الاثنين، 17 أغسطس 2009

فتوى في القيام للقادم

فتوى في القيام للقادم لشيخ الإسلام ابن تيمية ( رحمه الله )‏
سُئل شيخُ الإسلام أوحد الزمان تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد ‏السلام بن تيمية - قدس الله روحه ونور ضريحه :‏‎ ·‎‏
س : ما تقول السادةُ العلماء أئمة الدين ، رضي الله عنهم أجمعين ، في ‏النهوض والقيام الذي يعتاده الناسُ من الإكرام عند قدوم شخص معين مُعْتَبَر ؟ ‏وهل يجوز أم لا عند غلبة ظن المتقاعدِ عن ذلك أن القادم يخجل أو يتأذى باطنه ‏وربما آل ذلك إلى بُغْضٍ ومَقْتٍ وعداوة ؟ فإن فعل رجلٌ ذلك عادةً وطبْعًا ليس في ‏قصدٍ هل يحرم أم لا ؟
‏ج : لم يكن من عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ‏أن يعتادوا القيام كما يردون على السلام ، كما يفعل كثير من الناس ، بل قد قال ‏أنس بن مالك ، رضي الله عنه : لم يكن شخصٌ أحب إليهم من رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ، لِمَا يعلمون من كراهته لذلك ، ولكن ‏ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيًّا له ، كما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ‏قام لعِكرِمة ، وقال للأنصار لما قدم سعد بن عُبادة : ( قوموا إلى سيدكم ) ، وكان ‏سعد متمرضًا بالمدينة ، وكان قد قدم إلى بني قريظة شرقي المدينة .‏
والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد النبي ‏صلى الله عليه وسلم ، فإنهم خير القرون ، وخيرُ الكلام كلام الله ، وخيرُ الهدي ‏هدي محمد ، فلا يعدل أحد عن هدي خير الخلق وهدي خير القرون إلى ما هو ‏دونه ، وينبغي للمطاع أن يقرر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له ولا ‏يقوم لهم إلا في اللقاء المعتاد .‏
فأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيًا له فحسنٌ ، وإذا كان عادة الناس إكرام ‏المجيء بالقيام ولو ترك ذلك لاعتقد أن ذلك بخسٌ في حقه ، وقصدٌ لخفضه ، ولم ‏يعلم العادة الموافقة للسنة ، فالأصلح أن يُقام له ؛ لأن ذلك إصلاحٌ لذات البين ‏وإزالة للتباغض والشحناء .‏
وأما مَنْ عَرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له ، وليس هذا ‏القيام هو القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن يتمثل له ‏الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار ) ، فإن ذلك أن يقوموا وهو قاعد ، ليس هو ‏أن يقوموا لمجيئه إذا جاء ، ولهذا فرّقوا أن يقال قمتُ إليه وقمتُ له ، والقائم ‏للقادم ساواه للقاعد ، وقد ثبت في ( صحيح مسلم ) أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ‏صلى بهم قاعدًا في مرضه وصلوا قيامًا أمرهم بالقعود ، وقال : ( لا تعظموني كما ‏يعظم الأعاجم بعضها بعضًا ) ، فقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد ؛ لئلا ‏يشبهوا الأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعودٌ .
‏وجماع ذلك أن الذي يصلح اتباع عادة السلف وأخلاقهم والاجتهاد بحسب الإمكان ‏‏، فمن لم يعتد ذلك أو لم يعرف أنه العادةُ ، وكان في ترك معاملته بما اعتاده ‏الناس من الاحترام مفسدةٌ راجحة ، فإنه يُدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما كما ‏يجب فعل أعظم المصلحتين بتفويت ، أدناهما .‏
وأما الانحناء عند التحية فينهى عنه كما في الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه أينحني له ؟ قال : ( لا ) .‏
ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعله إلا لله ، وإن كان هذا على وجه التحيَّة في غير ‏شريعتنا ، كما قال في قصة يوسف : ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ ‏رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ) [ يوسف : 100] ، وفي شريعتنا لا يصلح السجود إلا لله ، بل ‏تقُدّم نهيُه عن القيام كما تفعل الأعاجم بعضها ببعض ، فكيف بالركوع والسجود ؟‏وكذلك ما هو ركوعٌ ناقصٌ يدخل في النهي عنه .
‏والله أعلم . ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق