أخلاقيات التعامل الاقتصادي في الإسلام
إعداد أ / زيد بن محمد الرماني
محاضر بعمادة البحث العلمي وحدة بحوث الاقتصاد الإسلامي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
إن أحكام الشريعة الإسلامية في مختلف مرافق الحياة البشرية مرتبط بعضها ببعض ، حيث تشكل وحدة متكاملة ، تنبثق عن أصل واحد هو العقيدة الإسلامية .وبهذا يتبين لنا أن أحكام الاقتصاد الإسلامي متصلة بالأخلاق الإسلامية اتصالاً عضويًّا ، وبالمثل فإن الأخلاق لا تنفك عن عقيدة التوحيد .ومن هنا نلاحظ أن أوجه ارتباط الأخلاق الإسلامية بالاقتصاد يتجلى في ذلك التلاحم ما بينها وبين دعائم الاقتصاد وأهدافه .ويتضح ذلك من خلال عرض نماذج من التعاملات الاقتصادية في الإسلام ، والأخلاقيات التي ينبغي الأخذ بها ، من مثل :
1- التسامح والتساهل :
من أخلاق الإسلام التسامح بوجه عام ، والتسامح في المعاملات الاقتصادية بوجه خاص ، ويتمثل هذا التسامح في أمور متعددة منها :
أ - السماحة في البيع والشراء والمطالبة بالدين ، قال عليه الصلاة والسلام : ( رحم الله سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى … ) . رواه البخاري .
ب - إنظار المدين المُعْسر ، عملاً بقوله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ) [ البقرة : 280] .
جـ - إقالة العقد ؛ أي الاستجابة إلى فسخه إذا رغب المشتري ذلك لظهور عدم احتياجه إلى المعقود عليه مثلاً ، يقول صلى الله عليه وسلم : ( من أقال مسلمًا أقال الله عثرته) . رواه أبو داود .
2- الصدق والأمانة :
وهما صفتان من صفات المؤمن بوجه عام ، ومن صفات الذي يعمل في الميدان الاقتصادي بوجه خاص ، ولا يخفى ما لهاتين الصفتين من جلب العملاء على المتحلي بهما ، وغرس الثقة به في نفوس المتعاملين معه ؛ ولذلك امتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الاقتصادي ورجل الأعمال الذي يتصف بهاتين الصفتين ، فقال صلى الله عليه وسلم : (التاجر الأمين الصادق مع النبيين والصديقين والشهداء ) . رواه الترمذي .
3- عدم الحلف :
الأصل أن الأيمان شُرعت لإنهاء الخصومات بتأكيد وقوع تصرفأو نفيه ، ولا يجوز الحلف في غير هذه المواطن ، وبناء على ذلك فليس الحلف أداة للكسب ، وترويج البضائع وإقناع المشتري بها ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( إياكم وكثرة الحلف في البيع ، فإنه يُنفق ثم يمحق ) . رواه مسلم .
4- إتقان العمل :
ربى الإسلام أتباعه على إتقان العمل والإخلاص فيه ، حتى أصبح الإتقان خُلُقًا من أخلاق المسلم ، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) (1) . رواه البيهقي .
ولا يخفى ما في الإتقان للأعمال من تقدم اقتصادي .
5- النصيحة :
أفاضت السنة النبوية في بيان ضرورة أن ينصح المسلم أخاه ، ويبين له ما يراه عند إتمام الصفقة ، وفي كل الأمور ، من عَيْب أو مزية ، من كساد أو رواج ، حتى تنبني المعاملات والعلاقات على أسس ثابتة سليمة ، معيارها معرفة الحقيقة وإعمال الفكر وبلوغ الاختيار غايته والوصول إلى حقيقة الرضا .وبهذا العرض يتبين لنا مدى ارتباط الاقتصاد بالأخلاق الإسلامية ، وهذا عكس ما فعلته الاقتصاديات الوضعية ، حيث جردت الاقتصاد من الأخلاق ، بحجة أن التعامل الاقتصادي تعامل مادي محكوم بنظم وقواعد تحدده وتفرضه على الجميع ، فلا علاقة للاقتصاد بالأخلاق ، وإنما صلة الأخلاق يجب أن تتوافر بين الأفراد في صلاتهم الاجتماعية .وهذه الفلسفة الفكرية القائمة على الفصل بين الأخلاق وبين الاقتصاد في الفكر الوضعي ، بدت تهتز أركانها على أيدي بعض المفكرين الاقتصاديين ، حيث بدأت أصواتهم ترتفع مطالبة بوجوب إخضاع الاقتصاد إلى المعايير والأحكام والمثل الأخلاقية .
والله ولي التوفيق .
(1) صححه الألباني في ( السلسلة الصحيحة ) : ( 1113) .
المصدر :
مجلة التوحيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق