وإن سفه عليك فاحلم ... وإذا هدأ غضبك فتكلم
وعظ الخطاب بن المعلى المخزومي القرشي ابنه فكان مما قال:
يا بني عليك بتقوى الله وطاعته وتجنب محارمه باتباع سنته ومعالمه حتى تصح عيوبك وتقر عينك فانها لا تخفي على الله خافيه ، واني قد وسمت لك وسما ووضعت لك رسما ان انت حفظته ووعيته وعملت به ملأت أعين الملوك وانقاد لك به الصعلوك ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج اليك ويرغب الى ما في يديك ، فأطع اباك واقتصر على وصية ابيك وفرغ لذلك ذهنك واشغل به قلبك ولبك .
إياك وهذر الكلام وكثرة الضحكك والمزاح ومهازلة الإخوان فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء وعليك بالرزانة والتوقر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تحكي عنك ، والق صديقك وعدوك بوجه الرضى وكف الأذى من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم ، وكن في جميع أمورك في أوسطها فإن خير الأمور أوساطها ، وقلل الكلام وأفش السلام وامش متمكنا قصدا ولا تخط برجلك ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفاف ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا ، ولا تكثر المراء ولا تنازع السفهاء فإن تكلمت فاختصر وإن مزحت فاقتصر ، واذا جلست فتربع وتحفظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها والعبث بلحيتك وخاتمك وذؤابة سيفك وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة طرد الذباب عنك وكثرة التثاؤب والتمطى وأشباه ذلك مما يستخفه الناس منك ويغتمزون به فيك ، وليكن مجلسك هاديا وحديثك مقسوما وأصغ الى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار عجب منك ولا مسألة إعادة وغض عن الفكاهات من المضاحك والحكايات ، ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا عن فرسك ولا عن سفيك.
واياك وأحاديث الرؤيا فإنك إن أظهرت عجبا بشيء منها طمع فيها السفهاء فولدوا لك الأحلام واغتمزوا في عقلك ، ولا تصنع تصنع المرأة ولا تبذل تبذل العبد ، ولا تلح في الحاجات ولا تخشع في الطلبات ... ولا تعلم أهلك وولدك فضلا عن غيرهم عدد مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم ، وأخفهم في غير عنف ولن لهم في غير ضعف ، ولا تهازل أمتك .
واذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عن عجلتك وتفكر في حجتك وأر الحاكم شيئا من حلمك ولا تكثر الأشارة بيدك ولا تحفز على ركبتيك وتوق حمرة الوجه وعرق الجبين ، وإن سفه عليك فاحلم وإذا هدأ غضبك فتكلم ، وأكرم عرضك وألق الفضول عنك ... وإذا وعدت فحقق وإذا حدثت فاصدق ولا تجهر ، بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس وتخير محاسن القول بالحديث المقبول ، وإذا حدثت بسماع فانسبه الى أهله وإياك الأحاديث العابرة المشنعه التي تنكرها القلوب وتفق لها الجلود وإياك ومضعف الكلام مثل نعم نعم ولا لا وعجل عجل وما أشبه ذلك ... ولا تمسك إمساك المثبور ولا تبذر تبذير السفيه المغرور واعرف في مالك واجب الحقوق وحرمة الصديق واستغن عن الناس يحتاجوا اليك ، واعلم ان الجشع يدعو الى الطمع والرغبة كما قيل تدق الرقبة ورب أكلة تمنع أكلات ، والتعفف مال جسيم وخلق كريم ، والصدق زين والكذب شين ، ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ، ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان.
الكتاب : روضة العقلاء ونزهة الفضلاء
المؤلف : محمد بن حبان البستي أبو حاتم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق