الثلاثاء، 4 يونيو 2013

لضرورة "الألش"

لضرورة "الألش"
إبراهيم السنيطي


سيغنيني الذي أغناك عني ** فلا فقرٌ يدوم ولا غِناءُ
في هذا البيت خالف الشاعر -ولست بشاعر- القواعد المألوفة للغة في الكلمة الأخيرة فمدّ الألف المقصورة وجعلها "غناء" بدلا من "غنى"
ولما تكلم أهل اللغة في ذلك البيت وأشباهه قالوا إن هناك "ضرورات شعرية" تبيح ذلك الخروج عن المألوف وكسر القاعدة بقصد الحفاظ على الوزن مع بقاء الصورة الجمالية كما هي
وقطعا هناك بعض الخروج المقبول وبعضه غير مقبول على حسب الضرورة.
وفي تلك الحالات يقوم الشاعر بتطويع أو استخدام اللغة بصورة خارجة عن المألوف فقط ليحافظ على بيته الشعري وصورته الجمالية ووزنه وقافيته، على ما في ذلك من مخالفة للقياس والشائع والمشهور.
ولكن يبدو أن الضرورة الشعرية لم تعد تقتصر فقط على الشعراء، وإنما وصلت إلى جمهور مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي فصار الخروج عن المألوف والسائد والمشهور هو المعتاد والمألوف والسائد حتى صارت الضرورة "الألشية" هي القاعدة في تناول الأحداث والمواقف والأخبار اليومية المحلية والعالمية باختلاف درجة أهميتها.
صارت "الألشة" و "الإفيه" هما سيدتا الموقف بامتياز، فكل موقف لا بد له من
ألشاته وإفيهاته التي قد تتسق أو لا تتسق مع حجم الموقف وأهميته، وربما تخالف مقتضيات النخوة والرجولة والأدب وغيرها من القيم التي صار الاستغناء عنها ضرورة ألشية
قربانا لضغطات الإعجاب والنشر.
الضرورة الألشية هنا صارت تتعدى إلى الأعراض وإلى الدماء ويكفيك أن تتابع فقط حجم ما أنتجناه بخصوص المهاجرين السوريين إلينا والزواج من السوريات، أو تتابع حجم ما أنتجناه خلال الأيام القليلة الماضية بخصو مشكلة قد تهدد أمن البلد بكاملها كالمياه دون محاولة جادة لقراءة ومعرفة حقيقة الأمر أو البحث عن سبل لحله أو تقليل من أضراره
الضرورة الألشية حكمت ولا معقب لحكمها فلا وقت لدينا لغير التباري فيها
* * * * *
لا أريد أن يفهم البعض أن الحديث هنا يريد منع السخرية أو المزاح أو الضحك، إنما الحديث عن تحول السخرية إلى غاية في ذاتها حتى أن البعض ربما يحزن لو هدأت الأمور أو توقفت عجلة الأحداث عن دورانها الساخن لعدم وجود مادة جديدة للألش فيقوم باجترار الماضي حتى يظهر الجديد
الخطير في هذا الأمر هو أن التعامل مع المواقف الجادة بهذه الطريقة وحدها يحول طريقة العقل في التفكير تدريجيا إلى عقل مستهتر يبحث فقط عن ما يمكن السخرية منه أو وضعه على وجه "ياو مينج" دون البحث الجاد لا أكثر
وهذا مما يخالف طبيعة المؤمن المأمور بالتفكر والتدبر واستقاء العظة والعبرة والبحث عن حلول وصدق النبي حين أخبرنا أن كثرة الضحك تميت القلب، فكثرة السخرية تصيب المرء بالجمود والبرود تجاه تناوله الأحداث المحيطة به فتجده مستهترا لا مباليا وبما يخالف ما يقتنع به داخليا لغرض أن يبدو ذلك الشاب الظريف صاحب "أجمد ألشة" فيما يتعلق بموقف أو حدث.
الاقتصاد والتوسط مطلوبان حتى في الضحك والصدق والأمانة مأمور بهما حتى في المزاح، فكم من الشائعات بدأت بمزحة وكم من الكوارث كان أولها خبر أثير على سبيل الإضحاك.

لا تجعل السخرية من الموقف هدفا في ذاتها، وإنما مجرد أداة لتخفيف الضغط والترويح عن النفس المنشغلة بما هو أهم وأكثر نفعا، هذا فضلا عن السخرية من الأشخاص وهي محرمة أصلا وغير مقبولة.
حافظ على قناعتك الداخلية ولا تستغنِ عنها في سبيل الضرورة "الألشية" فهذا أول باب للاستغناء الكامل عنها فمع التعود تصير عادة
الضحك والمزاح هما سلعة اليوم الرائجة، والكثير منها بضاعة فاسدة، فكن أنت صاحب البضاعة النظيفة التي لا تقبل أن تبتذل أو تستخدم في الضرر أو الضرار، فتحفظ للناس أخلاقهم وترسم البسمة على قلوبهم ووجوههم.
قبل السخرية من موقف، أعطه حقه كاملا من البحث والتفكير الجاد المتزن واخرج من هذا التفكير بموقفك الخاص منه سواءا سلبيا أو إيجابيا، ثم ابحث عن ما يمكن المزاح فيه إن وجدت، ولا تضيع وقتك وجهدك في تجاهل المهم وإبراز المضحك.

الحياة بها ما هو أكثر من الضحك والأمة بحاجة إلى إبداعك في كل المجالات وليس فقط الألش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق