الاثنين، 14 ديسمبر 2009

حكم النذر على الأضرحة والأولياء ؟

من فتاوى دار الإفتاء المصرية
ما حكم النذر على الأضرحة والأولياء ؟
الجواب: النذر الذي ينذره أكثر على ما هو مشاهد كأن يكون لإنسان غائب أو مريض أو له حاجة ضرورية فيأتي بعض الصلحاء فيجعل سترة على رأسه فيقول: يا سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب كذا، من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء كذا، أو من الشمع كذا، أو من الزيت كذا، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه؛ منها أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة والعبادة لا تكون للمخلوق، ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك، ومنها إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر – اللهم إلا أن قال يا ألله إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي أو بباب الإمام الليث أو أشتري حصرًا لمساجدهم أو زيتًا لوقودها أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله عز وجل، وذكر الشيخ إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده أو جامعه فيجوز بهذا الاعتبار إذ مصرف النذر الفقراء، وقد وجد المصرف ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني غير محتاج، ولا لشريف ذي منصب لأنه لا يحل له الأخذ ما لم يكن محتاجًا فقيرًا ولا لذي النسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيرًا ولا لذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيرًا. ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق ولا ينعقد ولا تشغل الذمة به ولأنه حرام بل سحت ولا يجوز لخادم الشيخ أخذه ولا أكله ولا التصرف فيه بوجه من الوجوه إلا أن يكون فقيرًا أو له عيال فقراء عاجزون عن الكسب وهم مضطرون فيأخذونه على سبيل الصدقة المبتدأة، فأخذه أيضًا مكروه ما لم يقصد به الناذر التقرب إلى الله تعالى وصرفه إلى الفقراء بقطع النظر عن نذر الشيخ، فإذا علم هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربًا إليهم فحرام بإجماع المسلمين ما لم يقصدوا صرفه للفقراء الأحياء قولاً واحدًا. انتهى. والظاهر أن لنا أن هؤلاء العوام وإن قالوا بألسنتهم إني نذرت لله أو تصدقت فمقصدهم في الواقع ونفس الأمر إنما هو التقرب إلى الأولياء والصالحين وليس مقصدهم التقرب إلى الله تعالى وحده ولم يبتغوا بذلك وجهه، ولقد صدق حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن قراعة رحمه الله تعالى إذ يقول في رسالته التي ألفها في النذور وأحكامها ما أشبه ما يقدمون من قربان وما ينذرون من نذور وما يعتقدون في الأضرحة وساكنيها بما كان يصنع المشركون في الجاهلية وما يغني عنهم نفي الشرك عنهم بألسنتهم، وأفعالهم تنبئ عما يعتقدون من أن هؤلاء الأولياء لهم نافعون ولأعدائهم ضارون. انتهى. وقد جاء في سبيل السلام شرح بلوغ المرام ما نصه: «وأما النذور المعروفة في هذه الأزمنة على القبور والمشاهد والأموات فلا كلام في تحريمها لأن الناذر يعتقد في صاحب القبر أنه ينفع ويضر ويجلب الخير ويدفع الشر ويعافي الأليم ويشفي السقيم وهذا هو الذي كان يفعله عباد الأوثان بعينه فيحرم كما يحرم النذر على الوثن ويحرم قبضه لأنه تقرير على الشرك ويجب النهي عنه وإبانة أنه من أعظم المحرمات وأنه الذي كان يفعله عباد الأصنام، لكن طال الأمد حتى صار المعروف منكرًا والمنكر معروف». انتهى. وقد جاء في الروضة الندية وشرحها: «ومنه رأى من النذر غير الصحيح – النذر على القبور لكون ذلك ليس من النذر في الطاعة ولا من النذر الذي يبتغى به وجه الله تعالى بل قد يكون من النذر في المعصية إذا كان يتسبب عنه اعتقاد فاسد في صاحب القبر كما يتفق ذلك كثيرًا». انتهى. ولو عبر صاحب الروضة بقوله: بل هو نذر في المعصية إذ يتسبب عنه اعتقاد فاسد في صاحب القبر لكانت العبارة أوفى بما هو الواقع عند العوام – وقد أطال القول في ذلك الشوكاني في رسالته المسماة «شرح الصدور في تحريم رفع القبور»، ولولا خشية الملل لذكرناه، وما ذكرناه فيه الكفاية، مما ذكر يتبين أن نذر العوام لأرباب الأضرحة أو التصدق لهم تقربًا إليهم – وهو ما يقصده هؤلاء الجهلة مما ينذرونه أو يتصدقون به حرام بإجماع المسلمين والمال المنذور أو المتصدق به يجب رده لصاحبه إن علم، فإن لم يعلم فهو من قبيل المال الضائع الذي لا يعلم له مستحق فيصرف على مصالح المسلمين أو على الفقراء ولا يتعين فقير بصرفه إليه فليس لفقير معين ولول كان خادمًا للضريح أو قريبًا لصاحبه حق فيه قبل القبض، ومن قبض منهما شيئًا وكان فقيرًا فإنما تملكه بالقبض ولا يجوز لغني أن يتناول منه شيئًا فإذا تناول منه شيئًا لا يملكه وجب رده على مصارفه... والله سبحانه وتعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق