السبت، 16 أكتوبر 2010

كنيسة شيكاغو تستثمر في الصكوك الإسلامية


  كنيسة شيكاغو تستثمر في الصكوك الإسلامية
حوار موقع رسالة الإسلام مع الدكتور بشر موفق
أجرت الحوار: إسراء البدر
****** 
رأى مؤسس ومدير مشروع موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي على الإنترنت الدكتور بشر محمد موفق أن الأزمات المالية التي عصفت بالغرب مؤخرا كان لها عظيم الأثر في لفت أنظار هذا الجزء من العالم إلى أعظم نظام اقتصادي عرفته البشرية وهو النظام الاقتصادي الإسلامي، مشيرا إلى أن كنيسة شيكاغو تستثمر أموالها في الصكوك الإسلامية التي تراها أكثر عدالة واستقرارا من المشتقات المالية الغربية التي أودت بالأسواق المالية إلى الهاوية.
وأوضح الدكتور موفق في حوار خاص مع شبكة "رسالة الإسلام" أن الدعوات التي ظهرت في الغرب للعمل بنظام الصيرفة الإسلامية كسبيل للخروج من الأزمة المالية العالمية الحالية تأتي انطلاقا من مبدأ الحكمة والمصلحة، بينما لا زالت القوانين والتشريعات والبيئة المصرفية والبنوك المركزية في كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية تقوم على أساس النظام الربوي الغربي انطلاقا من نهج التبعية الموجودة في أقطارنا العربية والإسلامية للعالم الغربي.
وفيما يلي نص الحوار:
في البداية.. نود أن نتعرف على فكرة تأسيس موسوعة الاقتصاد الإسلامي، من أين جاءت؟ ومتى بدأت؟
بدأت فكرة الموسوعة حين كنتُ في مرحلة الماجستير في تخصص الاقتصاد والمصارف الإسلامية، حيث عانيتُ من قلة المراجع في هذا التخصص عند كتابة الأبحاث والدراسات والتقارير، وعندها بدأتُ أجمع ما أستطيع من المراجع وأرتبها وأصنفها، حتى توفرت لي مكتبة الكترونية على الحاسب المحمول، ومن وقتها بدأت فكرة الموسوعة تراودني للبدء بها.
ولكني فضلتُ أن لا أبدأ مشروعاً علميا كبيرا كهذا حتى أتمكَّن من أغلب جوانب هذا العلم.
وبعد الانتهاء من مرحلة الماجستير والبدء بمرحلة الدكتوراه بدأت تنفيذ المشروع بتوفيق الله، وكانت اللبنة الأولى هي دراسة الجدوى العلمية للمشروع، فحصرت أكثر من 700 موقع على الانترنت وصنفتها في تسع أقسام، ومن خلال الدراسة واستشارة بعض الزملاء تبلورت واتضحت فكرة الموسوعة بشكل أكبر، ولله الحمد أولا وآخرا.
ما الهدف من تأسيس الموسوعة؟ وما هي الفئة التي تستهدفها؟
الهدف من الموسوعة بشكلٍ رئيس هو جمع التراث الإسلامي الذي يخدم هذا التخصص الهام الذي يلتفت له العالم الآن على أنه أحد أهم البدائل المتوقعة للنظام الاقتصادي الرأسمالي المتصدع، وإتاحة هذه المراجع الالكترونية لكافة الباحثين من أنحاء العالم، وكذلك أهداف أخرى مصاحبة، مثل: التعرف على أعلام هذا التخصص والباحثين فيه، ومعرفة المؤسسات المالية الإسلامية، وكذلك مواكبة أحدث البحوث المقدمة للمؤتمرات المختلفة في هذا التخصص.
أما الفئة المستهدفة من الموسوعة فهم الباحثون في تخصص الاقتصاد والتمويل الإسلامي من مسلمين وغير مسلمين والذين يرغبون في الإطلاع على هذا العلم وأدبياته.
لكن الفكرة المميزة للموسوعة هي أنها تفتح المجال للمتخصصين والمتصفحين والزوار أن يضيفوا إلى الموسوعة من خلال رفع الأبحاث والكتب والدراسات والمقالات والملفات الصوتية والمحاضرات والملفات الفيديو أيضا بحيث تكون إضافاتهم صدقة جارية لهم مادام هناك من يستفيد من الموسوعة والإضافات التي أضافوها.
هناك الكثير من الأقسام في هذه الموسوعة منها دراسات الجدوى والصيرفة والتمويل الإسلامي والفكر الاقتصادي الإسلامي والأسواق المالية وأقسام أخرى كثيرة.. فما هي آلية هذا التقسيم؟
حتى تتضح آلية التقسيم أحب أن أشير إلى أن الموسوعة تتكون من شبكة من المواقع الالكترونية ومن أربع لغات تنطق بها الموسوعة وهي العربية والانجليزية والفرنسية والمالاوية.
وهنا تظهر فكرة التقسيم حيث توجد أقسام رئيسة وأقسام فرعية تتفرع عن الأقسام الرئيسة، والأقسام الرئيسة عددها خمسة وعشرون، وهي مشتركة بين اللغات الأربع.
أما الأقسام الفرعية فهي التي تختلف حسب البحوث والدراسات المتوفرة في كل لغة، فالأقسام في الموقع الفرنسي من الموسوعة تجاوزت 50 قسما، وفي الموقع الانجليزي تجاوزت 70 قسما، بينما في الموقع العربي من الموسوعة تجاوزت 115 قسما.
من خلال إطلاعكم على أعداد الزوار والباحثين الذين ينهلون من الموسوعة يوميا.. كيف ترون الإقبال على الاقتصاد الإسلامي؟
لا شك أن مؤشرات الإقبال على الاقتصاد الإسلامي أكبر من أن تنحصر في عدد زوار الموسوعة أو المواقع الصديقة الأخرى، فهناك مؤسسات ودراسات متخصصة بهذا الأمر، لكن إن أردنا أن نسترشد بأعداد الزيارات والمشاهدات للموسوعة فهي بلا شك تعطي مؤشرا إيجابيا حيث تجاوزت حاجز عشرة آلاف زيارة يوميا خلال شهر أغسطس الماضي، ولله الحمد أولا وآخرا.
وهناك مؤشرات أخرى كبيرة تدل على الإقبال المتزايد على تخصص الاقتصاد الإسلامي، على المستويين الحكومي والبحثي في مختلف دول العالم الإسلامي والغربي.
هل ترى الأزمات المالية العالمية لعبت دورا بارزا في الإقبال على الاقتصاد الإسلامي؟
لا شك أن الدين دينُ الله، وإن الأزمات التي تعصف بالشرق والغرب هي أدوات تمحيص ودفع للباحثين نحو إيجاد الحلول لهذه الأزمات، والتي ستدلهم بالفطرة على مبادئ أعظم نظام اقتصادي عرفته البشرية وهو النظام الاقتصادي الإسلامي.
وهذا جليٌّ وواضح حتى وصل الأمر إلى أن تقوم الكنيسة في شيكاغو باستثمار محفظتها الاستثمارية في الصكوك الإسلامية التي تراها أكثر عدالة واستقرارا من المشتقات المالية (Derivatives) الغربية التي أودت بالأسواق المالية ثم الاقتصاد الحقيقي إلى الهاوية، وهذا على المستوى الديني والكنسي، أما على مستوى المؤتمرات فقد حفلت قاعات المؤتمرات الغربية والشرقية والعربية أيضا بمؤتمرات التمويل الإسلامي، حتى كدنا نرى الأزمة المالية تشكل أزمة بحثية تكاد تتوقف فيها المؤتمرات عن بحث أي أمر غير الأزمة المالية وحلولها الإسلامية.
الغرب بدا يخطو خطوات جريئة في الإقبال على الاقتصاد الإسلامي والاستفادة منه في حين أن عالمنا العربي والإسلامي لا يزال يحبو في هذا المجال.. ما هو السبب برأيكم؟
قبل الحديث عن السبب أحب أن أوضح أن الاقتصاد يتكون من قطاعات عديدة مثل: الأسواق المالية، والقطاع المصرفي، وقطاع التأمين، وقطاع الوقف، ونظام فريضة الزكاة، وغيرها، وما القطاع المصرفي إلا جزء من علم الاقتصاد كَكُلّ، وفي أمريكا كان يتراوح بين 6 – 11 % من مجموع الناتج القومي الإجمالي.
وإن التوجه الغربي هو توجُهٌ نحو الصيرفة والتمويل وليس الاقتصاد الإسلامي كاملا، فلزم التوضيح.
أما السبب فيما ذكرتموه فهو أمران رئيسان من وجهة نظري القاصرة:
الأول: أخذ الغرب بمبدأ الحكمة والمصلحة، بخلاف مبدأ التبعية الموجود في أقطارنا العربية غالبا، حيث نجد الغرب ينظرون إلى ما فيه مصلحتهم فيقدمون عليه غالبا، ولذا نرى ساعات الأذان والصلاة ينتجونها لنا لما فيها من مصلحة لهم وربح، وكذلك سجادات الصلاة، وكذلك أمور كثيرة أخرى، ومن هذا المبدأ فإنهم بدؤوا يلجئون إلى التمويل الإسلامي ليوقف الأزمة المالية العالمية عندهم، ولا أستبعد أن يتنكروا للتمويل الإسلامي بعد أن تتعافى الاقتصادات الغربية، ولكني أتمنى أن يكون في عقلائهم من يرى صلاح العالم به فيُبقي عليه حتى بعد زوال غيمة الأزمة عن سماء كوكب الأرض.
الثاني: التشريعات العربية التابعة للتشريعات الغربية، حيث ما زالت القوانين والتشريعات والبيئة المصرفية والبنوك المركزية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تقوم على أساس النظام الربوي الغربي، باستثناء بعض الدول العربية والإسلامية، لدرجة أن بعض البلاد العربية ما زالت حتى الآن لا تسمح بإنشاء بنك إسلامي على أراضيها. والله المستعان.
وإذا لم تستفد هذه الدول من مثل هذه الفرصة المواتية للسماح للمصارف الإسلامية بالنمو والتطور فلا أدري متى تتنبه لخطر النظام الربوي وتفتح أبوابها للصيرفة الإسلامية، ثم الاقتصاد الإسلامي.
لو أن مجتمعاتنا الإسلامية اتخذت من الاقتصاد الإسلامي منهجا.. كم يستغرق الأمر لنهوض اقتصادها؟
ليس هناك مدة زمنية واحدة لكل الدول، فإن الدول تختلف في استعدادها ومدة تطور أنظمتها وغير ذلك من العوامل، لكن على سبيل المثال نجد حكومة ماليزيا قد أخذت بمبدأ "عشرين عشرين" الذي أسس له مهاتير محمد، والذي تمرد على الواقع الأليم لماليزيا عام 1980، وبالفعل فخلال عشرين سنة تحولت بلاده من العالم الثالث إلى العالم الأول، وخلال خطة العشرين الثانية حتى 2020م رسم لها أن تكون رابع قوة اقتصادية في آسيا بعد الصين واليابان والهند.
ومن خلال بناء الإدارة المؤسسية وليس المركزية فإننا نرى ماليزيا لم تتخلف حين قدم صاحب هذا المبدأ استقالتَه، بل استمرت على ذات الخطة. وهذا مثال جيد يُحتَذى به.
برأيكم ما هي أفضل تجربة لدولة إسلامية نجحت في تطبيق الاقتصاد الإسلامي؟
ليس هناك دولة تطبق الاقتصاد الإسلامي كاملا، لكن هناك محاولات جادة ومميزة وناجحة في كثير من الجوانب، وأركز على تجربتين رئيستين:
1- ماليزيا: التي تميزت بتطبيق مجال الاقتصاد الإسلامي في عدة مجالات، أهمها: الصيرفة الإسلامية، والرقابة الشرعية المركزية، والصكوك (وهي الورقة المالية الأشهر عالميا، وعليها طلب من دول كثيرة مثل بريطانيا والصين وكوريا والإمارات والبحرين وغيرها)، والتخطيط الاقتصادي الإسلامي بالموازنة بين تخطيط الدولة وبين الملكية الفردية والخصخصة، والسوق المالية الإسلامية، بغض النظر عن الخلافان الفقهية بين المجلس الشرعي أو مجلس الخدمات الإسلامية بماليزيا وهيئة المعايير والمجامع الفقهية في دول الشرق الأوسط الإسلامية.
2- السودان: التي تميزت بتطبيق مجال الاقتصاد الإسلامي في عدة مجالات أيضا، أهمها: بنك السودان المركزي وفق أحكام الشريعة الإسلامية، تطهير البيئة المصرفية من أي بنك ربوي، هيئة الرقابة الشرعية المركزية، نظام الزكاة، الصيرفة الإسلامية وخدماتها، فقد بادرت مثلا بتطبيق المقاصة الالكترونية في مقدمة الدول العربية والإسلامية، السوق المالية الإسلامية (على الرغم من صغرها وقلة الشركات المدرَجة فيها) لكنها السوق الأكثر تطورا في المنطقة العربية كلها، بل إن المستثمر يعجب ويستغرب من تطور أنظمة السوق المالية عندهم، فعلى سبيل المثال هي الدولة العربية الوحيدة التي يوجد فيها بنك الاستثمار المالي الذي يختص بوظيفة إعداد نشرات الإصدار وتسعير الاكتتاب الأولي والتالي، وإدارة الاكتتابات المختلفة، وبهذا تضاهي أكبر الأسواق المالية العالمية مثل بورصة شيكاغو وطوكيو ولندن وغيرها، ولكن بأسس وقواعد إسلامية متطورة.
نختم بسؤال هل هناك أنشطة أخرى مصاحبة لشبكة مواقع موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي؟
رحم الله الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين قال: إنّ لي نفسا توّاقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلمّا نلتها تاقت إلى الخلافة، فلمّا نلتها تاقت إلى الجنّة.
فما دام الإنسان المسلم على قيد الحياة فإنه يطمح إلى المزيد مما يقربه من الله، وما أعظم ما تاقت إليه نفس عمر بن العزيز – أسأل الله أن يجمعني به في الجنة -.
ولذا فقبل عامين كانت الموسوعة فكرة، وقبل عام صارت واقعا بلغتين العربية والانجليزية، وخلال السنة الماضية زادت موقعين للغتين الفرنسية والماليزية، والحمد لله على توفيقه وامتنانه.
ومع الذكرى الأولى لانطلاقة الموسوعة في مطلع رمضان المبارك أعلنا عن فعاليتين جديدتين مصاحبتين هما:
أولا: مجلة موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وهي مجلة علمية الكترونية، يصدر العدد الأول منها في منتصف شهر سبتمبر الحالي بإذن الله تعالى.
ثانيا: منتديات موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي، والتي حرصنا أن تعتمد الحوار أساسا للمشاركات وليس نقل الأخبار ونسخها من المواقع الأخرى، بحيث تتميز بمشاركات الأعضاء الباحثين، وإثارة المَلَكة الحوارية لديهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ومع انطلاقة المنتديات كان هناك اقتراحات مميزة من بعض المشرفين والمشرفات، منها: لجنة التدقيق العلمي وتصحيح الأبحاث، ولها منتدى فرعي ضمن منتديات الموسوعة، مع أن هذا الأمر متعب وشاق على اللجنة ويستغرق أمرا طويلا، إلا أن الأخت والأخ المشرفين قد ترأسا اللجنة وأخذا على عاتقيهما إعانة الباحثين في ذلك، وتطعيم اللجنة بباحثين متمكنين.
كما أشكر كافة الإخوة الباحثين المتعاونين مع الموسوعة في مختلف لغاتها، كما أشكر الإخوة والأخوات المشرفين في منتديات الموسوعة، والأعضاء الكرام.
وهناك نشاطان مصاحبان جديدان نعلن عنهما قريبا في وقتهما بإذن الله تعالى.
ولا شك أن العمل المؤسسي أطول عمرا وأنفع وأبقى أثرا، ولذا تم تشكيل الهيئة الاستشارية لموسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وتضم عددا من الأساتذة الأكاديميين المتخصصين وكذلك المصرفيين الممارسين في تخصص الاقتصاد أو التمويل الإسلامي.
المصدر : موقع رسالة الإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق