استعادة القيم
بتصرف من تغريدات الدكتور محمد البشر
أستاذ الإعلام السياسي في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
@m_s_albishr
في الوقت الذي كانت فيه النظم العربية الحاكمة والنخب تحاول محو هوية مجتمعاتها وتمييع حضارتها وقيمها كانت أمريكا تسعى جاهدة لاستعادة قيمها فقد كانت أمريكا محافظة نوعا ما ( مقارنة بأوربا ) ، ومتمسكة بالوصايا العشر للنصرانية حتى قرابة الستينيات من القرن الميلادي المنصرم ، وبعد عقد الستينيات بدأ التراجع في القيم مصحوبا بثورة الاتصالات وتصدير النموذج الأمريكي للدول والمجتمعات، ومنها المجتمعات العربية ، وقد كان هذا النموذج نموذجا علمانياً ليبرالياً يروج للحريات المطلقة على حساب القيم والأخلاق ، فتلقفته المجتمعات العربية طوعاً وكرها ، طوعاً من خلال الفضاء وما يُبث فيه وغيره من وسائل العولمة ، وكرهاً من خلال الضغط الأمريكي على الأنظمة والنخب والمؤسسات الثقافية .
في هذا الوقت الذي يتم فيه تمييع القيم في المجتمعات العربية كانت الولايات المتحدة وبعض دول أوربا تعيش صحوة ضمير على كل المستويات ( السياسية والإعلامية والمجتمعية ) ، وظهرت دعوات تنادي بعودة المجتمعات الغربية
إلى ما كانت عليه من قيم الفضيلة قبل الخمسينيات ، ودعت بشكل صريح إلى استعادة الوصايا العشر للنصرانية التي تدعو إلى إحياء قيم الفضيلة ، في المجتمع الأمريكي على وجه الخصوص ، وتأسست في أمريكا معاهد للأخلاق ، وجمعيات للفضيلة ، وظهرت دعوات تطالب بكبح جماح الإعلام ومحاكمة المستهترين بالأخلاق - لا يسمح المقام بسردها - .
إلى ما كانت عليه من قيم الفضيلة قبل الخمسينيات ، ودعت بشكل صريح إلى استعادة الوصايا العشر للنصرانية التي تدعو إلى إحياء قيم الفضيلة ، في المجتمع الأمريكي على وجه الخصوص ، وتأسست في أمريكا معاهد للأخلاق ، وجمعيات للفضيلة ، وظهرت دعوات تطالب بكبح جماح الإعلام ومحاكمة المستهترين بالأخلاق - لا يسمح المقام بسردها - .
وقد كان الغيورون على أخلاق المجتمع يحاربون على جبهتين : التصدي للإعلام الذي أفسدالأخلاق، والتضييق على أصحاب الفكر الليبرالي المغالي في الحرية.
وللأسف الشديد أعادت المجتمعات العربية التجربة الأمريكية - ولا تزال - ولكن بنسخة أكثر جرأة وأشد فجورا ، وبعضها الآن يمارس هدم كل ما بنته من قيم .
على نمط التجربة الأمريكية - وبطريقة أشد جرأة وخبثا - فإن من يمارس تغييب القيم وتمييع الهوية هم : الإعلاميون والنخب الليبرالية المستغربة ، بدأوا بمفاصل التدين: المؤسسات الشرعية، والتعليم ، وإسقاط العلماء ، والعمل الخيري والتطوعي ، وبث الشبهات الدينية ، وغيره مما يخدم أهدافهم ثم انتقلوا الى تنفيذ برامجهم بعد تهيئة الأرضية المناسبة لفكرهم ، تحت ذرائع التجديد والتنوير والتقدم والوطنية وغيرها من مصطلحات الترويج .
إن ما يجري الآن في المجتمعات العربية من تمييع للهوية وإفساد للقيم هو تنفيذ لـ ( الحرب الناعمة ) التي بدأت بعد 11 سبتمبر، حرب الأفكار التي تتخذ من الإعلام والتعليم والنخب المستغربة أدوات لتنفيذها بهدف خلخلة المجتمعات وتقويض البنيان ، ليسهل بعد ذلك استعبادها.
هذه الصورة البانورامية لمشهد هدم القيم ، تمثل مؤشر خطورة على الأمن الفكري والوطني في مجتمعاتنا ، وربما يأتي يوم نقول فيه : إن ما أُنفق من جهود وأموال لتمييع الهوية وتغييب القيم ربما نحتاج إلى إنفاق أضعافه لاستعادة ذلك كله. وهي دعوة مُلحة وناجزة لنفعل الآن .
فالمسؤولية الآن على العلماء ، والنافذين في المؤسسات الشرعية والتعليمية ، والنخب القادرة، إذ لا وقت للتأجيل ولا لقاء في منتصف الطريق ، فالوحدة الوطنية وقوة تماسك جبهتها الداخلية هي بالهوية التي تتنفسها وتعيش من أجلها ، وهو ما ينعكس على أمنها الفكري والوطني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق