بين مطرقة الغلاء وسندان الفقر .. كيف السبيل ؟!
عبد الرحمن المراكبي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ..
فإن لله عز وجل سنناً في الكون لا تتغير ولا تتبدل ، ومن هذه السنن سنة الابتلاء ، ومما يبتلي الله عز وجل به عباده الغلاء ، وقد سبب غلاء الأسعار ضيقاً شديداً على الناس أما الفقراء فقد سحقهم سحقاً وأما متوسطوا الحال فهم من السحق قاب قوسين أو أدنى .
والدارس لعلم الاقتصاد يعلم جيداً أن أسعار السلع والخدمات لا تستقر على حالها، فهي تتبع حركة السوق وآلياتها، وهي حركة متغيرة بطبعها ، كما أن للغلاء أسباب عدة يتصل معظمها بالدول المنتجة للسلع وتتصل كذلك بالتضخم العالمي ؛ وهناك أسباباً أخرى داخلية تخص كل دولة على حده منها : الفساد المالي والإداري ، وخلل السياسات الاقتصادية ، ونقص الموارد ، وضعف الإمكانات البشرية ، وقلة الإنتاج المحلي وغيرها ، لكن المؤمن يعلم أن كل شيء بقدر الله عز وجل ، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فالله سبحانه وتعالى قد قدَّر كل شيء صغيرَه وكبيرَه .
قال تعالى :[ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ مِن شَىْء ] [الأنعام:38] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((أوّلَ ما خلق الله القلمَ قال له : اكتب، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقاديرَ كلّ شيء حتى تقوم الساعة)) رواه أبو داود
والابتلاء ليس قاصرًا في الشرّ وحدَه قال تعالى: [ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ] [الأنبياء:35] ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( نبتليكم بالشدّة والرخاء، والصحّة والسّقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطّاعة والمعصية والهدى والضلالة )
وليست المصيبةُ في الابتلاء لكونه سنّةً ربانية ماضية ، وإنما المصيبة في كيفية التعاملِ معه ، إذِ المفترض أن يكونَ موقفُ المؤمنين منه واضحًا جليًّا من خلال الإيمان بأنّه من عند الله، ثمّ الإدراك بأنه وإن كان ظاهره الشرّ إلا أنّه قد ينطوي على خيراتٍ كثيرة لمن وفّقه الله لاستلهام ذلك.