الخميس، 31 مايو 2012

حوار حول لجنة الفتوى بالأزهر الشريف مع فضيلة الشيخ الدكتور سعيد عامر أمين عام الجنة

حوار حول لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

 مع فضيلة الشيخ الدكتور سعيد عامر - أمين عام الجنة -

• لجنة الفتوى لا تغير الفتوى لنظام أو أشخاص، ولم تتأثر بأي تأثير خارجي أو داخلي.
خالفنا دار الإفتاء في ربا البنوك وختان الإناث.
نأخذ أدلتنا من الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
على المستفتي أن يأخذ فتواه ممن عنده دليل قوي صحيح، وعلى المفتي أن يرجع في المسائل الحساسة إلى المجامع الفقهية.

الأزهر الشريف مَنارةٌ علميَّة عالميَّة، ومرجعيَّةٌ عامَّة للمسلمين، له مكانةٌ عالية في مصر والعالَم؛ لما له من دورٍ كبير في نشْر الدِّين الإسلامي وتَعليمه للناس، ولكن بعد ثورة يوليو 1952م أَضعَف النظامُ السياسي - آنذاك - الأزهرَ، وجعله تابعًا للدولة، فأفْقَده استقلالَه، وأفقَده جانبًا كبيرًا من قوَّتِه ومِصداقيَّته؛ مَمَّا أدَّى إلى تَراجُع دوره إلى حدٍّ ما؛ نتيجةً لسوء تَصرُّفات بعض القائمين عليه والمُنتسِبين له، واستغلال النظام السابق له في إصدار فتاوى تَخدُم مصلحتَه، بل ومصلحة الغَرب أحيانًا، وإنَّا لنَرجو الله - عز وجل - أن يُعيد للأزهر دورَه ومكانتَه وريادته بعد ثورة يناير 2011؛ لأنَّ التاريخ يَشهَد على أنَّ عِزَّ مصر مُرتبِط بعزِّ الأزهر، وأنَّ ضعْفها مُرتبِط بضعفه.

ومن المزايا التي قام الأزهر الشريف بها: إنشاءُ لِجانٍ للفتوى في محافظات وربوع مصر؛ للتيسير على الناس في الإجابة على التَّساؤلات والأحكام التي يَستفتُون عنها، وقد كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور سعيد عامر - أمين عام لجنة الفتوى بالأزهر الشريف.


في البداية نودُّ من فضيلتكم نبذة يسيرة عن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف؟
لمَّا كانت تَردُ إلى مَشيخة الأزهر استفتاءاتٌ من أنحاء القُطْر، ومن مُختلف الدول الإسلامية وغيرها، يَطلُب أصحابُها أنْ يَهتدُوا بها إلى حُكم الشريعة الإسلامية؛ لذلك رأى صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر، أنْ يُؤلِّف لجنة من العلماء؛ للإجابة عن هذه الاستفتاءات، وكان قرار فَضيلته في 12 من جمادى الأولى لسنة 1354 هجريَّة، الموافِق 11/8/1935م بتكوين اللجنة، وعُهد برياستها إلى فضيلة الشيخ حسن والي، وعُين لها أعضاء يُمثِّلون المذاهِب الأربعة المشهورة، ثلاثة لكلِّ مذهب، ما عدا مذهب أحمد بن حنبل فكان يُمثِّله عضوان اثنان، وكان هؤلاء الأعضاء من الحنفيَّة: الشيخ البيومي، والشيخ محمد شلتوت، والشيخ عبدالرحمن تاج،  ومن الشافعيَّة: الشيخ يوسف السيد حنفي، والشيخ محمد أحمد العدوي، والشيخ حامد جاد، ومن المالكيَّة: الشيخ أحمد أبو سلامة، والشيخ عبدالله دراز، والشيخ محمد نور الحسن، ومن الحَنابِلة: الشيخ محمد عبد اللطيف السُّبكي، والشيخ أحمد مختار.

ولما تُوفِّي رئيسها الشيخ حسن والي، خلافه فَضيلةُ وكيل الأزهَر الشيخ محمد عبداللطيف الغمام، بقرار من فضيلة الإمام الأكبر في مارس 1946 م.
ولما تُوفِّي فضيلة الشيخ الغمام، أُسنِدتْ رياسة اللجنة إلى فضيلة الأستاذ الشيخ مأمون الشناوي، ثُمَّ خلتِ الرياسة باستقالة فضيلته، فقام برئاستها فضيلة الشيخ عبدالرحمن حسن - وكيل الجامِع الأزهر.

وكان أعضاء اللجنة في ذلك الوقت: عيسى منون (شافعي)، محمد عبدالفتاح العناني (مالكي)، محمود شلتوت (حنفي)، عبدالعزيز المراعى (حنفي)، محمد عبداللطيف السبكي (حنبلي)، وسكرتير اللجنة : عبدالرحمن تاج (حنفي)، وكان ذلك بتاريخ 13/3/1945.

ثم صَدَر قرار رقْم (783) في 13/8/1969م بتعيين فضيلة الأستاذ الشيخ محمد مُحيي الدين عبدالحميد (حنفي) رئيسًا للجنة، وبعضوية كلٍّ مِن: فضيلة الشيخ محمود عبدالدايم عبدالدايم (شافعي)، فضيلة الشيخ محمد علوان (حنفي)، الشيخ محمد محمد يوسف البربري (مالكي)، الشيخ ياسين سويلم طه (مالكي)، الشيخ  محمود عبدالغفار (شافعي)، الشيخ عبدالعظيم بركة (حنبلي)، وتولَّى سكرتارية اللجنة من الناحية العلمية الشيخ مصطفى محمد عبدالخالق - الأستاذ بكليَّة الشريعة جامعة الأزهر.

ثم صَدَر قرار رقْم (302) في 26/3/1973 بتعيين فضيلة الشيخ محمد سامون رئيسًا للجنة الفتوى بعد وفاة الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد، وتعيين فضيلة الشيخ محمد عبدالله المشد عضوًا باللجنة.

وفى عام 1978 ضُمَّ إلى لجنة الفتوى فضيلة الشيخ عبدالجليل شلبي وفضيلة الشيخ منشاوي عواد، وذلك بقرار فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود.

وفي عام 1990 صَدَر قرار رقْم (453) وقرار رقْم (457) بشأن العمل في لجنة الفتوى وتشكيل لِجانها، ونصَّ على أنَّه يُراعى في أعضائها ما يلي:
1- ألا يقلَّ سنُّ العضو عن 45 سنة.

2- أن يكون معروفًا بالتقوى والوَرَع في ماضيه وحاضِره.

3- ألا يكون قد صَدَر منه ما يَمسُّ الشرف والأمانة، أو سَلَك مَسلكًا ينقص من قدْره بوصْفه من علماء الأزهر.

4- أن يكون من خريجي الكليَّات الأزهرية المُتخصِّصة في الدراسات الإسلامية والعربيَّة أو ما يُعادِلها.

5- أنْ يكون له نشاطٌ علميٌّ بارِز في مَجال الدِّراسات والبحوث الإسلاميَّة.

وفيما يَخصُّ نظام الإفتاء باللجنة نَصَّ القرار على:-
أنْ تكون الفتوى مُوافِقة للكتاب والسُّنَّة وإجماع الفقهاء أو القياس الصحيح الموافِق لقواعِد الدِّين العامَّة الملائم لصالِح المسلمين، إلا إذا طَلَب السائل فقهَ مذهبٍ مُعيَّن من المذاهب الفقهيَّة الإسلامية، ويكون الالتزام في الفتوى بما صدَرت به قراراتُ وتوصيات مؤتَمر مَجمَع البحوث الإسلامية أو مجلس المَجمَع، وكان ذلك بقرار من فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في 3/7/1991.

ثم صدَر قرار برقم (405) لسَنة 1991بعمَل لِجانٍ للفتوى بالأقاليم في كلِّ محافظة في المنطقة الأزهرية، وعُيِّن فيها أعضاء من أكبر علماء المحافظة، وكان أغلبهم على المعاش.

ثم أُسنِدت لجنة الفتوى إلى إدارة الوعْظ والإرشاد، وأصبَح للجنة الفتوى الرئيسيَّة في القاهرة بالجامع الأزهر رئيس وأعضاء من الوعْظ والإرشاد، ولكلِّ لجنة من اللجان الفرعيَّة في المحافظات رئيس - وهو مُدير عام الوعظ - وأمين وسكرتير وأعضاء من وعَّاظ منطقة الوعظ الأزهرية، ويُضاف إشهار الإسلام إلى لجنة الفتوى الرئيسيَّة.


كيف يتم إصدار الفتاوى؟ وهل هناك آلية لحفْظها عن طريق الحاسوب؟
يَتقدَّم صاحب الفتوى التحريريَّة بكتابة السؤال ومراجعتِه، ثم يتمُّ أخذ رقم للفتوى بالتاريخ، وفي اليوم الثاني أو نفس اليوم تُكتَب الإجابة بالكمبيوتر، ويتمُّ مراجعتُها من الأعضاء ثم الأمين، وتُختَم بعد أخذ رقْم الصادر والتاريخ.

أمَّا الفتوى الشفهيَّة، فيَجلس فيها السائل أمام أحد أعضاء اللجنة، ويتم تسجيل اسمه وعنوانه ورقْم هاتفِه وعنوان الفتوى في السِّجل الخاصِّ بالفتوى، وإنْ كان السؤال ذا قضيَّة كبيرة تَجتمِع اللجنة، أو يُحال إلى الأمين العام.

وبالنِّسبة لحفْظ الفَتاوى:
كانتِ الإجابات تُكتَب بخط اليد، وبعد أنْ تَولَّيتُ مسؤوليَّة اللجنة في يناير 2010، تَمَّ بفضْل الله شراء جهاز كمبيوتر خاص بالفتوى، ويُكتَب للفتوى رقْم وتاريخ، وهي محفوظة بالجهاز والحمد لله، وكذلك يتم تسجيل حالات إشهار الإسلام في اللجنة بجهاز الكمبيوتر الخاصِّ بالإشهار.

وماذا عن متوسط عدد الفتاوى التي تتلقَّاها اللجنة، وتُجيب عنها أسبوعيًّا؟
مُتوسِّط عدد الفتاوى الشفهيَّة يوميًّا مائة فتوى تقريبًا، ومتوسط الفتاوى الهاتفية يوميًّا أكثر من سبعين اتِّصال تقريبًا، ومتوسط عدد الفتاوى التحريرية يوميًّا خمس عشرة فتوى تقريبًا.

لماذا لا تقوم اللجنة بإصدار مطبوعة دوريَّة أو برنامجًا إلكترونيًّا يحتوي على كلِّ الفتاوى التي أجابت عنها اللجنة؟
لا تقوم اللجنة بذلك؛ لقِلَّة الموارد الماليَّة.

ما هو الفارق بين لجنة الفتوى بالأزهر وبين دار الإفتاء المصرية؟
لجنة الفَتوى بالأزهر تَقوم بالإجابة عن الاستفسارات والأسئلة الوارِدة إليها من جميع دولِ العالَمِ الإسلامي وغيره ومن داخل مصر، وكذلك الأسئلة الشفهيَّة من الجمهور في الموضوعات المُتعدِّدة، خاصَّةً ما يَتعلَّق بالأحوال الأسريَّة؛ من زواج، وطلاقٍ، ومَشاكلَ أُسريَّهٍ.

ودار الإفتاء المفروض أنَّها خاصة بالاستشارة في حالات القَتْل، واستطلاع الأهِلَّة، ولما كَثُرت مشاكل وأسئلة الناس، أَصبَح بها الآن لِجانٌ للإفتاء.

فتاوى الطلاق من أكثر الفتاوى التي تتردَّد على لجان الفتوى، لماذا لا تقومون بتوعية عموم المسلمين عن كيفيَّة الطلاق وإيقاعه، وذلك من خلال وسائل الإعلام ومنابر المساجد؟
مسائل وحالات الطَّلاق من أكثر الفتاوى، والقيام بتَوعية عُموم المسلمين عن كيفيَّة الطلاق هذا خاص بالدُّعاة والقنوات الفضائيَّة.

ألا ترى أنَّ النظام السابق كان يستخدم المؤسسة الرسمية في إصدار فتاوى تَخدُم مصلحته، بل ومصلحة الغرب أحيانًا، كمسألة ربا البنوك وختان الإناث، وغيرها من الفتاوى التي خَالَفت فتاوى علماء وجهابذة الأزهر القُدامى؟
الحمدُ لله لجنة الفتوى لا تُغيِّر الفتوى لنظام أو أشخاص، وكان لها الرأي السديد في مسألة ربا البنوك - وهذا معلوم - وقد خالَفت فيه دارَ الإفتاء، وكذلك خِتان الإناث، وظلَّ هذا الرأي المَعمول به في لجنة الفتوى بالأزهر الشريف.

ألَم تُؤثِّر تَصرُّفات القائمين على المؤسَّسة الرسميَّة في مصداقيَّتِها لدى عموم المسلمين؟
لجنة الفتوى لم تتأثَّر بأي تأثير خارجي أو داخلي فيما يَخصُّ الإفتاء، وهي تأخذ أدلَّتَها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح الذي فيه مَصلحة المسلمين؛ ولذلك فهي ثابِتة في جميع الفتاوى، والناس يَثِقون فيها وفي أعضائها، والحمد الله.

في رأيك ما السَّبب في تراجُع دور الأزهر والأوقاف إلى حدٍّ ما في الشارع المصري؟
هذا التراجُع كان لفقْد القُدرة العلميَّة والعُلماء الربانيِّين، والآن بفضْل الله الأزهر يُحاوِل إصلاح هذا الموقف، وسوف يكون للأزهر دورُه العالَمي - إنْ شاء الله تعالى.

من وجهة نظَرك ما الصفاتُ الواجب توافُرُها في من يقوم بالإفتاء؟
الصِّفات كثيرة، منها التي حدَّدتْها اللجنة المسؤولة على لجنة الفتوى بالأزهر، وقد سبَق أن أَشَرنا إليها، وكذلك ينبغي أن يكون لدى المفتي القدرة والعِلم؛ حتى يَستطيع استنباطَ الأحكام الشرعيَّة من أدلَّتها، وتنزيلها على الواقِع والوقائع والقضايا الحادثة.

هل هناك فرْق بين الفتوى العامَّة والفتوى الخاصَّة أو الشخصيَّة؟
الفتوى العامَّة: هي بيان الحُكم الشرعي عند السؤال عنه بالدليل الشرعي.

أمَّا الفتوى الشخصيَّة، فلا بدَّ فيها من فهْم الواقِع، وفهْمِ الواجِب في الواقِع، وذلك مِثلُ حال الصحابي الذي شُجَّ في رأسِه، وأصبح على جنابة، والجو في غاية البَرد في الصحراء... إلخ.

هل الفتوى مُلزِمة، وماذا يَفعل المستفتِي عند اختلاف المُفتِين في مسألة من المسائل الفقهيَّة؟ أو في حُكْم على نازِلة مُستحدَثة؟
الفتوى غير مُلزِمة؛ بدليل تَعريفها عند أهل الفنِّ بأنَّها: الإخبار بحُكْم الله على الوقائع بدليلٍ شرعيٍّ على غير وجْه الإلزام؛ لأنَّه ليس على المفتي أنْ يُتابِع تنفيذ المُستفتِي لِما أَفتى به، وإلا فإنَّه يُفتِيه بما يَلزمه شرعًا؛ مثل: ردُّ الحقوق، وإخراج الكفَّارات، وإخراج الزكاة وغيرها.

وعند اختلاف المُفتِين، على المُستفتِي أنْ يأخذ فتواه ممَّن عنده دليل قوي صحيح، والأمر إذا ضاق اتَّسع، وغالبًا لا يكون هناك خلاف، بقدْر ما يكون الخلاف في عرْض السؤال.

هل يَحقُّ لأي شخص اجَتمعتْ لديه الأدلَّة في قضيَّة ما، أن يَجتهِد، ويُفتي فيها؟
يجب على من يتصدَّر للإفتاء أن يكون مؤهلاً علميًّا لذلك، علاوة على التقوى؛ لأنَّ المفتي يَنوبُ في التبليغ عن ربِّ العالمين، وهو مُؤتَمن على شرْع الله ودينه، وهو قائم مقام النبي - صلى الله عليه وسلم.

وعلى المفتي استيعاب وفهْم الواقِعة المُستفتَى عنها، ومراعاة مُقتضى الحال، فلا يَكفيه مُجرَّد معرفة حُكْم الله في المسألة، ومن أخلَّ بجانب فِقْه الواقع، فقد أضاع للناس حقوقًا، ونَسَب تلك الإضاعة إلى شريعة الله، التي تأبَى كلَّ هذا.

فالمُفتي عليه أنْ يَطَّلِع بعُمق، ويعي الوقائع التي تُشكِّل الفتوى، وتتفاعَل معها.

قال العلامة ابن عثيمين: لا يجوز أنْ يفتي حتى يَتصوَّر المسألة تمامًا، ويَتثبَّت فيها من كلِّ وجْه.

وقال المُحدِّث الألباني: "ينبغي على من يَتولَّون توجيه الأمة ووضْع الأجوبة لحلِّ مشكلاتهم أنْ يَكونوا عالِمين عارفين بواقِعهم؛ لذلك كان من مشهور كلامهم: الحُكم على الشيء فرْع عن تصوُّره، ولا يتحقَّق ذلك إلا بمعرفة الواقِع المحيط بالمسألة المراد بحْثها.

هذا؛ وعلى المفتي أنْ يَرجِع في المسائل الحسَّاسة إلى المَجامِع الفقهيَّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق