الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

سلوكيات مرفوضة في الأطفال - 3- السرقة

سلوكيات مرفوضة في الأطفال 3- السرقة إعداد : جمال عبد الرحمن
***********
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد : فقد تحدثنا في العددين الماضييْن عن سلوكيات مرفوضة في الأطفال ، وذكرنا السلوك الأول وهو الكذب ، ثم السلوك الثاني وهو العناد ، وفي هذا العدد نتكلم عن سلوك ثالث مرفوض يسلكه الأطفال ويمارسه بعضهم ، ألا وهو السرقة : والسرقة هي استلاب حق الغير وأخذه بغير إذنه بقصد تملكه والانتفاع به والتصرف فيه كما لو كان مِلكًا له. 1- شناعة السرقة وقد حرم الإسلام العظيم السرقة ؛ سرقة الأموال والمتاع والممتلكات، بل وحقوق التأليف والاختراعات، والكتب والمصنفات، وذلك حفاظًا على حُرمة المسلم وحرمة حقوقه ، ولكيلا تنتشر الفوضى والشحناء والبغضاء التي إذا أتت على مجتمع فإنها تعصف به وتهلكه ، وتقضي على عناصر الأمن والاستقرار فيه، وقى الله مجتمعات المسلمين من كل شر وبلاء وفتنة ، قال الله تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة]، وسبب هذا الجزاء والتنكيل أن السرقة اعتداء على حقوق الغير التي حرم الإسلام التعدي عليها . فقال صلى الله عليه وسلم : «كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه» . رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : «من حلف على يمين مصبورة كاذبًا متعمدًا ليقتطع بها مال أخيه المسلم فليتبوأ مقعده من النار». رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني. ومعنى المصبورة أي المحبوسة وهي التي أُلزم بها صاحبها وحُبس عليها لإنفاذ ما أصر عليه . وهذه الأحكام جميعًا تجري على البالغ المكلف المسلم العاقل غير المضطر وغير المكره . 2- السرقة لدى الصغار : وهنا يأتي السؤال : كيف يكون الحكم والحال إذا فعل السرقة صغار الأطفال ؟ وإن كثيرًا من المربين يشتكون منزعجين من أن أحد أبنائه أو بناته قام بسرقة شيء ما من البيت ، نقودًا كان أو متاعًا أو نحو ذلك ، وقد يسرق من الجار إذا حانت له فرصة ، وقد يسرق من البقال الذي يذهب للشراء منه ، وقد يسرق من إخوته أو زملائه في المدرسة ، أو من معلمه في الدرس ، وربما سرق أجرة المدرس الذي يعطيه الدرس فلا يوصلها إليه .. إلى غير ذلك من حالات السرقة التي يقوم بها بعض الأطفال والصبيان . ثم يخشى الآباء والأمهات وأولياء الأمور أن يتعود الطفل ذلك فيصير بعد ذلك لصًا، ويزداد الأمر قبحًا وإزعاجًا إذا رأى الأبوان أنهما يجتهدان في تربية ولدهما وتحفيظه كتاب الله وتعليمه السُّنة ؛ فما هو سر ذلك الأمر؟ وما اللغز المحير فيه ، وكيف يتغلب الأبوان والمربون على هذه الظاهرة المزعجة ويقضون عليها ليعود لهم الاستقرار النفسي نحو أولادهم ؟ هذا ما ستنبئ به إن شاء الله السطور القادمة . 3- لماذا يسرق الطفل ؟ الطفل إذا سرق فإنه يسرق لأسباب عديدة، سواء قابله بعض هذه الأسباب أو كلها . أ- السبب الأول : يسرق الطفل لأنه يحب التملك، فإذا وجد غيره يمتلك شيئًا ليس عنده ، فإن نفسه تطمح إلى أن يكون عنده مثله ، فإن لم يجد سعى لأن يمتلك هذا الشيء بعينه ويستأثر به عن صاحبه فيسرقه. ب- السبب الثاني : الطفل يسرق لأنه طفل لا يفرق بين الحلال والحرام ولا يعرف بديلاً للسرقة لكي يتملك ، فهو لم يعرف الاستعارة كمعنى وليس لفظًا ولا يتضح لديه مفهوم الملكية الخاصة وحرمة انتقالها للآخرين عن طريق السرقة . وهنا يأتي دور الأبوين والمربين في تعليم الطفل المصطلحات الإيمانية مع شرح مبسط لها على قدر ما يفهم الطفل حسب سنّه ، تلك المصطلحات الإيمانية مثل: «الله كبير وليس كمثله شيء»، و«الرسول صلى الله عليه وسلم بشر أرسله الله لنا ليعلمنا وندخل الجنة»، الحلال والحرام، والسرقة حرام ، الجنة والنار، المسلمون والكفار، الحسن والقبيح، الظلم والعدل، حقي وحق غيري، المسلمون سيدخلون الجنة، والكفار في النار، الله يحب الذي يفعل الشيء الجميل ويدخله الجنة ، ويبغض الذي يفعل الأشياء القبيحة ويدخله النار، الجنة فيها طعام وشراب، وكل ما يشتهيه الطفل، الله خالقنا وأخرجنا من بطون أمهاتنا ، وهو رازقنا ، وهو يميتنا بعدما نكبر وقد يموت الإنسان صغيرًا ، القبر مسكن الميت ، والدود يأكله ، يوم القيامة سيقوم كل الناس من القبور ، ويسألهم الله ويحاسبهم على أعمالهم، طاعة الأبوين ، احترام الكبير ، الشتم والسب حرام، الذي يحب أخاه ويحب له الخير يحبه الله ، والذي يكره أخاه يكرهه الله ، الأذان للصلاة، الصلاة يحب الله الذي يحافظ عليها، شهر رمضان شهر صيام ، الصدقة والزكاة من العمل الصالح ، الحج زيارة للأماكن المقدسة، الأمانة ، الاستئذان ، غض البصر. كل هذه وغيرها إيمانيات وأعمال إيمان لا بد للأبوين من تلقينها للطفل وهو صغير بحيث يكون عنده فكرة ولو مختصرة عنها جميعًا ، وهذا الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغار فيعلمهم شعب الإيمان وأعماله على الإجمال والاختصار قبل أن يحفظوا القرآن . ولذلك قال جندب بن عبد الله البجلي : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة (أشداء)، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا . أخرجه ابن ماجه وغيره ، وصححه الألباني ، وزاد عند البيهقي : «وإنكم اليوم تعلّمون القرآن قبل الإيمان». [شعب الإيمان]. وقد ظهر جليًا في هذا الحديث أهمية تعلم شعب الإيمان وأفعاله قبل حفظ القرآن ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : «لقد عشنا بُرهة من دهر ، وأحدنا يؤتَى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فيتعلم حلالها وحرامها ، وآمرها وزاجرها ، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ، ثم لقد رأيت اليوم رجالاً يؤتَى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ولا يدري ما آمِرُه ولا زاجرُه ، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه ، وينثره نثر الدَّقَل . والبُرهة هي الزمان الطويل ، النثر : التساقط والتفرق ، والدَّقل : الرديء اليابس من التمر ، والمراد أن القارئ يرمي بكلمات القرآن من غير رؤية ورَويَّة وتأمل كما يتساقط الدقل من العذق إذا هُزَّ . ولذلك فإن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يربي النشء على الإيمان ومعرفة الحلال والحرام والممنوع والجائز ، وكما يقول أبو هريرة رضي الله عنه : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه (فمه)، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كِخْ ؛ ألقِها ، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟» البخاري ومسلم وغيرهما . فكم كان عُمْر الحسن رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له : «كِخ كخ» ، ويبين له أن الصدقة محرمة على آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أما شعرت أنَّا لا نأكل الصدقة» . يعني : كيف خفي عليك ذلك . لذا يجب على المربي أن يتعاهد الطفل في صغره بتعريفه الحلال والحرام . ج- السبب الثالث : ومما يدفع الصبي الصغير إلى السرقة : الحرمان من الأشياء التي تتوفر عند الآخرين، والحرمان للطفل ألم وعذاب ومعاناة لا يصبر عليها الطفل ، وإن صبر ينفد صبره عاجلاً ، فينبغي للمربين أن يجتهدوا في تلبية حاجات الطفل ورغباته بقدر المستطاع ، أو على الأقل البديل عنها ، كما ينبغي ألا يُستهان بميزانية لِلُعب الطفل ومشبعات غرائزه ، وهي لن تساوي ربع ميزانية «السجائر» عند الأغلبية الساحقة من المستهترين من المسلمين، ولا تساوي ثلث ما تنفقه بعض الأمهات على ألوان وأصباغ وغير ذلك مما يضيع الأموال التي كره الله تعالى إضاعتها ، خاصة مع الإسراف فيها. وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم حاجة الصغار في ذلك ، فكان يسمح لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن تصطحب معها لعبها إلى بيت الزوجية عنده صلى الله عليه وسلم وتلعب بها ومعها صديقاتها الصغيرات ، ولم تكن رضي الله عنها تجاوزت عند ذلك تسع سنوات من العمر . تقول رضي الله عنها : «كنت ألعب بالبنات (لُعَب) عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه (يتحجبن) فيسربهن إليَّ فيلعبن معي». متفق عليه . وفي رؤيتها للعب كان يمكنها النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بعض الأحيان حتى تصرف وتشبع ، وتعلق هي على ذلك قائلة : «فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن». متفق عليه . فالحرمان يؤدي بالطفل إلى سلوك السبيل المعاكس وإن كان مخالفًا للحق ، ومن هذا لجؤوه إلى السرقة ليدبر بها أمره ، ويشفي بها صدره . ولا نقصد هنا بعدم حرمان الطفل أن يلبي له كل ما يريد ، وينفذ له كل ما يأمر به ، وإنما التسديد والمقاربة والتوسط والاعتدال هو خير سبيل (عوان بين ذلك). د- السبب الرابع : الطفل يسرق للانتقام من الوالدين أو للتخلص من معاناته، والإعلان عن ظلمه، وهذا يحدث مع الأطفال الذين يتعرضون كما سبق للحرمان أو يتعرضون للقسوة في المعاملة من الوالدين والمربين ، لكن الرفق أقرب السبل لإقناع الطفل ، خاصة وأنه يقنع بالقليل ، وينسى الكثير ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «عليك بالرفق ، فإنه لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه». (صحيح : الأدب المفرد). فإذا قسا المربي على الطفل بالقول أو الضرب ، فإن ذلك يكون لزجره ومنعه ، عندها يلجأ الطفل إلى السرقة لو حانت له فرصة الانتقام والأخذ ليشبع رغبته ، ويقضي نهمته ، غير مدرك لبر الوالدين أو نهيهما أو غضبهما . هـ- السبب الخامس : والطفل يسرق لأنه طفل، وهو في مرحلة طفولة غير مسئولة ،لأجلها رفع الله عنه التكليف (وعن الصبي حتى يحتلم)، فهو لا يعي من القرآن والسنة والأمر والنهي مثلما يعي الكبار ، ولا يتأثر بالجنة والنار كالكبار ، ولا يتذكر وتنفعه الذكرى كالكبار ، ومن ثَمَّ يبقى أسير رغباته وغرائزه ونفسه المحدودة ، فلا غرابة إن سرق . علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال : علاج مثل هذه الظاهرة لا يعتمد أبدًا على العاطفة ، أو وجهة النظر والرأي ، ولا مشورات الفضوليين الذي لا دراية لهم بهذا الأمر ، إنما العلاج ينبغي أن ينبثق من نصوص شرعية ، وتجارب لأهل الشريعة المحمدية ، وأول ما يمكن الإشارة إليه من علاج لهذه الظاهرة الآتي : 1- التزام الهدوء في معاملة الطفل ، خاصة عند الصدمة الأولى ، حينما يفاجأ الأب أنَّ جارًا له أو صديقًا أو قريبًا يخبره أن ابنه سرق ،أو بنته التي لم يقصر في تربيتها وشراء ما يلزمها هي أو أخوها ، وتتراكم على الأب مجموعة من المشاعر والانفعالات مثل إحراجه من جهة ، وخيبة أمله في ابنه الذي لم يتركه محتاجًا إلى شيء ، ثم هول المفاجأة، فربما أدى ذلك إلى سرعة التجارب مع الحدث بانفعال وغضب ، وعند هذه نقول : يجب التزام الصبر والتأني والهدوء وعدم العجلة ، وتجنب الانتقام والقسوة لشفاء الغل والغليل . ويبادر الأب بسؤال ابنه – خاصة إذا كانت أول مرة – برفق ، ومعرفة دوافعه ، وهل كان ذلك من تلقاء نفسه أم دله عليها غيره . وقد يحتاج الأمر إلى لفت النظر بشد الأذن بنوع من الرفق أيضًا ، وقد حدث ذلك من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مع بعض الأطفال. فعن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بقطفين واحد له والآخر لأمه عمرة فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة فقال:" أرسلت لك مع النعمان بقطف من عنب"؟ فقالت : لا ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بِلِدَّتِه فقال: يا غُدَر. أخرجه الطبراني في مسند الشاميين . 2- وعظ الطفل وتذكيره بالإيمانيات التي أشرنا إليها من قبل ، والثناء عليه بأنه ليس أهلاً لهذه الخصلة السيئة ، وإبراز الجوانب الحسنة فيه والثناء عليه منها وبها ، فإن ذلك يرفع معنوياته ويجعله يقلع عن السرقة ولا يكررها . 3- تخويف الطفل عند الإصرار بأن حد السارق في الشرع قطع يده ، فهل يمشي المرء بين الناس مقطوع اليد ليفضح أمامهم ؟ 4- الأطفال يحبون التقليد وتحركهم الغيرة ، وباستنفار كوامن الطفل الخيرية عن طريق مدح زميل له تعرض لمثل هذا الموقف وكان أمينًا، وأبوه مسرور منه، ويحبه لأمانته . 5- مراقبة الطفل وتفقد ممتلكاته ، وتحري السؤال عن الأشياء الغريبة التي يأتي بها من خارج البيت، فإن السكوت عن ذلك يعطي الطفل أمانًا ليرتكب مثل هذه الأفعال . 6- ممنوع إجراء اختبار للطفل ، بمعنى أن بعض الناس يترك الأموال أمام الطفل لينتظر هل سيأخذ الطفل منها شيئًا أم لا ، وقد قالوا : المال السايب يعلم السرقة ، فلا داعي لجر الطفل وإغرائه لمثل هذا الفعل، والوقاية خير من العلاج . 7- تعليم الطفل الاستئذان في أخذ أي شيء سواء من أهله ، أو من خارج البيت ، وهذا السلوك وهو الاستئذان إذا أتقنه الطفل عرف وغُرس فيه عدم الأخذ بدون استئذان ، فكيف بالسرقة ؟ 8- تجنيب الطفل عن مصاحبة الرفقة السيئة التي يأتي من ورائها كل شر ، وقد نهى الله ورسوله عن التساهل في اتخاذ الصاحب السوء ، وكل إنسان على دين صاحبه .فلينظر كل صاحب من يصاحب . وإلى لقاء آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق