فضائل وآداب شهر الله المحرم
بقلم د جمال المراكبى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فإن الله سبحانه وتعالى فضل بعض الأيام والشهور على بعض، فخير الأيام عند الله يومُ النحر، وهو يومُ الحج الأكبر كما في «السنن» عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ» وقيل يومُ عرفة أفضلُ منه، وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي قالوا لأنه يومُ الحج الأكبر، وصيامُه يكفر سنتين، ومَا مِنْ يَوْمٍ يَعْتِقُ اللهُ فيه من الرقاب مثل يوم عرفة وكذلك فضل عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، فإنَّ أيامه أفضلُ الأيامِ عند الله، وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالح فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هذه الأيَّامِ العَشْرِ» قَالُوا وَلاَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ «وَلاَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ» رواه ابن حبان والبيهقي، وصححه الألباني وهي الليالي العشر التي أقسم الله بها في كتابه بقوله «وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ» الفجر ، ولهذا يُستحب فيها الإِكثارُ من التكْبِير والتهليل والتحميدِ، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأكْثرُوا فِيهِنَّ مِنَ التكْبِيرِ وَالتَّهْلِيل وَالتَحْمِيدِ» وَمِنْ ذَلك تفضيلُ شهر رمضان على سائر الشهور، وتفضيلُ عشرِهِ الأخير على سائر الليالي، وتفضيلُ ليلة القدر على ألف شهر هذا وقد فضل الله شهر المحرم بأن نسبه إليه وجعله شهرا حراما وجعل الصيام فيه أفضل من غيره من الشهور بعد الفريضة قال الله تعالى «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» التوبة ، وقد أجمع العلماء على أن الأشهر الأربعة المذكورة هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقد اختلف في الابتداء بعددها فذهب أهل المدينة إلى أنه يبتدأ بذي القعدة فيقال ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ويحتجون على ذلك بأن النبي عدها في خطبة حجة الوداع كذلك فقال السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واختاره أبو جعفر النحاس وذهب أهل الكوفة إلى أنه يبتدأ بالمحرم فيقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة ليأتوا بها من سنة واحدة وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم عليه من الضلال والكفر يعظمون هذه الأشهر ويحرمون القتال فيها حتى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه إلى أن حدث فيهم النسيء فكانوا ينسئون المحرم فيؤخرونه إلى صفر فيحرمونه مكانه وينسئون رجبًا فيؤخرونه إلى شعبان فيحرمونه مكانه ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم واعلم أنه يجوز أن يضاف لفظ شهر إلى جميع الأشهر فيقال شهر المحرم وشهر صفر وشهر ربيع الأول وكذا في البواقي على أن منها ثلاثة أشهر لم تكد العرب تنطق بها إلا مضافة إليها وهي شهرا ربيع وشهر رمضان ويؤيد ذلك في رمضان ما ورد به القرآن من إضافته قال تعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ» البقرة ويقال في المحرم أيضًا شهر الله المحرم ويقال في الربيعين ربيع الأول وربيع الآخر وفي الجمادين جمادى الأولى وجمادى الآخرة قال النحاس وإنما قالوا ربيع الآخر وجمادى الآخرة ولم يقولوا ربيع الثاني وجمادى الثانية كما قالوا السنة الأولى والسنة الثانية لأنه إنما يقال الثاني والثانية لما له ثالث وثالثة ولما لم يكن لهذين ثالث ولا ثالثة قيل فيهما الآخر والآخرة كما قيل الدنيا والآخرة ويقال في رجب الفرد لانفراده عن بقية الأشهر الحرم ويقال فيه أيضا رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ويقال في شعبان المكرم لتكرمته وعلو قدره، وفي رمضان المعظم لعظمته وشرفه، وفي شوال المبارك للفرق بينه وبين شعبان خشية الالتباس في الكتابة، ويقال في كل من ذي القعدة وذي الحجة الحرام كما قال النبي في خطبة عرفة «أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال أليس يوم الحج الأكبر؟ قلنا بلى ثم قال أي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال أليس شهر الله المحرم ؟ قلنا بلى»
صوم المحرم
عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، عن النبي قال «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» رواه مسلم قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ، يَحْتَمِل أَنْ يُقَال إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص، وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه تَعَالَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم وقال البغوي نسبه إلى نفسه على جهة التعظيم مع أن الشهور كلها لله، كما قال الله سبحانه وتعالى «نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا» الشمس وكان سفيان بن عيينة يقول في قوله عز وجل «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ» الأنفال ، نسب المغنم إلى نفسه لأنه أشرف الكسب، ولم يقل ذلك في الصدقة، فقال «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» التوبة ولم يقل لله، لأنها أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها قال ابن رجب ولما كان هذا الشهر مختصاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى، ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام وقال السيوطي سئلت لم خص المحرم بقولهم شهر الله دون سائر الشهور مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان ووجدت ما يجاب به أن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور فإن أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول، والذي بعده صفر الثاني فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم فأضيف إلى الله بهذا الاعتبار وهذه الفائدة لطيفة رأيتها في الجمهرة قال القرطبي إنما كان صوم المحرم أفضل الصيام من أجل أنه أول السنة المستأنفة فكان استفتاحها بالصوم الذي هو أفضل الأعمال فإن قلت قد ثبت إكثار النبي من الصوم في شعبان وهذا الحديث يدل على أن أفضل الصيام بعد صيام رمضان صيام المحرم، فكيف أكثر النبي منه في شعبان دون المحرم ؟ قلت لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما كذا نقله النووي رحمه الله في شرح مسلم عن القرطبي قال ابن رسلان فإن قيل كيف كان رسول الله يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم فالجواب أن جماعة أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم، كما قال النووي أفضل الشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم، وأفضلها المحرم، ويلي المحرم في الفضل رجب، والأظهر كما قال بعض الشافعية والحنابلة وغيرهم أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان شعبان لمحافظته على صومه أو صوم أكثره فيكون قوله أفضل الصيام بعد رمضان المحرم محمولا على التطوع المطلق وكذا أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن والرواتب التي قبل الفرض وبعده خلافا لبعض الشافعية، فكذلك ما كان قبل رمضان أو بعده من شوال تشبيهًا له بالسنن والرواتب اهـ فمن أحب أن يصوم أفضل الصيام بعد شهر رمضان، فعليه أن يصوم في شهر الله المحرم، فصوم يوم من هذا الشهر أفضل من صوم أي يوم من أيام العام، ولا يُفهم من هذا القول أنه يُلغي أو يُبطل أفضلية صيام ما ورد الشرع بذكره والتنويه به وبيان فضله، مثل صيام الأيام البِيض، أو صيام يومي الاثنين والخميس، أو صيام يوم عرفة، فالتنويه بشيء ليس بالضرورة ملغيًا فضيلة غيره ثم إن قولنا إن الصيام في المحرَّم أفضل الصيام، يعني تفضيل شهر المحرم في الصوم على غيره من الأشهر على العموم، ويبقى التنويه بأنواعٍ من الصيام على حاله من الفضل، وفي العاشر من هذا الشهر يومُ عاشوراء وصيامُه يكفِّر السنة التي قبله
أحاديث في فضل الصوم في هذا الشهر
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم» وعنه رضي الله عنه يرفعه «قال سُئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان ؟ فقال أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم» عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال «سأله رجل فقال أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ فقال له ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلاً سمعتُه يسأل رسول الله وأنا قاعد عنده فقال يا رسول الله أيَّ شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال إن كنتَ صائماً بعد شهر رمضان، فصم المحرَّم فإنه شهر الله فيه يومٌ تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على قومٍ آخرين» رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وأقرَّ المنذري تحسين الترمذي له ورواه أحمد بلفظ عن علي قال «أتى النبَّي رجلٌ فقال يا رسول الله أخبرني بشهرٍ أصومُه بعد رمضان ؟ فقال رسول الله إن كنتَ صائماً شهراً بعد رمضان فصم المحرَّم، فإنه شهر الله، وفيه يوم تاب فيه على قوم، ويُتاب فيه على آخرين»
حدث في شهر الله المحرم
نجاة موسى ومن معه من المؤمنين من فرعون فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدم المدينة، ووجد اليهود يصومون يوم العاشر من المحرم، فسألهم لماذا تصومون؟ قالوا إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، فنصومه شكراً لله، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «نحن أولى بموسى منكم»، ثم صامه وأمر بصيامه سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى طليحة الأسدي سنة هـ وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات سرية محمد بن مسلمة قبل نجد، وهي التي أسر فيها ثمامة بن أثال سنة هـ وكانت أول سرية بعد الفراغ من الأحزاب وقريظة، وكان عدد قوات هذه السرية ثلاثين راكباً خروجه إلى خيبر سنة هـ زواجه بصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وفاة أبي قحافة التيمي والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما سنة هـ وفاة مارية أم إبراهيم بن رسول الله سنة هـ قتل الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة، العاشر من المحرم، سنة هـ
بداية التاريخ الهجري
اتفق المسلمون على أن يكون هذا الشهر هو افتتاح السنة، وذلك أن الناس فيما سبق حتى في أول عهد الإسلام كانوا لا يؤرخون، فأمة العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ربما يؤرخون مثلاً بعام الفيل، فيقولون هذا حصل عام الفيل، لكن في عهد عمر رضي الله عنه عندما اتسعت رقعة الإسلام شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وصارت الرسائل تأتيه، ويشتبه عليه هل هذه الرسالة قبل الرسالة الأخرى أو بعدها؟ قال لا بد من تاريخ، فتشاوروا كعادتهم في النوازل من أين نبدأ التاريخ ؟ هل من مولد النبي عليه الصلاة والسلام، أو من بعثته، أو من هجرته؟ إن بدأ من مولده صار المسلمون أتباعاً للنصارى؛ لأن النصارى ابتدءوا التاريخ من مولد عيسى، والمسلمون أمة مستقلة، ذات طابع خاص،وكيان خاص متميزة عن غيرها قالوا إذاً نبدأ من البعثة؛ لأن ببعثته بدأ النور ينزل على هذه الأمة «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً» النساء فيكون من البعثة، ولكن البعثة لم يظهر فيها للإسلام دولة، ونحن نريد أن نؤرخ تاريخاً خاصاً بدولة الإسلام، والدولة لم تكن إلا بعد الهجرة، فإنه بعد الهجرة صار للأمة الإسلامية بلد خاص مستقلٌ قالوا إذاً يكون ابتداء التاريخ من الهجرة التي تكونت بها الدولة الإسلامية ثم اختلفوا اختلافاً آخر قالوا من أي الشهور؟ قال بعضهم من شهر رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وقال آخرون بل من شهر ربيع الأول؛ لأن ربيعًا الأول هو الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الذي كانت فيه هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الشهر الذي توفي فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن يخشى أن يكون هذا ذكرى لوفاته، ثم اختاروا أن يكون ابتداء التاريخ من المحرم؛ لأنه الذي ينصرف فيه المسلمون من أداء آخر أركان الإسلام وهو الحج، فكأن شهر ذي الحجة به تمام الأركان، فبدأوا التاريخ من شهر المحرم
عاشوراء بين السنة والبدعة
أولاً صوم عاشوراء
روى البخاري في صحيحه، باب صوم عاشوراء عن عائشة رضي الله عنها قالت «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه» وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال «قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال «ما هذا؟» قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه وعن أبي موسى رضي الله عنه قال كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدًا قال النبي «فصوموه أنتم» وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال «ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان» وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال «أمر النبي رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء» وعن إِسْمَاعِيلُ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما يَقُولُ حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» قال الحافظ في الفتح الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية، وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذًا من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عِشرًا، بكسر العين وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج انتهيت إلى بن عباس وهو متوسد رداءه فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائمًا قلت أهكذا كان النبي يصومه؟ قال نعم وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع لكن قال الزين بن المنير قوله إذا أصبحت من تاسعة فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من تاسعة إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة قلت ويقوى هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضًا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي قال «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» فمات قبل ذلك، فإنه ظاهر في أنه كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح وبه يشعر بعض روايات مسلم ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذلك، فوافقهم أولاً، وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم، ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ أمرنا رسول الله بصيام عاشوراء يوم العاشر، وقال بعض أهل العلم قوله في صحيح مسلم لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم فلما توفي قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر، والله أعلم
ثانيا بدع عاشوراء
قال ابن رجب وكل ما رُوىَ في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح وأما التوسعة فيه على العيال فقال حرب سألت أحمد عن الحديث الذي جاء «من وسع على أهله يوم عاشوراء» فلم يره شيئا وقال العقيلي هو غير محفوظ وقد روي عن عمر من قوله وفي إسناده مجهول لا يعرف وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم والله سبحانه وتعالى يعلم أننا نحب الحسين ونتولاه في الدنيا والآخرة ونحب كل آل بيت رسول الله ونعلم أن الحسين قُتل شهيداً مظلوماً، ونبرأ إلى الله عز وجل ممن قتله، ونبرأ كذلك من منهج أهل الضلالة الذين يتاجرون بدم الحسين وهو منهم ومن منهاجهم براء والله من وراء القصد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق