الخميس، 14 مارس 2013

كده تخدعني يا أنيس ؟!

كده تخدعني يا أنيس ؟!
 عبد الرحمن ضاحي
‎"كده يا أنيس .. كنت بتخدعنا طول السنين اللى فاتت ديه كلها ؟! " بهذه الكلمات اعترض صديقي على تغيير مطابع أنيس عبيد في ترجمة الأفلام الأجنبية للسب و الشتائم و الإيحاءات الى ألفاظ أخرى أمثال "ماذا تريد بحق السماء ؟! " أو " بحق الحجيم " ، أو "تباً لك أيها الوغد" حفاظاً على الآداب العامة .

فرددت عليه بعد بسمة ممزوجة بذكريات التسعينات : " ياريت مؤلفين انهارده يخدعونا زي أنيس عبيد!!" ، فتعجب صديقي وقال : "ازاي؟! " ، فأوضحت له أن خدعة أنيس عبيد كانت "خدعة جميلة" لأجل المصلحة ومراعاة شعور الغير مثلها كمثل "الكذبة البيضاء" التي تصلح بها بين الناس !!

بتلك المسؤولية الإجتماعية كانت تتعامل مطابع أنيس عبيد و من على شاكلتها مع الألفاظ النابية التي كانت تترجمها في الأفلام الأجنبية و تحولها الى ألفاظ لائقة بالآداب العامة، فكانت تعلم أن ترجمة الفيلم سيقرأها أفراد العائلة "المحافظة" التي علّمت و مازالت تعلم أبنائها الفضائل و نبذ كل ما هو قبيح .

و على خلاف ما فعلته مطابع أنيس مع الألفاظ النابية و الإيحاءات ، كان الروائيين و المؤلفين في أيامنا هذه ، فالروايات لا بد و أن تطعم بألفاظ نابية وصلت الى "سب الدين" أو بمشهد إباحي مفصل تمام التفصيل .

وللأسف تمرر هذه الكتابات تحت مسيات عدة مثل "عوامل مساعدة تخدم العمل الفني" أو "حرية التعبير" أو "رصد الواقع بخيره و شره" أو "مايطلبه الجمهور" .. الى آخر تلك المسوغات .

عزيزي المؤلف إن ما تفعله من إقحام للبذاءات و الإيحاءات في مؤلفاتك يعد إهمالاً للمسؤولية الإجتماعية ، و تفريط واضح في القيم التي تحكمه ، لأن هذا "الأدب المكشوف" ينخر في صلب المجتمع يوما بعد يوم بخدشه و دغدغته لحياء و مشاعر القراء ، فالمجتمع المحافظ لا ينحل إلا بعد عدة ضربات موجعة في صلبه ، فينحل شيئا فشيئا ، و الأفلام خير دليل ، فأفلام هذه الأيام تحتوي على بذاءات و مشاهد لم تكن معهودة من قبل ، ولكن بتسريبها بكميات قليلة خلال فترات مديدة أصبح الأمر عاديا .

عزيزي الروائي .. مؤلفك يقع بين يدي فتيات و صبيان في سن المراهقة ، أو بعض الأفراد التي تأنف أن تقرأ مثل هذا "الأدب المكشوف" ، فمبرر الواقعية و خدمة العمل الفني له مخارج عديدة بسيطة للغاية لا تحتاج لمثل هذا التفصيل الدقيق و هذا الكشف الفاضح الخادش لحياء القارئ ، فاللبيب تكفيه الإشارة .

عزيزي الكاتب .. قرأت عن تبريرك لتمرير هذه الإيحاءات في الروايات ، بأنك ترى أن هذا "الأدب المكشوف" لا يمكن للروائي تحاشيه ، أيضاً عرفت أن "حرية التعبير" تكفل لك ما تشتهي كتابته ! ، ولكن عليك أن تعلم أن مجتمعنا الشرقي له حدود و تقاليد يجب مراعتها ، فإن كان ولا بد فالإشارة تكفيك ، لا سيما أن "حرية التعبير" صارت كلمة مطاطة و لا نملك مقياساً لتحديدها .

وعن رأي أهل الذكر قال الدكتور عبد الرحمن فوده ، مدرس البلاغة والنقد والأدب المقارن بجامعة القاهرة - لمجلة البيان - أنه لا وجاهة لما يتشدق به هؤلاء، الذين يحاولون تبرير وجود المشاهد الصارخة أو الخادشة أو الصادمة لحياء المشاهد أو القارئ بصفة عامة ، فالعقلاء من المشاهدين لا يشاهدون ولا يحبون أن تقع أعين أبنائهم على مثل هذه المشاهد الصارخة.

وأضاف فوده ، ما قيمة المشهد الصارخ في نماء أو تطور العمل الأدبي، ألا يمكن أن يكتفي الكاتب أو الروائي بإشارة إلى أن الشخصيتين الذكر والأنثى الذين يفعلان الفعل الفاضح، ولماذا
يعمد إلى وصفهما وصفًا دقيقًا من أول العلاقة الخاصة إلى نهايتها!! وهي علاقة المفترض أن تكون بين زوج وزوجة، ألا يستطيع أن يقول أي جملة تغني عن هذا الأمر؟! بلى يستطيع وسيفهمها القارئ أو المشاهد.

كما رأت الأستاذة كرمة سامى أستاذة الأدب ورئيسة قسم اللغة الإنجليزية ـ كلية الألسن ـ جامعة عين شمس: نلمس فى زيادة مساحة الجنس فى الأدب مأزقا للأدباء فهو يقربهم من القراء ويرفع من معدل توزيع أعمالهم ويمنحهم قاعدة شعبية ، ولكن هذا النوع من الأدب الغرائزى أقرب إلى التجارة الرائجة التى تحول الأنظار عن المستوى الفنى للعمل علوا وهبوطا. لذلك يتحول الجنس فى الأدب إلى سلاح ذى حدين يحقق ربحا ماديا ولكنه يبتعد بالنص عن الرسالة السامية الخاصة بالأدب والتى تحدد حجم تأثيره على حياة أفراد كل مجتمع.
و أخيراً وليس آخراً .. يجب أن يعلم كل من له قلم أنه مسؤول ، وينبغي له أن يمرر كلماته على ضميره المجتمعي قبل خطها في مؤلفه ، فإن سمح له دعه يمر ، و إن لم يسمح له فأعرض عنه .


هذا المقال منشور في مجلة Momken | ممكن العدد الرابع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق