الجمعة، 19 مارس 2010

ما أشبه الليلة بالبارحه


ما أشبه الليلة بالبارحه
(قال الوزير) أخبرني شيخ كبير ان فلاحا رأى في منامه كأنه خرج من بطنه مفتاح ، فلما أصبح الصباح جاء إلى رجل من أهل الصلاح ، يعبر المنامات وكان ذا كرامات فقص عليه رؤياه وطلب منه تعبير ما رآه فقال له هذا منام نفيس لا أذكر ما فيه من تعبير إلا بدينار كبير فحصل له بشارة فناوله ديناره فقال يولد لك ولد ذكر يكون سبباً للفتوح والظفر وكان له زوجة حامل بقي لها أيام قلائل فولدت أيمن غلام بعد ثلاثة أيام فاستبشر الفلاح بالظفر والنجاح ، ثم بعد مده حصل الفلاح شده من مرض آلمه وأصاب قدمه فجاء إلى معبر المنام وشكا إليه الآلام وقال ألمي في قدمي ضاعف همي وأضعف هممي فقال له لا بأس يا حبيب هذا داء هين وعلاجه بين أعطني ديناراً ثانياً أصف لك دواء شافياً ، فأعطاه ما اشتهى واستوصفه الدواء فقال: ضمده بعجة بيض كثيرة الإبراز وضع عليه عسلاً مسخناً على النار ففعل ذلك فبرئت قدمه وزال بالكلية ألمه .

ففكر الفلاح في فعل المعبر الطبيب وقوله المصيب وأمره العجيب فأنه بأدنى عبارة عبر المنام وبأوهى إشارة أزال الآلام ..
فرأى الراحة في ترك الفلاحة والاشتغال بعلم الطب والتعبير فانه أمر هين يسير وبأدنى أمر حقير يحصل المال الكثير ، فباع آلات الزراعة وعزم على تعاطي ما في الطب والتعبير من صناعه ، وجمع كتباً ودفاتر وكراريس محزمة ومتناثره ، ووسع أكمامه ووضع على رأسه عمامة كأنها غمامه ، وجميع عقاقير وأوراق وبسط بسطه في بعض الأسواق وأشار على لسان مخبرأن المكان الفلاني فيه طبيب معبر وهو أستاذ الزمان وعلامة الأوان وتلامذة في الطب حكماء اليونان وفي التعبير ابن سيرين وكرمان وتصدر كابي زيد وساسان عاملاً بما قاله شيخ البيان J وهو:
الطب أهــــــــــــــون علم يستفاد فطــــــر ... بيـــــــــــــــن الأنام به طير الزنابير
واجمع لـــــذاك كراريســـــــــاً منثـــــــــــرة ... وجملة من حشيش من عقاقير
رضـــــــــــــــع على الرأس بقيــــــــــاراً تدوره ... كقبة النسر في وزن القناطير
واجمع معاجين من رب تخلطها ... واسحق سفوفاً واكحال العواوير
وسم ما شئت من أسماء مغربــــــة ... كالسند والهند والسرحا وخنفور
وقل من الهند جا هذا ومن عدن ...  هذا وهذا أتى من ملك فغفور
وذا من البحــــر بحر الصين معدنه ... وذا من البــــربر المدعو وبيربور
فإن رأيــــــــــــت بالاستسقـــــاء ذا ورم ... فقل تـــــورم من لســــع الزنابيــــــر
إن أقشعــــــر فقـــــــل بــــــــــــرد عــــــــراه ... وأن يحم قل حره وهج التنانير
وإن أتـــــــــــاك مريض لا تخـــف وأشر ... بما ترى من دواء دونـــه البور
فأن يعش قل دوائي كان منعشه ... وإن يمت قل أتاه حكم مقدور
كذلك الرمل والتنجيم خذه على...هذا المثال وخض في علم تعبير
فإن أصبت فقل علمي ومعرفتـــي ... وفي التخـــالف قل ذد المقادير
وإن رأيـــــت فقيهــــــــــــــا فر منه ولا ... تنطق يخطئك في فسق وتكفير
وأنــــت تحتاج في هذا وذاك إلى ... ذوق ومعرفـــــة مع حسن تدبير
فاتفق أن رئيس خدام خليفة الأنام رأى في المنام شيأ هاله وغير حاله فحصل له في رأسه صداع وفي فؤاده أوجاع فسمع بهذا الرجل الطبيب ( الفلاح المتطبب )  وأنه أستاذ مفيد ، فأرسل إليه وعرض ما رآه عليه فقال هذا منام يدل على خير وأنعام وبقاء ذكر الرئيس على الدهر والأعوام ولكن لا أعبر هذه الأحلام إلا بدينار تمام فناوله ديناراً وأظهر استبشاراً فقال له يولد لك غلام بعد ثلاثة أيام فضحك الرئيس من هذا الكلام J وقال يا إمام أنا رئيس الخدام طواشي بلا شي لا زوجة ولا سرية فأنى يكون لي غلامJ فلا تسخر مني وكف كلامك عني وأخبرني بتعبير هذا المنام ودع عنك الملام ، فقال حقاً أقول وأنا جربت هذا المقول وقد عبرت لك هذا التعبير ولا ينبئك مثل خبير فقال الرئيس يا أخي دع هذا المقال فإن وجود الولد مني محال وأنا رجل بي وجع وما بقي في منتجع فقال وماذا تشكو وألمك في أي مكان هو؟ ،  فقال الرئيس في فؤادي أوجاع وفي رأسي صداع ، فقال يا زين من فاخر أعطني ديناراً آخر أصف لك أيسر دواء يحصل لك منه العافية والشفاء J ، فدفع إليه الدينار وطلب منه دواء الدوار وما بفؤاده من ألم أورثه الوهج والضرم فقال يا أبا الفيض ضمد رجلك بعجة بيض مضافاً إليها عسل مشتار وليكن ذلك كشتار وليكن ذلك مسخناً بالنار فاستشاط الطواشي غضباً وفار كالنار شواظاً ولهباً وعرف أنه جاهل وعن طرق العلم غافل فضربه وأدبه التأديب البالغ J ورده إلى فلاحته.                  من الكتاب : فاكهة الخلفاء و مفاكهة الظرفاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق