الاثنين، 22 أبريل 2013

الباب المكسور ::1:: باب الثورة

الباب المكسور ::1:: باب الثورة

حمدي رزق حماده

هذه هي بداية سلسلتي الجديدة من الأبواب المكسورة ، ألتقي أنا وأنتم كل أسبوع في نفس الموعد لنصلح باباً من أبواب حياتنا اليومية وحياة وطننا الحبيب ، لعلنا يوماً ننعم بالدفء والأمان بعد إصلاح تلك الأبواب ، دون أن تدخل علينا من بين الكسور رياح الخوف من المستقبل أو غيوم الطريق التي تجعلنا لا ندري من أين وإلى أين نمضي !
ربما يكون الكسر الموجود في الباب لا يعبأ به أحد أو يحمل له بالاً ويظن أنه علينا أن نهتم بالأثاث والمرافق الداخلية ولا يدري أنه بدون الباب السليم يُسرق الأثاث الفاخر وتهدم المرافق القيمة ، فـ الباب هو صمام الأمان .. لذا فإننا نحتاج إلى إصلاح الأبواب المكسورة حتى ننعم جميعاً بالراحة والأمان في حياتنا ومستقبلنا .
هل تخيلت يوماً عقاراً بلا باب ، شقة بلا باب ، سيارة بلا باب ؟! ماذا تقول عندما تمر على أحد هذه الأبواب وترى فيها الكسور؟
و هل حياتك أقل من هذه الأشياء ؟!
نلتقي سوياً على صفحات مجلتنا الغراء ؛ لنعرف ببساطة كيف نصلح كسور الأبواب في حياتنا ... فتعالوا معاً نقترب من تلك الأبواب ونحاول إصلاحها .
ولعلي اليوم أبدأ مع أكثر الأبواب التي أنعم الله بها علينا وأعطانا إياها ..
باب سليم بلا كسر ولا خدش ، مع أنه سبحانه قد أعطاه لغيرنا بعدما أصابته الكسور والخدوش ، ولكننا والحمد لله أخذناه مغلفاً لم تصبه صائبة ، ولكننا للأسف الشديد لم نأخذ بتعليمات التركيب الصحيحة فأحدثنا في الباب شروخاً وكسوراً كثيرة.
ولأننا متعطشون له قلنا : "لا يهم الشكل ، المهم المضمون والخامة التي صنع منها الباب" حتى أصيب المضمون والمادة الخام بالعطب ، ربما لسوء التخزين وربما للتعجل في التعامل معه ... المهم أن هذا الباب جاء بعد رياح الفساد ، التي طالتنا طيلة ثلاثين عام مضت، حتى لم تُبقِ ِ شيئاً من الأثاث في مكانه وأصبح البيت مقلوباً رأساً على عقب لأنه من غير باب سليم !
جاء الباب سليم مائة بالمائة ، حتى أن طريقة التسليم والاستلام شهد لها العالم كله بالحضارية ، وربما ذهبت بعض الدول لتدريس هذه الطريقة لأطفالها الصغار ، ولكن ... سرعان ما تغير الحال وبدأ الشرخ الأول في الباب!!
بدأ الشرخ برفع الرايات المتعددة ، كل حزب وجماعة تنادي باسمها بعدما كانت تنادي : "بلادي بلادي" ... فدخلت العصبية المقيتة من هذا الشرخ البسيط ، كلُ مجموعة تدعي أنها وحدها على الحق ، فظهر الشعار الجديد الذي لم يكن ضمن شروط التسليم وهو شعار " إذا كنت معي فأنت قديس وإذا كنت ضدي فأنت إبليس " .
بعد هذا الشرخ في الباب ومع صعوبته لم ينتبه أحد أن دخان هذه العصبية سوف ينتشر في كل أركان البيت ، فلم يذهب أحد ليسد الشرخ بالدعوة للوحدة على ما كنا عليه طوال فترة التسليم .
قلنا ربما يكون هذا خوف منا و لن يكون الأمر بهذه الخطورة .
ولكن سرعان ما ظهر شرخ آخر في الباب ... تنازعنا على القيادة وأصبحنا نقف أمام بعضنا البعض، كل فريق يقول أنا من له حق القيادة ، فتنافسنا – ويا ليتنا تنافسنا بشرف بل باتهام صديق الأمس وصديق الدرب – فأدى هذا النزاع إلى يقظتنا على أننا أصبحنا أمام خيارين وكلاهما لم يكن ضمن شروط تسليم الباب ، فزاد الشرخ شروخاً ؛ لأننا مكنّا بتنازعنا وصراعنا من لا يستحق ما نملك وهذا الشرخ كان يمكن علاجه في وقتها ولكن أنى ذلك مع الرايات المتعددة ؟
ثم زاد الشرخ شروخاً متعددة وكثيرة ، ربما تعددها أنت بعدما علمت الباب.
ولكن تُرى ما الذي حدث ؟ ألم نقم نحن الشباب بشراء هذا الباب ودفعنا ثمنه من دماءنا وفقدنا في سبيله أعيننا وأطرافنا؟!
ربما كان الاستعجال حين تركنا الميدان دون التحقق من انتهاء التسليم والتركيب للباب الجديد بصورة صحيحة ، مع أن المقاول الذي قمنا بالثورة عليه هو من حدد لنا النجار الذي سيقوم بتركيب الباب ... وهل ترى المقاول يريد البناء سليماً حتى تترك ميدانك سريعاً دون تجريب للباب.
ربما اكتفينا بعد ترك الميدان بالمشاهدة عن بعد ، وبالنزول للميادين مرة أخرى وتقديم المزيد من الدماء في نفس ساحة المعركة التي قُتلنا فيها بالأمس وكأننا أصبحنا ندمن الموت على نفس العتبات وفي نفس الساحات.
ربما وربما وربما ....... أسباب كثيرة أدت إلى كسر الباب ، ولا أريد أن أقف كثيراً أمام الباب وتعدد الكسور ، حتى لا نظن أنه ليس هناك أمل .
إذا كان هذا الباب ( باب الثورة ) فإن "كتالوج" الأبواب المشابهة (تاريخ الثورات) يوضح لنا أنها لا تؤتي ثمارها إلا بعد حين .. وفي هذا الحين علينا أن نقوم بإعداد أنفسنا الإعداد الجيد الذي يؤهلنا لأن نكون من نخبة العصر القادم في تاريخ نهضة مصر الحديثة .
و في نهاية المقال ، أقول للجميع – شباب و شيوخ – حتى يتم إصلاح باب الثورة ، حتى يعود الأمن والأمان والإنتاج إلى وطننا الحبيب مصر، لابد من إحياء الضمير ، نعم نحن في أشد الحاجة لإحياء ضمائرنا ، في كل ركن من أركان الحياة ، في البيت والشارع والمدرسة والجامعة والمواصلات وفي كل مكان ، لابد من عودة الضمير؛ ليكون الحكم على ما نعمل ، وعلى ما نفعل؛ لا بد من قبول الطرف الآخر، والإنصات إليه واحترام أفكاره وآرائه أياً كانت درجة الاختلاف بيننا ، وإلا سيكون البديل الوحيد هو الصراع والتناحر والتشكيك من كل طرف للآخر .
يجب علينا أن نؤمن أن ثورة 25 يناير لم تكن وليدة اللحظة ولكنها كانت بمثابة البناء الذي ساهم فيه الآلاف ، قبيل هذا التاريخ كل في مجاله ونشاطه ... فلا مجال بعد هذا التاريخ للتشكيك والتخوين، فكلنا وطنيون مصريون.
إن ما تشهده الساحة من شد وجذب من قِبل تيارات دينية وسياسية وفكرية يعطى لنا كمصريين شعور بالإحباط ، وأننا على حافة الخطر، وما نراه من تخوين لهذا الطرف أو ذاك لا يتناسب أبداً مع روح الثورة التي توجِب علينا التسامي والترفع، فكل المصالح الذاتية والشخصية تتراجع وتتلاشى أمام مصلحة مصر.
إن التغير الذي ينشده المصريون والذي استشهد من أجله العديد من خيرة أبناءنا هو من أجل قبول الآخر وعدم تهميش أي فريق دون الآخرفمصرنا تتسع للجميع.
وأخيراً : ربما يلقي هذا المقال النظر على الباب المكسور في الثورة ولكنه لا يعالج الأمر كله، إذ إن العلاج في أيديكم - أنتم - رجال مصر ونسائها وشيوخها وشبابها، بكل فصائلكم وكل تياراتكم وكل أحزابكم ، يجب عليكم جميعاً أن تعودوا للنداء الأول ... بلادي بلادي لك حبي وفؤادي ....
و إلى اللقاء مع باب آخر من الأبواب المكسورة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق