الأربعاء، 13 يناير 2010

مبادئ الاقتصاد الإسلامى وخصائصه

مبادئ الاقتصاد الإسلامى وخصائصه
اعداد د. على احمد السالوس أستاذ فخري للاقتصاد الإسلامى بجامعة قطر ----------------
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد فقد أصبح الاقتصاد من أهم العلوم التي يعتني بها الباحثون شرقًا وغربًا لما له من أثر واضح في الحياة المعاصرة، وفي ظل المستجدات على الساحة، وحاجة الناس لتأصيل المعاملات المالية المستحدثة، وما يشغل الناس تجاه تلك الأمور وبداية من هذا العدد نتناول بمشيئة الله تعالى مبادئ الاقتصاد الإسلامي وخصائصه من خلال الكتاب والسنة، ومفهوم الربا المحرم فنقول وبالله التوفيق
خصائص الاقتصاد الإسلامي
الاقتصاد الإسلامي هو الذي يوجه النشاط الاقتصادي وينظمه وفقًا لأصول الإسلام ومبادئه الاقتصادية إن الاقتصاد الإسلامي كأحد فروع الشريعة الإسلامية يتسم بتلك الخصائص التي تتسم بها تلك الشريعة وتميزها عن غيرها من الشرائع الوضعية وهي
أولاً ربانية المصدر
الخصيصة الأولى للاقتصاد الإسلامي أنه رباني المصدر ؛ فليس هو الاقتصاد الذي قال به أفلاطون أو أرسطو، وليس اقتصاد التجاريين أو الطبيعيين، أو الكلاسيكيين أو الماركسيين، وإنما هو جزء من الإسلام، فمصدره إلهي، مستمد من كتاب الله، وسنة نبيه ومعنى هذا أن الاقتصاد الإسلامي في جملته مصدره الوحي، أو الاجتهاد في ضوئه، وهذه الخصيصة لا توجد في أي مذهب اقتصادي آخر، فكل المذاهب الأخرى من وضع البشر لذا وجب الإيمان بأنه هو الصالح للناس، فيجب الأخذ به وتطبيقه، فهو اقتصاد معصوم في أوامره ونواهيه ومبادئه الكلية، وأقرب إلى الصواب في الأمور التي تكون بالاجتهاد
ثانيًا ربانية الهدف
الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى سد حاجات الفرد والمجتمع الدنيوية، طبقًا لشرع الله تعالى الذي استخلف الإنسان في التصرف في المال والانتفاع به، فالمسلم يدرك أن المال ملك الله عز وجل فيكون إرضاء مالك المال، سبحانه وتعالى هدفًا يسعى إليه المسلم في نشاطه الاقتصادي يقول الله تعالى وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا القصص ولذلك نجد المسلم وهو يزاول نشاطه الاقتصادي يسلك مسلكه وهو يعبد الله عز وجل، بل الهدف من نشاطه أساسًا عبادة الله تبارك وتعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ الذاريات
ثالثًا الرقابة المزدوجة
عندما يضع نظام بشري مبادئه وقوانينه فإن التطبيق يحتاج إلى جهاز للرقابة، ويستطيع الناس مخالفة هذا النظام ما داموا بعيدين عن أعين الرقباء، أما في الإسلام فإن النشاط الاقتصادي يخضع لرقابتين رقابة بشرية، ورقابة ذاتية، والرقابة البشرية وجدناها بعد الهجرة، فالرسول كان يراقب الأسواق بنفسه، وعندما فتحت مكة أرسل من يراقب أسواقها، ومن هنا ظهرت وظيفة المحتسِب لمراقبة النشاط الاقتصادي إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحساس المسلم أن الله عز وجل أحل كذا، وحرم كذا، يفرض رقابة ذاتية، ولذلك رأينا سلوك المسلم في نشاطه الاقتصادي كسلوكه في عبادته
رابعًا الجمع بين الثبات والمرونة أو التطور
في الاقتصاد الإسلامي أمور ثابتة، لا تتغير ولا تتبدل مهما تغير الزمان والمكان منها تحريم الربا والميسر، وحِلّ البيع، وكثير من العقود، والنِّصاب، والمقدار في الزكاة، وتوزيع التركة على الورثة ؛ فليس لأحد أن يُحل ما حُرم، أو يُحرم ما أحل والإسلام جاء خاتمًا للشرائع السابقة ليطبق في كل زمان ومكان، فكان في اقتصاده من المرونة ما جعله يتسع للأساليب المختلفة، والوسائل المتجددة، والعرف ما دام لا يتعارض مع أصل ثابت ومن المعروف أن الأصل في العبادات الحظر، وفي المعاملات الإباحة ؛ لذا اتسع الاقتصاد الإسلامي ليشمل ما يَجِدُّ من المعاملات المختلفة التي خلت من الربا والميسر والغَرَر الفاحش، ورأينا تغير الفتوى تبعًا لتغير الزمان والمكان، يقال هذا اختلاف زمان ومكان وليس اختلاف حجة وبرهان
خامسًا التوازن بين المادية والروحية
الإنسان مادة وروح، وخالقه عز وجل يعلم ما يصلح لكل منهما وما لا يصلح أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك فجاء الاقتصاد الإسلامي بالتوازن بين الجانبين؛ بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ولهذا وجدنا الربط بين التنمية الاقتصادية والتنمية الإيمانية وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ الأعراف بل جعل النشاط الاقتصادي سعيًا في سبيل الله كما جاء في الحديث الشريف «إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع ولهذا وجدنا في قواعد الإسلام للاقتصاد الحثّ على إعطاء الآخرين من رزق الله، زكاة وصدقة وكفارات
سادسًا التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة
للإنسان دوافعه ورغباته، وما يراه محققًا لمصلحته الخاصة، وقد تتعارض مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة، فراعى الاقتصاد الإسلامي التوازن التام بين المصلحتين ومن المعلوم أن ما يملكه الفرد لا يجوز غصبه أو الاعتداء عليه، كما قال في خطبته يوم عرفة من حجة الوداع «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» متفق عليه وللمالك حق الانتفاع المشروع بما لا يتعارض مع مصلحة الجماعة، وليس له حق استخدام ما يملك بطريقة تسبب الضرر للآخرين، أو الجماعة والمحتكر الذي يريد أن يستغل حاجة الجماعة لا يُمكَّن من هذا، بل يقوم ولي الأمر أو المحتسب بإجباره على البيع بثمن المثل هذا التوازن لا تراه في أي مذهب آخر، فالرأسمالية اتجهت نحو الفرد وإشباع رغباته دون حدود أو قيود، والماركسية ألغت مصلحة الفرد إلغاءً تامًّا، وهكذا نجد اتجاهين متعارضين متناقضين الاتجاه الفردي، والاتجاه الجماعي، ويبقى الاقتصاد الإسلامي متميزًا بخصيصة التوازن
سابعًا الواقعية
الاقتصاد الإسلامي واقعي في مبادئه ومنهجه وأحكامه ينظر إلى الواقع العملي الذي يتفق مع طبائع الناس، ويراعي دوافعهم وحاجاتهم ومشكلاتهم، لا يجنح إلى خيال وأوهام، ولا ينزل إلى دَرَكٍ لا يتفق مع البشرية التي كرمها ربنا عز وجل ويكفي أن ندرس مبادئه لتتضح هذه الخصيصة، ولنتدبر قول العليم الخبير الخالق سبحانه وتعالى نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف فهذا هو واقع الناس، اختلافهم في الرزق والجاه، ليتخذ بعضهم من بعض أعوانًا يسخَّرون في قضاء حوائجهم، حتى يتساندوا في طلب العيش وتنعيم الحياة، وختام الآية الكريمة له أثره في أن يتم هذا في تراحم وتعاون محمود
ثامنًا العالمية
من الخَمس التي خُصَّ بها خاتم الرسل أنه بُعث للناس كافة، وكان كل نبي يُبعث لقومه خاصة متفق عليه ، ونص القرآن الكريم على هذا في عدد من سوره، ففي أول سورة الفرقان تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، وفي سبأ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وفي الأنبياء وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وفي الأعراف قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ولهذا جاء الإسلام صالحًا للتطبيق في كل زمان ومكان والاقتصاد جزء من هذا الدين الخاتم، ولهذا جاء بأحكام كلية، ومبادئ عامة تناسب كل مكان وزمان، وجمع بين الثبات المرونة أو التطور، واتسع لاجتهادات المجتهدين، وجعل الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يوجد ما يعارض نصًّا، أو أصلاً ثابتًا أو مقصدًا من مقاصد التشريع الإسلامي مبادئ الاقتصاد الإسلامي
أولاً الملكية المزدوجة، الخاصة والعامة
الملكية لله عز وجل وملكية البشر استخلافية الأصل في الملكية التامة أنها لله عز وجل فهو سبحانه وتعالى الخالق، لا شريك له، مالك الملك والملكوت، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ المائدة ولكنا نجد في آيات أخرى نسبة المال للناس، كقوله تعالى وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذاريات ، وقوله جل شأنه وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ البقرة والملكية هنا إنما تعني ملكية المنفعة والتصرف، ويمكن إدراك هذا بضم الآيات بعضها لبعض، فالمالك عز وجل استخلف البشر في ماله، وجعل لهم حق المنفعة والتصرف وهذا الحق جُعل في بعض الأموال للأفراد، وهو ما يُعرف بالملكية الخاصة، وفي بعضها الآخر جُعل للجماعة أو الدولة، وهو ما يُعرف بالملكية العامة
ثانيًا التكافل وضمان الكفاية
روى الإمام أحمد في مسنده من عدة طرق أن الرسول قال «من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادمًا، أو ليست له دابة فليتخذ دابة» صححه الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير وقال الخطابي «هذا يُتأول على وجهين أحدهما أنه أباح اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجرة مثله، والوجه الآخر أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن ولا خادم استؤجر له من يخدم؛ فيكفيه مهنة مثله، ويُكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله» وقد نجد من الأعمال ما لا يحقق عائدًا لصاحب العمل يمكِّنه من إعطاء العامل أجرًا يفي بتمام كفايته هو ومن يعول، وهنا يأتي دور الدولة، فعليها أن تضمن للعامل تمام الكفاية إذا كان أجره العادل لا يكفيه، والعاجزون عن العمل لهم أيضًا تمام كفايتهم، ويكون هذا من نفقات الأقارب الواجبة، وإلا فمن الزكاة أو بيت المال
ثالثٍا الحرية المقيدة
الحرية مبدأ من المبادئ المهمة في الاقتصاد الإسلامي، فالمسلم حر في اختيار العمل الذي يناسبه، وطرق الكسب التي يستريح لها، والتملك الذي يفضله، والإنفاق الذي يشبع رغباته وهذه الحرية مقيدة في حدود مبدأ الاستخلاف الذي ذكرناه آنفًا، وتضبطها أحكام التشريع الإسلامي من الحلال والحرام فالمسلم الوكيل يتصرف في الحدود الذي يسمح بها الموكل، فليس من حق المسلم أن ينتفع بالمال أو يتصرف فيه إلا بما شرعه مالك المال حقيقة، وهو الله عز وجل الذي استخلفه في هذا المال وإذا لم يراقب الله سبحانه وتعالى فمنع حقًّا أو ارتكب حرامًا، جاء دور الشق الثاني من الرقابة المزدوجة، الرقابة البشرية التي تقوم بها الدولة المسلمة وللحديث بقية إن شاء الله وقدر، والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق