الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

رسالة إلى خطيب

رسالة إلى خطيب

بقلم فضيلة الشيخ / وحيد عبد السلام بالي

الحمد لله وكفى ، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى ، وبعد :فإنَّ الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال ، وكيف لا تكون كذلك وهي رسالة الرسل والأنبياء ، وطريق المصلحين والعلماء ، لا يقوم الدين إلا بها ، ولا ينتشر إلا عن طريقها .

الداعي إلى الله قائل بأحسن قول :

قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [ فصلت : 33] .ولقد بشر الله الدعاة إلى الله بالفلاح في الدنيا والآخرة :فقال سبحانه : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ آل عمران :104] .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة لازمة لعباد الله المؤمنين : قال سبحانه : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) [ التوبة : 71] .

وحسبك أخي الداعية أنَّ المخلوقات تدعو لك بظهر الغيب : فقد روى الترمذي بسند جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله وملائكته ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر ، ليصلون على مُعَلِّمِ الناس الخير ) .

أخي - خطيب الجمعة - إن خطبة الجمعة لها أهمية كبرى بين وسائل الدعوة المتاحة للدعاة ، فقد يتكاسل الناس عن المحاضرة ، وقد يتخلفون عن الدرس ، لكنهم لا يتخلفون عن الجمعة إلا الذين لا يصلون أصلًا ، لأن المسلمين مأمورون جميعًا بحضور الجمعة .

قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) [ الجمعة : 9 ] . ولذا فقد تجد أمامك جمعًا غفيرًا من المسلمين ، وربما تجد من بينهم من لا يدخل المسجد إلا يوم الجمعة ، وستجد فيهم الصالح والطالح ، والـمفرط والمحافظ ، والمتواضع والمتكبر ، والمتقبل والمعاند . بل ستجد منهم المتعلم والأمي ، والصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، وغير ذلك من فئات المجتمع ، فكيف تخاطب هؤلاء جمعيًا بالأسلوب المناسب ، وكيف تستغل هذا الموقف للأخذ بأيدي هؤلاء جمعيًا إلى طريق الله عز وجل .فبات من الواجب عليك - أخي الخطيب - أن تتعلم فنَّ الدعوة ؛ لتقدم تعاليم الإسلام في أبهى منظر ، وأجمل حُلة .

أسباب نجاح الخطبة :

1- التكلم باللغة العربية الفصحى :

ينبغي على الخطيب أن يحرص على أن يلقي خطبته بالفصحى قدر جهده ، لأنها لغة القرآن ، وشعار الإسلام .والحديث بالفصحى يضفي على خطبتك إشراقًا ، وعلى كلماتك نورًا ، وفي نفوس مستمعيك قبولًا .

2- التوسط في الإلقاء :

بحيث لا يكون كلامك سريعًا فلا يُفهم ، ولا بطيئًا فيمله السامعون ، ولتعط لكل موقف ما يلزمه ، فإذا احتاج إلى انفعال أسرعت ، وإن احتاج إلى إقناع أبطأت .

3- الاقتصاد في الخطبة :

فلا تكون طويلة مملة ، ولا قصيرة مخلة ، ولا تكون متشعبة الأفكار ، كثيرة الشواهد ، ركيكة المعاني ، بل موجزة متقصده ، وتلك هي السنة ، فقد قال سيد الخطباء صلى الله عليه وسلم : (إنَّ قصر خطبة الرجل ، وطول صلاته ؛ مَئِنَّة من فقهه ) رواه مسلم ؛ لأن القصر والإيجاز وإيصال المعنى من أقرب طريق ؛ دليل على الفصاحة والعلم والفقه .

4- ربط الخطبة بالواقع :

عليك أن تتحسس مشاكل مدينتك وتعالجها من فوق أعواد منبرك ، تعايش الناس وتترك المنبر يجيب على تساؤلاتهم ، فحينما تكون خطبتك منتزعة من الواقع تكون أقرب إلى قلوبهم وأوقع في نفوسهم .

5- المخاطبة على قدر الفهم :

فلا تخاطب العوام بمنطق علمي مرتفع ، ولا المتعلمين المثقفين بمنطق بدائي ممجوج ، بل تخاطب الناس على قدر عقولهم وعلومهم .

6- الترفع عن الغلظة في القول والبذاءة في اللسان :

فلا تحقر مستمعيك ، ولا تقلل من شأنهم ، ولا ترميهم بالجهل وقلة الفهم ، ولا تقذفهم بالفسق والفجور ، أو غير ذلك مما لا يليق بمكانة الداعية - حتى لو كانوا كذلك - بل تتلطف بهم في الحديث ، وترفق بهم في القول .قال تعالى مبينًا سبب اجتماع الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) [ آل عمران 159 ] .وقال تعالى مرشدًا للطريقة المثلى في الدعوة : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) [ النحل : 125] .

7- استثارة همم المدعوين بما يفتح قلوبهم :

كأن تخاطبهم بـ (يا أخوة الإسلام ) ، ( يا أيها المؤمنون ) ، ( يا من آمنتم بالله ربًّا ، وبمحمد نبيًّا ، وبالإسلام دينًا ) ، وما شابه ذلك مما يفتح قلوبهم ، ويقرب نفوسهم ، فإن المحبة مفتاح القلوب .فهذا إبراهيم عليه السلام يذكِّر أباه برابطة الأبوة أثناء دعوته ، فيقول : ( يَاأَبَتِ …. ) [مريم : 42] ، ويكررها كثيرًا . وهذا لقمان يذكَّر ابنه برابطة البنوة ليكون أدعى لقبول الموعظة ، فيقول : ( يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ….. ) [ لقمان : 13] . وهذا هود يذكَّر قومه برابطة القرابة فيقول : ( يَاقَوْمِ …. ) [ هود : 50] .وربنا تبارك وتعالى يذكَّر المؤمنين يإيمانهم ؛ ليردهم وازع الإيمان إلى الاستجابة والطاعة ، فيقول سبحانه : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ) [ البقرة : 153 ] .

8- الابتعاد عن الحركات الكثيرة :

ينبغي أن تتسم بالاتزان أثناء الإلقاء ، فلا تتحرك ، أو تشير إلا في الموقف الذي يدعو إلى ذلك ، وعليك بتجنب الحركات التي تسقط هيبتك من أعين الناس : مثل كثرة بلع الريق ، وفتل الأصابع ، والسعال المتكلف ، وكثرة الالتفات ، وما شابهها .

9- حسن المظهر :

ينبغي أن تصعد المنبر بالمظهر اللائق بالداعية ، فلا تلبس ثيابًا رثة ، أو ممزقة ، ولا تلبس ثياب المترفين الرقيقة الشفافة .فعليك أن تكون نظيف الثياب من غير تبرج ، طيب الرائحة من غير إسراف ، مهيب المنظر من غير تكلف .

10- التحضير الجيد للخطبة :

لا تصعد المنبر إلا وقد حددت موضوعك ، ورتبت أفكارك وانتقيت ألفاظك ، حتى لا ترتج عليك العبارات ، وتستعجم عليك الكلمات ، فلا تتمكن من تبليغ دعوة مولاك .ولا بأس بأن تستمع إلى أشرطة الخطباء المشهورين ، والوعاظ المبرزين لتتدرب على طرق الإلقاء ، ووسائل التأثير ، وأساليب الإقناع .

11- ألا تصعد المنبر وأنت ممتلئ المعدة :

لأنه إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وكسلت الأعضاء عن العبادة .وقال محمد بن واسع : من قل طعامه فهم وأفهم ، وصفا ورق ، وإنَّ كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد .

وقال الشافعي : الشِّبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .تلكم هي أسباب نجاج الخطبة ، فاحرصوا عليها إخواني الخطباء ، وكونوا منها على ذكر دائمًا ، وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه .

وحيد عبد السلام بالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق