويؤدي الفدية إذا وقع فيما يوجِب ذلك، ونحن نحتاج إلى أن نُتقِن أعمالنا ونُحاسِب أنفسنا إذا قصَّرنا.

• احتِرام القدسيَّة والطاعة والانقياد لما ثبت في القرآن وصحيح السنَّة دون اعتراض: فالحاج لا يستطيع أن يرفض فعل أحدِ أركان الحجِّ وإلا بطل حجه؛ ونحن نحتاج إلى أن نتجرَّد من أهوائنا، وأن نحتكِم إلى شريعة ربِّنا - سبحانه وتعالى - ولا نرفضَها.

• الصبر على أذى الناس وشرِّهم، ويظهر ذلك في النهي عن اللغو والرفث في الحج، والتحذير من إيذاء الآخرين عند أداء المناسك؛ فـ ((مَن حجَّ فلَم يَرفُث ولَم يَفسُق رجع كما ولَدَته أمُّه))؛ ونحن نحتاج إلى أن نَصبِر على إيذاء المُخالِفين لنا من التيارات الأخرى، وألا نقابل إساءتهم بالإساءة، بل نتحاوَر معهم بالحِكمة؛ وعلينا أن نحافظ على حقوق الأفراد كما أكد على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فقال: ((فإن دماءكُم وأموالَكُم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحُرمة يومِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بلدِكم هذا)).

• تبادُل المنافع والتجارة: فإذا كان الحجاج يَبيعون ويَشترون ويتبادَلون المنافع فيما بينهم، كما قرَّر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ... ﴾ [الحج: 27، 28] فإننا كذلك نحتاج إلى تبادُل المنافع مِن خلال تدوير عجلة الإنتاج، وترك المُظاهَرات الفئوية والمصالح الفرديَّة في هذا الوقت الحساس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق