دفن النبى صلى الله عليه وسلم في مسجده
عمل سياسى وافتراء على الدين
لفضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
كلما دعونا إلى تنظيف الإسلام من الشوائب التى علقت به، أو إزالة الوثنيات التى ألصقها به القبوريون - إنبرى أهل البدع والخرافات للدفاع عن ضلالة لحقت بالدين.
وكلما قرعنا الباطل بالحجج الدامغة، والبراهين الساطعة، وقف أهل الباطل للدفاع عن باطلهم بلا حجة أو دليل.
وكلما صدعنا بالحق مؤيداً بالنصوص الصريحة، أن بدعة الموالد ليست من الإسلام وأن اتخاذ القبور مساجد فيه خطر كبير يشوه محاسن الدين، ويوقع المسلمين في وثنية حذرهم منها نبيهم صلى الله عليه وسلم - قامت قيامة من لهم مصلحة ذاتية من وراء قبور المساجد بالدفاع عن باطلهم، واتخذوا من تصرفات وزارة الأوقاف في عهد وزير سابق، يحتل مركزاً مرموقاً بين علماء المسلمين - حجة ما أنزل الله بها من سلطان، فأحل حراماً يستوجب لعنة الله تعالى.
نحن نعلم أن وضع القبور في المساجد، أمر يشوه جلال الدين، ويقوض دعائم التوحيد. ولذلك جاءت وصايا المعصوم صلى الله عليه وسلم تنهى عن ذلك، كما أن اللوائح الصحية بمصر، لا تسمح باتخاذ المساجد قبوراً، من الناحية الصحية والاجتماعية، ولكن هذا الوزير، خالف الوصايا النبوية، واللوائح الصحية وصرح بنقل رفات اثنين من رجال الصوفية، من مقبرة عامة بالإسكندرية ليوضع كل منهما في مسجد يسمى باسمه، ويغشاه أبناء طريقتهم، وزيادة في هذه المشاقة لله ورسوله، اشترك الوزير بنفسه في جنازة مصطنعة، لم يقصد منها الموعظة والاعتبار، ولكن للفخر والمباهاة ورفع شأن هذه الطريقة التى تقدس مشايخها، وتخلع عليهم كرامات من نسج الخيال، تنافى سنن الله الكونية، مصدر هذه الكرامات المكذوب اختراع الدراويش ليذاع اسم شيخهم بين الناس فتنذر له النذور وتشد إليه الرحال.
كما يتحدى الحق، ويقف مؤيداً لهذه الطرق عالم يشار إليه بالبنان، هو فضيلة الشيخ الباقورى الذى يقرهم على ما يصنعون، ولو كان في ذلك مشاقة لله ورسوله.
يقف الشيخ الباقورى - نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق - مدافعاً عن وضع القبور بالمساجد، مدعيا أن النبى صلى الله عليه وسلم مدفون في مسجده وفي رأيه إن لا حرج على اتخاذ القبور مساجد كما نشره في جريدة الأخبار بالعدد 4 جمادى الأولى سنة 1396 هـ، وقد ناقشنا هذه الدعوى في عدد مجلة التوحيد لشهرى جمادى الأولى وجمـادى الآخرة 1396.
غير أن إدعاء الشيخ الباقورى أن النبى صلى الله عليه وسلم- دفن في مسجده - أمر خطير يحدث البلبلة في نفوس المسلمين - وخاصة من يقصد منهم الصلاة في المسجد النبوى الشريف. وزيادة في توضيح هذه المسألة نقول:-
أن إضافة بيت النبى صلى الله عليه وسلم الذى يضم القبر الشريف، إلى المسجد النبوى، لم يكن عملاً دينياً، بل كان عملاً سياسياً يراد به التمكين لبنى أمية وتشتيت آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن المدينة.
فالعداوة كانت مستحكمة بين بنى أمية الذين يتولون الخلافة بدمشق، وبين آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم الذين يتمثلون في أبناء الحسن والحسين وذريتهما رضى الله عنهـما.
لم يقض انتصار نبي أمية، وتنازل الحسن لمعاوية، ثم قتل الحسين رضى الله عنهما - على مركز بيت النبوة من أبناء على رضى الله عنه، الذين يرون أنهم أصحاب حق في الخلافة، بل كان بنو أمية يتربصون بهم الدوائر، ويعملون على تشتيتهم وعدم استقرارهم حتى لا يلتف الناس حولهم، وحتى يصفو الجو لهم بلا منازع ينازعهم في الخلافة.
وكان أبناء فاطمة وحفدتها في بيت جدتهم وبيت أبيها صلى الله عليه وسلم بجوار المسجد النبوى الذى يضم القبر الشريف بحجرة عائشة التى هى جزء من البيت.
وقدم الوليد بن عبد الملك بن مروان حاجاً بعد ولايته للخلافة، وزار المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام، وفيما هو يخطب الناس بالمسجد حانت منه التفاتة إلى ناحية بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا بالحسن بن الحسن بن على رضى الله عنهم يرمقه الناس تقـديراً واحتراماً، فلما انتهى الوليد من خطـبته قال لأمير المدينة حينذاك " عمر بن عبد العزيز" لا أرى هذا الإنسان في هذا المكان بعـد، استر هذا الموضـع وأدخل بيـت النبى ( الذى يضم القبر الشريف ) في المسجد بدعوى أنه يريد بناء المسجد من جديد، وإجراء التوسعة فيه.
وقد جاء في بعض الروايات أن الحسن بن الحسن بن على، وفاطمة بنت الحسين وذريتها أبوا أن يخرجوا من البيت النبوى الشريف حينما علموا بأمر الوليد، فأرسل إليهم: إن لم تخرجوا منه هدمته عليكم فلما أصروا على إبائهم أمر بهدمه عليهم وفيه الحسن وفاطمة من ذرية الحسن والحسين، ونزع العمال أساس البيت وهم فيه، وهددوهم قائلين( إن لم تخرجوا قوضناه ) فخرجوا وتم تنفيذ أمر الوليد بن عبد الملك بضم بيت النبى ( ومعلوم أنه يضم قبره الشريف ) إلى المسجد، ثم انتقل بعد ذلك آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحيرة بالعراق.
من هذا يتضح أن قرار الوليد بن عبد الله بتوسعة المسجد النبوى لم يكن بباعث من دين، ولكن لأبعاد ذرية فاطمة الزهراء على أبيها أفضل الصلاة والسلام عن المسجد وتشتيتهم، حتى لا يحاطوا في المدينة برعاية أو تكريم، وحتى لا تقوم لهم قائمة.
روى عن نصار الخراساني قال: ( أدركت حجرات النبى صلى الله عليه وسلم من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت أمر الوليد بن عبد الملك بإدخال حجرات النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فما رأيت يوماً اشتد فيه البكاء أكثر من ذلك اليوم ( يقصد البكاء على تشتيت آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ).
وكان سعيد بن المسيب حياً يرزق فقال ( والله لوددت أنهم تركوها على حالها ) يعنى حجرات بيت النبى صلى الله عليه وسلم.
والحق يقال في هذه القصة: أن الوليد أمر بذلك غضباً على أبناء فاطمة رضى الله عنها، فأمر بهدم حجرة فاطمة ثم سائر حجرات بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ليتخذ من توسعة المسجد حجة يتذرع بها للنيل من أعدائه ذرية فاطمة الزهراء رضى الله عنها وكان ذلك عام 88 هـ.
وليكن معلوماً أن توسعة المسجد النبوى، سبق إليها كل من عمر وعثمان رضى الله عنهما، فكانت توسعة عمر عام 17 هـ، وتوسعة عثمان عام 24 هـ، وكلتاهما كانت من الجهة الغربية والشمالية، وتزيد توسعة عثمان من الجهة الجنوبية، أما الشرقية التى يقع فيها قبر الرسول وبيته فلم يمساها حتى لا يدخل القبر في المسجد الشريف.
ولما تم بناء المسجد جاء الوليد من دمشق إلى المدينة، وأخذ يتجول في المسجد معجباً ببنائه وبالزخرفة التى أدخلت عليه مما لم يكن للمسلمين عهد به في بناء المساجد - وإنما كان اقتباساً مما في الكنائس شاهده العمال العرب بوحى ما رأوه في الشام.
وكان أبان بن عثمان بن عفان رضى الله عنه على قيد الحياة - فأخذ الوليد بيده وطاف بالمسجد بغرور وعجب، وقال: أين بناؤنا من بنائكم؟، فكان جواب ابن عثمان بن عفان: ( لقد بنيناه بناء المساجد، وأنتم بنيتموه بناء الكنائس )..
هذه الكلمة كانت كالصاعقة في أذن الوليد، لأن بناية عمر ثم عثمان للمسجد النبوى الشريف كانت مستوحاة من جلال الإسلام، الذى يوحى بالبساطة في مساجد الله دون حمرة أو صفرة أو زخرفة وغير ذلك مما يفتن الناس ويشغلهم عن الله في الصلاة.
أما الوليد فقد استوحى زخرفة المسـجد، مما استوحته النصارى في كنائـسهم فجاء ( المسجد فتنة للمصلين، لأن الإسلام في صفائه برئ عن المظاهر الكاذبة، وبهذه المناسبة نذكر ما جاء في صحيح البخارى أن عمر رضى الله عنه لما هدم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم " وكان من اللبن" لتوسعته: جلس للبناء وقال له: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وبذا كانت المساجد في عهد الخلفاء الراشدين وخاصة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تنطق ببساطة الإسلام وقوته، ثم خلف من بعدهم خلف اهتموا بزخرفة البنيان، مع ضعف الإيمان وخضـوعاً لأمر السلطان، والله أعلم، وهو ولى التوفيق.
مصادر المقال:
1- وفاء الوفا بأخبار المصطفى للسهودى.
2- مرآة الحرمين لإبراهيم باشا رفعت.
3- البداية والنهاية لإبن كثير.
4- الرحلة الحجازية للبتانونى.
محمد على عبد الرحيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق