السبت، 6 يوليو 2013

كلمة أخيرة - بقلم / أحمد سالم



الحمد لله وحده..

بعيداً عن الأحداث وقريباً منها، وهو باعتبار ما = كلمة أخيرة:

لم أكن أتمنى وصول إسلاميين كحزب حاكم، ولم أكن أتمنى أن يحصلوا على أكثر من ثلث مقاعد أي برلمان يخوضوه، تصريحاً وتلميحاً وإلغازاً وتبياناً = كررتُ هذا المعنى عبر سنتين.

1- كانت مشكلة الدعوى للإصلاح الثقافي وبناء المجتمع المدني ومؤسساته والتوسع الدعوي والاندماج في المجتمع بلا شروط حزبية= هي حصار المستبد لكل تحركاتك وهدمه لما تبنيه.

2- بعد الثورة جاءة الفرصة الذهبية لبناء مؤسساتك الاجتماعية والخيرية والحقوقية والبحثية ولتملأ الفراغ الدعوي بحركة غير حزبية، لكنك سارعت وبمعظم أطياف التيار الإسلامي إلى كعكة السلطة والسياسة، وليست المشكلة هاهنا مشكلة ثغور وتوزيع جهود كما اعتدت أن تخدع نفسك، بل المشكلة هو في توزيع الجهد على تلك الثغور فأنت تغفل ميزانه وتؤخر ما حقه التقديم وتقدم ما حقه التأخير، كما أن الطمع يغلب والتنافس يسيطر فيؤول الأمر في النهاية إلى مشاكسة ومنافسة وليس توزيع جهود، كما أنك تقبل على كل ثغر ولكن لا تضبط ميزانه فتظن أن طلب ثغر منها يعني الولوغ فيه بلا حساب ولا ميزان ولا خطة.

3- لم يكن هذا هو الخيار الأفضل، كان التوجه للبناء المجتمعي واستغلال مساحة الحرية لهدم العوائق السلطوية هو الخيار الصائب، وإن كان لابد من السياسة فيكفي منها ما لا يجعلك خصماً مناوئاً ، وما لا يؤدي لاستهلاك كل جهدك وقدراتك ومواردك لتغطية استحقاقاته، أي: نسبة معقولة من المشاركة تعطيك حضوراً هادئاً ناعماً يستفيد ولكن مع الحد الأدنى من الصراع.

4- مخاطر التوسع في الحصة السياسية تفوق بكثير مخاطر التوسع المجتمعي، فالسلطة هي التفاحة المحرمة تحيط بها النار من كل جانب ، ولست مؤهلاً مهما خادعت نفسك لخوض صراعها بخطة مفتوحة، كما أن التوسع في الحصة السياسية ، سيجعل حركتك المجتمعية حزبية أيديولوجية من أجل الحشد السياسي وهذا يفقدها أهم مقومات الإصلاح الاجتماعي وهو نفس المقوم الضائع عن الإسلاميين وهو : الحركة للدين وليس للأيديولوجيا الضيقة.

5- الدولة الحديثة غير قابلة للأسلمة، وسؤال السلطة فيها لا ينبغي أن يكون هماً إصلاحياً، وغاية ما تحتاجه هو أن تكف السلطة يدها عنك لتتحرك، هذا المعنى هو ما كان يجب أن تعقله لتحدد مساحة حركتك ووزنها النسبي، فالخطأ كان في إعطائك وزناً نسبياً كبيراً للصراع السلطوي، والخطا أيضاً كان في تصوراتك عن السلطة والدولة وإمكان أسلمتهم وآلياتك المتوهمة التي صورها لك جهلك ببنية الدولة الحديثة.

6- الحصة السياسية الكبيرة تجعلك غرضاً لكل أنواع الأسهم، تجعلك محل اختبارات عويصة جداً ليست معك مؤهلات تجاوزها، هناك معوقات وخطط إفشال. هذا صحيح، ولكن من قال إن السلطة كعكة فقد أخطأ اختيار الاستعارة منذ البداية، أنت لا تختار أتوناً ملتهباً أو مفازة مهلكة وأنت عالم بأبعاد خطرها ثم تنوح لما يلحقك هذا الخطر.

7- المشاركة المحدودة تجعلك هدفاً للاسترضاء، وتقلل بكثير مبررات محاصرتك وتساعدك على البناء المجتمعي الأهم والأبقى، كما أنها تجعلك دائماً في موقع السائل المحاسَب وليس المسؤول المحاسَب، دعك من أنها ستربك حسابات من بنوا خططهم على ما يعرفونه -للأسف- من طمعك واستعدادك للتغول.

8- نعود للحركة الاجتماعية وفلسفتها ، ليس كلامي هو كلام من القاعدة للقمة وإصلاح المجتمع لنصل لإصلاح السلطة بل هذا عندي كلام فارغ، ولكن هناك مواطن التقاء وفرق تظهر للمتأمل. نؤكد هاهنا على أن الحركة المجتمعية ليس هدفها السلطة، لابد من إلغاء فكرة من القاعدة للقمة، بل تلك الحركة نفسها هي نفسها بحد ذاتها هدف لا وسيلة، ليست الحركة الاجتماعية بغرض تربية الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الوصول للحكم ثم .. إلى آخر سمادير الوهم هذه، بل نفس الحركة المجتمعية والبناء العلمي والدعوي والأخلاقي والحقوقي ومد جسور العلاقات الإنسانية = كل ذلك هو هدفك لذاته ولذاته هو نفسه، وكثير من ترتيبك الهرمي ليس من سنن الله أن يحدث بهذا الترتيب والتتابع السببي أصلاً.

9- نزع مكونات التحزب الأيديولوجي وهدم منطق الصياد والسنارة والذي يجعل انفتاحك على المجتمع مجرد وسيلة لتصطاد سمكة جديدة تدخلها في الفرقة الناجية تنظيمك الطاهر وبيئتك النقية ومجتمعك المثالي، كل هذا عبث لا بد من إبطاله وإبطال الدعوة من أجل تحويل المجتمع لجزء من التنظيم أو التيار، كسر هذه الحواجز والذوبان في الناس تعلماً وتعليماً بجمل الكتاب والسنة ، بلا حواجز فاصلة إلا في النادر الذي تقتضيه بعض الأحكام الشرعية =هذه هي الشروط الصحية لهذه الحركة

10- وهل سيتركوننا ؟
يا صديقي هذا سؤال عبثي فانت طلبت تفاحتهم المحرمة ولم تسأل نفسك هذا السؤال، فلماذا تسأله فيما هو أقل تبعة وأخف مؤنة، كل محاولتهم لإفشال سعيك المجتمعي = سيبذلون أعظم منها عند توسعك في الصراع السلطوي، فلماذا إذن لم تترك التوسع السلطوي بناء على أنهم سيحولون بينك وبينه؟ الحركة المجتمعية غير المؤدلجة وغير الطامحة للسلطة لا يمكن أبداً مقارنة التسلط السلطوي الذي يمكن أن تتعرض له بالتسلط عليك وأنت طالب للتفاحة المحرمة.

11- لا يمكنك أن تصارع الناس على السلطة صراع الرأس ثم في الوقت نفسه تتمدد مجتمعياً ، هذه متناقضات لا تكون في الدولة الحديثة، فصراع الراس يؤدي لانتقال دائرة الصراع للمجتمع مع حرب إعلامية واقتصادية وسياسية عنيفة جداً مع استقطاب أيديولوجي حاد لا بقاء معه لأي حلم للتمدد المجتمعي.

12- ولا يمكن أن تتمدد مجتمعياً والسلطة أمام عينك فهذه مخادعة تقطع النَفَس عما يحتاجه من فسحة طويلة، فبقاء السلطة أمام عينك سيجعل التمدد المجتمعي مجرد وسيلة لها ويفقده حينئذ معظم برائته الإيمانية وصدقه العقائدي وروعته الأخلاقية. وطالما ظل التمدد المجتمعي بحلم السلطة فسيظل محكوما بمقتضياتها البراجماتية وقيودها الحزبية وقصر نفسها وصراعاتها الكثيرة السريعة المتعاقبة.

13- وإقامة الدين ليست محصورة في السلطة، وإذا كنت تقبل التدرج في السلطة؛ لأجل العجز، وتترك الجهاد لأجل العجز، فلماذا لا تستطيع أن تفهم أن التوسع في طلب السلطة هو طلب لمعجوز عنه وحججك التي تبرؤ ذمتك أمام الله في ترك سعيك لراس السلطة هي أظهر وأبين من حججك الباردة التي تسوقها مع كل شعبة إيمانية تضيعها في رحلتك لطلب رأس السلطة أو الحفاظ عليها. وطلب كشف العجز مع ضحالة معطيات الكشف عبث ، وهو كمن يترك التيمم لأن أمامه صبابة ماء يمكن بالحفر لعشرة أعوام أن تنتج بئراً، فأين وقت الصلاة إذن ؟

14- نفس التمدد المجتمعي ونشر الدين في الناس ومجاهدة الوعي المزيف المنتشر فيهم هو من أجل الشريعة الواجب تحكيمها، وشريحة المقدور عليه فيها تفوق بكثير شريحة المعجوز عنه، ومساحات التدرج المشروع فيها أبين وأبعد عن التلبيس من مساحات التدرج التي تخترق ثوابتك في سعيك للوصول للسلطة أو الحفاظ عليها.

15- لا ضمان للحرية وأنت في حركتك المجتمعية، هذا صحيح،ولهذا لم أنهك عن السياسة كلية، لكن ضماناتها أحسن بكثير من ضماناتها وأنت تصارع على الرأس، ورغم ذلك فلنهيك عن السياسة بالكلية وجه ما دمت أظهرت من نفسك أنك لا تطيق المشاركة ولا تصبر عن فتح صندوق بنادورا.

16- ليست المشاركة بأن تتوسع في أبواب تلبس الدين على العامة، وليس من تقليل الشر تجميل الدساتير والقوانين بحجاب على بدلة رقص، باب الانتفاع بالمشاركة السياسية اربطه بسعيك المجتمعي ، ولو أعرضت بالكلية عن المشاركة في أبواب التلبيس هذه، ولتكتف ببيان الحق بدون التجييش المجتمعي لرفض الباطل، بل استمر في عملك المجتمعي وسيلفظ المجتمع هذا الباطل عملياً لتظل أبواب التلبيس حبراً على ورق بدلاً من أن تسير في الناس بمباركة مشاركتك فيها.

17- كل حسابات التيار الإسلامي التي يسميها تقليلاً للشر هي حسابات مادية لا تحسب حساب الخسائر المعنوية التي يتعرض لها التيار وتتعرض لها العامة، وكثير مما يستعملون فيه التعريض والتورية ويتكئون فيه على الإجمال= يزرع بذور فساد عظيمة، ولم يدخلهم في هذه المهالك إلا إرادة التوسع وإثبات الوجود وتوهم أن من وظائفهم الدخول في كل شيء لتقليل الشر فيه بزعمهم، وبعض تقليل الشر هو زيادة فيه ولكنهم لا يحسنون الحساب.

18 - نماذج الإصلاح الثقافي والاجتماعي للإسلاميين كانت نماذج فاشلة في كثير من نواحيها، منقوصة في كثير من مكوناتها، فصارت فتنة للناس أن يقال: وماذا فعل هؤلاء ؟
أعظم خدعة تعرض لها التيار الإسلامي أنه أوهم نفسه أنه صفى وربى وأنه تمدد اجتماعياً ، وهذه كذبة كبيرة جداً سواء في علاقته بالمجتمع أو في علاقته بباقي أفراده، والحقيقة أنهم فقراء معرفياً ، يطبقون خلطة تربوية عظيمة الخلل، ويعيشون في جيتو في وسط المجتمع ، يتعاملون مع المجتمع الخارجي كأنه مجتمع أجنبي وأنهم دائرة النقاوة من دخلها نجا، ومن خرج منها هلك، شعبة من التكفير العملي تعرفها في لحن القول وإن كانوا ينكرونها بوعيهم وتقريراتهم العلمية، إلا أن الباطل لا يستعلن برأسه دائماً بل تبقى لعاعة شيطانية منه تطل برأسها في ظواهر لو لم نحسن قراءتها = لم نبصر أمراضنا.

19- أسس الوعي التي يتحرك بها الإسلاميون تحتاج لإعادة بناء وترميم ، في فهم الوحي وتفسيره وفي صياغة موازين النظر والتعامل مع الناس وتقييم المواقف ، وفي عشرات بل مئات الأبواب التي تحتاج لعمل متصل لصياغة موازينها وبث الوعي بها ، هذا وإلا فسندور في حلقة مفرغة من الأخطاء والتبريرات إلى أن يستبدلنا الله.

20- طريق الإصلاح طويل شاق، وهو نسق مفتوح لا يبلغ آخره الناس، والسعي فيه واجب متصل، والعمل على إصلاح الأجزاء الصغيرة الحساسة جزءاً بعد جزء هو المهمة المفتوحة، والله يحاسب الناس على ما بذلوه من الوسع لا على ما بلغوه من القصد.

اللهم عافنا واعف عنا واهدنا واهد بنا وتوفنا وأنت راض عنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق