الاثنين، 25 يناير 2010

الربا فى الفقة الإسلامى

الربا فى الفقة الإسلامى


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه، وبعد



في الكتاب العزيز






جاء ذكر الربا في أربع من سور القرآن الكريم، وهي البقرة، وآل عمران، والنساء، والروم؛ إحداها مكية، وهي سورة الروم، قال الله تعالى وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ الروم


ومن المعلوم أن الربا لم يحرَّم إلا في العهد المدني، أي أن هذه الآية الكريمة المكية جاءت من باب التدرج في التشريع، كما حدث مثلاً في تحريم الخمر، فبينت أن الربا غير مقبول عند الله تعالى، وبذلك هيأت الأذهان والنفوس لتلقي حكم التحريم وتنفيذه


ثم نزل التحريم في قوله تعالى من سورة آل عمران يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ آل عمران


وجاءت سورة البقرة بختام هذا التشريع، فبينت سوء المنقلب لمن يتعامل بالربا واعتبرته عدوًّا لله، ولرسوله مستحقًا لحربهما، وأي خسارة بعد هذه الخسارة ؟ فتدبر قوله تعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ البقرة

في السنة الشريفة



وجاءت السنة النبوية الشريفة تبين أن الربا من الكبائر، ومن الجرائم الموبقات المهلكات، وأن اللعنة تلحق من يأكله، ومن يُطعمه غيره، ومن يكتبه، ومن يشهد عليه، وانظر مثلاً في كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري تجد ثلاثين حديثًا في الترهيب من الربا


منها ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول قال «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا يا رسول الله، وما هُنّ؟ قال «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» البخاري ، ومسلم


وما رواه مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال لعن رسول الله آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال «هم سواء» مسلم


وما رواه البخاري بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت ما هذا؟ فقال الذي رأيته في النهر آكل الربا» البخاري


ولا يسع أي مؤمن يسمع كلام الله تعالى، وكلام رسول الله إلا أن يجتنب الربا أو ما فيه شبهة ربا


لذا وجب أن نعرف ما يتعلق بالربا، وعلى الأخص في زماننا هذا، وقد عمت البلوى، واستشرى الفساد في الأرض، وأصبح كثير من الناس ينطبق عليهم قول الرسول « يأتي على الناس زمان، لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام» البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه


وقوله «ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره» وفي رواية «من غباره» أبو داود






مفهوم الربا المحرم



الربا في القرآن الكريم


تحدث القرآن الكريم عن الربا في أربع من سوره، وكان الختام هو آيات الربا في سورة البقرة الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ إلى وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ الآيات


وتفسير آيات الربا في السور الأربع يطول ذكره والرجوع إليه بحمد الله تعالى ميسر في كثير من الكُتب، والذي نريد أن نقف عنده هنا هو معنى الربا الذي تحدث عنه القرآن الكريم، وكان شائعًا في الجاهلية عند تفسير قوله تعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا


روي الطبري عن مجاهد قال في الربا الذي نهى الله عنه كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدَّيْن فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه


وعن قتادة أن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء، زاده وأخَّر عنه


وعند قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ


روى الطبري عن السدي قال نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب، ورجل من بني المغيرة، كانا شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا إلى أناس من ثقيف


وعن الضحاك قال كان ربًا يتبايعون به في الجاهلية، فلما أسلموا أُمِروا أن يأخذوا رءوس أموالهم راجع الجزء السادس من تفسير الطبري تحقيق محمود محمد شاكر ص وما بعدها


وقال الجصاص الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل، بزيادة على مقدار ما استقرض، على ما يتراضون به أحكام القرآن


وقال في موضع آخر معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضًا مؤجلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلاً من الأجل، فأبطله الله تعالى وحرمه أحكام القرآن


وقال الفخر الرازي ربا النسيئة هو الأمر الذي كان مشهورًا متعارفًا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرًا معينًا، ويكون رأس المال باقيًا، ثم إذا حلَّ الدَّيْن طالبوا المدين برأس المال، فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به تفسير الرازي


وقال ابن حجر الهيثمي ربا النسيئة هو الذي كان مشهورًا في الجاهلية؛ لأن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل، على أن يأخذ منه كل شهر قدرًا معينًا ورأس المال باقٍ لحاله، فإذا حل طالبه برأس المال، فإن تعذر عليه الأداء زاد في الحق والأجل الزواجر عن اقتراف الكبائر


وتسمية هذا نسيئة، يصدق عليه ربا الفضل أيضًا؛ لأن النسيئة هي المقصودة فيه بالذات


مما سبق نرى أن ربا الجاهلية كان من ربا الديون، وهو ربا النسيئة


والدَّين قد يكون ناشئًا عن بيع آجل، فإذا حل الأجل ولم يدفع المشتري الثمن التزم بدفع زيادة عليه مقابل الزيادة في الأجل، وقد يكون الدين قرضًا مؤجلاً بزيادة مشروطة مقابل الأجل، ويُتفق على هذه الزيادة الربوية من البداية بالتراضي بما يراه كل منهما مصلحة لنفسه


وقد يدفع هذا الربا مقسطًا أقساطًا شهرية، ويظل رأس المال باقيًا، وإذا حل موعد القرض طبقت القاعدة الجاهلية المعروفة إما أن تقضي، وإما أن تربي، فإما أن يؤدي المقترض، وإما أن يزاد في الدين والأجل


ويظهر الاستغلال والحاجة عند عجز المدين عن أداء الدين، وتطبيق القاعدة الجاهلية، ولكن لا يظهر شيء من هذا إذا لم يعجز المدين، وأدى الدين والزيادة الربوية المتفق عليها، وقد يربح المقترض في تجارته برأس مال المقرض أضعاف الزيادة الربوية، ومع هذا يظل التحريم قائمًا، ويأذن جميع آكلي الربا بحرب من الله ورسوله


فربا الجاهلية إذن لا يظهر فيه الاستغلال والحاجة إلا في صورة من صوره، وهو مثل الفوائد المركبة التي تأخذها جميع البنوك الربوية في عصرنا، ومثل ما يفعله كثير من التجار في البيع بالتقسيط؛ حيث يأخذون زيادة من المشتري عند تأجيل دفع الأقساط عن موعدها المحدد


وقوله تعالى وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ يبين أن أي زيادة على رأس المال مهما قلت أو كثرت تعتبر من الربا المحرم، وهذا الحكم خاص بالمدين الموسر، أما المدين المعسر فيبين حكمه قوله تعالى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ






الربا في السنة المطهرة






جاءت السنة المطهرة لتؤكد تحريم ربا الديون الذي حرمه القرآن الكريم، وتبين أنه من أكبر الكبائر، ومن السبع الموبقات المهلكات، وأن اللعنة تنزل على كل من يشترك في ارتكابه، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره أن النبي لعن آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال «هم سواء» مسلم وفي مسلم أيضًا «فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء» مسلم


وفقه الحديث الشريف يبين أن أي زيادة ربا محرم، ويستوي في الإثم واللعنة المقرض والمقترض، ولو كان التحريم مرتبطًا بالاستغلال وقصم الظهر فقط كما يقول المجترئون على الفتيا لكانت اللعنة لا تلحق المقترض الفقير، والإثم يرتفع عن المضطر المحتاج


كما كان للسنة دور آخر؛ حيث بينت تحريم ربا البيوع، وهو نوعان ربا الفضل أي الزيادة، وربا النسيئة أي التأجيل والتأخير


ويجمعهما حديث الأصناف الستة المشهور «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يدًا بيد» مسلم فبيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة إلخ يشترط فيه التقابض في المجلس، وعدم الزيادة، فإن كانت هناك زيادة مع القبض فهذا ربا الفضل، وإن لم يتم القبض فهو ربا نسيئة، سواء اشتمل على ربا الفضل أم لم يكن فيه زيادة


أما عند بيع الذهب بالفضة فلا يشترط التساوي، ولكن لا بد من التقابض كما جاء فيما رواه الشيخان «الذهب بالورق أي العملة الفضية ربا؛ إلا هاء وهاء»، أي خذ وهات، فإن لم يتم القبض فهو ربا نسيئة






الإجـمـاع






اختلف الفقهاء فيما يلحق بالأصناف الستة، ويأخذ حكمها في حالة البيع، ويعد من الأموال الربوية، فإذا لم تتوافر الشروط المذكورة آنفًا كان ربا الفضل أو النسيئة، وقد أفتت كل المجامع الفقهية بأن النقود الورقية لها ما للذهب والفضة من الأحكام


والاختلاف هنا إنما هو في حالة البيع فقط، أما في القرض فلا خلاف في تحريم أي زيادة مشروطة في العقد، ولا يقتصر هذا على الأصناف الستة وما يلحق بها، وإنما هو في كل شيء


قال الإمام مالك كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا المدونة


وقال ابن رشد الجد وأما الربا في النسيئة فيكون في الصنف الواحد وفي الصنفين، أما في الصنف الواحد فهو في كل شيء من جميع الأشياء، لا يجوز واحد باثنين من صنفه إلى أجل من جميع الأشياء مقدمة ابن رشد ص


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية «وليس له أن يشترط الزيادة عليه في جميع الأموال باتفاق العلماء» مجموع الفتاوى


وأهل الظاهر الذي خالفوا الجمهور، فوقفوا عند الأصناف الستة في البيع، لم يخرجوا على الإجماع في القرض قال ابن حزم «الربا لا يجوز أي لا يكون في البيع والسلم إلا في ستة أشياء فقط في التمر والقمح والشعير والملح والذهب والفضة، وهو في القرض في كل شيء» المحلى


وقال «وهذا إجماع مقطوع به»


وقال ابن قدامة «كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف قال ابن المنذر أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا» المغني


إذن فتحريم فوائد القرض ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومعلوم من الدين بالضرورة


قال الإمام الشيخ محمد أبو زهرة، رحمه الله إن النصوص القرآنية الواردة بالتحريم تدل على أمرين ثابتين لا مجال للشك فيهما


الأمر الأول أن كلمة الربا لها مدلول لغوي عند العرب كانوا يعاملون به ويعرفونه، وأن هذا المدلول هو زيادة الدَّيْن نظير الأجل، وأن النص القرآني كان واضحًا في تحريم ذلك النوع، وقد فسره النبي ، بأنه الربا الجاهلي، فليس لأي إنسان فقيه أو غير فقيه أن يدعي إبهامًا في هذا المعنى اللغوي، أو عدم تعيين المعنى تعيينًا صادقًا، فإن اللغة عينته، والنص القرآني عينه بقوله تعالى وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ


الأمر الثاني هو إجماع العلماء على أن الزيادة في الدَّين نظير الأجل هو ربا محرم ينطبق عليه النص القرآني، وأن من ينكره أو يماري فيه فإنما ينكر أمرًا عُلم من الدين بالضرورة، ولا يشك عالم في أيّ عهد من عهود الإسلام أن الزيادة في الدين نظير تأجيله ربا لا شك فيه.

 
والله من وراء القصد
وكتبه : د. علي السالوس

الأربعاء، 13 يناير 2010

مبادئ الاقتصاد الإسلامى وخصائصه

مبادئ الاقتصاد الإسلامى وخصائصه
اعداد د. على احمد السالوس أستاذ فخري للاقتصاد الإسلامى بجامعة قطر ----------------
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد فقد أصبح الاقتصاد من أهم العلوم التي يعتني بها الباحثون شرقًا وغربًا لما له من أثر واضح في الحياة المعاصرة، وفي ظل المستجدات على الساحة، وحاجة الناس لتأصيل المعاملات المالية المستحدثة، وما يشغل الناس تجاه تلك الأمور وبداية من هذا العدد نتناول بمشيئة الله تعالى مبادئ الاقتصاد الإسلامي وخصائصه من خلال الكتاب والسنة، ومفهوم الربا المحرم فنقول وبالله التوفيق
خصائص الاقتصاد الإسلامي
الاقتصاد الإسلامي هو الذي يوجه النشاط الاقتصادي وينظمه وفقًا لأصول الإسلام ومبادئه الاقتصادية إن الاقتصاد الإسلامي كأحد فروع الشريعة الإسلامية يتسم بتلك الخصائص التي تتسم بها تلك الشريعة وتميزها عن غيرها من الشرائع الوضعية وهي
أولاً ربانية المصدر
الخصيصة الأولى للاقتصاد الإسلامي أنه رباني المصدر ؛ فليس هو الاقتصاد الذي قال به أفلاطون أو أرسطو، وليس اقتصاد التجاريين أو الطبيعيين، أو الكلاسيكيين أو الماركسيين، وإنما هو جزء من الإسلام، فمصدره إلهي، مستمد من كتاب الله، وسنة نبيه ومعنى هذا أن الاقتصاد الإسلامي في جملته مصدره الوحي، أو الاجتهاد في ضوئه، وهذه الخصيصة لا توجد في أي مذهب اقتصادي آخر، فكل المذاهب الأخرى من وضع البشر لذا وجب الإيمان بأنه هو الصالح للناس، فيجب الأخذ به وتطبيقه، فهو اقتصاد معصوم في أوامره ونواهيه ومبادئه الكلية، وأقرب إلى الصواب في الأمور التي تكون بالاجتهاد
ثانيًا ربانية الهدف
الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى سد حاجات الفرد والمجتمع الدنيوية، طبقًا لشرع الله تعالى الذي استخلف الإنسان في التصرف في المال والانتفاع به، فالمسلم يدرك أن المال ملك الله عز وجل فيكون إرضاء مالك المال، سبحانه وتعالى هدفًا يسعى إليه المسلم في نشاطه الاقتصادي يقول الله تعالى وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا القصص ولذلك نجد المسلم وهو يزاول نشاطه الاقتصادي يسلك مسلكه وهو يعبد الله عز وجل، بل الهدف من نشاطه أساسًا عبادة الله تبارك وتعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ الذاريات
ثالثًا الرقابة المزدوجة
عندما يضع نظام بشري مبادئه وقوانينه فإن التطبيق يحتاج إلى جهاز للرقابة، ويستطيع الناس مخالفة هذا النظام ما داموا بعيدين عن أعين الرقباء، أما في الإسلام فإن النشاط الاقتصادي يخضع لرقابتين رقابة بشرية، ورقابة ذاتية، والرقابة البشرية وجدناها بعد الهجرة، فالرسول كان يراقب الأسواق بنفسه، وعندما فتحت مكة أرسل من يراقب أسواقها، ومن هنا ظهرت وظيفة المحتسِب لمراقبة النشاط الاقتصادي إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحساس المسلم أن الله عز وجل أحل كذا، وحرم كذا، يفرض رقابة ذاتية، ولذلك رأينا سلوك المسلم في نشاطه الاقتصادي كسلوكه في عبادته
رابعًا الجمع بين الثبات والمرونة أو التطور
في الاقتصاد الإسلامي أمور ثابتة، لا تتغير ولا تتبدل مهما تغير الزمان والمكان منها تحريم الربا والميسر، وحِلّ البيع، وكثير من العقود، والنِّصاب، والمقدار في الزكاة، وتوزيع التركة على الورثة ؛ فليس لأحد أن يُحل ما حُرم، أو يُحرم ما أحل والإسلام جاء خاتمًا للشرائع السابقة ليطبق في كل زمان ومكان، فكان في اقتصاده من المرونة ما جعله يتسع للأساليب المختلفة، والوسائل المتجددة، والعرف ما دام لا يتعارض مع أصل ثابت ومن المعروف أن الأصل في العبادات الحظر، وفي المعاملات الإباحة ؛ لذا اتسع الاقتصاد الإسلامي ليشمل ما يَجِدُّ من المعاملات المختلفة التي خلت من الربا والميسر والغَرَر الفاحش، ورأينا تغير الفتوى تبعًا لتغير الزمان والمكان، يقال هذا اختلاف زمان ومكان وليس اختلاف حجة وبرهان
خامسًا التوازن بين المادية والروحية
الإنسان مادة وروح، وخالقه عز وجل يعلم ما يصلح لكل منهما وما لا يصلح أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك فجاء الاقتصاد الإسلامي بالتوازن بين الجانبين؛ بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ولهذا وجدنا الربط بين التنمية الاقتصادية والتنمية الإيمانية وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ الأعراف بل جعل النشاط الاقتصادي سعيًا في سبيل الله كما جاء في الحديث الشريف «إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع ولهذا وجدنا في قواعد الإسلام للاقتصاد الحثّ على إعطاء الآخرين من رزق الله، زكاة وصدقة وكفارات
سادسًا التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة
للإنسان دوافعه ورغباته، وما يراه محققًا لمصلحته الخاصة، وقد تتعارض مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة، فراعى الاقتصاد الإسلامي التوازن التام بين المصلحتين ومن المعلوم أن ما يملكه الفرد لا يجوز غصبه أو الاعتداء عليه، كما قال في خطبته يوم عرفة من حجة الوداع «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» متفق عليه وللمالك حق الانتفاع المشروع بما لا يتعارض مع مصلحة الجماعة، وليس له حق استخدام ما يملك بطريقة تسبب الضرر للآخرين، أو الجماعة والمحتكر الذي يريد أن يستغل حاجة الجماعة لا يُمكَّن من هذا، بل يقوم ولي الأمر أو المحتسب بإجباره على البيع بثمن المثل هذا التوازن لا تراه في أي مذهب آخر، فالرأسمالية اتجهت نحو الفرد وإشباع رغباته دون حدود أو قيود، والماركسية ألغت مصلحة الفرد إلغاءً تامًّا، وهكذا نجد اتجاهين متعارضين متناقضين الاتجاه الفردي، والاتجاه الجماعي، ويبقى الاقتصاد الإسلامي متميزًا بخصيصة التوازن
سابعًا الواقعية
الاقتصاد الإسلامي واقعي في مبادئه ومنهجه وأحكامه ينظر إلى الواقع العملي الذي يتفق مع طبائع الناس، ويراعي دوافعهم وحاجاتهم ومشكلاتهم، لا يجنح إلى خيال وأوهام، ولا ينزل إلى دَرَكٍ لا يتفق مع البشرية التي كرمها ربنا عز وجل ويكفي أن ندرس مبادئه لتتضح هذه الخصيصة، ولنتدبر قول العليم الخبير الخالق سبحانه وتعالى نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف فهذا هو واقع الناس، اختلافهم في الرزق والجاه، ليتخذ بعضهم من بعض أعوانًا يسخَّرون في قضاء حوائجهم، حتى يتساندوا في طلب العيش وتنعيم الحياة، وختام الآية الكريمة له أثره في أن يتم هذا في تراحم وتعاون محمود
ثامنًا العالمية
من الخَمس التي خُصَّ بها خاتم الرسل أنه بُعث للناس كافة، وكان كل نبي يُبعث لقومه خاصة متفق عليه ، ونص القرآن الكريم على هذا في عدد من سوره، ففي أول سورة الفرقان تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، وفي سبأ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وفي الأنبياء وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وفي الأعراف قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ولهذا جاء الإسلام صالحًا للتطبيق في كل زمان ومكان والاقتصاد جزء من هذا الدين الخاتم، ولهذا جاء بأحكام كلية، ومبادئ عامة تناسب كل مكان وزمان، وجمع بين الثبات المرونة أو التطور، واتسع لاجتهادات المجتهدين، وجعل الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يوجد ما يعارض نصًّا، أو أصلاً ثابتًا أو مقصدًا من مقاصد التشريع الإسلامي مبادئ الاقتصاد الإسلامي
أولاً الملكية المزدوجة، الخاصة والعامة
الملكية لله عز وجل وملكية البشر استخلافية الأصل في الملكية التامة أنها لله عز وجل فهو سبحانه وتعالى الخالق، لا شريك له، مالك الملك والملكوت، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ المائدة ولكنا نجد في آيات أخرى نسبة المال للناس، كقوله تعالى وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذاريات ، وقوله جل شأنه وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ البقرة والملكية هنا إنما تعني ملكية المنفعة والتصرف، ويمكن إدراك هذا بضم الآيات بعضها لبعض، فالمالك عز وجل استخلف البشر في ماله، وجعل لهم حق المنفعة والتصرف وهذا الحق جُعل في بعض الأموال للأفراد، وهو ما يُعرف بالملكية الخاصة، وفي بعضها الآخر جُعل للجماعة أو الدولة، وهو ما يُعرف بالملكية العامة
ثانيًا التكافل وضمان الكفاية
روى الإمام أحمد في مسنده من عدة طرق أن الرسول قال «من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادمًا، أو ليست له دابة فليتخذ دابة» صححه الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير وقال الخطابي «هذا يُتأول على وجهين أحدهما أنه أباح اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجرة مثله، والوجه الآخر أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن ولا خادم استؤجر له من يخدم؛ فيكفيه مهنة مثله، ويُكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله» وقد نجد من الأعمال ما لا يحقق عائدًا لصاحب العمل يمكِّنه من إعطاء العامل أجرًا يفي بتمام كفايته هو ومن يعول، وهنا يأتي دور الدولة، فعليها أن تضمن للعامل تمام الكفاية إذا كان أجره العادل لا يكفيه، والعاجزون عن العمل لهم أيضًا تمام كفايتهم، ويكون هذا من نفقات الأقارب الواجبة، وإلا فمن الزكاة أو بيت المال
ثالثٍا الحرية المقيدة
الحرية مبدأ من المبادئ المهمة في الاقتصاد الإسلامي، فالمسلم حر في اختيار العمل الذي يناسبه، وطرق الكسب التي يستريح لها، والتملك الذي يفضله، والإنفاق الذي يشبع رغباته وهذه الحرية مقيدة في حدود مبدأ الاستخلاف الذي ذكرناه آنفًا، وتضبطها أحكام التشريع الإسلامي من الحلال والحرام فالمسلم الوكيل يتصرف في الحدود الذي يسمح بها الموكل، فليس من حق المسلم أن ينتفع بالمال أو يتصرف فيه إلا بما شرعه مالك المال حقيقة، وهو الله عز وجل الذي استخلفه في هذا المال وإذا لم يراقب الله سبحانه وتعالى فمنع حقًّا أو ارتكب حرامًا، جاء دور الشق الثاني من الرقابة المزدوجة، الرقابة البشرية التي تقوم بها الدولة المسلمة وللحديث بقية إن شاء الله وقدر، والحمد لله رب العالمين

الأحد، 10 يناير 2010

البنوك الربوية والمضاربة الإسلامية

البنوك الربوية والمضاربة الإسلامية
صلاح نجيب الدق
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد فإن الربا له آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، وقد جعل الله تعالى في المضاربة الإسلامية بديلاً عن التعامل بالربا، من أجل ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بهذا الأمر الذي يشغل كثيرًا من المسلمين، فأقول وبالله تعالى التوفيق . أضرار الربا على المجتمع إن للربا آثارًا خطيرة على المجتمع الذي ينتشر فيه، وسأتحدث عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للربا بإيجاز شديد أولاً الأضرار الاقتصادية إن للربا آثارًا سيئة على اقتصاد المجتمع الذي ينتشر فيه يمكن أن نجملها فيما يلي الربا يمنع الاستثمار في المشروعات المفيدة للمجتمع إن صاحب المال يجد في النظام الربوي فرصة للحصول على نسبة معينة من الربا على ماله، وهذا يصرفه عن استثمار ماله في مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية تعود على المجتمع بالنفع والخير الكثير، وينصرف عن تلك المشروعات التي قد تكون ضرورية للمجتمع لأنها قد تتطلب منه جهدًا واستعدادًا لتحمل الخسارة، في حين أن صاحب المال يتمكن في النظام الربوي من الحصول على هذا الربح دون مشقة أو خسارة، وهكذا يكون الربا مصدرًا لتوقف الأموال عن خدمة المجتمع، ومِن ثَمَّ يترتب على ذلك انخفاض الإنتاج التدابير الواقية من الربا، لفضل إلهي الربا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار يرجع ارتفاع الأسعار في العالم اليوم بحد كبير إلى النظام الربوي السائد اليوم، فلا يرضي صاحب المال إذا استثمر ماله في زراعة أو صناعة أو شراء سلعة أن يبيع سلعته أو الشيء الذي أنتجه إلا بربح أكثر من نسبة الربا، وكلما زاد الربا كلما ارتفعت الأسعار كثيرًا، هذا إذا كان المنتج أو التاجر صاحب المال، وأما إذا كان المنتج أو التاجر ممن يقترض بالربا فإن ارتفاع أسعار منتجاته شيء طبيعي، حيث سيضيف إلى نفقاته ما يدفعه من الربا الربا يؤدي إلى انتشار البطالة يتسبب الربا في انتشار البطالة، وذلك لأن أصحاب الأموال يفضلون إقراض أموالهم بالربا على استثمارها في إقامة المشروعات المختلفة، وهذا بلا شك يقلل من فرص العمل، فتنتشر البطالة نتيجة لذلك، وقد بين بعض علماء الغرب أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين البطالة والتعامل الربوي، وذلك واضح من اعتراف أحد علماء الغرب حيث يقول من مصلحتنا أن نخفض سعر الربا إلى درجة نتمكن من تشغيل الناس جميعًا التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي ص ثانيًا الأضرار الاجتماعية إن للربا أضراراً اجتماعية خطيرة نجملها فيما يلي استغلال حاجة الآخرين إن التعامل الربوي يقوم على أساس استغلال حاجة الآخرين حيث ينتظر المرابي المحتاجين إلى ماله ليس ليساعدهم، بل ليجد فريسة تحقق رغباته في امتصاص دماء الآخرين، فهو يعطيهم بالربا قروضًا ثم لا يهمه أن يربح المقترض أم لا، بل المهم عند المرابي أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المال ربًا على ماله، ولذلك فإن الربا يذهب المعروف بين الناس حيث لا يجد المحتاج من يواسيه أو يقرضه قرضًا حسنًا، وهذا كله يترك آثارًا سيئة في قلب المحتاج، فينشأ الحقد والغضب في قلبه نحو الأغنياء المرابين الذين يستغلون حاجة الفقراء إلى المال، وهذا يجعل الفقير المحتاج الذي اقترض بالربا يعمل بتهاون وكسل لأنه يعلم أن ما سيكسبه بكَدِّه وسعيه سيسلبه المرابون الظالمون، فتقل رغبتهم في العمل ومن ثَمَّ يضعف الإنتاج التدابير الواقية من الربا، لفضل إلهي . الربا يؤدي إلى التشاجر والحروب بين الناس لما كان النظام الربوي يقوم على أساس الاستغلال، فكان من الطبيعي أن تحدث المشاجرات بين أفراد المجتمع الواحد، ولأجل هذا الاستغلال فإنه في كثير من الأحيان لا يريد من كان عليه دين أن يدفع ما يجب في ذمته من أصل أو ربا إلا مكرهًا فتكون الخصومات والمشاحنات بين الدائن والمدين، وكان العرب في الجاهلية يتعاملون بالربا، فيحصل بسببه محاربات عظيمة، وفي الوقت الحاضر قد أدى التعامل بالربا إلى احتلال بعض الدول الغنية دولاً فقيرة بحجة ضمان أموالها والمحافظة عليها التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي. الربا يؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات إن النظام الربوي يؤدي إلى خلق الطبقية بين الناس في المجتمع الواحد، ويؤدي إلى اختلال التوازن بينهم، وذلك لأن المقترض غالبًا ما يكون من المحتاجين والمقرض يكون من الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال، فيزداد الغني ثراءً والمحتاج فقرًا، وكل هذا لأن المال محصور بين أيدي طائفة قليلة من الأثرياء، ومِن ثَمَّ تكون مواجهة بين طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء في المجتمع الواحد ثالثًا الأضرار النفسية للربا إن للربا أضرارًا نفسية خطيرة، وذلك لأنه يولد في الإنسان حب الأثرة والأنانية، فلا يعرف المرابي إلا نفسه، ولا يهمه إلا مصلحته، فتنعدم بذلك روح التضحية والإيثار، وتنعدم معاني الخير بين الناس، فيصبح المرابي وحشًا مفترسًا لا هم له في الحياة إلا جمع المال وامتصاص دماء المحتاجين، وهكذا ينتشر الحقد والجشع في نفس المرابي ويقابلها البغض والكراهية للأغنياء المرابين من جانب الفقراء المحتاجين روائع البيان لمحمد علي الصابوني جـ. مراحل تحريم الربالقد مَرَّ تحريم الربا بأربع مراحل سوف أتحدث عنها بإيجاز المرحلة الأولى تبدأ بنزول قوله تعالى «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» الروم ، فهذه الآية الكريمة نزلت في مكة وهي كما يظهر ليس فيها ما يشير إلى تحريم الربا، وإنما فيها إشارة إلى بغض الله تبارك وتعالى للربا، وأن الربا ليس له ثواب عند الله عز وجل المرحلة الثانية وفيها نزل قوله تعالى في سورة النساء «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» النساء وهذه الآية مدنية وهي درس قصه الله سبحانه وتعالى علينا من سيرة اليهود الذين حُرِّمَ عليهم الربا فأكلوه فاستحقوا اللعنة والغضب من الله تعالى، وهو تحريم بالإشارة لا بالتصريح لأنه حكاية عن جرائم اليهود ليس فيه ما يدل دلالة قطعية على أن الربا محرم على المسلمين روائع البيان لمحمد علي الصابوني جـ ص المرحلة الثالثة وفيها نزل قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» آل عمران وهذه الآية مدنية وفيها التصريح بتحريم الربا ولكنه تحريم جزئي لا كلي لأنه تحريم لنوع من الربا الذي يسمى الربا الفاحش، وهو الربا الذي بلغ في الشناعة والقبح الذروة العليا وبلغ في الإجرام النهاية العظمى حيث كان الدَّين فيه متزايدًا حتى يصبح أضعافًا مضاعفة، تضعف عن سداده كاهل المستدين، الذي استدان لحاجته وضرورته روائع البيان لمحمد علي الصابوني . المرحلة الرابعة وفيها نزل قوله تعالى بتحريم الربا تحريمًا كليًا، وذلك في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ» البقرة ، وظهر في هذه الآية المباركة الجامعة تحريم الربا تحريمًا قطعيًا لا فرق بين قليله أو كثيره روائع البيان لمحمد علي الصابوني . عاقبة التعامل بالربا في الدنيا والآخرة لقد حذرنا الله تعالى عاقبة التعامل بالربا فأكد ذلك نبينا محمد في سنته المطهرة، وسوف أتحدث عن عاقبة الربا في القرآن الكريم والسنة المطهرة بإيجاز أولاً عاقبة التعامل بالربا في القرآن يقول الله تعالى في كتابه العزيز «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا» البقرة قال ابن جرير الطبري قال جل ثناؤه عن الذين يأكلون الربا أنهم لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي الجنون في الدنيا تفسير ابن جرير الطبري ج ص قال سعيد بن جبير آكل الربا يُبعث يوم القيامة مجنونًا يُخنقُ تفسير ابن جرير الطبري.ويقول سبحانه «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» البقرة قال ابن كثير يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا، أي يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة، كما قال تعالى «قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ» المائدة ، وقال تعالى «وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» الأنفال ، وقال «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ» الروم وقال جل شأنه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ» البقرة قال ابن كثير هذا تهديد شديد ووعيد أكيد، لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار، قال ابن جريج قال ابن عباس «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ» أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله، وقال ابن عباس يُقالُ يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب ثم قرأ «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ص قال ابن عباس في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا»، إلى قوله «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» فمن كان مقيمًا على الربا لا ينزعُ عنه، فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضَرب عنقه ثانيًا عاقبة التعامل بالربا في السُّنَّة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا يا رسول الله، وما هن ؟ قال «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» البخاري ح ، ومسلم ح وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال النبي «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتيتنا على نهر من دم فيه رجلٌ قائم، وعلى وسط النهر رجلٌ بين يديه حجارةٌ، فأقبل الرجلُ الذي في النهرِ، فإذا أراد الرجلُ أن يخرجَ رَمَى الرجلُ بحجرٍ في فِيهِ، فردَّهُ حيثُ كان، فجعلَ كلما جاءَ ليخرجَ رَمَى في فِيهِ بحجرٍ فيرجعُ كما كان، فقلتُ ما هذا ؟ فقال الذي رأيته في النهرِ آكلُ الربا» البخاري ح وعن جابر رضي الله عنه قال لعن رسول الله آكلَ الربا، ومؤكله، وكاتبهُ، وشاهديه، وقال هُم سَواءٌ مسلم ح وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله» صحيح الجامع ح وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «الربا سَبْعُونَ حُوبًا أيسرها أَن يَنْكحَ الرجلُ أُمِّهُ» صحيح ابن ماجه ح سبعون حوبًا الحوب الإثم، أي سبعون نوعًا من الإثم أيسرها أي أخف تلك الآثام؛ أن يجامع الرجل أمه وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال «ما أحدٌ أَكْثَرَ من الربا إلاَّ كانَ عاقبةُ أمرِهِ إلى قِلَّةٍ» صحيح ابن ماجه ح أكثر من الربا أي أكثر ماله وجمعه من الربا حقيقة عمل البنوك الربويةأخي القارئ العزيز لكي تتضح لك حقيقة عمل البنوك الربوية، سوف أذكر بعض أقوال أهل اللغة والاقتصاد في تعريف البنك تعريف البنك في اللغة جاء في المعجم الوسيط البنك مؤسسة تقوم بعمليات الائتمان بالاقتراض والإقراض المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية . وجاء في الموسوعة الميسرة مصرف أو بنك تطلق هذه الكلمة بصفة عامة على المؤسسات التي تتخصص في إقراض النقود موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس . تعريف البنك عند علماء الاقتصاديقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات تحت الطلب أو لأجل، ثم تستخدم هذه الودائع في منح القروض والسلُّف موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس .

الخميس، 7 يناير 2010

الطريق إلى السعادة الاسرية حق الزوج على زوجته

الطريق إلى السعادة الاسرية حق الزوج على زوجته

اعداد : الشيخ جمال عبد الرحمن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد فكما أن للمرأة حقوقًا على زوجها، وقد ذكرناها، فإن للزوج أيضًا حقوقًا على زوجته، فما هي هذه الحقوق؟ طاعة الزوج فعلى الزوجة أن تطيع زوجها فيما أحبت وكرهت، ما دام لم يأمرها بمعصية، وما لم يأمرها بشيء لا تطيقه، فإن أمرها بما يخالف الشرع فلا سمع ولا طاعة قال «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ» البخاري ، ومسلم وقال أيضًا «لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع وقال تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة وقال ابن كثير رحمه الله «فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها، مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك» والطاعة المطلقة لله جل وعلا، أما طاعة المرأة لزوجها فلها حدود، فينبغي للمرأة أن تحافظ عليها، وينبغي للزوج ألا يتعداها، فلا يأمرها بعدم الذهاب إلى أهلها، أو يطلب منها أن تشتري له شيئًا محرمًا كالسجائر مثلاً، أو يطلب منها أن تجهِّز له الشيشة الجوزة أو غير ذلك وينبغي عليها ألا تطيعه إلا في المعروف ألا تمتنع عنه إذا دعاها إلى فراشه وهذه ملحقة أيضًا بطاعة الزوج، ما دامت قادرة على ذلك صحيًّا، وخالية من الموانع كالحيض أو النفاس، وكانت هي وهو في مكان لا تتعرض فيه للإحراج، كأن يكونا ضيوفًا في بيت أهلها مثلاً، فلا داعي للإحراج، فما جعل الله علينا في الدين من حرج، والفاصل في هذا كله تقوى الله جل وعلا عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا؛ لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» البخاري ، ومسلم فعلى الزوجة أن تخشى الله في هذا الأمر، وتحذر وعيده باللعنة في حالة رفضها بغير عذر، حتى لو لم يكن لها رغبة فلا تمنعه إذا رغبها هو، ولا يحق لها أن تعاقب زوجها بمثل هذا الشيء لغضبها عليه، أو لحاجةٍ في نفسها، وكما أسلفنا فتقوى الله من الطرفين واجبة، والحكمة مطلوبة ألا تُدْخِلَ بيتَ زوجها أحدًا يكرهه فلا تُدخل المرأةُ منزلَ زوجها أحدًا يكرهه من الأقارب أو النساء الأجانب؛ لقول النبي «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ» مسلم ؛ ولما رواه الترمذي وصححه عن عمر بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع فسمع النبي يقول «أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ؛ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً» الترمذي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع قال القرطبي فقوله «بفاحشة مبينة» يريد لا يُدخلن من يكرهه أزواجهن ولا يُغضبنهم، وليس المراد بذلك الزنا؛ فإن ذلك محرّم، ويلزم عليه الحد الجامع لأحكام القرآن عدم تمكينها لأجنبي من الخلوة بها فلا يجوز للمرأة أن تمكِّن أحدًا من أن يختلي بها، ما لم يكن مَحْرَمًا أمينًا على عرضها، وخاصة أقاربها وأقارب زوجها الذين ليسوا بمحارم لها؛ لما في ذلك من الريبة والذريعة إلى المنكر، وهذا من أشد ما يتأذى به الزوج من تصرفات زوجته، وخاصة المسلم الغيور الذي يؤذيه عدم صيانة عرضه، وقد حذَّر النبي من ذلك، كما في حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه، أن الرسول قال «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ» البخاري ، ومسلم فتشبيه الحمو بالموت يدل على أن دخوله على النساء أشد خطرًا من غيره؛ لأن الناس يتساهلون في دخوله على نسائهم، وهذا التساهل من أسباب ما قد يجري من المنكر، ولأن دخوله وخروجه عندما يصبح عادة يُؤْلَف؛ فلا يكون مستنكرًا مع خطورته، بخلاف الأجنبي؛ فإن الغالب عدم التساهل في دخوله، والناس ينكرون تردده أن تحافظ على أسرار زوجها والأسرار نوعان هناك سِرّ يجب أن يكون بين الزوج وزوجته، لا يُفشَى أبدًا لا في الحياة ولا بعد الموت، وهذا خاص بالعلاقة الزوجية، قال «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» مسلم ، وهذا السر من أعظم الأسرار، ولا يفشيه إلا حمار وهناك من الأسرار ما يُكتَم لفترة معينة، ولا يُفشَى إلا بإذن الزوج أيضًا، كما لا يجوز للمرأة أن تفشي سرًّا يكون في إفشائه خطورة على زوجها، أو يسبب له حرجًا بين الناس ألا تخرج من بيته إلا بإذنه لقوله «لا يحل لامرأةٍ أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تخرج وهو كاره » أخرجه الطبراني قال الهيثمي رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات والحاكم ، وقال صحيح الإسناد وفي سؤال للجنة الدائمة س ما حكم نزول المرأة إلى السوق بدون إذن زوجها؟ج إذا أرادت المرأة الخروج من بيت زوجها؛ فإنها تخبره بالجهة التي تريد الذهاب إليها، ويأذن لها في الخروج إلى ما لا يترتب عليه مفسدة، فهو أدرى بمصالحها؛ لعموم قوله تعالى وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة ، وقوله تعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ النساء أن تحفظ زوجها في غيابه في نفسها وماله لقوله «خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك» أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير والديلمي ، رقم فتحفظ المرأة نفسها في غياب زوجها، فلا تخرج من البيت، ولا تبرز بزينة وتبرج، أو تلهو وتعبث، أو تنتهز فرصة غيابه لتستضيف من النساء من هبَّ ودبَّ لتكثير المجالس النسائية، ويكثر الكلام، والقيل والقال، وتناقل الأفكار التي يتعب منها الزوج ويحار، كذلك ينبغي أن تحفظ زوجها في ماله، فلا تُقرض منه أحدًا إلا بإذنه، ولا تأخذ هي لنفسها منه إلا بإذنه، ويستثنى فقط ما إذا كان الزوج شحيحًا، لا يقوم بالنفقة عليها، ولا على أولاده كما ينبغي، فهنا تأخذ من ماله ما يكفيها وعيالها بالمعروف؛ وذلك لما روت عَائِشَةُ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» البخاري ألا تصوم صوم التطوع إلا بإذنه إن خدمة المرأة زوجها، وقيامها بقضاء حاجاته أولى من قيامها بأداء بعض العبادات تطوعًا، كالصوم والحج ونحوهما، وقد دل على ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ» البخاري ، ومسلم ألا تُرهق زوجها بالإكثار من النفقات فالمرأة مأمورة أن تكون رفيقة متواضعة، تراعي حال زوجها وقدرته المالية، فلا تكلِّفه ما ليس عنده، ولا تضطره إلى مدّ يده للناس يستدين ويقترض، وهي لا تبالي، وإن المرأة التي ترضى لزوجها أن يعيش مدينًا حتى يموت مدينًا لا خير فيها ولا بركة، وفعلها لؤم، وفألها شؤم وقد وصف النبي أفضل النساء بما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» البخاري ، ومسلم أن تكون نظيفة في ملبسها وهيئتها، وزينتها ما دامت قادرة على ذلك، حتى إذا رآها علاه السرور، وأخذته النشوة؛ لحديث النبي «خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك» أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير ، والديلمي ، رقم كذلك ينبغي أن تكون منظفة لبيتها، مهتمة بأولادها، فذلك دليل على نظافتها، وسلامة ذوقها، وكل هذا يسر زوجها إذا نظر إليها، فتكون بذلك من خير النساء، كما ذكر النبي وما أعظم ما أوصت به أمامة بنت الحارث ابنتها في شأن النظافة أمام زوجها فقد قالت لها «عليك بالتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يَشُمَنَّ منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقود» وصدقت والله، فإن الكحل أقوى الزينات، وهو أفضل من التزييف بالدهانات والأصباغ والدوكو كما أن المرأة إذا لم تجد ما يطيِّب رائحتها عند زوجها من العطور ومزيلات العرق لفقرها أو لغيره، فلا أقل من أن تجعل الماء مزيلاً طبيعيًا للعرق ورائحته، وحينئذٍ فهو أطيب الطيب أن تسترضيه إذا غضب فعن أنس بن مالك عن النبي قال «ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟» قالوا بلى يا رسول الله، قال «النبي في الجنة، والصدِّيق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر، لا يزوره إلا لله عز وجل، في الجنة» قال «ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العئود، التي إذا ظلمت قالت هذه يدي في يدك لا أذوق غمضًا حتى ترضى» الطبراني في الأوسط رقم ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ولتحذر الزوجة ما رواه أبو أمامة عن رسول الله «ثَلاَثَةٌ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ رُءُوسَهُمْ رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا سَاخِطٌ عَلَيْهَا، وَمَمْلُوكٌ فَرَّ مِنْ مَوْلاَهُ» البيهقي رقم أن تعترف بجميله، ولا تجحد إحسانه إن ما يقوم به الزوج من اكتساب الرزق، وما يعانيه من الإنفاق على الأسرة، وتحمُّل مسئوليتها، وكفاية المرأة في كثير من الأمور التي لو غاب عنها لأرهقتها وكلفتها شططًا، وكذلك ما يقدمه من الإحسان لامرأته لجدير أن يقابَل بالشكر، والاعتراف بالنعمة؛ لأن جحودها يُشعِر الزوج بأنه وضع هذه النعمة في غير موضعها، وأعطاها لمن لا يستحقها، فيتحطم أمله في أن تثمر تلك النعمة، أو يؤثر ذلك الإحسان، ولهذا حذر النبي النساء بوعيد شديد على كفرهن النعمة والإحسان، قال «أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ» البخاري أن تعترف بقوامته عليها وتخضع لرئاسته لها لقد منح الله تعالى الرجل رئاسة الأسرة وتوجيهها العام؛ لأنه أقدر على ذلك من المرأة، وله هيبة أمام بقية الأسرة، فهو الذي ينفق ويتحمل مسئوليات الدخل والإنفاق، ويضطلع بمسئوليات الأسرة والمنزل بكاملة، قال تعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ النساء ، وليس المعنى أن يكون الرجل متسلطًا ولا المرأة مقهورة، وإنما المقصود توزيع الأدوار والمسئوليات، فيعرف كل طرفٍ ما عليه، ويقوم كل منهما بدوره؛ لتصبّ هذه الأدوار مجتمعة متعاونة في مصلحة الأسرة، والنهوض بالعملية التربوية أما التنافس، والتصادم، والتعالي، وضياع الأدوار، وعدم تحديد المسئوليات؛ فيؤدي إلى التصدع والنفور، والفوضى والاضطراب؛ هذا إذا كان التنافس على الرياسة فقط، مع الاتفاق في باقي الاتجاهات؛ فأما إذا كان التنافس والاختلاف في جميع الاتجاهات، فأنذر بالخراب العاجل أن تُحسن استقباله عند قدومه من خارج البيت فلا تفاجئه بما يُحزِنه من الأخبار، فلعله آتى مهمومًا من عمله، أو حدث له شيء أساء إليه فينبغي لها أن تستقبله ببشاشة وحنان، وأن تواسيه في مصائبه ومشكلاته، وتوفر له الراحة والهدوء في بيته، والمودة والرحمة، كما فعلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها مع النبي منذ بدء نزول الوحي حتى ماتت رضي الله عنها وكذلك فعلت أم سليم زوجة أبي طلحة، فقد مات ولده، وأخفت ذلك عنه، وتزينت له، وجهزت له عشاءه، ثم ساقت له الخبر بطريقة إيمانية ذكية، أدهشته وهوَّنت عليه مصيبته تربية أولاده تربية إسلامية والقيام على شئون أهل بيت زوجها لا شك أن أوجب رعاية وأهمها هي رعاية التربية الإيمانية والسلوكية التي جاء بها القرآن والسنة المطهرة، وسيرة خير الورى ، ويتبع ذلك الرعاية الجسمية، والصحية والغذائية، والنظافة، وغير ذلك ويدخل في ذلك أن تساعده في تربية أولاده من غيرها إذا ماتت أمهم أو طُلِّقت؛ وهم في سنٍّ يحتاجون فيها إلى الرعاية، وكذلك إخوانه وأخواته الصغار إذا كانوا بلا أمّ، وقد دلّ على ذلك كله حديث عمر رضي الله عنه قال «وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» البخاري ، ومسلم كما يدخل في ذلك بعض أقاربه الذين يجب أن يسعى هو على رعايتهم، كأمه العجوز وأبيه، ومما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفيه أن النبي قال له «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْ قَالَ خَيْرًا» البخاري نعم، لا يجب عليها القيام بشئون أبنائه من غيرها، أو ببعض أقاربه، إلا إذا اشترط عليها ذلك وقبلت، ولكن ينبغي عليها أن تقوم بذلك طواعية واختيارًا؛ فإن لها في نساء أصحاب رسول الله قدوة حسنة في الصبر على خدمة أزواجهن منزلة الزوج ومكانته عند الزوجة في الإسلام من المفترض أن منزلة الزوج عند زوجته عالية، وحقه عليها عظيم، وقد قال النبي «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» الترمذي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع وفي رواية «لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا؛ مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع وعن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله ، أيّ الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال «زوجها»، قلت فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال «أمه» النسائي في الكبرى ، رقم ولما نُعي إلى حمنة بنت جحش أخوها الذي قُتل في أُحُد؛ فاسترجعت واستغفرت «أي قالت إنا لله وإنا إليه راجعون»، ثم نُعي إليها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت، ثم لما نعي إليها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت، «أي أحدثت صوتًا متتابعًا بالويل والاستغاثة» فقال رسول الله «إن زوج المرأة منها لبمكان» سيرة ابن هشام والآن وبعد أن بيَّنّا حق المرأة على زوجها، وحق الزوج على امرأته؛ نقول إذا سار كل منهما على الطريق الذي حدّده له الإسلام، وأدى ما عليه من واجبات، مستصحبًا في ذلك كله تقوى الله جل وعلا؛ فإن كل طرف سيجبر الطرف الآخر على احترامه، وأداء حقوقه كاملة، غير منقوصة لكن الشيطان الرجيم لا يترك الطرفين يهنآن بالسعادة، ويجتهدان في العبادة، فيدخل في لحظة غفلة، أو جهالة من غضب أو شهوة، أو نقص عقل أو ضعف دين، فيوسوس ويحرِّش، ويزين ويشين، وينفث وينفخ، ويجلب عليهم بخيله ورجله، ويعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا فتقع المرأة في المخالفات، ويتجاوز الرجل في بعض الحالات، فتسوء العلاقة، وتُضرَب المرأة، وتفسد العِشْرة ويدب التصدع في البيت المصون وإنا لله وإنا إليه راجعون

الثلاثاء، 5 يناير 2010

الطريق الحق إلى السعادة الأسرية

الطريق الحق إلى السعادة الأسرية
إعداد / جمال عبدالرحمن
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد فلقد خلق الله تعالى من كل شيء زوجين اثنين وكانت آية من آياته أن خلق للناس من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها وجعل بينهم مودة ورحمة لعلهم يتفكرون وشرع لهم من الدين ما لو تمسكوا به لن يضلوا أبداً، ولا يكون عيشهم كداً، بل تكون حياتهم سعادة ووداً، وإلى الجنة يُحشرون إلى الرحمن وفداً، وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا الأعراف ولقد حَدَّ الله سبحانه وتعالى للأزواج حدوداً، وقسَّم بينهم واجبات وحقوقاً وبين للرجل منهجاً مع امرأته إذا خاف النشوز وكيف يكون التعامل معها، وما يجوز منه وما لا يجوز فهنيئاً بالمودة والرحمة، لمن آتاهم الله الحلم والحكمة، واقتدوا بخير الناس لأهله، محمد خير خلق الله ورسله فسعدوا وسعدت بهم الذرية والأولاد، وبنوا الأسرة المسلمة التي تعرف حق الله وحق العباد، وقلّ في الناس الفساد، وانتشر الأمن وساد منزلة المرأة في الإسلام قال الله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ الإسراء والتكريم شامل للجنسين؛ الرجل والمرأة، وقد ساوى الله تعالى بين الرجل والمرأة في ضمان الجزاء على العمل فقال تعالى أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ آل عمران بل لما أطاعت المرأة ربها رفع سبحانه قدرها وجعلها من سيدات نساء العالمين، وبنى لها بيتاً في الجنة إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ التحريم ولما عصى زوجها ربه جل وعلا جعل له ولجنوده في قبره النار النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ غافر ومن تكريم الله سبحانه وتعالى للمرأة؛ أن أنزل في القرآن سورة من السّور الطوال وسماها سورة النساء وقد كفل الله سبحانه وتعالى حقوقاً للمرأة مثلما أوجب عليها واجبات، فقال جل شأنه وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ البقرة وقد أوصى رسول الله في حجة الوداع في آخر أيامه بقوله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله مسلم وقوله استوصوا بالنساء البخاري وبشر المرأة بفتح أبواب الجنة الثمانية لها فقال إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت صحيح الجامع ح ثم نفى الخيرية عن المكثرين من الضرب لزوجاتهم، فقال ليس أولئك بخياركم صحيح الجامع ح ثم أثبت الخيرية والخير لمن أحسن معاملة زوجته فقال خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي صحيح الجامع ح والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، وما أثبتناه كاف وشاف لبيان المنزلة الحقيقية التي أعطاها الإسلام للمرأة من غير إفراط ولا تفريط حق المرأة على زوجها وأعظم من يبين حقوق المرأة على زوجها هو خالقها وبارئها جل وعلا، وقد بين ذلك في كتابه وسنة نبيه فليس ثمة مجال إذَنَ لعلماني مارق، ولا لمأجور فاسق من دعاة تحرير المرأة أن يستحدث للمرأة حقوقاً، جاحداً ومنكراً الحقوق الشرعية التي شرعها خالقها ومن أراد تحرير المرأة، والحديث عن حقوقها؛ فليبحث فيما حدد لها القرآن والسنة إن كان حقاً من المسلمين أما الذي يبحث عن حقوقها في أفكار الغرب، وضلالات غير المسلمين؛ فسبيله غير سبيل المؤمنين وإن تسمى بأسمائهم وانتسب إلى ملتهم ولسنا الآن بصدد الحديث عن جميع حقوق المرأة؛ على أبيها وعلى أهلها، أو أقاربها أو مجتمعها، فلهذا مكان آخر، ولكن حديثنا عن حق المرأة الزوجة التي تسكن بيت الزوجية مع زوجها، ولأنها أضعف الطرفين وأرق الزوجين بدأنا بالحديث عنها وعن حقوقها على زوجها وأول هذه الحقوق ـ أن يبذل الزوج جهده في وقايتها من النار فالله تعالى أمر بذلك في قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ التحريم ويكون ذلك بتعليمها ما لابد منه من العلم النافع الموصل إلى الله سبحانه وتعالى، ومن العقيدة الصحيحة وأحكام الوضوء والصلاة والصوم وسائر أمور دينها؛ إما بالمحاضرات الدينية أو الأشرطة أو الكتب أو أي وسيلة مباحة ومتاحة تعينها على ذلك وكذلك يعينها في الشيء الذي لو فعلته هي تعرضت للفتنة والحرج، ولا يدعها تخرج لقضاء أمور تتعرض في قضائها للفتنة أو الاختلاط ، فإن ذلك من الإثم وعدم المروءة ـ أن يحسن عشرتها، ويعاملها بالمعروف لقول الله تعالى وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ قال ابن كثير رحمه الله أي طيبوا أقوالكم لهن وحسّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل لها أنت مثله، كما قال سبحانه وتعالى وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ البقرة وقال خيرُكم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي صحيح الجامع وكان من أخلاقه أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف معهم ويُوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى أنه كان يسابق عائشة رضي الله عنها يتودد إليها بذلك تقول هي سابقني رسول الله فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقتُه بعد ما حملتُ اللحم فسبقني، فقال هذه بتلك صحيح ابن حبان ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العَشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى بيتها وكان إذا صلى العِشاء فدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك وقد قال الله تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأحزاب وانظر تفسير ابن كثير للآية وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ إذن فالنبي كان يذهب بعد العِشَاء إلى بيته ويدخل على أهله ويحادثهم ويسامرهم، فلهن عليه حقوق فلينتبه إلى هذا الذين يقضون سهراتهم على المقاهي أو في النوادي أو عند الإخوة ثم يذهب إلى بيته وزوجته نائمة، وربما خرج في الصباح وهي نائمة أيضاً فأين الود والأنس وحسن العشرة؟ ـ ألاّ يطرقها ليلاً إذا طالت غيبته إذا طالت غيبة الزوج عن أهله في سفر أو غيره؛ فالسنة ألا يفاجئ الرجل امرأته بدخول الدار دون أن يكون عندها علم سابق بقدومه، لما في ذلك من المحاذير، كوجودها على حالة غير مرضية من التهيؤ له واستقباله على حالة لائقة وترويعها بالمفاجأة، ونحو ذلك قال الإمام البخاري رحمه الله باب لا يطرق أهله ليلاً إذا طال الغيبة مخافة أن يُخَوَّنهم أو يلتمس عثراتهم وقال بعد ذلك باب تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة وساق في كلا البابين حديث جابر رضي الله عنه، قال كنا مع النبي في غزوة إلى أن قال فلما قدمنا ذهبنا لندخل أي المدينة ، فقال أمهلوا حتى تدخلوا ليلاً عِشَاءً لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة البخاري ، ومسلم والمقصود أن تتهيأ المرأة لاستقبال زوجها الذي طالت غيبته، وأن يدخل عليها وهي على حالة تسره، فإذا علم أنها على علم بوقت وصوله ولو طالت غيبته؛ فلا ضرر في دخوله في أي وقت، وهذا الأمر متيسر في هذا الزمان لوجود وسائل الاتصال السريعة، كالهاتف والبرق والبريد، وبالجملة؛ فإن من أمن الأسرة عدم طروق الزوج أهله ليلاً إذا طالت غيبته إلا إذا علموا قبل قدومه بوقت كاف أن يتجمل لها كما يحب أن تتجمل له صحيح إن النساء نُشّأن في الحلية كما قال تعالى أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ الزخرف وإن الزينة والجمال أكثره لهن، وهي واجبة عليهن؛ لكننا وجدنا الله العليم الحكيم يقول وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ فالمرأة تحب أن ترى زوجها في أفضل صورة ما استطاع وما استطاعت، ولذلك قال ابن عباس مفسر القرآن وترجمانه إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله تعالى يقول ولهن مثل الذي عليهن أورده ابن جرير الطبري في تفسيره وقال ابن كثير رحمه الله وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل لها أنت مثله كما قال سبحانه وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ وقد عقّب النبي على قول أحد أصحابه إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً بقوله إن الله جميل يحب الجمال رواه مسلم فهل يتجمل الرجل لله أولاً ثم لامرأته ثانياً؟ وإذا كان الرجل يحب أن يشم من امرأته الرائحة الجميلة؛ فلماذا يزكم أنفها برائحة الدخان البايت في فمه، والذي لا تطاق رائحته؟ وهل هذا من العدل الذي أمر به الله تعالى في قوله ولهن مثل الذي عليهن ؟ الله المستعان ـ ألا يفشي سرها قال إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها مسلم فينبغي على الزوج تجاه زوجته أن يحافظ على أسرارها ويستر من عيوبها، ولا يفشيها لرجل أو امرأة، قريب أو غريب، والنبي يقول من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة مسلم ـ أن لا يتجاهلها، ويُشركها في ما هي شريكة له فيه وذلك مما يشمل الأمور الحياتية والاجتماعية وتربية الأولاد وغيره وهذه الجزئية من أعظم الأمور التي ترفع قدر المرأة وتُشعرها بقيمتها وكيانها، وتدفعها لاحترام زوجها، لأنها رأته يحترمها ويقدر رأيها وفكرها وهذا مما يطرد الشيطان ويقلل المشاكل، والإحسان جزاؤه الإحسان والشرع الحكيم يقدر تفكير المرأة وعقلها حتى عند الأزمات، ولا يغيب عنا دور خديجة وأم سلمة رضي الله عنهما في الإدلاء بالرأي الراجح والعقل الصالح في أوقات تأزمت الأمور فيها أمام النبي وموقف خديجة رضي الله عنها كان عندما عاد النبي من غار حراء مرتاعًا إذ جاءه جبريل، وموقف أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية لما اعترض الصحابة على الصلح مع الكفار أول الأمر وقد قال الله تعالى لنبيه يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمً الأحزاب ، وذلك بسبب أنهن سألنه زيادة النفقة والإغداق في العيش، فأمره الله تعالى بتخييرهن ولم يكلفه بقهرهن على أحد الاختيارين، بل لما أراد أبو بكر وعمر أن يضربا ابنتيهما عائشة وحفصة لهذا؛ منعهما الرسول حتى يكون رأي الواحدة منهن عن قناعة واختيار، لا عن تعسُّف وإجبار والرجل الحكيم الحليم يستطيع أن يحيل بيته إلى أجمل بستان، وامرأته إلى أعظم إنسان ونجاح بيت الزوجية في الغالب مسئولية الرجل، وفشله مسئوليته أيضاً ـ أن يشكرها إذا رآها تفعل ما يسره فإن النبي قال من لم يشكر الناس لم يشكر الله أبو داود وعن عائشة أن رسول الله قال من أُتي إليه معروفاً فليكافئ به، ومن لم يستطع فليذكره، فإن من ذكره فقد شكره، ومن تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور صحيح الجامع ولاشك أن الشكر والثناء والدعاء يرفع المعنويات، ويجلب المزيد من العطاء وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ـ مساعدتها فيما ثقل عليها من أعباء فهي بشر والرحمة مطلوبة، فلا يكلفها ما لا تطيق، وأن يراعي ظروفها وحالتها عند المرض، فيكون معها في مهنتها وعجينها وعملها وقد سُئلت عائشة رضي الله تعالى عنها ما كان النبي يصنع في البيت؟ قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج البخاري كيف لا؟ وهو القدوة القائل الراحمون يرحمهم الله، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء صحيح الجامع وعن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه قال وهو على المنبر ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم صحيح الجامع وهذا ليس عيباً ولا نقصاً وإنما هو المروءة والكرم، والرحمة والشفقة ومن لا يرحم لا يُرحم ـ أن يراعي حقوقها العينية التي حددها خير البرية والمقصود بحقها العيني ما يتوفر لها من نفقة وطعام وشراب وهدايا وغيره، وأكثر ما مضى من الحقوق فهي حقوق معنوية تدخل في الأخلاق وحسن المعاشرة والمعاملة بالتي هي أحسن، أما الحق العيني فقد بينه النبي فعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت قال أبو داود ولا تقبح، أي أن تقول قبحك الله النسائي ، وصحيح الجامع ح وعليه أن يكون وسطاً في ذلك، فلا يسرف ولا يبخل، قال تعالى إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا الفرقان ونريد أن نلفت النظر هنا إلى أن بعض الأزواج يمن على زوجته بإطعامها وسقيها فيلغي شخصيتها قائلاً أنت تأكلين وتشربين فقط، والبعض إذا سألته زوجته أن يجلس معها بعض الوقت سألها ألست تأكلين وتشربين؟ فماذا تريدين غير ذلك، مثل هذا نذكره بحديث رسول الله ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئاً إلا منةً، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب صحيح الجامع ـ أن يراعي فيها جانب القصور الفطري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيراً رواه البخاري ومسلم وأيضاً ما ذكر عنهن من نقص العقل والدين في الوقت الذي يجب ألا يتخذ هذا القصور مبرراً للطعن في شخصية المرأة أو الانتقاص من قدرها في كل آن وحين فليعلم كل أب وزوج أن همة المرأة ليست كهمته، وتحملها للمسئوليات، وثباتها وشجاعتها، ومواجهتها للصعاب، وغير ذلك مما يتفوق الرجل عليها فيه في عموم الأمر؛ ليست المرأة كالرجل فيه، فلابد من مراعاة هذا الفارق حتى لا يذهب يقوم الضلع فيكسره، وكسره طلاقها ـ أن يأذن لها في الخروج لقضاء حوائجها في خارج البيت ما دامت في مأمن من الأخطار والفتن فالمرأة في الأصل يجب عليها أن تلزم بيت زوجها، ولا تخرج منه إلا أن يأذن لها وقد أذن الله تعالى للنساء أن يخرجن لقضاء حوائجهن، وأمر الرسول أزواجهن أن يأذنوا لهن، ودل فعله على ذلك فقد روت عائشة رضي الله عنها، قالت خرجت سودة بنت زمعة ليلاً فرآها عمر فعرفها، فقال إنك والله يا سودة، ما تَخْفَيْنَ علينا، فرجعت إلى النبي ، فذكرت ذلك له، وهو في حجرتي يتعشّى، وإن في يده لَعَرْقاً فأُنزل عليه، فرُفع عنه وهو يقول قد أُذن لكن أن تخرجن لحوائجكن البخاري ، والعَرْق هو العظم إذا أُخِذ عنه معظم اللحم فهذا إذن عام من الله سبحانه وتعالى للنساء أن يخرجن لحوائجهن، ولكن على المرأة أن تستأذن زوجها في خروجها لحاجتها، وقد أمر الرسول الأزواج بالإذن لهن ونهى عن منعهن من حضور الصلاة في المساجد، ويدخل في ذلك زيارة أقاربها وشراء حاجاتها من السوق إذا غاب عنها زوجها أو لم تجد من يحضرها لها ـ أن يتدرج معها عند معالجة أخطائها فيبدأ بما بدأ الله تعالى به لعلاج الأخطاء حيث قال وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا النساء والبركة كل البركة في التوجيه الرباني، والعلاج القرآني فلا يكن الزوج عجولاً أو متهوراً، وعليه بالرفق والحلم والصبر، فإنه زينة الأمر ـ إذا غضب فلا يسبها أو يسب أهلها أو يحط من قدرهم لقول النبي سباب المسلم فسوق ّّ متفق عليه وقوله ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء صحيح الجامع فلا يستخدم الألفاظ البذيئة السوقية كقول بقرة، وحمارة، و و إلى غير ذلك من قاموس البذاءات، فمن ذا الذي يتزوج بالبقرة أو الحمارة؟ كذلك لا ينبغي لذي المروءة والخُلُق أن يجرح شعور زوجته ويخدش كرامتها بسب أهلها أو تحقيرهم أمامها، فإن في ذلك جفاءاً وغلظة، وفُحشاً وفظاظة ونكمل في العدد القادم إن شاء الله تعالى