الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

مساجدنا ... بين تجاوز الخطباء وإساءة السفهاء

مساجدنا ... بين تجاوز الخطباء وإساءة السفهاء

عبد الرحمن المراكبي
شهدت مساجد مصر العديد مِن التجاوزات خلال الأسبوعَين الماضيين ما بين خُطباء يَستغلون المِنبَر في الترويج لآرائهم السياسية، وسفهاء لا يحترمون قدسية بيوت الله - عز وجل - ولا يعرفون آداب المسجد، ويَحملهم خلافهم السياسي مع أحد أعلام الدعاة إلى محاصرة مسجده وحبسه بداخله ومنع الصلاة فيه، مع أن الشيخ لم يدعُ الناس للتصويت بالموافقة على الدستور كما زعموا؛ وللأسف الشديد انتقل خلافهم السياسي إلى المسجد فظلموا أنفسهم بمنعهم بيت الله - عز وجل - ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ [البقرة: 114].

ولا شك أن تلك الحملة التي أطلقتْها إحدى الناشطات السياسيات وتبنَّت فكرتها صفحة "كلنا خالد سعيد" على "الفيسبوك"؛ لتحريض الشباب على مقاطعة الخطباء وإنزالهم من على المنابر إذا تحدَّثوا عن الدستور، كانت سببًا في إشعال هذه الفِتنة.

لذا؛ فإني أدعو العقلاء مِن إخواني الشباب أن يُراجعوا أنفسهم، وألا يَحملهم خلافهم
السياسي مع التيار الإسلامي أن يَتجاوَزوا الحدَّ ويَنتهكوا حرمة المساجد، وأن يَعلموا أن السياسة جزء لا يتجزأ مِن الدِّين، فالإسلام دين ودولة، عقيدة وشريعة، وأن للمسجد دورًا هامًّا في إدارة شؤون المسلمين، فهو ليس مجرَّد دار للعبادة والصلاة فحسب - كما يزعم البعض - فقد كان المسجد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم جامعًا للعبادة، وجامعة للعلم، ومكاناً للتشاوُر، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُلقي فيه خطبه ويُصدِر توجيهاته في أمور الحياة كلها، دينيَّة واجتماعية وسياسية.

وقد استمر هذا الأمر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- فكان المسجد منطلقهم لشتى الأعمال، السياسية منها وغير السياسية، ولم يَنفكَّ دور المسجد فاعلاً حقيقيًّا في كل الأحداث، وعلى مرِّ العصور.

وفي مصر على وجه الخصوص كان للجامع الأزهر دور عظيم في قيادة الشارع المصري، وقاد الأزهر بشيوخه وعلمائه المقاوَمةَ ضدَّ الاحتلال بكافة أنواعه، وكان للأزهر مواقفه المشهودة في التصدِّي لظُلمِ الحكام والسلاطين، وقد قاد شيوخ الأزهر الشعب ضد الحملة الفرنسية على مصر في ثورة القاهرة الأولى عام 1798، وثورة القاهرة الثانية عام 1800، وفي ثورة 1805م التي انتهت باختيار محمد علي واليًا على مصر.

فلماذا إذًا تريدون سحق هذا التاريخ المَجيد والدور العظيم للمسجد، وتسعون لاختزاله في كونه مكانًا للعبادة فقط، وتَحرمون المسجد مِن هذا الحق الطبيعي والمنطقي والتاريخي؟!

وحتى لا يظن أحد أنني أوافق مَن يُسيئون استخدام المسجد في السياسة، ويستغلونه في تصفية الحسابات مع المخالفين أو الدعاية للحزب الذي يَنتمي إليه أقول:
لقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن نِشْدان الضالة في المسجد فقال: ((إذا رأيتم مَن يَبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم مَن ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك ضالتك؛ فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا)).

ولا شك أن الأولى إذًا ألا تُستغل دور العبادة في تحريض الناس لتبنّي وجهة نظر حزب أو تيار معيَّن؛ بل الواجب على أئمة المساجد أن يقوموا بتقديم النصيحة لعموم المسلمين ويُبيِّنوا لهم الأمور دون أن يوجهوهم للتصويت على شيء بعينه؛ كما يجب أن يكون خطاب أئمة المساجد خطابًا جامعًا، فلا تُحوَّل المساجد إلى ساحات خاصة وَفق التعدُّدية، أو إلى ساحات للتدافع أو الصراع بين التيارات المختلفة، ولا بد أن يتجرَّد الخطيب الذي يتحدث في السياسة عن الأهواء والالتزامات الحِزبية، وأن يتحدث بمصداقية ودون تجريح لأحد.

على خطباء المساجد تجنُّب إثارة الحقد والضغينة بين المُصلين الذين تجمعهم بيوت الله، عليهم أن يُجنِّبوا مساجد الله كل ما مِن شأنه أن يَزيد الشقاق والخلاف والفُرْقة، عليهم أن يُجنِّبوا المساجد أن تكون ساحة للصراع السياسي بين أبناء الحي الواحد والوطن الواحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق