السبت، 22 أغسطس 2009

رمضان والتوبة

رمضان والتوبة

بقلم : د. جمال المراكبي

الحمد لله أرشد النفوس إلى هداها، وحذرها من رداها قد أفلح من زكاها *وقد خاب من دساها. وبعد: الأيام تمرُّ عجلى، والسنين تنقضي سراعًا، وكثير من الناس في غمرة ساهون، وعن التذكرة معرضون، وما أحوج المسلم إلى موقف المحاسبة في هذه الأيام الفاضلة، ونحن مقبلون بعد ساعات على شهر كريم يجعلنا نقف مع النفس وقفة المتأمل، يتأمل الإنسان حاله، وأحوال الغافلين من حوله. والله سبحانه وتعالى يذكرنا ويدعونا في قرآنه الكريم، أن نتدبر الخلق، ونتدبر أحوال الكون، والله سبحانه وتعالى هو الخالق وهو العالم، فهو القائل سبحانه: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق {فصلت:53} فعلينا أن نستعِدَّ ليوم القيامة وما فيه من أهوال لا تقارن ولا تقاس بما نراه على الأرض من أهوال أو متاعب، والله سبحانه قد جعل الإنسان شاهدًا بنفسه عليها: إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الإنسان ما لها {الزلزلة:1-3}. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، ويظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسعى فيه، ولتقومن الساعة، وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها". {متفق عليه}. وفي صحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني غير لابث فيكم، ولستم لابثين بعدي إلا قليلا، وستأتوني أفنادًا، يفني بعضكم بعضًا، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل". {صحيح ابن حبان 6777}. بأس الله في إعصاريْ كاترينا وريتا أمريكا بوش تلك القوة العظمى التي تنفرد الآن بالعالم كله تنكل بمن تشاء وتبيد من تشاء، وتقتلع الأخضر واليابس مع خنازير اليهود في العراق وأفغانستان، وفلسطين، والكل يعلم تمامًا قدرة أمريكا التي تمتلك من العلم والقدرة ما يجعلها تتحسب جيدًا لكل خطر يتهددها، وتدرأ بقوتها كل قوة تحاول أن تنال منها فعندها قنابلها الذرية، وطائراتها المبيدة، وأسلحتها الفتاكة. وقد تابع العالم كله انتقام الله بعد أن ضرب أمريكا يوم الاثنين 29-8-2005 في مساحة كبيرة تقدر 235 كم إعصار كاترينا، حيث غمرت الفيضانات مدنًا وولايات أمريكية، وأبادتها بالكامل، بعد أن رسمت المأساة صورة قاتمة لواقع أليم تعيشه الشعوب حتى في أقوى وأغنى دول العالم قاطبة بين البؤس والاقتتال والسلب والنهب، والأنانية واليأس فقد عاشت الولايات المنكوبة من جراء إعصار كاترينا حالة من الأهوال التي تذكر بيوم القيامة، وإذا كنا نذكر بهذا الموقف الشعب الأمريكي وقيادته من رعاة البقر بأن لا يتعالى، وأن يتذكر الشعب الأمريكي ومعه بوش بأنه لا قدرة لمخلوق فوق قدرة الخالق، وأن الله سبحانه منزل الغيث، منتقم جبار وأن ما حدث في زلزال كاترينا، وكلف ميزانيتها ضعف ما كلفتها حربها ضد العراق وأفغانستان، ليعي بوش وشعبه أن هناك إله منتقم جبار فوق كل الجبابرة!! وما كادت أمريكا تلتقط أنفاسها بعد إعصار كاترينا الذي ضرب ولاية لويزيانا، ومدينة نيو أورليانز أجمل مدنها حتى جاءتها آية أخرى من آيات الله الذي يقول للشيء كن فيكون!! وضرب أمريكا إعصار ريتا الذي تسبب في نزوح ثلاثة ملايين شخص من منازلهم خوفًا من الإعصار ريتا الذي ضرب الساحل الجنوبي للولايات المتحدة الأمريكية وولاية تكساس ولويزيانا. وقد كشفت المصادر المطلعة أن تقدير حجم الخسائر بالنسبة لإعصار كاترينا وحده تقترب من 250 مليار دولار كما بلغ عدد القتلى من جراء الإعصار نفسه 1075 شخصًا في إحصائية مبدئية غير نهائية، ناهيك عن الآثار الاقتصادية المدمرة التي سببها إعصار ريتا والتي لم يتم حصرها بشكل نهائي حتى تاريخ كتابة هذه السطور. عنصرية الأمريكان وقد كشفت الأعاصير التي وقعت في أمريكا عن عنصرية الأمريكان فما زال سكان الولايات المنكوبة وما حولها حول خليج المكسيك يعيشون بعيدًا عن بيوتهم بعد أن طارت السيارات واليخوت لتستقر فوق أسطح البيوت المدمرة، وغرقت شوارع المدن بمياه الخليج حتى سبحت فيها أسماك القرش، وإذا كانت ولاية لويزيانا أشهر ولاية سياحية وكذلك مدينتها نيو آورليانز، فإن تكساس هي أكبر ولاية بترولية في أمريكا وبها 65% من آبار البترول الأمريكي، 5،27% من كل معامل تكرير البترول فيها، كما أن هيوستون هي رابع مدينة في أمريكا وهي عاصمة صناعة البترول. وقد كشف الإعصار كاترينا عن سوء الإدارة الأمريكية، بل نستطيع القول أنه قد كشف عن حقيقة هذا الشعب والمتمثلة في طبيعته العنصرية، حيث تفاوت الاهتمام في ردود الأفعال من مكان إلى آخر، ومن فئة إلى فئة حسب اللون حيث يسكن المناطق التي ضربها إعصار كاترينا غالبية من السود ذوي الأصول الأفريقية، ومع أن إعصار كاترينا لم يكن مباغتًا مثل ما حدث في تسونامي، لكنه كان متوقعًا قبل حدوثه بمدة كافية، ومع ذلك لم تستطع الحكومة إقامة المشروعات الوقائية، وإجلاء السكان، وتوفير أماكن الإيواء، ومواد الإغاثة اللازمة، فظهر آداؤهم في إدارة الأزمة كدولة متخلفة من دول العالم الثالث. وإذا كانت العنصرية الأمريكية ضد السود والتي كشف عنها إعصار كاترينا قد عرّت الأمريكان أمام العالم ليست هي العار الوحيد الذي يلاحق إدارة بوش في الولايات المتحدة فهناك عار آخر يتحدث عنه العالم؛ فهناك أكثر من 600 معتقل مسلم يقبعون في معتقل جوانتانامو دون محاكمة، ودون أن يتحرك أصحاب الضمائر الذين تحركوا وجيشوا الجيوش للسوريين واللبنانيين للبحث عن المدبر الحقيقي لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الحريري وتوجيه أصابع الاتهام لسوريا وبعض الشخصيات اللبنانية فور وقوع الحادث وقبل الحصول على أي دليل إدانة، حتى الآن لم يتحرك أصحاب تلك الضمائر لإنقاذ هؤلاء المعتقلين الذين أهدرت كرامتهم وآدميتهم بفعل خنازير الأمريكان القابعين للتعذيب والتنكيل بالمسلمين في جوانتانامو وسجن أبو غريب وغيره من المعتقلات المخصصة لإهدار الكرامة للآدميين، فأين منظمات حقوق الإنسان العربية والإسلامية والغربية، الأهلية والحكومية التي تقرأ أخبارها في الصحف كل يوم؟ أم أنه ليس ضمن مهمة تلك المنظمات حماية حقوق الإنسان العربي والمسلم؟!! التفسيرات العلمية لأهل الباطل قال الله تعالى في محكم آياته: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا {الإسراء:59}، فالزلازل والبراكين والعواصف والرعد، والبرق، والخسوف والكسوف آيات باهرة تدل على قدرة الله تعالى وعظمته ووحدانيته، يرسلها سبحانه على الكافرين غضبًا وانتقامًا كما أهلك من قبل مدين وثمود وغيرهم. ويرسلها على المؤمنين عذابًا وتطهيرًا لهم في الدنيا. وأما الكلام عن الحكمة من تلك الآيات الكونية فمن شأن علوم الوحي والله سبحانه مسبب الأسباب، ومدبر أمور الكون وهو العليم الحكيم، وقد قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الله يخوِّف بها عباده، فكونها آية يخوف الله بها عباده فهي من حكمة ذلك". وغالبًا ما نسمع عن تفسيرات لتلك الأحداث تصدر عن أهل الضلال عندما يقولون: "إن هذا أمر طبيعي لا علاقة له بالدين وليس هناك من ورائه حكمة". والله سبحانه مسبب الأسباب، ومجري الأفلاك، ذو حكمة بالغة، وذو قدرة مقتدرة، وإذا كان هذا هو كلام من يقصرون فهمهم فقط على تحليل الأسباب العلمية لمثل تلك الظواهر، فقد قال عنهم مالك الملك ومجري السحاب، ومنزل المطر، من يقول للشيء كن فيكون: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون {الروم:7}. فذاك شيء متوقع ممن لا يؤمن بمن رفع السماء بلا عمد، وفرش الأرض وجعلها قرارًا ومهادًا، يُدبر الأمر، ويسيِّر الأفلاك وهو الحكيم الخبير!! ولكن العجب العجاب أن يصدر هذا الكلام ممن يدعون الإسلام، ويرددون هذا الكلام، ويرمي من تكلم بالحكمة من هذه الظواهر بالتخلف والخذلان!! أما قرأ هؤلاء المارقون قول المولى عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا {الإسراء:59}. وقال: وما هي من الظالمين ببعيد {هود:83}. وقال: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء {الرعد:13}. وقال: ريح فيها عذاب أليم (24) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين {الأحقاف:24، 25}. ولكن الأمر كما قال الله تعالى: ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا {الإسراء:60}. وقد يظن بعض الناس أن الحسابات العلمية والأسباب التي يتحدث عنها أهل الاختصاص تعني أنه لا حكمة من وراء ذلك، وهذا خطأ واضح، واعتقاد فاسد. قال العلامة ابن دقيق العيد: في قوله صلى الله عليه وسلم : "يخوف الله بها عباده" إشارة إلى أنه ينبغي الخوف عند وقوع التغيرات العلوية. ومما يدل على أن مثل هذه الآيات إنما هي تخويف للعباد وتحذير لهم ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانت الريح الشديدة إذا هبَّتْ عُرِفَ ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم " {البخاري 1034} وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سُرِّيَ عنه، فَعَرَّفته عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وما أدري كما قال قوم عاد: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم {الأحقاف:24}" {البخاري ومسلم}. وفي الحديث تذكُّرْ ما يذهل المرء عنه مما وقع للأمم الخالية والتحذير من السير في سبيلهم من وقوع مثل ما أصابهم. وتأمل معي حال القلوب عند وقوع تلك الآيات وقد دبَّ فيها الخوف والهلع وحالها بعد انكشاف الضرّ، ففيه إشارة للمسلم وتنبيه له على سلوك طريق الخوف والرجاء. وقوع الآيات قد يكون غضبا وانتقامًا من الكافرين ينبغي أن يعلم أن الذنوب التي أهلك الله بها الأمم السابقة على قسمين: *فالقسم الأول: معاندة الرسل وجحد رسالاتهم. *والقسم الثاني: الإسراف في الفجور والذنوب. أما القسم الأول فإن الله سبحانه يهلك أصحاب هذا القسم هلاك استئصال وإبادة. كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب وأضرابهم. قال الله تعالى: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {العنكبوت:40}. أما القسم الثاني فإنهم يصابون بالمجاعات والأمراض والزلازل وغير ذلك، وقد يكون، مع ذلك موت وقد لا يكون وعذاب هذه الأمة الإسلامية من هذا القبيل، فإن الله تعالى لا يستأصِلُها ولا يهلكها نهائيًا كما كان يفعل مع الأمم الكافرة السابقة، ولكنه يعذبهم بأنواع عديدة متنوعة من البلاء. وعذاب الله تعالى وعقابه للأمم لا يختصُّ بنوع واحد بل جرت سُنَّة الله تعالى في تنويعه على ألوان مختلفة ومتنوعة، فقد يكون صاعقة، أو غرقًا، أو ريحًا، أو خسفًا، أو قحطًا أو مجاعة وارتفاعًا في الأسعار، أو أمراضًا، أو ظلمًا وجورًا، أو فتنًا بين الناس واختلافًا، أو مسخًا في الصُّور أو مطرًا بالحجارة أو رجفة الخ!! وما ارتكبه الأمريكان من تدنيس للمصحف في جوانتانامو، ووضعهم الكتاب الكريم، ووضع أقدامهم فوقه مما استوجب غضب المنتقم الجبار وإذا كان المسلمون عجزوا عن الدفاع عن كتاب ربهم من التدنيس والإهانة فللكتاب ربٌّ يحميه.. والمولى يقول في كتابه عز وجل: إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر {القمر:30} وقول المولى عز وجل: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم *يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد {الحج:1، 2}. والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق