الاثنين، 22 أبريل 2013

الإنصاف

الإنصاف

عبد الرحمن المراكبي
"موسى نبي، وعيسى نبي، ومحمد نبي، وكل مَن له نبي يصلي عليه"؛ كنا قديمًا نسمع هذه العبارة، فنقول: عليه الصلاة والسلام.

ثم أخذتُ أفكِّر في هذه العبارة وما تتضمَّنه من معانٍ جليلة، تعبِّر عن التسامح بين أهل الشرائع السماوية، وتكفل الحرية الدينية، دون طعن في عقائد المخالفين، وتبيَّن لي بعد ذلك أن هذه العبارة ليستْ إلا لونًا من ألوان النفاق الاجتماعي، الموجود بين أهل الأديان في بلادنا، وأنها لا تعبِّر عن الواقع الملموس، فاليهود لا يعترفون بنبوة عيسى ومحمد - صلى الله عليهما وسلم - والنصارى وإن آمنوا بموسى نبيًّا، فهم لا يؤمنون بمحمد نبيًّا رسولاً، ولا يؤمنون بعيسى نبيًّا، بل المسيح عندهم هو الله، أو هو ثالث ثلاثة.

المسلمون فقط يؤمنون بموسى وعيسى ومحمد، لا يفرِّقون بين أحد منهم؛ قال الله -
تعالى -: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].

وحين تفرَّق المسلمون واختلفوا وصاروا شِيَعًا، اختلفتْ نظرتهم في باب الأسماء والأحكام؛ فالخوارج والمعتزلة يكفِّرون بالذنب، ويحكمون على صاحب الكبيرة بالخلود في النار، والمرجئة يقولون: لا يضرُّ مع الإيمان ذنب، واختلفت الآراء في التكفير والتفسيق والتبديع، حتى إن الرجل الواحد يصفُه محبُّوه بأنه شيخ الإسلام، ويصفه مخالفوه بأنه شيخ الضلال، حدث ذلك مع شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حيث وصفَه بعض المخالفين بأنه ضالٌّ مضلٌّ، قال ذلك ابن حجر الهيتمي الشافعي في آخر الفتاوى الحديثية.

والإنصاف يقتضي الحكم على الأقوال والأفعال والأشخاص بالعدل، دون غلو أو محاباة، وقد صنَّف نعمان الألوسي الحنفي كتابًا عظيمًا للفَصْل بين الشيخين في هذا الباب بعنوان: "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين"، أُوصِي كل منصفٍ بقراءته.

وهذا عبدالرحمن بن ملجم الخارجي قاتلُ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يراه الخوارج أتقى خلق الله، بينما يراه الروافض أشقى خلق الله - تعالى.

قال عمران بن حطان الخارجي:
يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها
إلا ليبلغَ من ذي العرش رِضْوَانَا
إني لأذكرُه حينًا فأحسبُه
أوفَى البريةِ عندَ اللهِ مِيزَانَا

ورد عليه بعضهم بقوله:
يا ضربةً من شقيٍّ ما أراد بها
إلا ليبلغَ من ذي العرش خُسْرَانَا
إني لأذكرُه حينًا فألعنُه
لعنًا وألعن عمرانَ بن حطَّانَا

قال الحافظ الذهبي: "عبدالرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي - رضي الله عنه - خارجيٌّ مفترٍ، شهد فتح مصر، واختطَّ بها مع الأشراف، قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من العبَّاد.

كان ابن ملجم من شيعة عليٍّ بالكوفة، وشَهِد معه صِفِّين، ثم أدركه الكتابُ وفعَلَ ما فعَلَ، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وكذلك تعظِّمه النصيرية، وهو عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة، وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونُجوِّز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه؛ وحكمه حكم قاتل عثمان وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونَكِلُ أمورَهم إلى الله - عز وجل".

هذا هو الإنصاف عند أهل السنة والجماعة، فعليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنة، يحبه الله ورسوله، وفضائله لا تحصى، والخوارج مِن الفرق الضالَّة المارقة، ومع هذا يقتضي الإنصاف ألاَّ نغالي فيمَن نحب، وألا نبخس حقَّ مَن نبغض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق