لماذا الخوف من الإسلاميين ؟!
عبد الرحمن جمال المراكبي
الدكتور معتز بالله عبد الفتاح - وهو أحد الكتاب المفضلين لدي - كتب مقالاً في عمودِه اليومي بجريدة الشروق بعنوان : " الخوف من الإسلاميين " ذكر فيه بعض الأمثلة على استبداد بعض الحكام باسم الدين ، وانهى مقاله بقوله : " أن الديمقراطية بجميع آلياتها المؤسسية والإجرائية (مع احترام المواد الثلاث الأولى من الدستور) هي الضمانات التي ينبغي الحرص عليها ، وليس في ذلك انتقاصاً من الإسلام (كما يتصور البعض) ، وإنما هو علاج لمرض قد يصيبنا كما أصاب غيرنا من الاستبداد باسم الدين أو بغيره " . اهـ
ومع علمي أن الكاتب لا يهاجم الحكم الإسلامي إلا أن الكثيرين قد يسيئون فهم مقاله ، ويبدو ذلك جلياً في التعليقات الواردة أسفل المقال ، والمقصود من مقالي هذا ليس الإساءة أو الرد على أستاذي الكريم فهو أحد الكتاب المحترمين أصحاب الفكر المستنير والمواقف السديدة وأحسبه من المخلصين ولا أذكي على الله أحداً .
لكن هذه الأمثلة التي ذكرها الكاتب الكريم ما هي إلا حالات استثنائية وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالمُلك العضوض ، فلماذا نجعل من هذه الاستثناءات قاعدة عامة ؟ ولماذا نتوقع أن تتكرر هذه النماذج إذا وصل الإسلاميون للحكم ؟!
ثم إن هذه النماذج السيئة للاستبداد لا تحدث إلا في فترات الضعف والتفريط في منهج الحق ، وديننا الحنيف قد بين لنا كيفية التعامل مع الحاكم المستبد ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وعلى أهل الحل والعقد أن يقوموا بتوجيه النصح له بل وعزله إذا لم يستجب إلى نصحهم .
وإذا ما عدنا إلى تاريخ بني أمية كما أراد أستاذنا فإننا نجد خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز ونرى كيف ملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً ؛ والتاريخ الإسلامي حافل بالنماذج المضيئة والأمثلة المشرقة التي تبين كيف كانت تنعم الشعوب بشتى طوائفها ودياناتها في ظل الحكم الإسلامي ، وفي المقابل نجد في تاريخ الأمم الأخرى من النماذج السيئة ما تنوء به أرفف المكتبات .
وإذا كان هناك خوف من الإسلاميين أن يتحولوا إلى مستبدين إذا ما وصلوا إلى الحكم ، فإن هذا الخوف مطروح وبشدة في حالة حكم الليبراليين والعلمانيين أيضاً ، وكما ذكر أستاذنا بعض الأمثلة حول الاستبداد في عصر بني أمية وغيرهم فإن الديمقراطية قد أتت إلينا بأعظم ديكتاتور عرفته البشرية في العصر الحديث : " أدولف هتلر " في ألمانيا ؛ ذلك الديكتاتور الذي تسبب في مقتل أكثر من 75 مليون شخص .
أيضاً جاءت الديمقراطية بـ "موسوليني " في إيطاليا & "فرانكو " في أسبانيا & " أتاتورك " في تركيا ؛ وقبل هؤلاء : " نابليون " في فرنسا & " لينين " ثم " ستالين " في الاتحاد السوفيتي ، وقبل كل هؤلاء جاء : " كرومويل " & " ريشيليو " & " لويس الرابع عشر " & " روبسبيير " ؛ ألم يكن كل هؤلاء المستبدين الديكتاتوريين أبناء شرعيين للديمقراطية ؟! أليست الديكتاتورية في حقيقة أمرها وليدة الديمقراطية نفسها ؟!
ثم اعلم يا سيدي أن الدولة الإسلامية دولة شرعية لا تعرف الاستبداد باسم الدين ، وأن النظام السياسي الإسلامي لا يقر بحال سيطرة الديكتاتور وإن ادعى أنه حاكم عادل ، لأن الحاكم في هذا النظام هو في الأصل محكوم بشرع سماوي حكيم واضح يحقق مصالح العباد في الدنيا وفي الآخرة ، ولا يجوز له أن يخرج عن أحكام هذا الشرع ، كما أن هذا النظام يقوم في الأساس على العدل والمساواة وإقرار الحقوق والحريات وإعمال مبدأ الشورى ، فالسيادة في الدولة الإسلامية لله تعالى متمثلة في أحكام شريعته الخالدة ، ولا سيادة ولا وصاية لفرد من الأفراد ولا لطبقة من الطبقات على الأمة .
والسؤال الذي يطرح نفسه على أستاذي الحبيب : أي ديمقراطية تريد ؟!
- هل تريد الديمقراطية الرئاسية كما في أمريكا ؟
- أم تريد الديمقراطية البرلمانية كما في انجلترا ؟
- أم تريد ديمقراطية النظام المجلسي كما في سويسرا ؟
- أم تريد الديمقراطية المختلطة كما في فرنسا ؟
فللديمقراطية صور كثيرة تعبر عن إرادة أمة واعية ، والديمقراطية فكرة واسعة فضفاضة لا تكاد تقف لها على صورة تتطابق مع صورة أخرى ، وكل هذه الديمقراطيات ما هي إلا نماذج غير متطابقة تدل على أن لكل أمة خصوصيتها ، وإذا كانت هذه الأمم مع تقارب ظروفها قد راعت الخصوصيات فكيف لا يراعي المسلمون الخصوصية التي تتعلق بثقافتهم ودينهم ؟!
فالحل إذاً ليس في الديمقراطية كما خلُص أستاذنا في نهاية مقاله إلى أن الديمقراطية بآلياتها هي الضمانات الوحيدة التى ينبغى الحرص عليها ، وإنما يكمن هذا الضمان في وعي الشعب وقدرته على لفظ أي حكم مستبد من خلال الآليات التي يكفلها له شرعنا الحنيف ؛ فالشعب في النظام الإسلامي يراقب الحاكم ويناصحه ، ويحاسبه ، ويملك عزله إن حاد عن الطريق السليم وخرج عن إطار الشرعية ، والحاكم ما هو إلا وكيل عن الأمة يستمد سلطانه منها ؛ بل إن شرعنا الحنيف يوجب علينا عدم طاعة الحاكم في المعصية ، واعلم يا سيدي أننا نحن من يصنع الفرعون ، وإني أرى في شبابنا اليوم رجالاً لا يسمحون لأحد كائناً من كان أن يستبد عليهم باسم الدين أو باسم أي شيء آخر .
كما أنه لا يستطيع أحد الإسلاميين أن يزعم أن اجتهاده الذي يطرحه لحل مشاكل الأمة هو الإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإنما هو محض اجتهاد قد يصيب حكم الله وقد لا يصيبه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسل أميراً في سرية أوصاه بوصايا منها قوله كما في صحيح مسلم :
َإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ .
ولما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكما حكم به فقال: "هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر فقال: لا تقل هكذا ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب".
إن واجب الإسلاميين في هذه الفترة أن يقوموا بتوعية العامة حول سماحة الإسلام وعمومه وشموله ، وصلاحيته لكل زمان ومكان ، عليهم أن يفرقوا بين الثابت والمتغير من شرع الله ، فتعاليم الإسلام في تنظيم شئون المجتمع ليست جامدة ، بل هي تعاليم ذات هدف واضح وثابت ولكن طريق الوصول إلى هذا الهدف قابل للتغيير في ضوء ظروف كل مجتمع ، فتطبيق مبدأ صلاحية الإسلام في كل زمان ومكان يؤخذ عملياً بمراعاة المرونة حسب حاجات كل مجتمع وظروفه بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية القطعية ، فشريعتنا الإسلامية على قسمين : قسم ثابت لا خلاف عليه ولا نملك أن نخالفه ، وقسم متغير فيه مرونة وليس هذا محل للتفصيل في هذه المسألة .
وأخيراً : أرجو أن لا نتخذ مواقف استباقية من الإسلاميين تجور على حقهم فى الممارسة السياسية والمشاركة فى الشأن العام .
وفق الله مصر لما فيه الخير وحفظها من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق