الأحد، 7 أبريل 2013

عائلة مصرية

د. سلمان العودة



عائلة مصرية
 
القاهرة منقسمة علي نفسها ما بين‏(‏ رابعة العدوية‏)‏ إلي‏(‏ ميدان التحرير‏)‏ إلي‏(‏ مدينة الإنتاج الإعلامي‏)..‏ لافتات مع وأخري ضد‏,‏ ولا يريد طرف التنازل في معركة لي الذراع أو كسره أو حتي كسر الإصبع‏!‏

تجاوز بعضهم الوسيلة السلمية المكفولة قانونيا إلي محاصرة المرافق الحيوية والمؤسسات الرمزية وإقامة المتاريس ونشر الأسلاك الشائكة ورمي المولوتوف وسحل الأجساد والتحريق.. ولا يمكن لأي فصيل في مصر تصفية الآخرين وهكذا هي مصر منذ خلقت حافلة بالتنوع الفسيفسائي الفطري المتعايش. ولا يمكن توصيف المشهد علي أنه مواجهة بين قوي إسلامية وأخري مدنية, فالإسلام وعاء يستوعبهم جميعا والخيار المدني محل اتفاق لدي كل الفصائل, ولكنها حريات انطلقت من قمقمها بعد كبت طويل حيث كان معظم المصريين في فترات الاستبداد منظومين في قطيع واحد يشار إليهم باتجاه ما فيهرولون, ثم استيقظ وعيهم فقاطعوا الصناديق الوهمية ثم صنعوا ثورتهم التاريخية.
وهي فترة تحول سياسي تجعل وجود مصالح متعارضة أمرا طبيعيا, وقد يتوهم كل طرف أنها مرحلة تأسيسية لها ما بعدها والرابح فيها سيظل في صدارة المشهد طويلا,
والأكيد أن الاحتجاج أصبح أسلوب حياة وتعبيرا عن التذمر من الأوضاع المعيشية, وقد رأيت حوارا مع سائق تاكسي يقول علي لسان قطاع عريض: لا يهمنا من يحكمنا إخوانيا كان أم سلفيا أم فلوليا, المهم من يوفر لنا لقمة العيش.. نحن نقف طوابير عند الفندق ننتظر زبونا نتنافس عليه في ظل التشويه الإعلامي والتصعيد الزائد عن حده مما أثر علي حركة السياحة.. وسوف يدرك شعب مصر خطر الاستقطاب الحاد وتنمية النزعات والانقسامات.
يقال إن مصر هي أول دولة مركزية في التاريخ الإنساني, حيث تمت الوحدة بين الصعيد والدلتا بما سمي وحدة القطرين, وبعدها عرف المصريون عقيدة الإيمان بالخالق الواحد سبحانه.. مصر الموحدة كانت لموسي منطلقا ولعيسي ملاذا وملجأ, ولمحمد امتدادا ونسبا, صلي الله عليهم وسلم اجمعين, وشهد ترابها مرور إمام الحنفاء الموحدين إبراهيم وحكم يوسف ومجيء الأسباط( وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين).
عام642 م فتحت ذراعيها للإسلام الذي أمن الديار والأملاك والمعابد وكفل الحريات, وبشأنها قال عمر كلمته المشهورة( متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟) وأرخ علماء الإسلام للشعب المصري الواحد في أفراحه ومآتمه بهويته الراسخة وقدرته علي تخزين الأفكار والقيم والممارسات, وبشخصيته التي كتب عنها( جمال حمدان) وأكد قدرتها علي الاحتواء واستيعاب المتغيرات وتجاوز الصعاب. لقد فشلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون في إثارة النزعة الطائفية لدي أقباط مصر, وفشل الاحتلال الإنجليزي في زرع العداوة وتطبيق قاعدة( فرق تسد), وكانت الثورة ضد الاستعمار الإنجليزي من أزهي فترات الوحدة الوطنية.
الذين يتحدثون عن حرب أهلية في مصر أو فوضي عارمة لا يعرفون مصر وتاريخها ولا يعرفون الشخصية المصرية. ووحدة النسيج الوطني والروح الوسطية الواقعية تستعصي علي الاختراق والتمزيق فهي صخرة صلبة تتحطم عليها مؤامرات الخارج واندفاعات الداخل.
مصر عائلة واحدة لا تقبل القسمة ولا الضرب ولا الطرح.. تقبل الجمع فحسب.
المصريون يقتسمون نسمة الهواء ورغيف الخبر وماء النيل ويقتسمون المشاعر الإنسانية الطيبة, والنفسية المصرية سريعة الندم علي ما يفرط منها وكأن البحتري عناهم حين قال: وفرسان هيجاء تجيش صدورها.. بأحقادها حتي تضيق دروعها- تقتل من ثأر أعز نفوسها.. عليها بأيد لا تكاد تطيعها- إذا احتربت يوما فسالت دماؤها.. تذكرت القربي فسالت دموعها. يشتركون في الحزن لحادث قطار أو مطار أو حرق أو انهيار, كما يشتركون بفرحة إنجاز أو قصة نجاح أو إبداع أو انتصار حتي ولو كانت فوزا لفريق.. يختلفون ولسان حال بعضهم مع بعض كما قال لي أحدهم:( أخاصمك نعم.. أسيبك لا).
ماضي مصر هو ذكرياتهم جميعا, وحاضرها نبض وجدانهم, ومستقبلها صفحة أحلامهم وغد أجيالهم, إذا كانت مصر تستحق حكما أفضل كما يقول المعارضون وقد صدقوا, فهي تستحق معارضة أفضل كما يقول أنصار الحكومة, والمظاهرات لا يصلح أن تكون عملا يوميا يشل الاقتصاد ويربك الحياة ولا أن يكون الاختلاف تعويقا وشللا تدفع الأم الرءوم ثمنه من نزف روحها وجروحها.
المتحدثون عن الدولة العميقة يقابلهم من يتحدث عن الدولة العبيطة, تبادل التهم بأجندات خفية أو حزبية أو فئوية أو بالعمالة لا يصلحه إلا الاتفاق علي أن يكونوا جميعا عملاء لمصر التي أعطتهم الكثير وتنتظر منهم رد الجميل وأقل ذلك الحفاظ علي وحدتها وترابطها.
twitter.com/salman_alodah
facebook.com/SalmanAlodah

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق