الثلاثاء، 4 يونيو 2013

عار يونيو ... وعار سوريا

عار يونيو ... وعار سوريا

بقلم / إبراهيم السنيطي


الرابع من يونيو 2013
القاهرة – مدخل 6 اكتوبر

أتململ في جلستي في "الميكروباص" لدى وقوف السائق ليقل أحد الواقفين على الطريق، فلا أريد أن أتأخر على العمل أكثر من ربع الساعة المسموح بها، يركب شاب طويل عريض يتحدث في هاتفه المحمول بصوت يسمع كل الجالسين في السيارة.
تترامي إلى أذني بعض من الجمل التي يحادث بها من على الطرف الآخر، أتجاهل الصوت وأحاول التركيز في شاشة هاتفي –رفيقة سفري الدائمة- أقرأ فيها بعض مقالات أو تعليقات للأصدقاء ومن أتابعهم على "فيس بوك".
تخرق إحدى الجمل أذني: مهو محمد مرسي الله يحرق أهله فاتح لهم البلد على البحري ملو البلد والناس مش لاقية شغل، والجمعيات الشرعية هي كمان عاوزة الولعة، بيدوا للواحد فيهم 7000 جنيه .... كلمته عشان يشتغل قاللي انا باخد 7000 جنيه في الشهر من الجمعيات. 7000 يعني 140 ألف ليرة وهو تمامه في سوريا 20 ألف بس، طبعا يشتغل ليه؟
طيب يأكلوا الشعب اللي مش لاقي ياكل الأول ......
شوفي، مش انتي سورية أهو بس بشار الأسد ده على حق .... والله على حق .... شعب وسخ يستاهل الدبح.... إلى هنا انتبهت محاولا أن أصرف أذني عنه فشردت في حال أمثال أولئك الدواب الذين لا يعون ... ولو وعوا ما فقهوا ولو فقهوا ما عملوا ولو عملوا ما أتقنوا ولو أتقنوا ما استدام إتقانهم.
ذلك الذي يظن أن وجود من تشرد من بلده هو قطيعة لرزق غيره، ويرى أن ذلك المشرد لا بد أن يعمل مقابل الفتات الذي يلقى إليه من أمثاله.
كم هي عجيبة المفارقة أن أستمع لمثل ذلك المخلوق قبل ساعات من ذكرى عار يونيو، وكيف لا يكون عارا مستمرا ومثل ذلك يحيى بيننا.
سوريا – منطقة منكوبة
قبل أسابيع .... أو أيام ... أو ساعات لا يهم، لا شئ يختلف في الواقع
هي شابة متزوجة ولديها رضيع، هل تدري أين زوجها؟ ربما تدرى وربما لا تدري... لعله القصف والرعب والخوف أذهلها عن كل شئ إلا رضيعها الذي أمسكت به تحاول إنقاذه من بين أيدي الكلاب المسعورة والخنازير الذين على باب البيت... بدون دق على الباب يقتحمونه، رغم خوفها ورعبها يثير جمالها الهادئ في نفوسهم القذرة رغبة الحيوانات، ودون حديث تتلاقي نفوسهم الخبيثة جميعا على نفس الهدف.
أخذوا الطفل وقيدوه وآذانهم تسمع صرخات أمه المستعطفة ... حسن أيتها الـ.... هذا يزيدك إثارة فاصرخي، تكتم صرخاتها للحظة ثم تقرر أن تطلقها لعناتٍ عليهم وعلى كل من يصمت، يتناوب الكلاب على اغتصابها بعد تقييدها بصورة محكمة واحدا تلو الآخر، لا تكف عن الصراخ لا هي ولا طفلها، أصوات الصراخ تشق عنان السماء متجهة إلى ربها، فلم يعد أحد يسمع غيره، يرتفع دعاءها إلى ربها وتنتثر لعناتها على كل من حولها ... على كل ذئب وكل ديوث، على كل قاتل وعلى كل متخاذل.
بعد أن قضوا وطرهم منها تذكروا مهمتهم البطولية التي قدموا لأجلها؛ القتل أما النساء فهن ترفيه على هامش الحدث. قرر قائدهم أن يبتكر حيلة جديدة، هو يعلم جيدا كيف هي غيرة المؤمنين على أعراضهم ... وفي لحظات يتفق الكلاب على الخطة .... يجردونها من ملابسها، رصاصتان واحدة في كل ساق من ساقي الشابة، يحملونها ويلقونها على قارعة الطريق، يمسكون بالطفل الذي ما توقف عن الصراخ يلوحون به لأمّه تصرخ فيلحظها المجاهدون فيقررون إنقاذها، تقف العصابة مستترة يصل أحد الشباب يحاول أن يسترها ويحملها فيسقط برصاصة في رأسه .... فالثاني ... فالثالث ... فالرابع سقط شهيدا من سمع صوتها. أمّا من صُمّ وضرب الله على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فقد حُرِم وبقى بعاره .... عشر ساعات تمر عليها وهي تنزف تحاول ستر جسدها بأي شئ فلا تجد .... يقف الكلاب يتفرجون ... ويجلس الملايين في بيوتهم يشكون من انقطاع الكهرباء وبطء الإنترنت وشدة الحر وقلة الماء المعدني البارد ... تموت الشابة ويحيا عارنا لساعات ... أو أيام ... أو أسابيع ... أو شهور ... أو سنوات ... أو قرون لا يهم، لا شئ يختلف في الواقع.
تصل القصة وأتذكر ذلك "الخنزير" الذي استقل السيارة معي ... أغسل يدي خوفا من أن تكون قد لامست ما لمسه، انظر لنفسي في مرآة الحمام وأتذكر الشابّة؛ أغسل يدي أكثر وأكثر، أفتح صنبور الماء الساخن لعلّه يزيل الأوساخ بصورة أفضل أجد يدي كما هي ... العار ملتصق بها ... والقذارة ملتصقة بها.
يأبى عار يونيو أن يزول
ويأبى عار سوريا أن يزول
تبّت تلك اليد التي اعتادت على قرع أزرار لوحة مفاتيح تطبع حروفا ميتة تأخذ حظا من الإعجابات والنشر أو لم تأخذ بينما أيدٍ أخرى تنتفض ممسكة ببنادقها ومدافعها تحاول محو عار أمةٍ كاملة ..... لن يزول
العار مستمر ... لأننا نحن العار.
اللهم إنا نشكو إليك ضعفنا وتخاذلنا وذلنا.
اللهم إنا نشكو إليك أنفسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق