بيان أنصار السنة المحمدية
فى حكم تفجير كنيسة الإسكندرية
إِنَّ الأمنَ والأمانَ من أجلِّ نِعَمِ اللهِ تبارك وتعالى، امتنَّ اللهُ بها على قُرَيْشٍ في أكثرَ من آية، فقال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ(67)} [العنكبوت]، وقال تعالى: { وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(57)} [القصص].
وأمرهم أَنْ يعبدُوه شكرًا عليها، فقال: { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ(1)إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)} [قريش].
ولقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالحفاظ على الأمن والأمان بالوقوف في وجه كل من أراد أَنْ يزعزع أمنهم، أو يحدث في صفهم الفوضى ويثير فيهم القلق والاضطراب، كفارًا كانوا أو مسلمين، أفرادًا كانوا أو جماعات، فقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33)} [المائدة]،، وتسمى هذه الآيةُ آيةَ المحاربة أو الحرابة (( والمحاربة مفاعلة من الحرب، وهي ضد السلم، وهو السلامة من الأذى والضرر والآفات، والأمن على النفس والمال)) .
وقد عرَّف الفقهاء الحرابة بأَنَّها : (( خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام، لإحداث الفوضى وسفك الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل، متحديةً بذلك الدِّين والأخلاق والنظام والقانون. ولا فرق بين أَنْ تكون هذه الطائفة من المسلمين، أو الذميين، أو المعاهدين أو الحربيين، ما دام ذلك في دار الإسلام، وما دام عدوانها على كل محقون الدم. وكما تتحقق الحرابة بخروج جماعة من الجماعات، فإِنَّها تتحقق كذلك بخروج فرد من الأفراد، فلو كان لفرد من الأفراد فضل جبروت وبطش، ومزيد قوة وقدرة يغلب بها الجماعة على النفس والمال والعرض، فهو محارب.
وكما يسمى هذا الخروج على الجماعة وعلى دينها حرابة، فإِنَّه يسمى أيضًا قطع طريق، لأَنَّ الناس ينقطعون بخروج هذه الجماعة عن الطريق، فلا يمرُّون فيه، خشية أَنْ تسفك دماؤهم، أو تسلب أموالهم، أو تهتك أعراضهم، أو يتعرضون لِمَا لا قدرة لهم على مواجهته.
وقد تبرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن حمل السلاح وقطع الطريق، وأخاف الآمنين، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا)) . فإِذا لم يكن له شرف الانتساب إلى الإسلام والمسلمين وهو حي، فليس له هذا الشرف بعد الموت أيضًا، لأَنَّه يبعث كل عبد على ما مات عليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).
ولقد أنعم الله تعالى على مصر والمصريين بالأمن والأمان ، ويتخطف الناس من حولهم، فحسدهم الحاسدون ، وحقد عليهم الحاقدون ، فجندوا من يعمل على زعزعة أمنها ، وإثارة الفوضى والقلاقل فيها ، فصرنا نسمع كل حين عن تفجيرات تقع داخل المدن وخارجها ، تودى بحياة كثير من الأبرياء من المسلمين وغيرهم على حد سواء ، وكان من أسوأ هذه التفجيرات ما تم ليلة أمس بمدينة الإسكندرية من تفجيرات مروعة أمام كنيسة مزدحمة بأهلها ، مما أودى بحياة كثير من أهلها ومن المارة على حد سواء .
وإِنَّ هذه التفجيرات لا يقرها شرع ولا دين ولا أخلاق، فهي تقتل الأبرياء من المسلمين ومن غير المسلمين المسالمين، وتودي بحياة المنتحرين القائمين بعملية التفجير، وكل قتيل من الثلاثة، قتلُه يوجب النار، أَمَّا قتل المسلم، فقد قال تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(93)}[النساء]، وأَمَّا قتل الكافر المسالم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)) ، وأَمَّا قتل المنفِّذ للعملية نفسه، فهو أيضَا يوجب النار، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)).
إِنَّ من سماحة الإسلام وعظمته في وقت اشتعال نار الحرب أَنَّه قصر الحرب على المحاربين، ونهى عن نقل الحرب عن ميدانها إلى الآمنين المطمئنين في معابدهم أو في بيوتهم أو في مصانعهم ومتاجرهم، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَقْتُولَةٍ فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ))، والعلة كونهم لا يقاتلون كما صرح بذلك النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ أَخِي حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرَّ رَبَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتِ الْمُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَانْفَرَجُوا عَنْهَا فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ((مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ، فَقَالَ لأَحَدِهِمُ: الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ لاَ تَقْتُلُونَ ذُرِّيَّةً وَلاَ عَسِيفًا)).
وبناء على هذه العلة فإِنَّه يلحق بالنساء والصبيان الرهبان والنساك والشيوخ والمرضى وغيرهم من الذين اعتزلوا الحرب والقتال ممن يسمون بالمدنيين، فيجب احترامهم وصيانة أموالهم، ومعنى هذا أننا لا ننكر التفجيرات في مصرنا الحبيبة وحدها، بل ننكرها كذلك في بلاد المسلمين وفي غيرها من بقاع المعمورة، لأَنَّها تستهدف المدنيين الآمنين، والإسلام نهى عن قتل المدنيين في حالة الحرب فكيف بحالة السلم.
ومن سماحة الإسلام وعظمته أَنْ عمل على توفير الأمن والأمان للسفراء والرسل الذين يسعون بين الطرفين لنقل وجهات النظر وتبادل الآراء لإيقاف الحرب.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَ كِتَابَ مُسَيْلِمَةَ: (( مَا تَقُولاَنِ أَنْتُمَا))؟ قَالاَ: نَقُولُ كَمَا قَالَ قَالَ: (( أَمَا وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا)).
فهل بعد هذه النصوص الصريحة يعتقد الجناة إِنْ كانوا مسلمين أَنَّهم مجاهدون في سبيل الله وأَنَّ لهم الجنة؟ وهل ذلك إِلاَّ الأماني والغرور التي قال الله فيها عن الشيطان الرجيم: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا(120)}[النساء].
يا أيها الشاب المغرَّر به، إِنْ استهنت بأرواح الناس فكيف هانت عليك نفسك، تبذلها رخيصة في سراب تظنه ماء، لقد خدعوك حين سموك مجاهدًا، وخدعوك حين وعدوك بالجنة، وكأَنِّي بهؤلاء الجناة وقد لقوا الله: { وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ(47)وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(48)}[الزمر].
يا معشر الشباب: لابد من مجالسة العلماء، ولابد من مخالطة العلماء، ولابد من الاستماع للعلماء، ولابد من قبول نصائح العلماء وتوجيهاتهم وإرشاداتهم، فلولا العلماء لصار الناس كالبهائم، ولولا العلماء لضل الناس الطريق، وإياكم ثم إياكم من الدخول في عموم هذه الآية: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)}[الكهف].
فهذا هو حكم الإسلام في هذه التفجيرات، حتى يعلم الجميع أن الإسلام منها براء، وأن منفذيها إما من الحاقدين على مصر وأهلها، الحريصين على إشعال نار الفتنة فيها كما أشعلوها في غيرها،وإما من الشباب الحدث المغرر بهم، والله وحده أعلم بمن وراء هذه الأحداث، لكننا على يقين من أن الله سيفضحهم، وسينالون الجزاء الذي شرعه الله لهم على أيدي المسئولين.
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق،ونسأله سبحانه أن يحفظ مصر حكومة وشعبا،وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان،إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق