الاثنين، 24 أغسطس 2009

بين السحور والفطور

بين السحور والفطور
بقلم فضيلة الشيخ صفوت الشوادفي - رحمه الله - الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ، فقد أظلنا شهر رمضان من جديد ، وأشرقت أنواره ، وحلَّت بركاته ، وكثرت حسناته ، وقلَّت سيئاته . والناس فيه منهم من هو سابق بالخيرات تارك للمحرمات ، مقيم على الطاعات ؛ يبكي ذنوبًا قد فعلها ، وسيئات قد اقترفها وهؤلاء هم الذين حبب الله إليهم الإيمان ، وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان . ومن الناس سفهاء وجهال يستثقلون رمضان ، وكثير منهم لا يصلى إلا في رمضان ، ولا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان ، وهو يعد الأيام والليالي حتى يعود إلى معاصيه ! فهم مصرون على ما فعلوا وهو يعلمون ، وفيهم من لا يصبر على المعاصي ؛ فيظل مقيمًا عليها في رمضان ، وقد ذكر ابن رجب - رحمه الله - أن رجلًا كان مصرًّا على شرب الخمر فعاد إلى بيته في آخر يوم من شعبان وهو سكران ! فعاتبته أمُّه ، وهي توقد التنور ( الفرن ) فحملها فألقاها في التنور فاحترقت !!! أما أهل الإيمان والطاعة ، أهل السنة والجماعة فلهم شأن آخر . إن أبواب الطاعات في رمضان كثيرة متنوعة ، وكلها أبواب إلى الجنة . ففي رمضان يكون الصوم وقراءة القرآن والعمرة التي تعدل حجة ! والجود والعطاء وتفطير الصائم ، وتعجيل الفطر ، وتأخير السحور ؛ وصلاة التروايح ، وليلة القدر ، والاعتكاف ، وفتح أبواب الجنان ، وإغلاق أبواب النيران ، وتصفيد الشياطين ، والمغفرة في آخر الشهر ، وغير ذلك من أبواب الخير وصنوف البر ، وأنواع الطاعات والقربات . والمؤمن الحق يرى أن رمضان فرصة قد لا تتكرر ، وشهر قد لا يعود فكم من صائم عامًا مضى قد أصبح اليوم أثرًا بعد عين ! وفي كل يوم يشيع الناس غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه ، وانقضى أجله ، فخلع الأسباب ، وفارق الأحباب ، وسكن التراب ، وواجه الحساب ! ومن بين نصوص السنة الصحيحة التي تتحدث عن رمضان جاءت نصوص تتعلق بالفطر والسحور ، فأردنا أن ننبِّه على بعضها طمعًا في إدراك أجرها ممن عنده حسن الثواب . · تفطير الصائم : روى الترمذي بسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من فطَّر صائمًا ، كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ) . ويفهم من هذا الحديث أن تفطير الصائم طاعة من أعظم الطاعات ، وقربة من أجلِّ القربات . وننبه هنا على فائدتين : الأولى : في قوله : ( من فطر صائمًا ) ، وصف يصدق على من قدم إلى الصائم طعامًا أو شرابًا يفطر عليه ، وبعض الناس يدعو صائمًا أو أكثر إلى مائدته ، فيأتي الصائمون إلى المسجد فيفطرون على تمر المسجد ويشربون من مائه ثم يذهبون بعد الصلاة إلى بيت من دعاهم وهم مفطرون مصلون ! فيكون هذا الداعي قد عشَّى مفطرًا ، ولم يفطِّر صائمًا !! الثانية : في قوله : ( كان له مثل أجره ) ، ومعلوم أن أجور الصائمين متفاوتة ، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش . فهل يقال : إن هذا الحديث فيه ترغيب وحث على اختيار الصائم المؤمن التقي لمن أراد أن يفطر صائمًا طمعًا في زيادة الأجر ! للنظر في ذلك مجال ، والله أعلم . · تعجيل الفطر : روى البخاري بسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . وتعجيله يتحقق بأمرين : الأول : المبادرة إلى الفطر إذا تحقق غروب الشمس ، والثاني : تقديمه على الصلاة . ويبحث الناس عن الخير الموعود به في هذا الحديث : ( لا يزال الناس بخير ) ، فيقال لهم : هذا الخير يتحقق بأمور منها : مخالفة أهل الكتاب كما جاء في رواية أبي داود وابن خزيمة : ( لأن اليهود والنصارى يؤخرون ) أي : الفطر . مخالفة بعض طوائف الشيعة الذين يؤخرون الفطر إلى ظهور النجوم . الرفق بالصائم وتقويته على العبادة بتعجيل فطره . وهذه وغيرها أبواب خير فتحها الله لمن يعجل الفطر . · بركة السحور : روى البخاري ومسلم بسنديهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( تسحورا فإن في السحور بركة ) . من المعلوم أن السحور ما يؤكل وقت السحر ؛ فهو طعام وشراب ، ومع هذا فقد خصته النصوص بفضل ليس لغيره من الأطعمة والأشربة ! فأمرت به ، ونبهت على أنه بركة !! ولقد نبه أهل العلم على هذه البركات . فذكروا منها : امتثال الأمر الشرعي واتباع السُّنَّة ، وهذا يوجب الأجر والثواب . ومخالفة أهل الكتاب ؛ فإنهم لا يتسحرون : ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) رواه مسلم . والدعاء والاستغفار وقت مظنة الإجابة : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [ الذرايات : 18] . وتدارك نيّة الصوم لمن أغفلها قبل النوم . وصلاة الفجر مع الجماعة في وقتها الفاضل بسبب الاستيقاظ ، ولذا تجد المصلين في المساجد فجر أيام رمضان أكثر منهم في غيره ! ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع !! والتَّقوي على العبادة والزيادة في النشاط . وأخيرًا : الصدقة على السائل في ذلك الوقت (1) !! · مدفع الإمساك ؟!! قال ابن حجر - رحمه الله - : ( من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان - أي زمانه - من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس ، وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا !! فأخرُّوا الفطر ، وعجلوا السحور ، وخالفوا السنة ، فلذلك قل عنهم الخير ، وكثر فيهم الشر ، والله المستعان ) . ا هـ من ( فتح الباري ) ( 4/ 235) . ومن يتدبر هذا الكلام يجد أن الحافظ - رحمه الله - قد نبه على أن مخالفة السنة سبب لقلة الخير ونزع البركة ! وكثرة الشر والمعصية والفساد ، وكأنه يعيش في زماننا ويشاهد حالنا . ولما أُختُرت المدافع في القرن الرابع عشر الميلادي - كما في دائرة معارف القرن العشرين - تغير شكل البدعة وبقي أصلها ! وأصبحت علامة الإمساك إطلاق مدفع الإمساك بعد أن كانت في الماضي إطفاء المصابيح ، وكلاهما علامة باطلة . وإنما علامة الإمساك المشروعة طلوع الفجر الصادق ، وهو الوقت الذي يُرفع فيه الأذان لأجل صلاة الفجر . وبعد : فالحديث عن رمضان حديث شيق ، وكله خير ، وبركة ، وفوائد ، وعوائد ، وأجر ، وثواب ، وجودٌ ، وعطاء . فنسأل الله بمنه وفضله وكرمه أن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا ودعاءنا ، وسائر أعمالنا الصالحات ، إنه ولي ذلك ، والقادر عليه . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
صفوت الشوادفي
(1) راجع ( فتح الباري ) ج4 ص 166 كتاب الصوم - باب بركة السحور .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق