السبت، 25 يوليو 2009

أسس ودعائم الحكم فى الدولة الإسلامية

أسس ودعائم الحكم فى الدولة الإسلامية
بقلم د/ جمال المراكبى
أولاً : الشرعية
نظام الحكم فى الدولة الإسلامية تحكمه ضوابط وقيود شرعية ، ولا يمكن بحال أن نتصور أنه متروك لأهواء الحاكم وبطانته ، يحكمون بما تمليه عليهم أهواؤهم ومصالحهم ، ثم يضفون على هذه الأهواء الصبغة الدينية ويتحكمون فى رقاب الناس باسم الدين ، كما يظنه بعض من يجهلون حقيقة هذا النظام .
إنه نظام شرعى ، محكوم بشرع الله تعالى وحاكم به ، قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ( البقرة : 256 ) . 
والطاغوت هو كل معبود متبوع مطاوع من دون الله تعالى . 
وقد نهى القرآن الكريم عن عبادة الأشخاص وإن كانوا علماء الدين ، وعن متابعة الأهواء والأغراض مع الإعراض عن شرع الله تعالى ، فنعى على أقوام " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ " ( التوبة : 31 ) يحلون لهم الحرام ، ويحرمون عليهم الحلال فيطيعونهم . 
ونعى على آخرين اتباع الأهواء " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ " . ( الجاثية : 23 ) . 
ولهذا قال الله تعالى لنبيه : " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ" ( المائدة : 49 ) .
فالحكم بشريعة الله هو الأساس المتين والقاعدة الراسخة التى يقوم عليها نظام الحكم فى الإسلام .
وقد حث النبى صلى الله عليه وسلم على التمسك بأهداب الشرع من بعده " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى كتاب الله وسنتى " (1) .
ونحن نعلم يقيناً أن محمداً هو خاتم الأنبياء المبعوث للناس كافة ، وأن شريعته خاتمة الشرائع يصلح الله بها فساد كل زمان ومكان ، ونعلم بالضرورة أن نصوص الشرع محدودة متناهية ، وحوادث الزمان المتجددة غير متناهية ولهذا قررت الشريعة مبدأ الاجتهاد ، والاجتهاد فى فهم نصوص الشرع وتطبيعها ، لا الاجتهاد فى نبذها والإعراض عنها ، فليس هناك اجتهاد مع النص . 
ويؤدى الاجتهاد بضوابطه إلى تطور الفقه الإسلامى وخصوبته ومرونته . 
ومن هنا فإن الشريعة تعطى الحق للمجتهدين وأولى الأمر في التشريع ، ويكون التشريع محكوماً بضوابط . 
أولها : ألا يخالف شرع الله الثابت نصاً أو روحاً وإلا وقع التشريع باطلاً . 
الثانى : أن يكون مبنياً على تحقيق مصالح الناس ودفع الضرر عنهم . وتمتد هذه التشريعات لتشمل التشريعات واللوائح التنظيمية والتنفيذية ، بل والتشريعات المستقلة فيما لا نص فيه ، وهو ما يعرفه الأصوليون بـ " حق أولى الأمر فى تقييد المباح " وعليه أمثلة كثيرة فى السوابق التاريخية فى عهد الراشدين منها :- جمع الناس على مصحف واحد لنبذ الفرقة والاختلاف فى عهد عثمان . ­
منع عمر الصحابة من الزواج بنساء أهل الكتاب بعد انتشار الفتوح لمنع الضرر بالمسلمات .
­إن الشرعية الإسلامية تحتكم إلى شريعة ربانية من حيث مصدرها وغايتها ووجهتها ، ومن ثم فهى معصومة من التناقض والتطرف والاختلاف الذى يصيب تشريعات البشر . 
وتمتاز هذه الشريعة بالوسطية ، لذا كانت الأمة الوسط هى التى تقيم الشريعة الوسط ، فتتأهل بها إلى منزلة الشهادة على الأمم يوم القيامة " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " . 

------------------- 
(1) صحيح . رواه مالك فى الموطأ معضلاً ، وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم ، ومن حديث أبى هريرة ، وانظر المشكاة ( رقم 186 ) ، والصحيحة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق