من فتاوى علماء الازهر حول الاضرحة والقبور
لا يجتمع مسجد وقبر في الإسلام
سُئل: ما حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور؟أجاب قائلاً: «نفيد أنه قد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنه «لا يجوز أن يُدْفَن في المسجد ميت، لا صغير ولا كبير، ولا جليل ولا غيره ؛ فإنَّ المساجد لا يجوز تشبيهها بالمقابر». [الفتاوى 2/85].وقال في فتوى أخرى: «إنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإنْ كان المسجد قبل الدَّفن غُيِّر ؛ إما بتسوية القبر، وإمَّا بنَبْشِه إنْ كان جديدًا... إلخ». [الفتاوى الكبرى 2/80].وذلك لأنَّ الدفن في المسجد إخراج لجزء من المسجد عما جُعِل له مِن صلاة المكتوبات وتوابعها مِن النَّفل والذِّكر وتدريس العلم، وذلك غير جائز شرعًا؛ ولأنَّ اتخاذ قبر في المسجد، على الوجه الوارد في السؤال، يؤدي إلى الصلاة إلى هذا القبر أو عنده، وقد وردت أحاديث كثيرة دالة على حظر ذلك.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص158) ما نصُّه: «إنَّ النصوص عن النَّبي صلى الله عليه وسلم تواترت بالنهي عن الصلاة عند القبور مطلقًا، وعن اتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها». ومِن الأحاديث ما رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجلسوا على القبور ولا تُصلُّوا إليها». [أخرجه مسلم 972].وقال ابن القيم في «زاد المعاد»: «نصَّ الإمام أحمد وغيره على أنه إذا دُفِن الميت في المسجد نُبِش». [زاد المعاد 3/572].وقال ابن القيم أيضًا: «لا يجتمع في دين الإسلام قبر ومسجد، بل أيُّها طرأ على الآخر مُنع منه وكان الحكم للسابق». [زاد المعاد 3/572].وقال الإمام النووي رحمه الله في «شرح المهذب» (5/316) ما نصه: «اتفقت نصوص الشافعية والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهورًا بالصلاة أو غيره ؛ لعموم الأحاديث، قال الشافعي والأصحاب: وتُكره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحًا أو غيره.قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفراني رحمه الله: ولا يصلَّى إلى قبر ولا عنده تبركًا به ولا إعظامًا له؛ للأحاديث». [المجموع للنووي 5/316، 317]. والله أعلم.
حرمة الصلاة في المسجد ذات القبور
وُجه إلى فضيلة الإمام الأكبر محمود شلتوت سؤال مفاده:توجد في بعض المساجد أضرحة ومقابر، فما حكم إقامتها ؟ وما حكم الصلاة إليها ؟ والصلاة فيها؟الجواب:أجاب فضيلة الشيخ محمود شلتوت- شيخ الأزهر الشريف- قائلاً:
تطهير بيوت العبادة
شُرعت الصلاة في الإسلام لتكون رباطًا بين العبد وربه، يقضي فيها بين يديه خاشعًا ضارعًا يناجيه، مستشعرًا عظمته، مستحضرًا جلاله، ملتمسًا عفوه ورضاه ؛ فتسمو نفسه، وتزكو روحه، وترتفع همته في ذل العبودية والخضوع لمولاه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].وكان مِن لوازم ذلك الموقف، والمحافظة فيه على قلب المصلي، أن يُخلص قلبه في الاتجاه إليه سبحانه، وأن يُحال بينه وبين مشاهد من شأنها أن تبعث في نفسه شيئًا من تعظيم غير الله، فيُصرف عن تعظيمه إلى تعظيم غيره، أو إلى إشراك غيره معه في التعظيم.ولذلك كان من أحكام الإسلام فيما يختص بأماكن العبادة تطهيرها من هذه المشاهد: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125]، وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26]، إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّـهَ [التوبة: 18]، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا [الجن: 18]
واجب المسلمين نحو الأضرحة
وإذا كان الافتتان بالأنبياء والصالحين، كما نراه ونعلمه شأن كثير من الناس في كل زمان ومكان، فإنه يجب- محافظة على عقيدة المسلم- إخفاء الأضرحة من المساجد، وألا تُتَّخذ لها أبواب ونوافذ فيها، وبخاصة إذا كانت في جهة القبلة، فيجب أن تُفصل عنها فصلاً تامًا بحيث لا تقع أبصار المصلين عليها، ولا يتمكنون من استقبالها وهم بين يدي الله، ومن باب أَوْلى يجب منع الصلاة في نفس الضريح، وإزالة المحاريب من الأضرحة.وإن ما نراه في المساجد التي فيها الأضرحة، ونراه في نفس الأضرحة، لما يبعث في نفوس المؤمنين سرعة العمل في ذلك، وقاية لعقائد المسلمين وعباداتهم من مظاهر لا تتفق وواجب الإخلاص في العقيدة والتوحيد، ومن هنا رأى العلماء أنَّ الصلاة إلى القبر أيًا كان محرمة، ونهي عنها، واستظهر بعضهم بحكم النهي بطلانها ؛ فليتنبه المسلمون إلى ذلك، وليسرع أولياء الأمر في البلاد الإسلامية إلى إخلاص المساجد لله كما قال الله: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا [الجن: 18].
لا تتخذوا القبور مساجد
والإسلام مِن قواعده الإصلاحية أن يسد بين أهله ذرائع الفساد، وتطبيقًا لهذه القاعدة صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكُم عن ذلك». [أخرجه مسلم 532].نهى الرسول صلى الله عليه وسلم وشدد في النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وذلك يصدق بالصلاة «إليها»، والصلاة «فيها»، واشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن ذلك كان سببًا في انحراف الأمم السابقة عن إخلاص العبادة لله، وقد قال العلماء: إنه لما كثُر المسلمون، وفكر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في توسيع مسجده، وامتدت الزيادة إلى أن دخلتْ فيه بيوت أمهات المؤمنين، وفيها حجرة عائشة- مدفن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر- فبنوا على القبر حيطانًا مرتفعة تدور حوله مخافة أن تظهر القبور في المسجد فيصلي إليها الناس، ويقعوا في الفتنة والمحظور.
تحريم إقامة الأضرحة وتشييد القبور
تلقت لجنة الفتوى بالأزهر السؤال التالي:دُفن «شخص» بطابق علوي ودفن قبلاً والده بالطابق الأرضي من المقبرة، ويُراد نقل الأول إلى مقام شُيِّد له، وبالأرض رطوبة ضاربة بالجدران ظاهرة للعيان حتى إنَّ الجدران لا تُمسِك مواد البناء فيها (الأسمنت)، فهل من أئمة المسلمين من يجيز نقل الميت بعد دفنه؟الجواب: اطَّلَعت اللجنة على هذا، وتفيد: بأنه إذا كان الحال كما ذكر به جاز نقل هذا الميت إلى مكان آخر، ولكن لا يجوز شرعًا نقله على ضريح أو قبة كما يصنعه بعض النَّاس لمن يعتقدون فيه الولاية والصلاح؛ فإن هذا نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى مُسلم وغيره عن أبي هياج الأسدي «حيان بن حصين» عن عليّ رضي الله عنه قال: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته». [أخرجه مسلم 969].وعن جابر رضي الله عنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبرُ وأن يُقعد عليه وأن يُبنى عليه». رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.ولفظه- أي: الترمذي-: «نهى أن يبنى على القبر أو يزداد عليه أو يجصص أو يكتب عليه».قال الشوكاني في شرحه للحديث الأول: ومِن رفع القبور الدَّاخل تحت الحديث دخولاً أوليًا: القُبَبُ والمشاهدُ المعمورةُ على القبور. إلى أن قال: وكم سَرَى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجَهَلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام: وعَظُم ذلك، فظنَّوا أنها قادرةٌ على جَلْب النفع ودفع الضَّرر، فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج، وملجأً لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدُّوا إليها الرِّحال، وتمسَّحوا بها واستغاثوا.وجملة القول: أنَّ اللجنة ترى تحريم نقل هذا الميت إلى ضريح أو قبر ذي قبة؛ للأحاديث التي ذكرها الشوكاني وغيره، وهي مفاسد تمس العقيدة وتخل بالإيمان الصحيح.
حرمة رفع البناء والقباب على القبور
سُئل (الشيخ: عبد المجيد سليم- رحمه الله): «وقفت امرأة وقفًا، وقررت أن يُعمل من إيراد الوقف تركيبتان من الرخام تُوضع إحداهما فوق قبرها والأخرى فوق قبر زوجها، وقد سمع القائم بتنفيذ الوصية أن هذا الفعل محرم وغير جائز شرعًا، فما الحكم»؟الجواب: اعلم أنه يحرم رفع البناء على القبر ولو للزينة، ويكره للإحكام بعد الدفن، بل تكره الزيادة العظيمة مِن التراب على القبر؛ لأنه منهي عنه؛ لما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر وأن يُبني عليه»। انتهى، الدر المختار وحاشيته।وفي «الفتاوى الهندية»: «وإذا أوصى بأن يطيّن قبره أو توضع على قبره قبة فالوصية باطلة إلا أن يكون في موضع يحتاج إلى التطيين لخوف سَبع أو نحوه»।وبناءً على ذلك فوضع التركيبتين لا يجوز شرعًا، ومتى كان الأمر كذلك بطل شرط الواقفة شراءهما بالمبلغ الذي عينته، ووجب صرف هذا المبلغ إلى الفقراء ؛ لأن ما بطل صرفه إلى الجهة التي عينها الواقف صُرف إلى الفقراء، وهذا إذا لم يكن في حجة الوقف التي لم يرسلها المستفتي إلينا ما يقضي بصرفه في جهة أخرى غير الفقراء، والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق