إزالة اللبس حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم
بقلم فضيلة الشيخ / محمد علي عبد الرحيم
**************
1-روى مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد . اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد ) .
2-روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) .
3-وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس قال : لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) .
فتاوى باطلة :
درج بعض العلماء في هذا العصر ، ومن يخول لهم بالحديث أو الفتوى في وسائل الإعلام ، بحكم مركزهم الرسمي ، أن يستحسنوا بدعًا محرمة في الدين ، إما مجاراة
للعامة ، أو ارضاءً للصوفية ، ضاربين بالنصوص الصريحة عرض الحائط - فأفتوا بإباحة اتخاذ القبور مساجد ، معتمدين على آرائهم الشخصية ، دون
استناد إلى دليل من سنة أو حجة من قرآن . والله يقول : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) .
وإذا نادينا بتحريم ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخاذ قبور البدوي والدسوقي والحسين رضي الله عنه وغيرهم مساجد قال العلماء الرسميون : إننا مشددون .
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشددين حينما حرم ولعن من اتخذوا القبور مساجد ؟
فقد قال أكثر من مرة (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك ) قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره . رواه البخاري وغيره .
أفبعد هذا التحذير الشديد يفتى علماء اليوم في التلفاز وفي الصحافة وفي الإذاعة ، بما يصطدم بقول نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ؟
لقد سألنا كثير ممن شاهدوهم أو سمعوهم يفتون بتحليل ما حرم الله ، فلم يصدقوا ومنهم من تبلبلت أفكارهم بفتاوى لم تقم دليل بصحتها . وحجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم مدفون في مسجده .
ومن المناسب أن نذكر في هذا البحث ، فتوى تحق الحق وتبطل الباطل ، فقد وجه مدير الشئون الدينية بالإذاعة المصرية عام 1957 إلي فضيلة الشيخ حسن مأمون مفتى الجمهورية رحمه الله تعالى سؤالين يتناولان أمرين هامين هما زيارة الأضرحة
والطواف حولها والتوسل بها ، والنذر لها .
فأجاب فضيلة المفتى الأسبق ، بما أبرأ ذمته ، وصدع بالحق ، دون تحيز أو ميل إلى طائفة أو إلى وظيفته التي تحكم مرتبه أو دنياه .
س- ما حكم الشرع في زيارة الأضرحة والطواف حولها وتقبيلها والتوسل بالأولياء ؟
جـ- أود أن أذكر أن أصل الدعوة الإسلامية يقوم على التوحيد ، والإسلام يحارب جاهدًا كل ما يقرب الإنسان من مزالق الشرك بالله ولا شك أن التوسل بالأضرحة والموتى أحد هذه المزالق وهو رواسب جاهلية .
ثم قال المفتي رحمه الله : فلو نظرنا إلى ما قاله المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نعى عليهم عبادتهم للأصنام : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) فهي نفس الحجة التي تساق اليوم للتوسل بالأضرحة لقضاء حاجة عند الله أو التقرب منه .
ثم قال : ومن مظاهر هذه الزيارات أفعال تتنافى كلية مع عبادات إسلامية ثابتة .
فالطواف في الإسلام لم يشرع إلا حول الكعبة الشريفة ، وكل طواف حول أي مكان آخر حرام شرعًا .
والتقبيل في الإسلام لم يشرع إلا للحجر الأسود . وحتى الحجر الأسود قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقبله : (والله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . فإنك حجر لا تنفع ولا تضر ) .
س - هل يجوز النذر لغير الله ؟
جـ - أجاب المفتي رحمه الله تعالى بقوله : وردت الآيات صريحة أن النذر لا يجوز إلا لله . والنذر لغير الله شرك لأن النذر عبادة والعبادة لله وحده . انتهى .
هذا ما أفتى به الشيخ حسن مأمون مفتى الجمهورية الأسبق عام 1957 وهذه الفتوى مسجلة بدار الإفتاء ضمن فتاوى عام 1957 فليرجع إليها المخالفون لها . فلا تزال شرذمة ممن ينتسبون إلى العلم ، أو تغلب عليهم عقائد الصوفية تناسوا ما أخذ الله عليهم من ميثاق الكتاب ، فكتموا ما أنزل الله ، وقالوا على الله ورسوله غير الحق ، ودرسوا كل ذلك فيما درسوه من آيات الله البينات ومن سنة المعصوم صلى الله عليه وسلم . ولكن غلبت الأهواء ، وأقبلت الدنيا على بعض العلماء وذوى الوجاهات فأعرضوا عن النصوص الصريحة ، مجاراه للعامة أو إرضاء للخاصة ، وتجلى ذلك فيما نراه في المساجد ذات القبور ، من البدع الشركية والضلالات .
فالإسلام جاء لتجريد التوحيد الخالص من كل الترهات والجهالات باسم الأولياء .
وإليكم إزالة الشبهة حول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم : الذي يدعى كثير من العلماء بأنه عليه الصلاة والسلام مدفون في مسجده .
هذه مغالطة مكشوفة من العلماء ، فيها تزييف للتاريخ ومسخ للحق ، ونصر للباطل لسبين :
1-أن بدعة وضع الأضرحة في المساجد ، أو اتخاذ القبور مساجد ، لم يعهدها المسلمون في القرون الأولى . إلا في عهد (العبيديين : الفاطميين) في القرن الرابع الهجري وهم الذين سنوا السنة السيئة مغالاة في حب الصالحين . وبذا تبطل حجة من يدعى من العلماء والمتصوفة أن الأضرحة في المساجد مضى عليها أربعة عشر قرنًا من الزمان . وهذا كذب وافتراء أو جهل بالتاريخ .
2-أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين قبل موته (نحن الأنبياء ندفن حيث نقبض) ولما أحس صلى الله عليه وسلم بقرب أجله ، استأذن نساءه في أن يمرض بحجرة عائشة . ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى ، ودفن صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة
لا في مسجده . وظل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مصونا لم يدخل في المسجد ، في التوسعة التي قام بها عمر للمسجد عام 17 هـ (أنظر الرسم التوضيحي لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والزيادات التي أدخلت عليه ) . فقد وسع عمر المسجد من جميع الجهات ما عدا الجهة الشرقية التي فيها بيت النبي وقبره الشريف حتى لا يدخل القبر بالمسجد .
ثم جاءت زيادة عثمان عام 24 هـ ولم يدخل القبر ولا البيت ضمن المسجد .
وظل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه قبره الشريف منفصلا عن المسجد ، حتى جاء الوليد بن عبد الملك في عهد الأمويين (وهم أعداء لأبناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه) .
متى ضم القبر الشريف إلى المسجد
كان العداء شديدًا بين خلفاء بني أمية ، وبين أبناء الحسن والحسين رضي الله عنهما . وكان الوليد بن عبد الملك بن مروان ظالمًا غشومًا اتخذ من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة لخدمة سياسته .
فلما حج عام 80 هجري بعد أن آلت إليه الخلافة زار المدينة المنورة ، وخطب الناس يوم الجمعة ، وبعد الصلاة لم يقبل عليه أهل المدينة للسلام عليه . وحانت منه التفاتة إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا بالحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ترنو إليه الأنظار محبة وتقديرًا واحترامًا ، وكانت تسكن معه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه فاطمة بنت الحسين رضي الله عنهم أجمعين . فعز على الوليد ألا يحفل به الناس وألا يهتموا به بصفته خليفة المسلمين . وتمكن منه الحقد على أبناء علي بن أبي طالب ، وعمل على تشتيتهم من المدينة ، واستعمل المكر والخديعة في ذلك . فأعلن أنه يريد تجديد المسجد النبوي الشريف وتوسعته . وأصدر أمره إلى أمير المدينة بهدم المسجد ، وإضافة بيت الرسول كله بما فيه القبر إلى المسجد بحجة توسعته .
ولما قيل للحسن بن الحسن وزوجه فاطمة بنت الحسين : لابد من الرحيل من البيت : أبيا أن يخرجا مع ذريتهما . فأرسل الوليد : إن لم تخرجوا هدمناه على رءوسكم . وتم تنفيذ أمر الوليد ، وانتقل أبناء الحسن والحسين إلى الحيرة بالعراق . وتمت التوسعة الثالثة للمسجد بعد ضم البيت الشريف إليه وذلك عام 88 هـ .
ومن هذا يتضح أن قرار الوليد بتوسعة المسجد عمل لم يرد به وجه الله تعالى ، ولكن للكيد لأحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يكون لهم قرار بالمدينة ،
فالعمل إذن سياسي وانتقامي لا يمت إلى الدين بشئ .
وغنى عن البيان أن هذا العمل أثار سخط المسلمين . فقد روى عن نصار الخراساني قال : (أدركت حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود ، فحضرت أمر الوليد بن عبد الملك بإدخال حجرات النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، فما رأيت يومًا اشتد فيه البكاء من ذلك اليوم ) يقصد البكاء على تشتيت آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان سعيد بن المسيب حيًا يرزق . فقال : ( والله لوددت أنهم تركوها على حالها ) يعني حجرات النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا ولما تم بناء المسجد جاء الوليد من دمشق إلى المدينة وأخذ يتجول في المسجد معجبًا فخورًا ببناء المسجد بالزخرفة التي أدخلت عليه ، مما لم يكن للمسلمين عهد ببناء المساجد المزخرفة والقباب على طريقة الكنائس . وكان أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه لا يزال حيًا . فأخذ الوليد بيده وطاف بالمسجد وقال لأبان رضي الله عنه (أين بناؤنا من بنائكم) ؟ فكان جواب أبان على الفور (لقد بنيناه بناء المساجد ، وأنتم بنيتموه بناء الكنائس) .
فبهت الوليد . وكانت الكلمة كالصاعقة في أذنه - لأن توسعة عمر ثم عثمان للمسجد الشريف كانت مستوحاة من بساطة الإسلام في عمارة المساجد دون أن تخالطها
الزخارف والحمرة والصفرة والألوان التي تشغل المصلى ، وتخرجه عن الخشوع . وكانت المساجد في الصدر الأول من الإسلام كجامع عمرو بن العاص والمسجد النبوي ومسجد علي بالكوفة ، كانت تنطق ببساطة الإسلام وقوته .
ثم خلف من بعدهم خلف اهتموا بزخرفة البنيان مع ضعف الإيمان .
من هذا البحث يتضح لعلمائنا في العصر الحديث أن القبر الشريف أدخله للمسجد حاكم ظالم لا ينبغي أن يتخذ فعله حجة لإقامة باطل - ألا فليتقوا الله بدون تحريف أو تزييف والله المستعان .
محمد علي عبد الرحيم
مصادر البحث :
1-وفاء الوفا بأخبار المصطفى .
2- الرحلة الحجازية .
3- البداية والنهاية .
4- منزل الوحي لهيكل باشا وزير المعارف سابقًا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق