البنوك الربوية والمضاربة الإسلامية
صلاح نجيب الدق
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد فإن الربا له آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، وقد جعل الله تعالى في المضاربة الإسلامية بديلاً عن التعامل بالربا، من أجل ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بهذا الأمر الذي يشغل كثيرًا من المسلمين، فأقول وبالله تعالى التوفيق .
أضرار الربا على المجتمع إن للربا آثارًا خطيرة على المجتمع الذي ينتشر فيه، وسأتحدث عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للربا بإيجاز شديد
أولاً الأضرار الاقتصادية إن للربا آثارًا سيئة على اقتصاد المجتمع الذي ينتشر فيه يمكن أن نجملها فيما يلي الربا يمنع الاستثمار في المشروعات المفيدة للمجتمع إن صاحب المال يجد في النظام الربوي فرصة للحصول على نسبة معينة من الربا على ماله، وهذا يصرفه عن استثمار ماله في مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية تعود على المجتمع بالنفع والخير الكثير، وينصرف عن تلك المشروعات التي قد تكون ضرورية للمجتمع لأنها قد تتطلب منه جهدًا واستعدادًا لتحمل الخسارة، في حين أن صاحب المال يتمكن في النظام الربوي من الحصول على هذا الربح دون مشقة أو خسارة، وهكذا يكون الربا مصدرًا لتوقف الأموال عن خدمة المجتمع، ومِن ثَمَّ يترتب على ذلك انخفاض الإنتاج التدابير الواقية من الربا، لفضل إلهي
الربا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار يرجع ارتفاع الأسعار في العالم اليوم بحد كبير إلى النظام الربوي السائد اليوم، فلا يرضي صاحب المال إذا استثمر ماله في زراعة أو صناعة أو شراء سلعة أن يبيع سلعته أو الشيء الذي أنتجه إلا بربح أكثر من نسبة الربا، وكلما زاد الربا كلما ارتفعت الأسعار كثيرًا، هذا إذا كان المنتج أو التاجر صاحب المال، وأما إذا كان المنتج أو التاجر ممن يقترض بالربا فإن ارتفاع أسعار منتجاته شيء طبيعي، حيث سيضيف إلى نفقاته ما يدفعه من الربا
الربا يؤدي إلى انتشار البطالة يتسبب الربا في انتشار البطالة، وذلك لأن أصحاب الأموال يفضلون إقراض أموالهم بالربا على استثمارها في إقامة المشروعات المختلفة، وهذا بلا شك يقلل من فرص العمل، فتنتشر البطالة نتيجة لذلك، وقد بين بعض علماء الغرب أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين البطالة والتعامل الربوي، وذلك واضح من اعتراف أحد علماء الغرب حيث يقول من مصلحتنا أن نخفض سعر الربا إلى درجة نتمكن من تشغيل الناس جميعًا التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي ص
ثانيًا الأضرار الاجتماعية إن للربا أضراراً اجتماعية خطيرة نجملها فيما يلي استغلال حاجة الآخرين إن التعامل الربوي يقوم على أساس استغلال حاجة الآخرين حيث ينتظر المرابي المحتاجين إلى ماله ليس ليساعدهم، بل ليجد فريسة تحقق رغباته في امتصاص دماء الآخرين، فهو يعطيهم بالربا قروضًا ثم لا يهمه أن يربح المقترض أم لا، بل المهم عند المرابي أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المال ربًا على ماله، ولذلك فإن الربا يذهب المعروف بين الناس حيث لا يجد المحتاج من يواسيه أو يقرضه قرضًا حسنًا، وهذا كله يترك آثارًا سيئة في قلب المحتاج، فينشأ الحقد والغضب في قلبه نحو الأغنياء المرابين الذين يستغلون حاجة الفقراء إلى المال، وهذا يجعل الفقير المحتاج الذي اقترض بالربا يعمل بتهاون وكسل لأنه يعلم أن ما سيكسبه بكَدِّه وسعيه سيسلبه المرابون الظالمون، فتقل رغبتهم في العمل ومن ثَمَّ يضعف الإنتاج التدابير الواقية من الربا، لفضل إلهي .
الربا يؤدي إلى التشاجر والحروب بين الناس لما كان النظام الربوي يقوم على أساس الاستغلال، فكان من الطبيعي أن تحدث المشاجرات بين أفراد المجتمع الواحد، ولأجل هذا الاستغلال فإنه في كثير من الأحيان لا يريد من كان عليه دين أن يدفع ما يجب في ذمته من أصل أو ربا إلا مكرهًا فتكون الخصومات والمشاحنات بين الدائن والمدين، وكان العرب في الجاهلية يتعاملون بالربا، فيحصل بسببه محاربات عظيمة، وفي الوقت الحاضر قد أدى التعامل بالربا إلى احتلال بعض الدول الغنية دولاً فقيرة بحجة ضمان أموالها والمحافظة عليها التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي.
الربا يؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات إن النظام الربوي يؤدي إلى خلق الطبقية بين الناس في المجتمع الواحد، ويؤدي إلى اختلال التوازن بينهم، وذلك لأن المقترض غالبًا ما يكون من المحتاجين والمقرض يكون من الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال، فيزداد الغني ثراءً والمحتاج فقرًا، وكل هذا لأن المال محصور بين أيدي طائفة قليلة من الأثرياء، ومِن ثَمَّ تكون مواجهة بين طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء في المجتمع الواحد
ثالثًا الأضرار النفسية للربا إن للربا أضرارًا نفسية خطيرة، وذلك لأنه يولد في الإنسان حب الأثرة والأنانية، فلا يعرف المرابي إلا نفسه، ولا يهمه إلا مصلحته، فتنعدم بذلك روح التضحية والإيثار، وتنعدم معاني الخير بين الناس، فيصبح المرابي وحشًا مفترسًا لا هم له في الحياة إلا جمع المال وامتصاص دماء المحتاجين، وهكذا ينتشر الحقد والجشع في نفس المرابي ويقابلها البغض والكراهية للأغنياء المرابين من جانب الفقراء المحتاجين روائع البيان لمحمد علي الصابوني جـ.
مراحل تحريم الربالقد مَرَّ تحريم الربا بأربع مراحل سوف أتحدث عنها بإيجاز
المرحلة الأولى
تبدأ بنزول قوله تعالى «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» الروم ، فهذه الآية الكريمة نزلت في مكة وهي كما يظهر ليس فيها ما يشير إلى تحريم الربا، وإنما فيها إشارة إلى بغض الله تبارك وتعالى للربا، وأن الربا ليس له ثواب عند الله عز وجل
المرحلة الثانية
وفيها نزل قوله تعالى في سورة النساء «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» النساء وهذه الآية مدنية وهي درس قصه الله سبحانه وتعالى علينا من سيرة اليهود الذين حُرِّمَ عليهم الربا فأكلوه فاستحقوا اللعنة والغضب من الله تعالى، وهو تحريم بالإشارة لا بالتصريح لأنه حكاية عن جرائم اليهود ليس فيه ما يدل دلالة قطعية على أن الربا محرم على المسلمين روائع البيان لمحمد علي الصابوني جـ ص
المرحلة الثالثة
وفيها نزل قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» آل عمران وهذه الآية مدنية وفيها التصريح بتحريم الربا ولكنه تحريم جزئي لا كلي لأنه تحريم لنوع من الربا الذي يسمى الربا الفاحش، وهو الربا الذي بلغ في الشناعة والقبح الذروة العليا وبلغ في الإجرام النهاية العظمى حيث كان الدَّين فيه متزايدًا حتى يصبح أضعافًا مضاعفة، تضعف عن سداده كاهل المستدين، الذي استدان لحاجته وضرورته روائع البيان لمحمد علي الصابوني .
المرحلة الرابعة
وفيها نزل قوله تعالى بتحريم الربا تحريمًا كليًا، وذلك في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ» البقرة ، وظهر في هذه الآية المباركة الجامعة تحريم الربا تحريمًا قطعيًا لا فرق بين قليله أو كثيره روائع البيان لمحمد علي الصابوني .
عاقبة التعامل بالربا في الدنيا والآخرة لقد حذرنا الله تعالى عاقبة التعامل بالربا فأكد ذلك نبينا محمد في سنته المطهرة، وسوف أتحدث عن عاقبة الربا في القرآن الكريم والسنة المطهرة بإيجاز
أولاً عاقبة التعامل بالربا في القرآن يقول الله تعالى في كتابه العزيز «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا» البقرة قال ابن جرير الطبري قال جل ثناؤه عن الذين يأكلون الربا أنهم لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي الجنون في الدنيا تفسير ابن جرير الطبري ج ص قال سعيد بن جبير آكل الربا يُبعث يوم القيامة مجنونًا يُخنقُ تفسير ابن جرير الطبري.ويقول سبحانه «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» البقرة قال ابن كثير يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا، أي يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة، كما قال تعالى «قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ» المائدة ، وقال تعالى «وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» الأنفال ، وقال «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ» الروم وقال جل شأنه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ» البقرة قال ابن كثير هذا تهديد شديد ووعيد أكيد، لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار، قال ابن جريج قال ابن عباس «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ» أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله، وقال ابن عباس يُقالُ يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب ثم قرأ «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ص قال ابن عباس في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا»، إلى قوله «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» فمن كان مقيمًا على الربا لا ينزعُ عنه، فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضَرب عنقه
ثانيًا عاقبة التعامل بالربا في السُّنَّة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا يا رسول الله، وما هن ؟ قال «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» البخاري ح ، ومسلم ح وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال النبي «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتيتنا على نهر من دم فيه رجلٌ قائم، وعلى وسط النهر رجلٌ بين يديه حجارةٌ، فأقبل الرجلُ الذي في النهرِ، فإذا أراد الرجلُ أن يخرجَ رَمَى الرجلُ بحجرٍ في فِيهِ، فردَّهُ حيثُ كان، فجعلَ كلما جاءَ ليخرجَ رَمَى في فِيهِ بحجرٍ فيرجعُ كما كان، فقلتُ ما هذا ؟ فقال الذي رأيته في النهرِ آكلُ الربا» البخاري ح وعن جابر رضي الله عنه قال لعن رسول الله آكلَ الربا، ومؤكله، وكاتبهُ، وشاهديه، وقال هُم سَواءٌ مسلم ح وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله» صحيح الجامع ح وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «الربا سَبْعُونَ حُوبًا أيسرها أَن يَنْكحَ الرجلُ أُمِّهُ» صحيح ابن ماجه ح سبعون حوبًا الحوب الإثم، أي سبعون نوعًا من الإثم أيسرها أي أخف تلك الآثام؛ أن يجامع الرجل أمه وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال «ما أحدٌ أَكْثَرَ من الربا إلاَّ كانَ عاقبةُ أمرِهِ إلى قِلَّةٍ» صحيح ابن ماجه ح أكثر من الربا أي أكثر ماله وجمعه من الربا
حقيقة عمل البنوك الربويةأخي القارئ العزيز لكي تتضح لك حقيقة عمل البنوك الربوية، سوف أذكر بعض أقوال أهل اللغة والاقتصاد في تعريف البنك
تعريف البنك في اللغة جاء في المعجم الوسيط البنك مؤسسة تقوم بعمليات الائتمان بالاقتراض والإقراض المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية .
وجاء في الموسوعة الميسرة مصرف أو بنك تطلق هذه الكلمة بصفة عامة على المؤسسات التي تتخصص في إقراض النقود موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس .
تعريف البنك عند علماء الاقتصاديقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات تحت الطلب أو لأجل، ثم تستخدم هذه الودائع في منح القروض والسلُّف موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق