مستفاد من كتاب الإبداع فى مضار الابتداع
يوم عاشوراء بين السنة والبدعة
الشيخ / على محفوظ رحمه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:فإن السنة في يوم عاشوراء الصيام فحسب باتفاق العلماء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله عز وجل بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. زاد مسلم في روايته: شكرًا لله تعالى، فنحن نصومه. وعند البخاري في الهجرة: ونحن نصومه تعظيمًا له، قال: «فأنا أحق بموسى منكم». فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. [متفق عليه].وليس صيامه صلى الله عليه وسلم له تصديقًا لليهود بمجرد قولهم، بل كان يصومه مع قريش ؛ لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه». أي على عادته، «وأمر بصيامه»، في أول السنة الثانية، فإن قدومه بلا ريب كان في ربيع الأول.والأحقية باعتبار الاشتراك في الرسالة والأخوة في الدين والقرابة الظاهرة دونهم، ولأنه أطوع وأتبع للحق منهم ويستحب أيضًا صوم تاسوعاء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لئن عشتُ إلى قابل لأصومن التاسع». (رواه مسلم).ومما جاء في الترغيب في صوم عاشوراء ما جاء في مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام يوم عاشوراء ؟ فقال: «يكفر السنة الماضية».
ما يقع من الناس في يوم عاشوراء
ومع وضوح هذه السنة وصحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع من الناس في هذا اليوم كثير من البدع، منها ما لا أصل له، ومنها ما يبنى على أحاديث موضوعة أو ضعيفة।فمن ذلك: اعتبارهم له عيدًا كالأعياد المرسومة للمسلمين بالتوسعة واتخاذ الأطعة الخاصة به، وهذا من تلبيس الشيطان على العامة، فقد ثبت أن يهود خيبر هم الذين اتخذوه عيدًا وكانت تصومه.روى مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم». (مسلم 1131).و«شارتهم» بالشين المعجمة بلا همز وهي الهيئة الحسنة والجمال: أي يلبسونهم لباسهم الحسن الجميل، فأمرنا الشارع الحكيم بمخالفة يهود خيبر فيه بصوم يوم قبله أو بعده، قال الإمام الشافعي- رحمه الله-: أخبرنا سفيان أنه سمع عبد الله بن أبي زيد يقول: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: «صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود» أي: في إفراد العاشر بالصوم، واتخاذه عيدًا، وفي رواية له عنه: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا». [ضعيف الجامع: 3506].ولذا قال في «الأم» و«الإملاء» باستحباب صوم الثلاثة، ولم يشرع فيه توسعة في مطعم ولا غيره لهذه المخالفة، وحديث التوسعة لا أصل له كما سيأتي.ومن ذلك: الاغتسال والاكتحال، وما رُوِي في الترغيب فيهما لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عباس رفعه: «من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدًا». [ضعيف الجامع: 5467]، وهو موضوع، وضعه قتلة الحسين رضي الله عنه، قال الإمام أحمد رحمه الله: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر وهو بدعة، وما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل وتطهر يوم عاشوراء لم يمرض في سنته إلا مرض الموت». وضعه أيضًا قتلة الحسين رضي الله عنه.ومن ذلك: صلاة ركعات بهيئة مخصوصة ليلتها ويومها، ورواية أبي هريرة رضي الله عنه: «من صلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة: الْحَمْدُ لِلَّهِ مرة، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحدى وخمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين عامًا ». (لا أصل له). لم تثبت صحتها، وإليك بيان منشأ هذه الأحاديث إجمالاً وتفصيلاً:لقد أحدث الشيطان الرجيم بسبب قتل الحسين رضي الله عنه بدعتين:الأولى: الحزن والنوح واللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي، وما إلى ذلك من سب السلف ولعنهم وإدخال البريء مع المذنب، وقراءة أخبار مثيرة للعواطف مهيجة للفتن وكثير منها كذب، وكان قصد من سن هذه السنة السيئة في ذلك اليوم فتح باب الفتنة والتفريق بين الأمة، وهذا غير جائز بإجماع المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة وتجديد ذلك للمصائب القديمة من أفحش الذنوب وأكبر المحرمات.الثانية: بدعة السرور والفرح واتخاذ هذا اليوم عيدًا تُلبس فيه ثياب الزينة ويُوسع فيه على العيال، فكل هذا من البدع المكروهة.والتوسعة وإن كانت مشروعة في الجملة لكن احتف بها ما يقرب من اعتقادها دينًا، فعلى المرشد أن يكون في بيان ذلك حكيمًا حتى لا يكون مثيرًا للفتنة.وذلك أنه كان بالكوفة قوم من الشيعة يغلون في حب الحسين رضي الله عنه وينتصرون له، رأسهم المختار بن عبيد الكذاب الرافضي الذي ادعى النبوة، وقوم من الناصبة يبغضون عليًا وأولاده، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في ثقيف كذاب ومبير». (مسلم 2545).«والمبير: المسرف في إهلاك الناس، يقال: بار الرجل يبور بورًا، فهو بائر هالك، وأبار غيره: أهلكه». فكان ذلك الشيعي هو الكذاب وهذا الناصبي هو المبير، فأحدث أولئك الحزن وهؤلاء السرور، ورووا: «أنَّ مَنْ وسع على عياله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته». (ضعفه الألباني في المشكاة (1926).وقد سُئل الإمام أحمد عن هذا الحديث ؟ فقال: لا أصل له، وليس له سند إلا ما رواه ابن عيينة عن ابن المنتشر وهو كوفي سمعه ورواه عمن لا يعرف، وممن قال: إن حديث التوسعة موضوع الإمام ابن الجوزي عالم الآفا ق وواعظ العراق، ورووا: «أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام، وأن من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام».(ضعيف الجامع 5467).فصار قوم يستحبون في هذا اليوم الاغتسال والاكتحال والتوسعة على الأهل، وهذه كلها بدع أصلها من خصوم الحسين رضي الله عنه، كما أن بدعة الحزن وما إليه من أحبابه، والكل باطل وبدعة وضلالة.قال العلامة ابن أبي العز الحنفي: إنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء غير صومه، وإنما الروافض لما ابتدعوا المأتم وإظهار الحزن يوم عاشوراء لكون الحسين رضي الله عنه قُتل فيه ابتدع جهلة أهل السنة إظهار السرور واتخاذ الحبوب والأطعمة والاكتحال، ورووا أحاديث موضوعة في الاكتحال والتوسعة على العيال، وقد جزم الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» بوضع حديث الاكتحال وتبعه غيره منهم مثلاً على القاري في كتاب «الموضوعات»، ونقل الحافظ السيوطي في «الدرر المنتثرة» عن الحاكم أنه منكر، وقال العجلوني في «كشف الخفاء ومزيل الإلباس»، قال الحاكم أيضًا: الاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر وهو بدعة. اهـ.وجملة القول: لم يستحب أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم شيئًا من ذلك لعدم الدليل الشرعي، بل المستحب يوم عاشوراء عند جميع العلماء هو صومه مع صوم يوم قبله كما عرفت.والله أعلم.
المصدر : مجلة التوحيد عدد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق