الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح: الشريعة معركة كل مسلم، وتطبيقها فرض على كل مؤمن

الدكتور محمد يسري الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح : الشريعة معركة كل مسلم، وتطبيقها فرض على كل مؤمن

حاوره :عبدالرحمن المراكبي

الهيئة الشرعيَّة للحقوق والإصلاح هيئةٌ عِلمية إسلاميَّة وسَطية مستقلَّة، تتكوَّن من مجموعةٍ من العلماء والحُكَماء والخبراء من شتَّى التيَّارات الإسلامية المختلفة، وقد نشأَت الهيئة في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ في محاولةٍ لاجتماع أهل العلم في الأمَّة على كلمةٍ سواء؛ للخروج بها من الأزمات، والمُشاورة في النَّوازل المستجدة بما يُكثِّر الخير ويَدْفَع الشَّر، ويحقِّق المصالح ويَدْرَأ المفاسد.

 وعن تأسيس الهيئة وأهدافها، ونظرتِها إلى الحياة السياسية في مصر، وعلاقتها بالأزهر، ورؤيتها لتطبيق الشَّريعة الإسلاميَّة، وموقفها من الأحزاب الإسلاميَّة الموجودة على الساحة المصريَّة؛ كان لنا هذا الحوار مع الدكتور "محمد يسري إبراهيم" الأمين العام للهيئة، فإلى نَصِّ الحوار:

نريد من فضيلتكم نبذةً يسيرة عن الهيئة؛ متى أُسِّست؟ وما أهدافها، والدافع إلى تأسيسها؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصَّلاة والسلام على سيِّد المرسلين سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إذا صحَّ أن الثورة كنت مِحنةً، فإنَّها من جهةٍ أخرى كانت منحة؛ فإنَّ هذه "الهيئة الشرعيَّة للحقوق والإصلاح" قد وُلِدَت من رَحِم هذه الثورة، وفى بواكيرها الأولى اجتمع عددٌ من المشايخ والعلماء بمسجد بلال، وتشاوروا في أمرِ ما يَجري، وفي حُكمه الشرعي، وفي الواجب على الأئمَّة والعلماء والدُّعاة وطلَبة العلم، فانتهوا إلى أنَّ ما يجري ليس خروجًا عن الشرعيَّة، وأنه يحقِّق شيئًا من المَصالح، وإنِ اكتنفَتْه بعضُ المفاسد، فهي مغمورةٌ في كفَّة المصالح الرَّاجحة - بحمد الله - فأخرجَتْ هذه الجماعةُ من المشايخ والعلماء والدُّعاة بيانًا وقَّع عليه بضعةٌ وثلاثون عالِمًا وشيخًا من أهل العلم المعتبَرين، من أعيانهم فضيلة الدكتور "نصر فريد واصل"، والدكتور "علي السَّالوس"، والدكتور "عبدالستار فتح الله سعيد"، والدكتور "محمد عبدالمقصود"، والدكتور "محمد إسماعيل المقدم"، والشيخ "نشأت أحمد"، وغيرهم من العلماء والدعاة الذين لهم كلمةٌ في الأمَّة مسموعة.

ثم مع بداية الأحداث وتفاقُمِها، اقتُرح أن يَخرج بيانٌ ثانٍ، فاجتمع فيه عددٌ أكبر من العدد الأوَّل، ومع خروج البيان الثاني نشأَتْ فكرة "الهيئة الشرعيَّة للحقوق والإصلاح"، وبمجرَّد هذا اجتمعَت "الهيئة الشرعيَّة" اجتماعين؛ أحدهما كان قبل التنحِّي، والثاني كان ثاني يوم التنحِّي مباشرةً.

وفي هذه الأثناء والآونة، كان المشايخ يَرْقبون الأحداث، ويُراقبون المواقف، ويعدُّون لائحةً تأسيسيَّة "للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، جرى التَّوافق عليها ثاني أيام التنحِّي مباشرة، وتأسَّست "الهيئة الشرعية" في ذلك التاريخ، وعقَدَت جمعيَّتَها العموميَّة الأولى بعد هذا التنحِّي مباشرة، وقد ضمَّت في عضويتها - بحمد الله تعالى - عددًا كبيرًا من العلماء والدُّعاة من مختلِف الاتِّجاهات والتوجُّهات الإسلاميَّة؛ فمن أنصار السُّنة المحمدية فضيلةَ الشيخ الدكتور "جمال المراكبي"، وكذلك الشيخ الدكتور بدالله شاكر الجنيدي"، وفضيلة الشيخ "محمد حسان"، وفضيلة الشيخ "محمد حسين يعقوب"، وعددًا من أهل العلم والفضل.

ثم انضم إليها من الجمعية الشرعيَّة رئيسُ الجمعية الشرعية ووكيلها العلميُّ الدكتور "طلعت عفيفي"، والدكتور "عمر عبدالعزيز" من علماء الجمعية الشرعية، والدكتور "مروان شاهين"، والدكتور "الخشوعي" وكيل كلية أصول الدين، وعضو هيئة كبار علماء الجمعية الشرعيَّة، وعددٌ من علماء الأزهر المستقلِّين الذين لا يُمَثلون في جمعيَّات أو هيئات كالدكتور "شهاب الدين أبو زهو"، والدكتور "ياسر الفقي"، وعددٍ من مشايخ الكليات الشرعيَّة، ومشايخ وأئمَّة الأوقاف بالأزهر.

أيضًا مُثِّل الإخوان في هذه "الهيئة الشرعية" كما مُثِّلت جمعيات واتجاهات سلفيَّة متعدِّدة؛ كالدعوة السلفيَّة في الإسكندرية، قد حضر ممثلاً عنها عددٌ من مشايخها: الشيخ "سعيد عبدالعظيم"، والدكتور "ياسر برهامي"، والدكتور "محمد إسماعيل"، والدكتور "أحمد فريد"، وغيرُهم من العلماء والفضلاء.

وبهذا اكتملَ لهذه الهيئة الوَفْرةُ في المشايخ وأهل العلم، والتنوُّعُ أيضًا في المشارب والتوجُّهات، والتنوع والتعدُّد في التخصصات؛ للاجتماع على إنهاض الأمَّة، وإسماعها كلمةَ رُشدٍ وكلمةً سواء في قضاياها ونوازلِها المختلفة.

تأسَّست "الهيئة الشرعية"، وكان على رئاستِها أوَّل ما تأسَّست فضيلة الدكتور "نصر فريد واصل" مفتي الديار المصرية السابق، وكان في نيابته فضيلة الأستاذ الدكتور "علي السالوس"، ثم أضيف نائبان: فضيلة الشيخ "محمد عبدالمقصود"، وفضيلة الشيخ "محمد حسان"، ثم انتُخب من أعضاء هذه الهيئة الشرعية عشرةٌ مَثَّلوا مجلس الأُمَناء، فمجلس الأمناء مكوَّن من فضيلة الدكتور "محمود مزروعة" عميد كلية أصول الدين الأسبق، وفضيلة الدكتور "عبدالستار فتح الله سعيد" أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر سابقًا، وفضيلة الدكتور "عمر بن عبدالعزيز"، وفضيلة الدكتور حمد إسماعيل"، وفضيلة الدكتور "سعيد عبدالعظيم"، وفضيلة الشيخ "مصطفى محمد"، وفضيلة الدكتور "صفوت حجازي"، وفضيلة الدكتور "طلعت عفيفي"، وفضيلة الشيخ "نشأت أحمد"، وفضيلة الدكتور "عبدالله شاكر"، إضافةً إلى الأمين العامِّ الدكتور "محمد يسري".

وأهداف هذه الهيئة الشرعية على رأسها:
العملُ على وَحْدة الكلمة، والاعتصام بالكتاب والسُّنة، وتقديم البحوث المفيدة والنافعة للأمَّة في نوازلها، وإصدار البيانات والفتاوى المتعلِّقة بالشأن العامِّ وبالشأن المصريِّ على وجهٍ خاص، وإعادةُ واستعادة دورِ العلماء والحُكَماء في ترشيد هذه الأمَّة، وتوجيه مسيرتها، والدِّفاع عن الحقوق الشرعيَّة، والحُرِّيات المَصُونة والمَرْعِيَّة، ومحاولة تقديم أنموذج للتَّعاون والتنسيق بين مختلِف الفئات والطوائف والقوى الإسلاميَّة الموجودة على الساحة؛ بما يمثِّل أنموذجًا يمكن احتذاؤه في بلاد المسلمين كافَّة، والتمهيد لإنشاء التيَّار الإسلامي العامِّ الذي يجمع أهل السُّنة جميعًا تحت لواءٍ واحد، وتحت راية واحدة، وأيضًا محاولة تقريب وجهات النَّظر، والتنسيق بين المشتغلين بالعمل السِّياسي والحزبي من الاتِّجاهات والطوائف الإسلاميَّة.

كيف تم اختيار أعضاء الهيئة؟
الأعضاء دُعوا بناءً على ما لهم من قبولٍ في الساحة الإسلاميَّة، وما لهم من حضورٍ وقدَمٍ ثابتة وراسخة في مجتمع أهل السُّنة والجماعة في مصر، ولهذا أنت ترى - بحمد الله - أنَّ الأعضاء الذين دُعوا لاجتماع هذه الهيئة، والذين تَداعَوْا أيضًا إلى الدُّخول فيها: نخبة وصفوة ممتازة من علماء ودعاة البلاد، ويمثِّلون القادة والمؤثِّرين في كل اتِّجاه، سوف تجد أنَّ أنصار السُّنة ممثَّلةٌ بصفوة مشايخها وعلمائها، وكذلك سوف تجد أنَّ الجمعية الشرعية ممثَّلةٌ بصفوةٍ من مشايخها وعلمائها، وكذلك الاتجاهات السلفيَّة كافَّة، وكذلك الإخوان المسلمون مُثِّلوا بالشخصيات العلميَّة والدَّعوية ذات القبول الواسع؛ أمثال الدكتور "عبدالستار فتح الله سعيد" والدكتور "محمود مزروعة"، كذلك وُجِد تمثيلٌ قويٌّ لمشايخ وأساتذة الأزهر وغيرهم.

فالأساس الذي على أساسه وقَعَ الاختيارُ والترشيح هو الانحياز إلى منهج أهل السُّنة والجماعة، والسلامةُ والبَرَاءة من الانحرافات العقديَّة، والتوجُّهاتِ البِدعيَّة، وحسْنُ القبول والسِّيرة والسمعة في الساحة الدعويَّة المصرية، والحضورُ في قضايا الشأن العامِّ والقضايا العامَّة التي تهمُّ أهل مصر، ويحتاج الناس فيها إلى سماعِ الكلمة من أهل العلم.

هذه هي الشروط التي اخْتِيرت؛ شروط في الكفاية العلميَّة والشرعية، وشروطٌ في الدراية الواقعيَّة، والحضور في القضايا العامَّة، مع حسن السُّمعة والسيرة والمسلكِ في الساحة الدعوية.

وهل توافقون على انضمام أعضاء جدد لها؟
هذا الأمر مَردُّه إلى الجمعية العموميَّة، وأعضاء هذه الهيئة الشرعية زاد على ثمانين عضوًا، وربما لا يزال في الوقت فُسحة، وفي العدد بقيَّة؛ بحيث يكتمل أعضاء الهيئة إلى مائة عضو - إن شاء الله.

بعد تدشين الموقع الرسمي للهيئة، هل تنوون إنشاء صحيفةٍ تتحدَّث باسمكم؟
ننتوي بمشيئة الله تعالى إصدارَ جريدةٍ، وننتوي إصدار مجلَّة، وننتوي إنشاء قناة فضائيَّة إسلامية منوَّعة، تهتمُّ بالقضايا العلميَّة والدعوية والاجتماعية والسياسية على حدٍّ سواء.

• كيف تنظر الهيئةُ إلى الحياة السياسية ومستقبل الأمة المصرية؟
ترى الهيئة الشرعيَّة أنَّ بابًا من الحُرِّية قد انفتح يسمح لكثيرٍ من الإسلاميِّين بالمشاركة لصناعة الحياة في بلادهم، وفي إنهاضها وإقامتها على أسسٍ شرعيَّة صحيحة، وترى الهيئةُ أنَّ هذا المجال يمكن أن يكون سببًا في تكثير المصالح، وتقليل المفاسد، وفَتْح الطريق أمام الدُّعاة؛ للعودة إلى مساجدهم ومنابرهم، والتفرُّغِ للقيام بواجباتهم الشرعيَّة التي ينبغي أن يقوموا بها؛ من تعليم النَّاس وتربيتهم، والأخذ بأيديهم، وتطوير مجتمعاتهم، وإنهاضها وإقامتها على منهجٍ رشيد، وعملٍ سديد - بإذن الله تبارك وتعالى.

أقامت الهيئة مؤتمرًا حاشدًا عن وجوب تطبيق الشريعة الإسلاميَّة، كيف سيكون التَّعامل مع غير المسلمين إذا تم تطبيق الشريعة؟
غير المسلمين يتمتَّعون في ظلال هذه الشريعة بكلِّ حقوقهم المشروعة، وبجميع حُرِّياتهم المسموحة؛ يتمتَّعون في ظلال الشريعة وينعمون، وقد عاشوا كذلك على مدار ثلاثة عشر قرنًا يتفيَّؤون ظلال هذه الشريعة السمحة، فما وجَدوا اضطِهادًا، ولا نالهم شيءٌ من عسف وظلم، وما قد يقع هنا أو هناك، أو يعبَّر عنه بوقوع شيءٍ من التضييق أو الاضطهاد، أو ما يُشبه هذا لا يَعْدو أن يكون حوادث فرديَّة، تؤكِّد القاعدة التي نَذْكُرها على أنَّ بُطون الكتب تشهد بهذا التَّسامح الذي لقِيَه نصارى مصر في ظلال الشريعة السمحة، والمقارنة تبدو واسعة، والبَوْن يبدو واسعًا بين الطريقة التي كان يُعامِل بها الرُّومانُ أقباطَ مصر، وبين التعامل الذي لقيه الأقباطُ من المسلمين.

تقليب صفحات التَّاريخ تنبِّئنا بأنَّ أقباط مصر تهلَّلت وجوهُهم يوم أنْ دخلَ المسلمون مصر؛ لأنَّهم خلَّصوهم من ظلمٍ واستعباد مهين، وأبدلوهم بهذا عزًّا وكرامة، وأمنًا وطمأنينة، وحُرِّية وممارسةً لشعائرهم من غير تضييق عليهم فيها، أو من غير حرمانٍ لهم منها، كل ذلك في ظلال الإسلام.

وافتعالُ أزمةٍ من أجل الحيلولة دون تطبيق الشريعة؛ بسبب الشأن القبطيِّ هذا لا يعدو أن يكون زوبعةً في فنجان، أو لا يعدو أن يكون كما يمكن أن يُعبَّر عنه بمحاولةٍ يائسة للنَّيْل من هذه الشريعة في عظَمتِها وخلودها وبقائها، ولصلاحيَّتِها لكلِّ زمان ومكان، ولجميع بني الإنسان.

المستفيد من إثارة هذه القلاقل هم أصحاب المَصالح الأجنبيَّة، وإلاَّ فإنَّ نصارى مصر الذين عاشوا جيرانًا للمسلمين، بل عاشوا أرحامًا للمسلمين، وأصهارًا للمسلمين، يعرفون جيدًا أنَّهم امتدَّت بهم الحياة عبر قرون، والنصرانِيُّ يجاور المسلم، والمسلم يُؤاكل النَّصارى، ليس بينهم في هذا من محنةٍ ولا فتنة، وإنَّما الذين يَملؤون البلاد في الفتن، ويُشعلون بين المسلمين والنصارى المِحن، هم كما يُقال (أصحاب أجندات أجنبيَّة وخارجية) ممن يُسمَّون بأقباط المهجر تارةً، وممن يُسمَّون بأصحاب المصالح الأجنبيَّة تارةً أخرى، وهؤلاء على المسلمين والنَّصارى أن يتنبَّهوا لخطرهم وضررهم وشرهم، وأن يوقفوهم عند حدِّهم، وأن يُظهِروا تماسُكَهم في نسيجٍ وطني واحد، يرعَوْن فيه مصالح البلاد، ويحقنون فيه دماء العباد.

في نظركم ما هي آليات تطبيق الشريعة الإسلامية؟
نحن نقول: إنَّ الشريعة معركةُ كلِّ مسلم، وإنَّ تطبيقها فرضٌ على كل مؤمن، ومع هذا فإننا نأخذ أقوامَنا بالرِّفق واللِّين، وتَرْكِ العنف والشِّدة، ونأخذ أقوامنا بالتعليم والتَّنبيه؛ بالتعليم للجاهل، والتنبيه للغافل، والأمر والنَّهي للمستهتِر المتمادي في جهله وغيِّه وعدوانه، وفي كلِّ هذا يصحبنا الرِّفق والحِلم، والعَفو والصَّفْح، ومحاولة إيصال الحقِّ إلى الناس بأيسر سبيلٍ وأرفق طريق.

ولهذا؛ نرى أنه لا يصلح حَمْلُ الناس بالإكراه على ما يُعبَّر عنه بإقامة الشريعة؛ على أنَّ إقامة الشريعة ليست إلاَّ التحكيم لكتاب الله وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلَّم - فتحكيم القرآن فريضةٌ وشريعة، والاستِنان بِسُنَّة النبيِّ العدنان شريعةٌ ماضية إلى يوم القيامة، فلا بدَّ أن نفهم القضيَّة على هذا؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36].

فهذه القضية لا اختيارَ لنا فيها، ومع هذا؛ فإنَّنا نرى أَولى الآليَّات في هذا إشاعة العلم بوجوب تعظيمها، وإشاعة العلم بوجوب تحكيمها، وتحول هذه القضيَّة إلى قضية جماهيريَّة، يطرحها كلُّ المشايخ والدعاة والعلماء، ويسمعها الجمهور والناس جميعًا، فإذا أفلَحْنا في إسماع الناس هذه القضيَّة، وتعليمهم هذه المسالة الحيويَّة؛ فإننا بذلك نكون قد فتَحْنا السبيل، ومهَّدْنا الطريق لأنْ يأخذ الناسُ بأطراف هذا الدِّين بِأَسْره، وألاَّ يتخوَّفوا من هذه الشريعة.

والآلية الثانية هي آلية الإجابة على التَّساؤلات، ونَفْي هذه الشُّبهات التي قد يروِّجها أعداءُ الشريعة من العلمانيِّين واللبراليِّين، والمخالفين من اليهود أو من النصارى، أو من غير هؤلاء، ومن ثَمَّ فإنَّ آلية الردِّ على هذه الشبهات آليَّةٌ يجب تفعيلها، ثم ينبغي أن تُرسَل رسائلُ الطُّمأنينة، ورسائل السَّكينة التي ينبغي أن تُبعث إلى الناس على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم، ومِلَّتهم ومَشاربهم؛ لأنَّ أهل الإسلام ليسوا إلاَّ دُعاة سلمٍ وسلام، وأمن وأمان، وهُم لا يحتكرون الحقَّ لأنفسهم، ولا يحملون الناس على معتقَداتهم كرهًا، وإنَّما يَحملون بني جلدتهم، وإخوانَ ديانتهم، وبني وطنهم على ما فيه صلاحُ دينهم، وصلاح دنياهم، واستقامة حياتهم على دين الله - تبارك وتعالى.

بهذا نكون قد مهَّدنا سبيلاً، وفتحنا طريقًا بأن يَفهم الناسُ أنَّ الشريعة هي هذا الخير الذي يحمله أهل الإسلام إليهم، من غير أن يكون هناك مَفاسد أو مشاكل تعوق هذه القضية، إذا وصلنا إلى هذا القدر من الثَّقافة والوعي، وهذا القدر من الفهم؛ فإننا نرجو من الله - تبارك وتعالى - أن تكون قضيَّةُ تطبيق الشريعة هي قضيةَ كلِّ الذين يعيشون على أرض مصر.

ومع هذا أيضًا؛ نرى أنه إذا احتاج الناسُ إلى شيءٍ من تدرُّج، أو إلى شيء من ترفُّق في نَقْلهم من واقعٍ إلى واقع، فإنَّ هذا لا يبعد أن تتَّسِع الشريعة له؛ بحيث يتحقَّق هذا الانتقال الذي يقع فيه شيءٌ من تدرُّج، وشيءٌ من تحوُّل؛ حتَّى يتهيَّأ المجتمع إلى الاحتكام والامتثالِ لأمر الله - تبارك وتعالى - وسُنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ولكن كيف سيكون هذا التطبيقُ على أرض الواقع؟
قلنا: إنَّ هذا الأمر يمرُّ بمراحل: مراحل التعليم، وإشاعة الفهم الصحيح، ومراحل ردِّ الشبهات؛ وذلك عن طريق العلماء والمشايخ والدُّعاة في سائر المساجد والمنابر، والقنوات الفضائيَّة التي تُخاطب الناس، ثم إنَّ الذين سوف يُنتخَبون لمجلس الشعب يحرصون كلَّ الحرص على أن يَنصروا قضية الشريعة على المستوى السياسيِّ؛ لتتحوَّل قضيةُ تطبيق الشريعة إلى مطلبٍ سياسي وقانوني، يُطالب به هؤلاء الذين يُنتَخَبون في مجلس الشعب، ويُطالَب المصريُّون الممثّلون في هذا المجلس بالنَّظر فيما سبق إعدادُه قبل ذلك عن طريق جهاتٍ معتبَرة؛ مثل: "مجمع البحوث الإسلاميَّة"، الذي أعدَّ دستورًا للبلاد، ومنها مجالس الشعب السابقة التي ترأَّس بعضها الدكتور "صوفي أبو طالب"، والذي عمل تقنينًا للشريعة، ووقَع هذا التقنيينُ في ألف وخمسمائة صفحة، وآلاف المواد القانونيَّة؛ بحيث إنَّ هذه الشريعة تحوَّلَت إلى موادَّ دستوريَّةٍ وقانونية، يفترض فيها أنَّها صالحةٌ للنظر فيها ومراجعتها، والإضافة إليها والحذف منها، وتحويلها إلى هذه الموادِّ التي تَقْبل التطبيق والتنفيذ.

ولا شكَّ أن هذا سوف يستدعي إجراءاتٍ على المستوى القضائي، وإجراءاتٍ على المستوى القانوني، وإجراءاتٍ على مستوى تعديل القوانين، وهذا يحتاج إلى وقت، لكن المهم وجودُ الإرادة والإدارة؛ وجود الإرادة الصَّادقة التي تُحوَّل إلى ما يُرضي الله - عزَّ وجلَّ - وحسن الإدارة لهذا الملفِّ بحيث يمكن إنجازُه في وقتٍ مناسب، وبتدرُّج يحقِّق المصالح، ويَدفع المفاسد.

قمتم بإصدار كتاب "المشاركات السياسية المعاصرة في ضوء السياسة الشرعيَّة"، ورجَّحتُم وجوب المشاركة، وأنَّها فرضُ كفاية، ما موقفكم من الأحزاب السلفيَّة الموجودة حاليًّا على الساحة؟
الأحزاب التي تكوَّنَت على الساحة المصريَّة اليومَ على قاعدةٍ من كتاب الله تعالى، وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلَّم - أحزابٌ مشروعة، ولا يَنبغي أن يُقال فيها إلاَّ: إنَّها أحزابٌ مشروعة، قامت لتكثير الخير وتقليل الشر، وقامت بمثابةِ كاسحةِ ألغامٍ في طريق الدَّعوة إلى الله - تبارك وتعالى - وتزيح العَقبات عن الدعوة، وتُسمِع الناس بهذه المجالس صوتَ الحق، وتحقِّق شيئًا من المصالح ولو كانت جزئيَّة، وتدفع شيئًا من المفاسد ولو كانت جزئيَّة، ولا يَترخَّص أصحابها في أن يقولوا في دينهم بالتقيَّة، أو يُعطوا في دينهم الدنيَّة، إذا حصل هذا مِن هؤلاء ثم وقع بينهم الاجتماعُ والتنسيق، والائتلاف والتعاون؛ لتحقيق هذه المصلحة الشرعيَّة الكُلِّية، وقد سارت هذه الأحزب قائمة بواجبها الذي من أجله أُنشئت، ومن أجله قامت.

ولهذا نحن نرى أنَّ هذا الأداء السلفيَّ الذي بدأ يُعتبر نواةَ خيرٍ وبرَكة - إن شاء الله تبارك وتعالى - على بلادنا، وعلى جموع المسلمين في مصر - بمشيئة الله - متَى ما تحقَّق منهم الحرص على المصالح الكليَّة، وتقديم مصلحة الأمَّة على المصلحة الحزبيَّة، أو الجزئيَّة، ونصَروا قضية الشريعة، وحقَّقوا المقصود من دخولهم في تكثير الخير، وتقليل الشر، وتنقية القوانين المُخالِفة للشريعة، والتمهيد لإقامة الشريعة، وتحكيمِها وتقنينها في الواقع المعاصر.

• وما نظرتكم تجاه انتخابات الرئاسة؟
هذا الأمر نَعتبره سابقًا لأوانه، ولا ندري متَى ستكون على وجه الدِّقة، ولا ندري مَن سوف يترشَّح إليه فعلاً؛ لأنَّ الموجود حاليًّا إنما هم مرشَّحون مُحتمَلون، وربما كان المرشَّح الذي سيفوز بمنصب الرئاسة لم يترشَّح بعد؛ فلهذا لا نستبق الأحداث، ولا نرجم بالغيب، وعلى كلِّ حال فإنَّ الناس مَدْعوُّون جميعًا لأنْ يقوموا بانتخاب الأصلح لبلادنا، والأنفع لمجتمعنا، والأقدرِ على قيادة هذه البلاد في وسط هذه الأعاصير التي تَتناوَشُنا من كلِّ جانب، والذي سوف ينصر قضيَّة الشريعة، ويحقِّق لهذه الأمَّة ما تصبو إليه من العزَّة والتمكين والرِّفعة في البلاد، وحصول المصالح لجميع العباد.

• مع كثرة الفتن والأحداث؛ كيف كانت نظرتكم للأحداث المتوالية؟
الهيئة تنظر إلى الأحداث حدثًا حدثًا، وتُصدِر فيها ما يُناسِب كلَّ حدث من بيانٍ أو توضيح، أو إيضاح أو توجيه، وفي هذا الصَّدد؛ فقد أخرجَت الهيئة اثنين وعشرين بيانًا إلى الأمَّة المصرية منذ قيام الثورة المصريَّة، وإلى يوم الناس هذا؛ وذلك بمعدَّل ثلاثة بيانات تقريبًا في الشهر الواحد، وذلك بحسب الحاجة إلى هذه البيانات، التي تأتي بعد دراسةٍ وتَشاوُر بين علماء ومشايخ الهيئة، وبين مَجلس الأُمَناء على وجه التحديد مع الهيئة الرئاسية بالهيئة، هذه القضايا بعضها يمثِّل فتنًا يجب أن تُدرَأ، وبعضها مواقف يجب أن يتَّخذها العلماء والدُّعاة، وبعضها قضايا تحتاج إلى تنبيهٍ وتوجيه للعامَّة؛ كي لا يَنْزلِقوا أو يُخدَعوا في رايةٍ هنا أو شعارٍ هناك، أو قضيَّةٍ ليست في مصلحة الأمَّة.

• ما هي علاقة الهيئة ببقيَّة الدُّعاة والمشايخ العاملين على السَّاحة الإسلامية؟
الهيئة تفتح ذِراعَيْها، وترحِّب بجميع العاملين في السَّاحة الإسلامية مِمَّن ينضوي تحت راية أهل السُّنة والجماعة، بل وتتواصل مع بعض هؤلاء الذين لا ينتسبون إلى أهل السُّنة والجماعة في محاولةٍ للوقوف معهم على المشتركات التي يُمكن أن تكون جامعةً بين الكلِّ ممن ينتسبون إلى أهل القِبلة، أو إلى أهل الملَّة، وتُحاول الهيئةُ بجهدها أن تسعى لجمع كلمة المسلمين، ودعم مسيرة البلاد الوطنيَّة؛ بحيث تُكثر المصالح، وتَسدفع المفاسد.

هل هناك تواصُلٌ بين الهيئة والأزهر، خاصَّة وأن بعض أعضاء الهيئة ينتمون للمؤسَّسة الأزهرية؟
هناك أنواعٌ من التواصل مع مؤسسات الأزهر؛ فقد أوفَدْنا مندوبًا عن الهيئة الشرعية لمقابلة شيخ الأزهر ضمن وفدٍ من شباب الثَّورة، وقد حصَلَ تمثيلٌ للهيئة الشرعيَّة في بعضِ ما شارك فيه الأزهر من فعاليَّات، أو دعا إليه من مؤتَمَرات، وما زلنا ننتظر مَزيدًا من التعاون مع مؤسَّسة الأزهر؛ على أنَّ الهيئة الشرعيَّة لا تعتبر نفسها كيانًا موازيًا للأزهر، وإنَّما تعتبر نفسَها كيانًا مكمِّلاً وداعمًا لمسيرة الأزهر.

والاختلاف مع بعض الرُّموز في مؤسَّسة الأزهر لا يَعني الاختلاف مع المؤسَّسة، فالمؤسسة أكبَرُ من أن يختلف معها، وهؤلاء الأفراد الذين قد تختلف الهيئةُ الشرعيَّة معهم في مواقفهم ممن ينتسبون إلى مؤسَّسة الأزهر أصغرُ من أن يمثِّلوا الأزهر بتاريخه وتُراثه، ودوره العظيم في الأمَّة.

ولهذا تحتفظ الهيئة الشرعيَّة بكلِّ الاحترام والتوقير لمؤسَّسة الأزهر ولعلمائه المخلصين، ولرجاله الأفذاذ الأبرار، الذين نفع الله تعالى بهم وبعِلْمِهم، ونشر منارهم في الدُّنيا بأسرها.

فما السبب إذًا في استقالة الدكتور "نصر فريد واصل" من رئاسة الهيئة؟
ذكر الدكتور "نصر فريد واصل" أنَّه لم يَعُد قادرًا على الجمع بين أعباء أعماله في "مجمع البحوث الإسلاميَّة" و"الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، فغادر الهيئةَ بجسده، وبقي فيها بقلبه - هكذا عبَّر فضيلتُه عن قضيَّة استقالته من "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" - ورُبَّما وقعت وشايةٌ من بعض الجهات المُغْرِضة التي لا همَّ لها إلا محاربة الإسلام وأهلِه، وتشويه صورة الدُّعاة والعلماء الذين يقومون بواجبهم ودورهم في إنهاض الأمَّة، فعُرفت بعض الأكاذيب التي روَّجَتْها بعض الصُّحف السيِّئة السمعة التي كان لها شيءٌ من الأثر في إحداث بلبلةٍ في الأوساط الأزهريَّة؛ بدعوى أنَّ "الهيئة الشرعية" تُنازع الأزهرَ في مرجعيَّتِه، أو تُنازع الأزهرَ في مكانته، وهذا معلومٌ كذِبُه بالضرورة؛ لأنَّ "الهيئة الشرعية" جهةٌ وليدة، لا يزيد عمرها عن ثمانية أشهر، في حين أنَّ الأزهر مؤسَّسة عريقة، تمتدُّ لأكثر من ألف عام، ضاربة في شعاب التَّاريخ، وقد عاش في رحابه أئمَّةٌ كبار، وعلماء أفذاذ، تعلَّمَ منهم القاصي والدَّاني، وما "الهيئة الشرعيَّة" إلاَّ ثِمارُ هذه المؤسَّسة الأزهريَّة العريقة.

• ما النصيحة التي توجِّهونها إلى أهل مصر في هذه المرحلة؟
ننصح أهل مصر بالسَّكينة، والبحث عن أسباب الطُّمأنينة، والأخذ بفتاوى علمائهم المُخلِصين، والالتفاف حول هذه الهيئات الشرعية والدَّعوية الموجودة على أرض مصر، والصُّدور عنها في كلِّ المواقف، والاجتماع مع هذه التجمُّعات الشرعيَّة والدعوية التي تَزْخَر بها بلادُنا، حتَّى تخرج البلاد من هذه الأزمة، ومن هذه الفجوة، أو هذا الفراغ الذي أنشأه عدَمُ وجود رئيسٍ للبلاد، وعدم وجود مجلسٍ للشعب أو للشُّورى، وتستعيد البلادُ عافيتَها، وتَستردَّ قوتها، وتتعافى من محنتها الاقتصادية، ومن أزمتها السياسية.

ننصح جماهيرَ أهل مصر بأن يكونوا إيجابيِّين، وأن يكونوا على ثورتهم حريصين، وأن يَعملوا على تكثير المَكاسب والمنافع، وتحصيل المصالح وتقليل المفاسد، وأن يَجتنبوا الأعمال الجزئيَّة؛ كالإضرابات والاعتصامات، والمظاهرات الفئويَّة التي تعطِّل عجلة الإنتاج، ولا تحقِّق إلا مزيدًا من الخسائر؛ سواء الاقتصاديَّة، أو الاجتماعيَّة، أو السياسية لبلادنا الحبيبة.

ننصح أهلَ مصر بالعمل الجادِّ والاجتهاد، والعمل المثمر البنَّاء الذي يخدم والذي يَنفع، والذي يحقِّق لبلادنا شيئًا من التقدُّم والرِّفعة، ولا شكَّ أن البلاد تحتاج إلى سواعدِ الشباب القويَّة والفتية؛ لإعادة إنهاضها، وإعادة إعمارها، وإعادة إصلاحها، ليس فقط في الجانب السياسي، بل في الجانب الاجتماعي، والجانب الأخلاقي والسُّلوكي، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الجوانب العمَليَّة؛ سواء التقنيَّة، أو الصناعية، أو الزِّراعية، أو التجارية، لا بد أن يكون الإصلاحُ منظومةً متكاملة، تجتمع فيها المعاني الدِّينية والدنيويَّة معًا؛ فإنَّ المجتمع القويَّ هو الذي يكون قويًّا في بُنيانه وعمرانِه، ومتَى ما تحقَّق هذا تحقَّقتْ لنا أسبابُ القوَّة بِأَسْرها، وبدا المجتمعُ مرهوبَ الجانب من كلِّ عدو، أو من كلِّ حاسد.

ونَنصح الإخوة الأقباطَ بِحُسن العِشرة وحُسن المُساكَنة في بلَدِنا جميعًا "مصر"، وننصحهم بعدم الإنصات لأقباط المَهجَر أو غيرهم مِمَّن يُثير النعرات الطائفيَّة، ولقد وصَّى الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِسُكَّان مصر خيرًا، فقال: ((إنَّكم ستفتحون مصر.. فإذا فتحتموها فأحسِنوا إلى أهلها؛ فإنَّ لهم ذمَّة ورَحِمًا))، فلا أقلَّ من مقابلة ذلك بمِثله في التعامل.

ونصيحة لإخواننا رجال الشُّرطة، الذين تقع على عاتقهم مسؤوليَّاتٌ كبيرة، نقول لهم: اتَّقوا الله وأخلِصوا في العمل؛ فإنَّ عملَكم هذا إذا أخلصتُم فيه، كان لكم فيه أجْرٌ كبير، وصلاحٌ للبلد؛ فإنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عينانِ لا تمَسُّهما النار؛ عينٌ بكَتْ من خشية الله، وعينٌ باتَتْ تحرس في سبيل الله))؛ رواه التِّرمذي، فلا تكرِّروا الممارسات السيِّئة الَّتي كانت تَحدث في العصر البائد.

ونصيحة للسَّاسة الذين يُديرون هذا البلد، نقول لهم: اتَّقوا الله فينا، واجعلوا كلَّ همِّكم صلاحَ هذا البلد، فإنَّ من وَلِي أمر المسلمين فشقَّ عليهم، شقَّ الله عليه، ومن ولي أمرَ المسلمين فرفق بهم، رفق الله به، كما قال نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ونصيحة إلى الجيش المصري: لقد أدَّيتَ ما كان يجب عليك أن تؤدِّيَه، فلك منا ألف تحيَّة؛ فلقد حفظتَ الأمن ورعيت الثَّورة في مَهْدِها، وقُدْتَ المسيرة نحو الحُرِّية والكرامة، وآن لك أن تَرجع إلى ثكناتك، وأن تحفظ أمْنَ مصر الخارجي؛ فإن العدوَّ متربِّص بنا.

ونصيحة لمرشَّحي مجلس الشعب: هذا تنافُسٌ لأجل عمَلٍ، ورسالةٌ سامية، فاجعل طريقك لهذا المكان طريقًا من طرُقِ الخير، لا تَذُمَّ المنافسين الآخرين، ولا تَسُبَّهم ولا تَهْمِز وتلمز؛ فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - ورسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد نهى عن ذلك، واعلم أنَّ طيِب النهايات من طيِب البدايات، لا تغشَّ الناخبين، وتَعِدْ بما لا تستطيع أن توفِّي به؛ فينطبِقَ عليك قولُه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2 - 3]، واعلم أنَّها في الدُّنيا أمانة، وأنَّها يوم القيامة حسرة وندامة.

وبِهذا نحقِّق لبلادنا ما تَصْبو إليه من استقلالِ قرارها، ووحدة صَفِّها، وتحقيق عِزَّتِها وريادتها، ونسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يُجنِّب البلاد الفِتَن، ما ظهر منها وما بطَن، وأن يُحقِّق أمْنَهم، وأن يدفع عنهم الشُّرور، وأن يقِيَنا وإيَّاهم كيْدَ الكائدين، ومكر الماكرين، وحسد الحاسدين؛ إنَّه أكرمُ الأكرمين، وأجود الأجودين، والحمد الله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق