الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

إزالة اللبس حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏

إزالة اللبس حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏
بقلم فضيلة الشيخ / محمد علي عبد الرحيم ‏
**************
‏1-روى مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ‏‏(اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد . اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم ‏مساجد ) .‏ ‏2-روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم : (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين اتخذوا ‏قبور أنبيائهم مساجد ) .‏ ‏3-وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس قال : لعن الله زائرات القبور والمتخذين ‏عليها المساجد والسرج ) .‏ فتاوى باطلة :‏ درج بعض العلماء في هذا العصر ، ومن يخول لهم بالحديث أو الفتوى في وسائل ‏الإعلام ، بحكم مركزهم الرسمي ، أن يستحسنوا بدعًا محرمة في الدين ، إما ‏مجاراة للعامة ، أو ارضاءً للصوفية ، ضاربين بالنصوص الصريحة عرض الحائط - ‏فأفتوا بإباحة اتخاذ القبور مساجد ، معتمدين على آرائهم الشخصية ، دون ‏ استناد إلى دليل من سنة أو حجة من قرآن . والله يقول : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) . ‏ وإذا نادينا بتحريم ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخاذ قبور البدوي ‏والدسوقي والحسين رضي الله عنه وغيرهم مساجد قال العلماء الرسميون : إننا ‏مشددون .‏ فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشددين حينما حرم ولعن من اتخذوا ‏القبور مساجد ؟‏ فقد قال أكثر من مرة (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . ألا ‏فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك ) قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز ‏قبره . رواه البخاري وغيره .‏ أفبعد هذا التحذير الشديد يفتى علماء اليوم في التلفاز وفي الصحافة وفي الإذاعة ، ‏بما يصطدم بقول نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ؟‏ لقد سألنا كثير ممن شاهدوهم أو سمعوهم يفتون بتحليل ما حرم الله ، فلم يصدقوا ‏ومنهم من تبلبلت أفكارهم بفتاوى لم تقم دليل بصحتها . وحجتهم أن النبي صلى ‏الله عليه وسلم مدفون في مسجده .‏ ومن المناسب أن نذكر في هذا البحث ، فتوى تحق الحق وتبطل الباطل ، فقد وجه ‏مدير الشئون الدينية بالإذاعة المصرية عام 1957 إلي فضيلة الشيخ حسن مأمون ‏مفتى الجمهورية رحمه الله تعالى سؤالين يتناولان أمرين هامين هما زيارة ‏الأضرحة والطواف حولها والتوسل بها ، والنذر لها .‏ فأجاب فضيلة المفتى الأسبق ، بما أبرأ ذمته ، وصدع بالحق ، دون تحيز أو ميل ‏إلى طائفة أو إلى وظيفته التي تحكم مرتبه أو دنياه .‏ س- ما حكم الشرع في زيارة الأضرحة والطواف حولها وتقبيلها والتوسل بالأولياء ‏‏؟‏ جـ- أود أن أذكر أن أصل الدعوة الإسلامية يقوم على التوحيد ، والإسلام يحارب ‏جاهدًا كل ما يقرب الإنسان من مزالق الشرك بالله ولا شك أن التوسل بالأضرحة والموتى أحد هذه المزالق وهو رواسب جاهلية . ثم قال المفتي رحمه الله : فلو نظرنا إلى ما قاله المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نعى عليهم عبادتهم للأصنام : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) فهي نفس الحجة التي تساق اليوم للتوسل بالأضرحة لقضاء حاجة عند الله أو التقرب منه . ثم قال : ومن مظاهر هذه الزيارات أفعال تتنافى كلية مع عبادات إسلامية ثابتة . فالطواف في الإسلام لم يشرع إلا حول الكعبة الشريفة ، وكل طواف حول أي مكان آخر حرام شرعًا . والتقبيل في الإسلام لم يشرع إلا للحجر الأسود . وحتى الحجر الأسود قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقبله : (والله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . فإنك حجر لا تنفع ولا تضر ) . س - هل يجوز النذر لغير الله ؟ جـ - أجاب المفتي رحمه الله تعالى بقوله : وردت الآيات صريحة أن النذر لا يجوز إلا لله . والنذر لغير الله شرك لأن النذر عبادة والعبادة لله وحده . انتهى . هذا ما أفتى به الشيخ حسن مأمون مفتى الجمهورية الأسبق عام 1957 وهذه الفتوى مسجلة بدار الإفتاء ضمن فتاوى عام 1957 فليرجع إليها المخالفون لها . فلا تزال شرذمة ممن ينتسبون إلى العلم ، أو تغلب عليهم عقائد الصوفية تناسوا ما أخذ الله عليهم من ميثاق الكتاب ، فكتموا ما أنزل الله ، وقالوا على الله ورسوله غير الحق ، ودرسوا كل ذلك فيما درسوه من آيات الله البينات ومن سنة المعصوم صلى الله عليه وسلم . ولكن غلبت الأهواء ، وأقبلت الدنيا على بعض العلماء وذوى الوجاهات فأعرضوا عن النصوص الصريحة ، مجاراه للعامة أو إرضاء للخاصة ، وتجلى ذلك فيما نراه في المساجد ذات القبور ، من البدع الشركية والضلالات . فالإسلام جاء لتجريد التوحيد الخالص من كل الترهات والجهالات باسم الأولياء .‏ وإليكم إزالة الشبهة حول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم : الذي يدعى كثير من ‏العلماء بأنه عليه الصلاة والسلام مدفون في مسجده .‏ هذه مغالطة مكشوفة من العلماء ، فيها تزييف للتاريخ ومسخ للحق ، ونصر ‏للباطل لسبين :‏ ‏1-أن بدعة وضع الأضرحة في المساجد ، أو اتخاذ القبور مساجد ، لم يعهدها ‏المسلمون في القرون الأولى . إلا في عهد (العبيديين : الفاطميين) في القرن الرابع ‏الهجري وهم الذين سنوا السنة السيئة مغالاة في حب الصالحين . وبذا تبطل حجة ‏من يدعى من العلماء والمتصوفة أن الأضرحة في المساجد مضى عليها أربعة عشر قرنًا ‏من الزمان . وهذا كذب وافتراء أو جهل بالتاريخ .‏ ‏2-أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين قبل موته (نحن الأنبياء ندفن حيث نقبض) ‏ولما أحس صلى الله عليه وسلم بقرب أجله ، استأذن نساءه في أن يمرض بحجرة ‏عائشة . ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى ، ودفن صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة لا ‏في مسجده . وظل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مصونا لم يدخل في المسجد ، في ‏التوسعة التي قام بها عمر للمسجد عام 17 هـ (أنظر الرسم التوضيحي لمسجد ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم والزيادات التي أدخلت عليه ) . فقد وسع عمر ‏المسجد من جميع الجهات ما عدا الجهة الشرقية التي فيها بيت النبي وقبره ‏الشريف حتى لا يدخل القبر بالمسجد .‏ ثم جاءت زيادة عثمان عام 24 هـ ولم يدخل القبر ولا البيت ضمن المسجد . ‏ وظل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه قبره الشريف منفصلا عن المسجد ‏‏، حتى جاء الوليد بن عبد الملك في عهد الأمويين (وهم أعداء لأبناء علي بن أبي ‏طالب رضي الله عنه) .‏ متى ضم القبر الشريف إلى المسجد ‏ كان العداء شديدًا بين خلفاء بني أمية ، وبين أبناء الحسن والحسين رضي الله ‏عنهما . وكان الوليد بن عبد الملك بن مروان ظالمًا غشومًا اتخذ من مسجد الرسول ‏صلى الله عليه وسلم وسيلة لخدمة سياسته .‏ فلما حج عام 80 هجري بعد أن آلت إليه الخلافة زار المدينة المنورة ، وخطب ‏الناس يوم الجمعة ، وبعد الصلاة لم يقبل عليه أهل المدينة للسلام عليه . وحانت ‏منه التفاتة إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا بالحسن بن الحسن بن ‏علي بن أبي طالب ترنو إليه الأنظار محبة وتقديرًا واحترامًا ، وكانت تسكن معه ‏في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه فاطمة بنت الحسين رضي الله عنهم ‏أجمعين . فعز على الوليد ألا يحفل به الناس وألا يهتموا به بصفته خليفة ‏المسلمين . وتمكن منه الحقد على أبناء علي بن أبي طالب ، وعمل على تشتيتهم من ‏المدينة ، واستعمل المكر والخديعة في ذلك . فأعلن أنه يريد تجديد المسجد النبوي ‏الشريف وتوسعته . وأصدر أمره إلى أمير المدينة بهدم المسجد ، وإضافة بيت ‏الرسول كله بما فيه القبر إلى المسجد بحجة توسعته .‏ ولما قيل للحسن بن الحسن وزوجه فاطمة بنت الحسين : لابد من الرحيل من ‏البيت : أبيا أن يخرجا مع ذريتهما . فأرسل الوليد : إن لم تخرجوا هدمناه على ‏رءوسكم . وتم تنفيذ أمر الوليد ، وانتقل أبناء الحسن والحسين إلى الحيرة بالعراق ‏‏. وتمت التوسعة الثالثة للمسجد بعد ضم البيت الشريف إليه وذلك عام 88 هـ .‏ ومن هذا يتضح أن قرار الوليد بتوسعة المسجد عمل لم يرد به وجه الله تعالى ، ‏ولكن للكيد لأحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يكون لهم قرار بالمدينة ‏‏، فالعمل إذن سياسي وانتقامي لا يمت إلى الدين بشئ .‏ وغنى عن البيان أن هذا العمل أثار سخط المسلمين . فقد روى عن نصار الخراساني ‏قال : (أدركت حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم من جريد على أبوابها المسوح ‏من شعر أسود ، فحضرت أمر الوليد بن عبد الملك بإدخال حجرات النبي صلى الله ‏عليه وسلم إلى المسجد ، فما رأيت يومًا اشتد فيه البكاء من ذلك اليوم ) يقصد ‏البكاء على تشتيت آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .‏ وكان سعيد بن المسيب حيًا يرزق . فقال : ( والله لوددت أنهم تركوها على حالها ) ‏يعني حجرات النبي صلى الله عليه وسلم .‏ هذا ولما تم بناء المسجد جاء الوليد من دمشق إلى المدينة وأخذ يتجول في المسجد ‏معجبًا فخورًا ببناء المسجد بالزخرفة التي أدخلت عليه ، مما لم يكن للمسلمين ‏عهد ببناء المساجد المزخرفة والقباب على طريقة الكنائس . وكان أبان بن عثمان بن ‏عفان رضي الله عنه لا يزال حيًا . فأخذ الوليد بيده وطاف بالمسجد وقال لأبان رضي ‏الله عنه (أين بناؤنا من بنائكم) ؟ فكان جواب أبان على الفور (لقد بنيناه بناء ‏المساجد ، وأنتم بنيتموه بناء الكنائس) .‏ فبهت الوليد . وكانت الكلمة كالصاعقة في أذنه - لأن توسعة عمر ثم عثمان ‏للمسجد الشريف كانت مستوحاة من بساطة الإسلام في عمارة المساجد دون أن ‏تخالطها الزخارف والحمرة والصفرة والألوان التي تشغل المصلى ، وتخرجه عن ‏الخشوع . وكانت المساجد في الصدر الأول من الإسلام كجامع عمرو بن العاص ‏والمسجد النبوي ومسجد علي بالكوفة ، كانت تنطق ببساطة الإسلام وقوته .‏ ثم خلف من بعدهم خلف اهتموا بزخرفة البنيان مع ضعف الإيمان .‏ من هذا البحث يتضح لعلمائنا في العصر الحديث أن القبر الشريف أدخله للمسجد ‏حاكم ظالم لا ينبغي أن يتخذ فعله حجة لإقامة باطل - ألا فليتقوا الله بدون ‏تحريف أو تزييف والله المستعان .‏
محمد علي عبد الرحيم ‏
مصادر البحث :‏
‏1-وفاء الوفا بأخبار المصطفى .‏ 2- الرحلة الحجازية .‏ ‏3- البداية والنهاية .‏ ‏4- منزل الوحي لهيكل باشا وزير المعارف سابقًا .‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق