الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

ضرب الزوجات ضوابط ومحاذير


ضرب الزوجات ضوابط ومحاذير
عبد الرحمن جمال المراكبي
ديننا الإسلامي الحنيف دين يحث على الألفة والمحبة والعشرة بالمعروف والآيات والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى : ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )) (النساء:19) . وقوله عز وجل :(( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ )) ( البقرة:228) وقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بالنساء والإحسان إليهن ، والصبر على عوجهن فقال في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه : " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لم يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " [ البخاري : 4890 - مسلم : 1468] وروى مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنة إن كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخَرَ " [ مسلم : 1469 ] . وفي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم : " اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " [ مسلم : 1218] وقال صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وقال ابن عباس رضي الله عنهما " إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تزين لي لأن الله عز وجل يقول : (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ )) وما أحب أن أستوفي جميع حقي عليها لأن الله عز وجل يقول : (( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )) " . [ رواه البيهقي 7/295]. ولكن في ظل غياب التوجيهات الإسلامية عن واقع المسلمين ، وانتشار مفاهيم خاطئة عن معنى الرجولة والقوامة نسمع ونقرأ بين الفينة والأخرى عن ضرب الأزواج لزوجاتهم بل وضرب الزوجات لأزواجهن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . لقد شرع الله سبحانه وتعالى للزوج أن يقوم بتأديب زوجته الناشز بوسائل تأديب محدودة ومحددة من أجل تهذيبها وإصلاحها، وقد سلك القرآن الكريم في علاج نشوز المرأة طريقًا حكيمًا مستورًا، فلم يكن ضرب الأزواج لزوجاتهم كل العلاج ولا أوله، وإنما كان واحدًا من طرق العلاج بل كان آخرها ، قال تعالى : (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً )) [النساء: 34] ففي الآية الكريمة نص ٌصريح على أنه في حالة نُشُوز الزوجة وعدم طاعتها لزوجها وأداء حقوقه يحق للزوج تأديبها حتى تطيعه ، والتأديب كما حددته الآية الكريمة يتم على ثلاث مراحل : الوعظ، ثم هجر المضجع، ثم الضرب ؛ فعلى الزوج أن يبدأ في وعظ زوجته بالرفق واللين وذلك بأن يذكرها بما أوجبه الله عليها من حقوق ، ويخوفها من عقاب الله تعالى في حالة أنها عصته ولم تؤد حقوقه ؛ فإن لم تستجب الزوجة فللزوج الحق في أن يعظها بشيء التعنيف والتهديد . فإذا لن تستجب الزوجة ينتقل الزوج إلى المرحلة الثانية من مراحل التأديب ألا وهي : الهجر في المَضْجع ، وجدير بالذكر هنا أنه لا يجوز للزوج أن يهجر بيت الزوجية لحديث حَكِيمِ بن مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عن أبيه رضي الله عنه قال : قلت : يا رَسُولَ اللَّهِ ما حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عليه ؟ قال : " أَنْ تُطْعِمَهَا إذ طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ أو اكْتَسَبْتَ ولا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ولا تُقَبِّحْ ولا تَهْجُرْ إلا في الْبَيْتِ ". فإذا لن تستجب الزوجة ينتقل الزوج إلى المرحلة الثالثة ألا وهي : الضرب شريطة أن يكون قصد الزوج من ذلك هو تأديب زوجته وتقويمها لا التشفي والانتقام منها ، فليس المقصود بالضرب إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها أو يشوه وجهها أو أن يكسر ضلعها ، أو أن يسبب لها عاهة، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة ، فالضرب علاج لمرض ، فإذا ذهب المرض فلا حاجة للعلاج أصلاً ، وقد جعل القرآن الكريم الضربَ آخر الوسائل الإصلاحية التي يملكها الرجل وبذلك كان كالدواء الأخير الذي لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة ، ويجب ألا يكون الضرب مبرحاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فاضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضرباً غير مبرح"، وذلك بأن يضربها بسواك أو منديل أو نحوه ، وقد سُئل ابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال : السواك وشبهه يضربها به . رواه ابن جرير 5/68 ويحرم عليه ضرب الوجه ولا يحل له أن يضربها أكثر من عشر ضربات بحال من الأحوال لحديث أَبَي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إلا في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ " [البخاري : 6458 - مسلم : 1708] . ولا شك أن الترفع عن الضرب أفضل وأكمل إبقاء للمودة والألفة بين الزوجين ، فخيار الرجال لا يضربون نساءهم ، ويحضرني هنا قول شريح القاضي رحمه الله تعالى وقد تزوج من امرأة من بني تميم يقال لها زينب :
رأيت رجالا يضربون نساءهم فشلَّـت يميني حين أضرب زينبـا أأضربها من غير ذنب أتت به فما العدل مني ضرب من ليس مذنبا
[ تاريخ دمشق 23/52 ]
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فإنه بأبي هو وأمي ما ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما ضرب امرأة ولا خادماً قط [ البخاري : 4658] بل إنه لما طلب نساؤه منه زيادة النفقة جلس صلى الله عليه وسلم مهموماً غاضباً ، فلما دخل عليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ورأوه على هذا الحال وعرفا سبب غضبه صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها، وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة، كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده. فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضربهما . وقد روي أن رجلا جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعا وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته ـ وهو أمير المؤمنين ـ فكيف حالي ؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقال : ما حاجتك يا رجل ؟ فقال يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت : إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي ؟ فقال عمر : يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي : إنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا احتملتها لذلك ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر : فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة .
فنصيحتي للأزواج : أن يتقوا الله في زوجاتهم ، ويرفقن بهن ، فإنهن شقائق الرجال ،وأمهات الأجيال ، ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم ، فلنتغاضى ونتغافل أحياناً حتى تستمر الحياة في سعادة هانئة لا تكدرها صغائر الأمور ، ولله در القائل :

ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي

الاثنين، 28 ديسمبر 2009

العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله - يفوز بالجائزة التقديرية لخدمة السنة النبوية في جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود التقديرية لخدمة السنة النبوي

العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله - يفوز بالجائزة التقديرية لخدمة السنة النبوية في جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود التقديرية لخدمة السنة النبوية في دورتها الثانية

فاز العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله - بالجائزة التقديرية لخدمة السنة النبوية في جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود التقديرية لخدمة السنة النبوية في دورتها الثانية وهي جائزة عالمية تقديرية تمنح بصفة دورية كل عامين في مجال من مجالات خدمة السنة النبوية .

وتهدف الجائزة إلى :

1) تكريم أصحاب الجهود المتميزة في خدمة السنة النبوية

2) تشجيع الباحثين وترغيبهم في خدمة السنة النبوية وتحقيقا وتدريسا وتقنية .

3) تعريف الأجيال بالجهود المعاصرة والمتميزة في خدمة السنة النبوية .

وتسلم الجائزة سعود بن أحمد محمد نجل الشيخ رحمه الله

والجائزة عبارة عن : 1) شهادة استحقاق . 2) درع يحمل شعار الجائزة .3) مبلغ نقدي مقداره (200,000ريال ) فقط مئتي ألف ريال .

وفيما يلي السيرة الذاتية لفضيلة العلامة الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى -

الاسم : الشيخ أحمد بن محمد عبد القادر (معروف بأحمد شاكر)

الميلاد : 1309هـ ـ 1892م مكان الميلاد : القاهرة ـ جمهورية مصر العربية . تعليمه : ـ حفظ القرآن في صغره , ودرس التفسير والفقه والحديث والأدب . ـ تتلمذ على يد عدد من العلماء في عصره , ودرس الفقه والحديث . ـ درس في كلية (غوردن) في السودان عندما صحب والده الذي تولى القضاء في السودان . ـ درس في المعهد الأزهري (معهد العلوم الشرعية واللغوية) . ـ قرأ على والده : تفسير البغوي والنسفي , وصحيح مسلم , وسنن الترمذي , وكتاب الشمائل للترمذي , وجمع الجوامع في أصول الفقه , وكتاب الهداية في فقه الأحناف . ـ حصل على الشهادة العالمية من الأزهر سنة1917م . ـ تتلمذ أثناء دراسته في الأزهر على يد العديد من علمائه في ذلك العصر . اهتمامه بعلم الحديث : عني الشيخ أحمد شاكر بعلم الحديث , واهتم بتحقيق عدد من كتب السنة , وشرحها . ولم تقف جهوده العلمية على علم الحديث فقط بل عني الشيخ أيضاً بكتب التفسير والكتب الأدبية ذات المستوى الرفيع , وكتب الشعر والشعراء . أنشطته وخبراته : ـ عمل أميناً للفتوى بالأزهر . ـ تولى القضاء إلى عام 1951 م ثم عُين رئيساً للمحكمة الشرعية العليا . ـ عُين في منصب قاضي القضاة بالسودان . ـ عُين شيخاً لعلماء الإسكندرية سنة 1332هـ . ـ اختير وكيلاً لمشيخة الجامع الأزهر سنة 1327هـ . جهوده العلمية : تدور جهوده العلمية حول محورين هما: 1) العناية بالتراث العربي الإسلامي ونشره . 2) كتابة البحوث والرسائل العلمية . وقد عني بالجانب الأول عناية شديدة . أبرز مؤلفات الشيخ أحمد شاكر : ـ تحقيق مسند الإمام أحمد بن حنبل , إذْ أخرج منه خمسة عشر جزءاً، فقد رقم أحاديثه وعلٌق عليها وخرّجها وحكم عليها صحة وضعفاً. ـ تحقيق (كتاب الرسالة) للشافعي . ـ تحقيق جزأين من سنن الترمذي . ـ إخراج الجزء الأول من صحيح ابن حبان . ـ تحقيق تهذيب سنن أبي داود (مشاركة مع الشيخ محمد الفقي). ومن جهوده في إخراج كتب الأدب والشعر : ـ أخرج كتاب (الشعر والشعراء) لابن قتيبة . ـ أخرج كتاب(لباب الأدب) لأسامة بن منقذ . ـ أخرج كتاب(المعرب) للجواليقي . ـ تحقيق"المفضليات" للمفضل الضبي و "الأصمعيات" للأصمعي مشاركة مع الأستاذ عبد السلام هارون . جهوده في التأليف : ـ نظام الطلاق في الإسلام . ـ الكتاب والسنة . ـ كلمة حق . ـ عمدة التفسير , وهو اختصار لتفسير ابن كثير . ـ الباعث الحثيث وهو شرح اختصار علوم الحديث . ـ (شرح نخبة الفكر) لابن حجر . ـ أبحاث في أحكام . ـ الشرع واللغة ـ تحقيق تفسير الجلالين مشاركة مع أخيه الشيخ علي شاكر . ـ تحقيق (جماع العلم) للشافعي . ـ تحقيق (الكامل) للمبرّد . ـ تحقيق (المحلي) و (الأحكام في أصول الأحكام ) لابن حزم . وفاته : توفى الشيخ رحمه الله تعالى في ذي القعدة سنة 1377هـ .

الدكتور جمال المراكبي ضيف شرف جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة

الدكتور جمال المراكبي ضيف شرف جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة
رعى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس الهيئة العليا لجائزة نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة مساء اليوم ، فعاليات الحفل الختامي للجائزة في دورتها الرابعة ، وجائزة الأمير نايف بن عبد العزيز التقديرية لخدمة السنة النبوية وعلومها في دورتها الثانية بمشاركة أكثر من 150 شخصية عالمية . وقد كان من بين ضيوف شرف الجائزة رئيس مجلس علماء أنصار السنة المحمدية بجمهورية مصر العربية فضيلة الدكتور جمال المراكبي ، وكذلك فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي ، والرئيس السابق لجامعة الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم ، ونائب رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة فضيلة الشيخ محمد يسري . كما كان من بين الضيوف أيضاً : فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين ، وفضيلة مفتي القدس ، وفضيلة الشيخ طارق العيسى رئيس جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت ، والشيخ عادل المعاودة عضو مجلس الشورى بالبحرين ، والشيخ أرشد مدني رئيس جمعية علماء الهند وأستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية .
وقد استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في الديوان الملكي بقصر اليمامة أمس صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس الهيئة العليا لجائزة نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة وأصحاب السمو والمعالي والفضيلة أعضاء الهيئة العليا للجائزة وضيوف الجائزة في دورتها الرابعة. وقد ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الكلمة التالية: (إخواني المسلمين أحييكم بتحية الإسلام وأرحب بكم في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية। إخواني: لا شك أنكم تفهمون العالم الإسلامي أكثر مني، وأبشركم أن العالم الإسلامي الآن في جميع الدول والقارات عزيز ولله الحمد بإرادة الله عز وجل। ومهما عمل أعداء الإسلام أو من بعض أبناء الإسلام هم أعداء الإسلام॥ مهما عملوا لن يؤثر في العقيدة الإسلامية ولا بالمسلمين। المسلمون ولله الحمد أقوياء بكلمتهم الوحيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله وهذه ولله الحمد هي الجارية في جميع أنحاء العالم. أتمنى لكم التوفيق وأتمنى لكم السداد وأرجو منكم فرداً فرداً أن تكونوا رسل خير للعقيدة الإسلامية في أي بقعة من بقاع الأرض. هذا ما أتمناه وأدعو لكم بالتوفيق وشكراً لكم. بارك الله فيكم). حضر الاستقبال صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن بندر بن عبدالعزيز مساعد رئيس الاستخبارات العامة وصاحب السمو الملكي الأمير منصور بن ناصر بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين وصاحب السمو الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز عضو الهيئة العليا للجائزة وصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن نايف بن عبدالعزيز عضو الهيئة العليا للجائزة. كما استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام حفظه الله بقصر سموه العزيزية مساء أمس صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس الهيئة العليا لجائزة نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة وأصحاب السمو والمعالي والفضيلة أعضاء الهيئة العليا للجائزة وضيوف الجائزة في دورتها الرابعة. حضر الاستقبال صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية وصاحب السمو الأمير مشعل بن عبدالله بن مساعد مستشار سمو ولي العهد وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز عضو الهيئة العليا للجائزة وصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن نايف بن عبدالعزيز عضو الهيئة العليا للجائزة ومعالي وزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد بن محمد العيبان ومعالي رئيس ديوان سمو ولي العهد الأستاذ علي بن إبراهيم الحديثي ومعالي السكرتير الخاص لسمو ولي العهد الأستاذ محمد بن سالم المري ومعالي رئيس المكتب الخاص لسمو ولي العهد الأستاذ عبدالله بن مشبب الشهري.

السبت، 26 ديسمبر 2009

كيف تكسب نفسك الاحترام الذي تستحقه ؟؟؟

كيف تكسب نفسك الاحترام الذي تستحقه ؟؟؟
يقول أحد الخبراء أن بوسع المرء الحصول على الاحترام الذي يستحقه باتباع بعض النصائح البسيطة
1- استمع أكثر من أن تتكلم : فكلما كثر كلام الإنسان كانت هناك فرصة للخطأ . ولذلك حاول أن تكون صامتا قدر المستطاع ، والناس سوف يفترضون انك أكثر ذكاء مما أنت عليه حقيقة . 2. احتفظ بأسرارك الخاصة: كن محافظا على معلوماتك الشخصية ولا تجعل حياتك كتابا مفتوحا . فتعريتك لنفسك تجعل الآخرين يقللون من فكرتهم عنك . 3 . لا تقلل من منجزاتك: فعندما تقول : إنني كنت محظوظا فان ذلك يفقدك بعضا من مكانتك ، وكن متواضعا ولكن في فخر . وعندما يقول شخص ما هذا عظيم ، وافقه ثم قل : شكرا ، لقد عملت بجد . 4 . اعترف بأخطائك بسرعة ولباقة: فالذين يتظاهرون بأنهم على حق دوما يفقدون الاحترام، لان الناس تراهم على أنهم مخادعون 5. لا تقلل من شأنك: فالإنسان يفقد احترام الآخرين عندما يقلل من شانه وتوقف عن قول أشياء مثل: هذا قد يكون خطأ . 6. ابتعد عن الاعتذار المتكرر: فالاعتذار بمناسبة أمر جيد، ولكن لا تبالغ في ذلك . 7. لا تكن من محبي التأثير في الآخرين : فلو حاولت جاهدا أن تؤثر في الآخرين فإن الناس سيشعرون بذلك وستفقد الاحترام 8. خذ أكثر القرارات بنفسك: فإن عادة الإكثار من سؤال الناس عن رأيهم يعكس عدم تأكدك من قرارك وهذا يقلل من احترامهم لك . 9. دائما قدر قيمة الوقت : فالذين يتسكعون ويضيعون وقتهم يفقدون احترام الآخرين. 10.احتفظ بهدوئك: فالذين ينفعلون كثيرا بعواطفهم يفقدون الاحترام.

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

ثمانية قرى بالكاميرون تعتنق الإسلام

ثمانية قرى بالكاميرون تعتنق الإسلام

قال موقع الندوة العالمية للشباب الإسلامي إن سكان ثمانية قرى بالكاميرون أعلنوا اعتناقهم للإسلام. وذكر مدير مكتب الندوة في الكاميرون أن تلك القرى كانت تدين بالوثنية ثم تنصر أهلها بفعل أنشطة الكنيسة في البلاد، لكن الدعاة استطاعوا إقناع أهلها بالإسلام حتى أسلموا، ثم اهتموا بتثبيتهم على هذا الدين. وذكر الموقع في تقرير نشره أمس السبت أن ثلاثة قرى في الكاميرون هي "كوادي"، و"تولوم"، و"بيزيل" أسلمت واحدة تلو الأخرى واعتنق الإسلام ثلاثة آلاف شخص فيها. كما قام دعاة من المهتدين الجدد بنشر الإسلام بين الناس في قرى مجاورة، حتى أسلمت 5 قرى أخرى على أيدي هؤلاء الشباب. وصار عدد المهتدين للإسلام 7 آلاف شخص. وأضاف الموقع أن "هذا الفتح الطيب، ودخول هؤلاء المهتدين في الإسلام بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود دعاة الندوة العالمية من خلال مكتبها في الكاميرون". ونقل عن الداعية الكاميروني عبد الكريم أبو يريما مدير مكتب الندوة بالكاميرون، قوله إن الدعاة يبذلون جهودهم على مسارين؛ الأول: نحو المسلمين ليتعرفوا بدينهم أكثر، ويلتزموا به بصفته نظاماً للحياة، والثاني: مع غير المسلمين ليتعرفوا بهذا الإسلام وتعاليمه السمحة، ورجاءً في هدايتهم كسباً لودهم. وأبو يريما كان أحد طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بقسم اللغة العربية وحاصل على الماجستير في الحضارة الإسلامية. وأوضح أن المنطقة التي تقع فيها تلك القرى التي اعتنق أهلها الإسلام، كانت تدين بالوثنية وذد تنصر معظم أهلها بفعل النشاط الدؤوب للمنصرين الذين يصلون إلى كل بيتٍ وكل شخصٍ، بما لديهم من إمكانات لا قبل للدعاة المسلمين بها. وتابع: "دخل دعاة الندوة هذه القرى الثلاثة وأخذوا يعرضون الإسلام على المواطنين وزعماء القبائل فيها حتى اقتنعوا بفكرة الإسلام ودخلوا جميعاً فيه". وبين أن سبب اهتداء هؤلاء هو أنهم كانوا كغيرهم من البشر يبحثون عن الحقيقة ويريدون أن يصلوا إلى الهداية، ولم ترض عقولهم ما كانوا عليه من دينٍ يطرح عليهم مفاهيم مغلوطة ومجافية للفطرة والعقل السليم. وأضاف: "لم يقنعهم بالحق إلا الإسلام، وأي عقيدة غير الإسلام لا توافق الفطرة، ولا يقبلها العقل الحصيف المنصف". وفي مسعى لاحتواء هذا العدد الكبير من المهتدين، نظمت الندوة ثلاث دورات شرعية للمهتدين، وبدأ الدعاة يعرضون عليهم تعاليم الإسلام على مدار شهر. ثم تم تعيين داعية لكل قرية، ونُظمت للمهتدين دورةً أخرى تمهيدية، تهدف لاستخلاص دعاة من الشباب الذين يستطيعون التجاوب والتعامل مع المهتدين بلغاتهم. وجرى إعداد هؤلاء الدعاة المهتدين حديثا ليشرفوا على العمل الدعوي بين أهليهم. وبالفعل آتت هذه الجهود ثمارها، حيث اهتدى على أيديهم 5 قرى أخرى في منطقة (تونروسيه)، وأسلم ما لا يقل عن 4 آلاف شخص آخر. واعتبر أبو يريما أن هؤلاء المسلمون الجدد بلا شك مسؤولية كبيرة؛ إذ يحتاجون إلى المتابعة والعناية والاهتمام، إلى جانب احتياجهم إلى المساجد والمراكز الإسلامية، التي تقدم لهم المعرفة اللازمة وتدلهم على ما يزيل حيرتهم. واستطرد قائلا: "نحن حقيقةً نحتاج إلى المساعدة في احتواء هذا العدد الضخم، في بناء المساجد والمراكز التي تستوعب هؤلاء ليستطيعوا الثبات على دينهم، والدعاة يتحركون بينهم، ويذهبون إليهم في بيوتهم ومدارسهم وكل مكان". وأوضح أن إسلام هذا العدد الهائل من الناس لاقى ردة فعل قوية من جانب المنصرين، وقال: "حين يعلن أحد النصارى إسلامه، يجن جنونهم ويتساءلون، لماذا لا يتنصّر المسلم؟ وقد شعروا حيال هذا النبأ بخسارةٍ كبيرة وبدؤوا يتحركون، وفي أثناء زيارتي لهذه القرى، وجدتهم منتشرين فيها بشكل كبير، ويحاولون إعادتها إلى النصرانية، وقاموا بإنشاء مركز كبير جداً ليكون نواةً لنشاطهم، ولكن الله ناصر دينه، فالمهتدون الجدد متمسكون بالإسلام". وأشار أبو يريما إلى أن المنافسة مع المنصرين قوية جدا "لأنهم أكثر عدةً وعدداً، ولو أخذنا ميزانية لجمعية واحدة من جمعياتهم، لوجدناها تساوي ميزانية كل الجمعيات الإسلامية العاملة". وتابع: "ما من مسجدٍ نبنيه في مدينة من المدن، إلا يبني بعد بنائه بشهرين كنيسة في نفس المكان، فليس هناك توازن بيننا وبينهم". لكنه أكد في الوقت ذاته أن هذا لم يؤثر كثيرا على الدعوة؛ "فالإسلام ينتشر بقوة، ولا أعرف أن شخصاً مسلماً تنصر" في حين أن "عدد النصارى الذين يسلمون يتزايد بصورةٍ يومية". وفي سبيل تعريف المهتدين بالإسلام، قام الداعية بيل محمود –من دعاة الندوة بالكاميرون وهو جامعيّ ومتخصص في الحاسب الآلي- بترجمة معاني القرآن بلغتهم الأصلية حتى يسهل عليهم التعرف على أحكام الإسلام وتعاليمه. كما تقوم الندوة بالاهتمام بهؤلاء المسلمين الجدد لإعانتهم على الثبات على دين الحق. ويتم ذلك من خلال: كفالة عدد من الدعاة، وبناء المراكز الإسلامية في كل قرية لتكون مورداً ثقافياً يتعلمون منه وينهلون فيه من معارف الإسلام، هذا إلى جانب العناية بأبناء المهتدين وإرسال بعضهم في منح دراسية إلى الجامعات الإسلامية في الدول المسلمة، ليكونوا نبراساً في بلادهم وبين أهلهم حين يعودون إليهم.

الاثنين، 21 ديسمبر 2009

انفلوانزا الفساد


انفلوانزا الفساد

عبد الرحمن جمال المراكبي
هالني وأفزعني تقرير الشفافية العالمي لعام 2009 والصادر عن منظمة الشفافية الدولية لوصف حالة دول العالم المختلفة من حيث درجة الشفافية والنزاهة في التعاملات المالية والإدارية ، وقد شمل التقرير مائة وتسع وسبعون دولة منها تسع وأربعون دولة مسلمة. وقد حزنت كثيراً عندما رأيت في مقدمة هذا التقرير كلاً من الدانمارك ونيوزلندا والسويد والعديد من الدول الأوروبية الأخرى ، وازداد حزني عندما رأيت اليهود المغتصبين قد جاءوا في المركز الثلاثين على العالم. لكن الفاجعة الكبرى التي صدمتني هي ترتيب الدول الإسلامية حيث جاءت قطر في المركز الثالث والثلاثين وتبعتها الإمارات في المركز السابع والثلاثين ، وفي ذيل التقرير جاءت مصر في المركز الحادي عشر بعد المائة ، وتبعتها اليمن والعراق والسودان والصومال . وبحسب هذا التقرير إذا قمنا بحساب متوسط الفساد في دول العالم الإسلامي نجد أن درجة العالم الإسلامي هي 2.8 من 10 ، مما يعني أن كل دول العالم الإسلامي قد رسبت بجدارة في هذا التقرير ، ومما يعني أيضاً أن أكثر من سبعين بالمائة من التعاملات التي تتم داخل العالم الإسلامي هي تعاملات فاسدة لا علاقة لها بالدين الإسلامي . وقلت في نفسي : مع تلك الضجة الهائلة حول خطر فيروس انفلوانزا الخنازير هل أصاب العالم الإسلامي مرض أخطر منه وهو مرض انفلوانزا الفساد ؟ وهل وصل هذا المرض إلى أشد درجاته أم أن الأيام تخفي لنا المزيد من عمليات الفساد الإداري ومن المفسدين ؟ لا شك أنه لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات من الفساد ، لكن الحزن يزداد عندما نجد أن ثلث الفساد المالي في العالم مركزه الوطن العربي ، وأن نصفه في العالم الإسلامي. كيف يكون ذلك وقد كنا - كما وصفنا ربنا سبحانه وتعالى - خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله. كيف يكون ذلك وقد بُعث نبينا صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق . كيف يكون ذلك وقد كان الفساد المالي من أول المظاهر السلبية التي عالجها الإسلام حين نهى عن الغش والاستغلال والسرقة والرشوة والربا وغير ذلك من المعاملات الفاسدة. كيف يكون ذلك وقد رغب ديننا الحنيف في الزهد وعدم الطمع فيما عند الناس من متاع الدنيا فقال تعالى : )وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى( [ طه : 131]. كيف يكون ذلك وقد أمرنا الله عز وجل بالسعي لطلب الرزق الحلال في كثير من آيات القرآن الكريم، قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ( [البقرة: 267]وقال عز وجل : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( [البقرة: 172] ، كما حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على طلب الرزق الحلال فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحُزمة الحطب على ظهره فيبعيها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" [البخاري: 1471] . كيف يكون ذلك وقد حرم الإسلام الرشوة ، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعلها فقال : " لعن الله الراشي والمرتشي والرائش " [رواه أحمد والطبراني] واللعن من الله هو: الطرد والإبعاد عن مظان رحمته ، ولا يكون إلا في كبيرة من الكبائر ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيصلى الله عليه وسلم قال : " كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به " ، قيل: وما السحت؟ قال: " الرشوة في الحكم ". كيف يكون ذلك وقد حذرنا ربنا سبحانه وتعالى من أن نأكل الأموال بالباطل فقال : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا( [ سورة النساء : 29 ] وقال سبحانه : ) وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ( [ سورة البقرة : 188]. كما حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أكل المال الحرام ففي الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يُقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر أيُهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحدٌ منكم شيئًا إلا جاء به يوم القيامة، يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيْعرُ – أي : تصيح - ثم رفع يديه حتى رأينا عُفرة إبطيه – أي : بياض ليس بالناصع في إبطيه - ثم قال: "اللهم هل بلغت (ثلاثًا)" [البخاري: 2597، ومسلم 1832] . هل أصبحنا نتساهل في أكل المال الحرام وأصبحنا لا نبالي من أين نحصل على أموالنا ؛ تصديقًا لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم " ليأتينَّ على الناس زمانٌ، لا يبالي المرءُ بما أخذَ المالَ: أمِنَ الحلال أم من الحرام" [صحيح البخاري 2083 ] هل لهذه الدرجة غاب الوازع الديني لدى الناس فمرضت قلوبهم وفسدت ضمائهم ، وغلبهم الهوى والسعي نحو تحقيق المصالح الشخصية فسَهُل عليهم أكل أموال الناس بالباطل ، وأصبح الموظف لا يؤدي عملاً إلا إذا أخذ الرشوة مقابل أدائه لهذا العمل الذي هو في الأساس واجب عليه ويأخذ في مقابله أجراً في نهاية الشهر . لا شك أن هذا كله ناتج بسبب عدم تطبيق ما أمر الله عز وجل به ، وعدم الانتهاء عما نهى عنه ، وعدم الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وكذلك بسبب ضعف الإيمان وانعدام الخوف والخشية من الله عز وجل ، وكذلك انعدام المراقبة والمحاسبة الذاتية ، ونسيان أو تناسي المحاسبة الأخروية . لقد كان السلف الصالح يحرصون على تحري الحلال ويتركون الشبهات مخافة الوقو ع في الحرام ، عملاً منهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنه : " إنَّ الحلال بَيِّنٌ وإنَّ الحرام بَيِّنٌ وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس فمَنِ اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه ومَنْ وَقَعَ في الشُّبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يَرْتَعَ فيه " [ البخاري 2051، مسلم 1599] وقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه : " كنَّا نَدَعُ تسعةَ أعشار الحلال؛ مخافةَ الوقوع في الحرام " وقال ابن المبارك: "لأنْ أرُدَّ دِرْهمًا من شُبْهَةٍ؛ أحبّ إليَّ من أن أتصدَّق بمائة ألفٍ". · من المسئول ؟ لا شك أن المسئولية الكبرى تقع على عاتق الحكام والحكومات ، فهم مسئولون أمام الله عز وجل عن كل مظاهر الفساد الإداري في المؤسسات ، وعليهم أن يضربوا بيد من حديد على كل من تُسوِّل له نفسه أن يقوم باختلاس الأموال العامة أو أخذ الرشوة مقابل القيام بعمل ما . كما يجب أن يكون للمؤسسة الرسمية متمثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف وقفة إيجابية للحد من الفساد الإداري الظاهر في جميع المؤسسات والهيئات في المجتمع العربي ، وكذلك على القائمين على الإعلام في العالم العربي وخاصة الإعلام الإسلامي أن يقوموا بتوعية الناس وتذكيرهم بالله عز وجل وأنهم سيقفون أمامه يوم القيامة فيسألهم عن أموالهم من أين اكتسبوها وفيم أنفقوها . · كيف السبيل : لا بد من ترسيخ عقيدة التوحيد في قلوب الناس وأن الله وحده هو الرزاق ، قال تعالى: ) وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ( [هود: 6] وكذلك فإن حسن التوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه وتعالى من أعظم الأسباب التي تقضى بها الحاجات و يندفع بها المكروه ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا" [ صحيح الترمذي: 1911] . وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته"[ صحيح الجامع للألباني ج1 حديث 2085]. لا بد لنا أن نعود وأن نرجع إلى كتاب ربنا عز وجل وإلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ففيهما العصمة والنجاة ، وحتى نكون بحق خير أمة أخرجت للناس .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الأحد، 20 ديسمبر 2009

يوم عاشوراء بين السنة والبدعة

مستفاد من كتاب الإبداع فى مضار الابتداع يوم عاشوراء بين السنة والبدعة
الشيخ / على محفوظ رحمه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:فإن السنة في يوم عاشوراء الصيام فحسب باتفاق العلماء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله عز وجل بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. زاد مسلم في روايته: شكرًا لله تعالى، فنحن نصومه. وعند البخاري في الهجرة: ونحن نصومه تعظيمًا له، قال: «فأنا أحق بموسى منكم». فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. [متفق عليه].وليس صيامه صلى الله عليه وسلم له تصديقًا لليهود بمجرد قولهم، بل كان يصومه مع قريش ؛ لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه». أي على عادته، «وأمر بصيامه»، في أول السنة الثانية، فإن قدومه بلا ريب كان في ربيع الأول.والأحقية باعتبار الاشتراك في الرسالة والأخوة في الدين والقرابة الظاهرة دونهم، ولأنه أطوع وأتبع للحق منهم ويستحب أيضًا صوم تاسوعاء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لئن عشتُ إلى قابل لأصومن التاسع». (رواه مسلم).ومما جاء في الترغيب في صوم عاشوراء ما جاء في مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام يوم عاشوراء ؟ فقال: «يكفر السنة الماضية».
ما يقع من الناس في يوم عاشوراء
ومع وضوح هذه السنة وصحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع من الناس في هذا اليوم كثير من البدع، منها ما لا أصل له، ومنها ما يبنى على أحاديث موضوعة أو ضعيفة।فمن ذلك: اعتبارهم له عيدًا كالأعياد المرسومة للمسلمين بالتوسعة واتخاذ الأطعة الخاصة به، وهذا من تلبيس الشيطان على العامة، فقد ثبت أن يهود خيبر هم الذين اتخذوه عيدًا وكانت تصومه.روى مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم». (مسلم 1131).و«شارتهم» بالشين المعجمة بلا همز وهي الهيئة الحسنة والجمال: أي يلبسونهم لباسهم الحسن الجميل، فأمرنا الشارع الحكيم بمخالفة يهود خيبر فيه بصوم يوم قبله أو بعده، قال الإمام الشافعي- رحمه الله-: أخبرنا سفيان أنه سمع عبد الله بن أبي زيد يقول: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: «صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود» أي: في إفراد العاشر بالصوم، واتخاذه عيدًا، وفي رواية له عنه: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا». [ضعيف الجامع: 3506].ولذا قال في «الأم» و«الإملاء» باستحباب صوم الثلاثة، ولم يشرع فيه توسعة في مطعم ولا غيره لهذه المخالفة، وحديث التوسعة لا أصل له كما سيأتي.ومن ذلك: الاغتسال والاكتحال، وما رُوِي في الترغيب فيهما لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عباس رفعه: «من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدًا». [ضعيف الجامع: 5467]، وهو موضوع، وضعه قتلة الحسين رضي الله عنه، قال الإمام أحمد رحمه الله: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر وهو بدعة، وما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل وتطهر يوم عاشوراء لم يمرض في سنته إلا مرض الموت». وضعه أيضًا قتلة الحسين رضي الله عنه.ومن ذلك: صلاة ركعات بهيئة مخصوصة ليلتها ويومها، ورواية أبي هريرة رضي الله عنه: «من صلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة: الْحَمْدُ لِلَّهِ مرة، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحدى وخمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين عامًا ». (لا أصل له). لم تثبت صحتها، وإليك بيان منشأ هذه الأحاديث إجمالاً وتفصيلاً:لقد أحدث الشيطان الرجيم بسبب قتل الحسين رضي الله عنه بدعتين:الأولى: الحزن والنوح واللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي، وما إلى ذلك من سب السلف ولعنهم وإدخال البريء مع المذنب، وقراءة أخبار مثيرة للعواطف مهيجة للفتن وكثير منها كذب، وكان قصد من سن هذه السنة السيئة في ذلك اليوم فتح باب الفتنة والتفريق بين الأمة، وهذا غير جائز بإجماع المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة وتجديد ذلك للمصائب القديمة من أفحش الذنوب وأكبر المحرمات.الثانية: بدعة السرور والفرح واتخاذ هذا اليوم عيدًا تُلبس فيه ثياب الزينة ويُوسع فيه على العيال، فكل هذا من البدع المكروهة.والتوسعة وإن كانت مشروعة في الجملة لكن احتف بها ما يقرب من اعتقادها دينًا، فعلى المرشد أن يكون في بيان ذلك حكيمًا حتى لا يكون مثيرًا للفتنة.وذلك أنه كان بالكوفة قوم من الشيعة يغلون في حب الحسين رضي الله عنه وينتصرون له، رأسهم المختار بن عبيد الكذاب الرافضي الذي ادعى النبوة، وقوم من الناصبة يبغضون عليًا وأولاده، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في ثقيف كذاب ومبير». (مسلم 2545).«والمبير: المسرف في إهلاك الناس، يقال: بار الرجل يبور بورًا، فهو بائر هالك، وأبار غيره: أهلكه». فكان ذلك الشيعي هو الكذاب وهذا الناصبي هو المبير، فأحدث أولئك الحزن وهؤلاء السرور، ورووا: «أنَّ مَنْ وسع على عياله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته». (ضعفه الألباني في المشكاة (1926).وقد سُئل الإمام أحمد عن هذا الحديث ؟ فقال: لا أصل له، وليس له سند إلا ما رواه ابن عيينة عن ابن المنتشر وهو كوفي سمعه ورواه عمن لا يعرف، وممن قال: إن حديث التوسعة موضوع الإمام ابن الجوزي عالم الآفا ق وواعظ العراق، ورووا: «أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام، وأن من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام».(ضعيف الجامع 5467).فصار قوم يستحبون في هذا اليوم الاغتسال والاكتحال والتوسعة على الأهل، وهذه كلها بدع أصلها من خصوم الحسين رضي الله عنه، كما أن بدعة الحزن وما إليه من أحبابه، والكل باطل وبدعة وضلالة.قال العلامة ابن أبي العز الحنفي: إنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء غير صومه، وإنما الروافض لما ابتدعوا المأتم وإظهار الحزن يوم عاشوراء لكون الحسين رضي الله عنه قُتل فيه ابتدع جهلة أهل السنة إظهار السرور واتخاذ الحبوب والأطعمة والاكتحال، ورووا أحاديث موضوعة في الاكتحال والتوسعة على العيال، وقد جزم الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» بوضع حديث الاكتحال وتبعه غيره منهم مثلاً على القاري في كتاب «الموضوعات»، ونقل الحافظ السيوطي في «الدرر المنتثرة» عن الحاكم أنه منكر، وقال العجلوني في «كشف الخفاء ومزيل الإلباس»، قال الحاكم أيضًا: الاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر وهو بدعة. اهـ.وجملة القول: لم يستحب أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم شيئًا من ذلك لعدم الدليل الشرعي، بل المستحب يوم عاشوراء عند جميع العلماء هو صومه مع صوم يوم قبله كما عرفت.والله أعلم.
المصدر : مجلة التوحيد عدد

" ميليسا كوكينيس" التنصير قادها إلى الإسلام

" ميليسا كوكينيس" التنصير قادها إلى الإسلام
حوار : الجزيرة نت - حاورها خضر عواركة
----------------------------- دعت الداعية المسلمة ميليسا كوكينيس إلى حملة تضامن عالمية مع والدي رفقة باري -التي تحولت من الإسلام إلى المسيحية في أميركا- باعتبار أن "ما وقع لهما اليوم قد يحصل لأي عائلة في الغد". ودعت المبشرة الكندية سابقا إلى مواجهة شاملة لما أسمته "التبشير الخبيث" القائم على الاستغلال والكذب. المبشرة السابقة التي اعتنقت الإسلام عام 2002 بعد أن أمضت معظم مراهقتها وشبابها في مجال التبشير الإنجيلي، لبست الحجاب وأسست دارا للنشر والإعلام في مونتريال تعنى بالمواد التي تشرح حقيقة الإسلام، وهي تقوم حاليا بتصوير فيلم وثائقي في المخيمات الفلسطينية في لبنان
وقد انتهزت الجزيرة نت هذه الفرصة وأجرت معها هذا الحوار:
ميليسا كوكينيس من أنت؟ كوكينيس: اسمي ميليسا أثاناسيوس كوكينيس، مولودة في مونتريال-كيبيك من أب يوناني مولود أرثوذكسيا وأم كيبيكية كندية مولودة كاثوليكية، أحمل درجة البكالوريوس في العلوم التمريضية من جامعة مونتريال دفعة عام 2001. عملت ممرضة في مستشفى سان جوستين للأطفال لعدة سنوات وولعي الأول كان ولا يزال بمساعدة الأطفال المرضى. لغتي الأم هي الفرنسية وأجيد التحدث والكتابة والفهم بالإنجليزية واليونانية وأتحدث بالعربية وأقرؤها ولكني أعاني مشاكل في فهم كل كلماتها بسبب تعدد اللهجات. تدربت على الإخراج التلفزيوني والسينمائي (الوثائقي) عبر دروس خاصة وتدربت هاوية مع عدد من الأساتذة. وقدمت عددا من الأفلام الوثائقية القصيرة في السنوات الماضية ولكن هاوية لا محترفة. لي كتاب واحد منشور هو "الطريق من أورشليم إلى مكة" وأعمل حاليا على نشره باللغة الإنجليزية، أتابع حاليا تصوير فيلم وثائقي درامي طويل في لبنان، وهو بعنوان "سانتا الإسرائيلي"، وهو يتحدث عن "الهدايا" التي تلقي بها إسرائيل على الشعبين اللبناني والفلسطيني، أي القنابل والصواريخ. قبل أن أولد بسنوات تحول والدي من الأرثوذكسية إلى الحركة الإنجيلية المسماة "المولودون من الله"، وكذلك فعلت أمي. ولدت في عائلة متشددة جدا من ناحية الأفكار الدينية الإنجيلية وقد وعيت وتربيت والكتاب المقدس هو رفيق أيامي وليالي. كنيستنا جزء من مجمع يعرف بـ"الإخوة بلايموث"، وهؤلاء جزء من الحركة الإنجيلية التي تعد العالم أجمع بمن فيه من بشر تحت حكم إبليس والناجون الوحيدون هم المختارون من الله، أي نحن أعضاء كنائس الإنجيليين المعتنقين لفكر عودة المسيح القريبة والواثقين -دون دليل- من فكرة الاختطاف والألفية والمراحل السبع لتاريخ العالم ونهايته (يعتقدون أننا في المرحلة التي تسبق يوم الدينونة). ما الذي أتى بك إلى الإيمان بالإسلام وكنيستك معروفة بالتشدد العقائدي وبصعوبة الانتماء إليها إلا لمن يعيشون حياة القداسة وفقا للمفهوم الحرفي للكتاب المقدس؟ كوكينيس: طرحت كثيرا من الأسئلة عن أمور متناقضة في الكتاب المقدس وكنت أحظى دوما بجواب واحد، ولم يكن يقنعني ما يقوله والدي أو المبشرون الآخرون الأعلون مرتبة في الكنيسة، ولكني كنت أجبر نفسي على تناسي الموضوع والعودة لتنويم العقل. والجواب الذهبي عندهم على كل تساؤل لا جواب له كان "صلي يا أختاه لأن الرب لا يحب الأسئلة". ثم هناك كتاب سلمته إلي كنيستي لكي أفتن به المسلمين عن دينهم وهو مصمم للتلاعب بمعاني الآيات القرآنية وقراءتي للكتاب كانت بقصد الإلمام بدين المسلمين لثنيهم عنه، وهذا الأمر قادني إلى طرح بعض الأسئلة على نفسي حول إيماني وحول الإسلام وحول الأديان. السؤال الأهم الذي خطر على بالي هو: هل هناك مسلمون يكتبون عن الإنجيلية من موقع النقض؟ وقد وصلت عبر الإنترنت إلى كتابات ومواقع تناقش الأناجيل والكتاب المقدس، وصعقت حين وجدت بعضا من الأجوبة على أسئلتي التي كنت قد طرحتها لسنوات خلت على كبار كنيستي ولم أحظ منهم بجواب لها. تلك الأجوبة قادتني إلى قرار غيَّر مجرى حياتي، إذ قررت أن أدرس الإسلام من مصادر إسلامية وليس من خلال ما يقوله عنه الإنجيليون. بعد ذلك أعدت قراءة تاريخ كتابة الأناجيل، ودرست التناقضات التاريخية والدينية والعقلية والمنطقية الموجودة في الكتاب المقدس، ووصلت إلى قناعة وهي أن الكتاب المقدس فيه كلام الله وفيه كلام الناس وفيه كلام الأنبياء وفيه كلام الملوك الفاسقين والكتبة المزورين والرواة الخرافيين. وقد ترسخت قناعتي الجديدة أكثر حينما قرأت أن مجمع نيقية ومدبره الإمبراطور الوثني قسطنطين هو من حدد أي كتاب نقرأ فيه قصة يسوع وما قاله وهي الكتب المعروفة بالأناجيل، وأي عقيدة دينية علينا أن نتبع وهي العقيدة التي جرى تحديد كنهها بعد ثلاثة قرون وربع قرن (من ميلاد المسيح). وحينما قرر الإمبراطور أن ينحاز إلى المؤمنين بأن المسيح إله ابن إله -ويومها ولدت عقيدة الثنائي المقدس وليس الثالوث المقدس- حيث قال مجمع نيقية الأول إن المسيح ابن الأب، وأما عقيدة الثالوث والأقنوم الثالث أي الروح القدس فقد نزلت على المجتمعين في مجمع عقائدي جرى في عام 385 م. الأخطر أني اكتشفت حذفا وزيادات جديدة في الأناجيل بعضها بهدف تأكيد شيء وبعضها بهدف إخفاء شيء، وبعض الترجمات الفرنسية تختلف عن تلك اليونانية، وعن تلك الإنجليزية، بما يخدم تثبيت عقيدة الألوهية للمسيح وعقيدة الثالوث ولكن عبر التحايل على الترجمات لا عبر الالتزام بحرفية الكلمة من مصدرها اليوناني أو اللاتيني. وهناك أشياء كثيرة كشفتها في أبحاثي التي استمرت قرابة العام يضيق الوقت عن ذكر تفاصيلها، ومنها قصص الآباء الأوائل للكنيسة، ومنها قصة بولس الذي لم ير المسيح ولم يرافقه إلا أن 90% من الديانة المسيحية هي تعاليم بولسية لا بطرسية ولا يعقوبية ولا متية، فلماذا إذن كان ليسوع 12 تلميذا إن كان شخص جديد -لم يره ولم يعرفه لا بل حارب أتباعه- هو من سيقوم بالمهمة وحده؟ عدت إلى كنيستي لأطرح عليهم ما وصلت إليه فمارسوا ضدي الترهيب النفسي وحاصروني باسم الإيمان والمسيح حتى أصبحت رهينة مراقبتهم ومتابعتهم اليومية لي، ونظرت من حولي فاكتشفت أن من كنت أحسبهم أكثر الناس حبا لي لهم وجه آخر هو الوجه المافياوي الذي يمارس المراقبة والتجسس على أعضاء الكنيسة كما تراقب الدول رعاياها المشكوك في ولائهم. تركت الكنيسة لأني عرفت حينها أنهم كاذبون حين يظهرون الحب بينما في الحقيقة هم حاقدون سلفا على كل ذي عقل يفكر، وعرفت حينها أنهم يضطهدون من ينتمي إليهم بنعومة الخداع النفسي حتى يخالفهم وحينها يشهرون سيف الترهيب بالكلمة والموقف وبالضغوط النفسية التي قد تدفع ضعاف النفوس ربما إلى الانتحار. وبدأت أرى بعيني ما كان التدين قد أعماني عنه، وهو أني وكل النساء في كنيستنا، وفي المجمع الكنسي الذي تنتمي إليه كنائس تماثلنا في الإيمان، كلنا كنا مضطهدات بوصفنا بشرا من جنس أقل درجة من جنس الرجال بحسب اعتقاد المؤمنين بتعاليم كنيستنا، حيث إن إيمانهم الإنجيلي المتجدد يعلمهم أن المرأة أقل مرتبة من الرجل لأنها مولودة من ضلعه، وأن الرجل يطيع الرب ويخضع له، وأما المرأة فعليها أن تطيع الرجل وتخضع له، أكان زوجا أم أبا أم أخا أم رأس كنيسة. كما وعيت حقيقة مذهلة وهي أن عشرة شيوخ هم قادة الكنيسة يتحكمون في تفاصيل الحياة اليومية لمئات البشر في كنيستنا. تصور أن الرجل أو الفتاة إن أرادا الزواج فعليهما أن يطلبا من الشيوخ أن يوافقوا على الزوجة المقترحة أو على الزوج المقترح، وذلك تحت عنوان الصلاة لأجل طلب جواب من الله مباشرة. وكان الشيوخ يستلمون طلبات الصلاة ثم يعودون بعد فترة قد تطول أشهرا ليقولوا لطالب الزواج: الرب قال لا أو الرب قال نعم. وهكذا في كل أمورنا الحياتية من عمل وصداقات وتعلم وسفر. معظم أعضاء الكنيسة لم يتزوجوا إلا بعد نيل موافقة الكنيسة. ولسنوات كنت ضحية لسيطرتهم كبقية النساء، فلا صديقة لي مسموحا بالخروج معها إن لم تكن من نفس الناس الذين ينتمون إلى عقيدتنا، ولا أماكن عامة يسمح لنا بزيارتها إن لم تكن مطابقة لمواصفات الأماكن التي تسمح كنيستنا الدينية بزيارتها. ومن ثم اكتشفت بالدليل القاطع أن من تعاليمهم السرية أن يتجسس الأخ على الأخ والأخت على الأخت لأجل نيل مرضاة الرب، أي جماعة الشيوخ واسطة الرب المزعومة. التلفزيون مسموح به فقط لمشاهدة القنوات الإنجيلية، واللباس المحتشم له مواصفات خاصة بالكنيسة، ومن يخالف له عقاب هو النبذ ثم الطرد وهو عقاب نفسي شديد لمن يظن أنه طرد من الجنة -أي الكنيسة- إلى مملكة إبليس أي إلى العالم الخارجي بعيدا عن الكنيسة. ودعني أوضح أمرا، إن معظم الكنائس الجديدة تحقد على الكنائس التقليدية من أرثوذكسية وكاثوليكية وبروتستانتية تقليدية، تماما كما تحقد على المسلمين وربما أكثر، لأنها تعتبر كل هؤلاء أبناء وأتباعا لإبليس لا أكثر ولا أقل. وقد وفقني الله لقراءة الكثير من كتب العلماء والمسلمين المتنورين فقرأت بعض ما كتبوه ثم انتقلت للتعرف على حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضي الله عنهم)، ليس من كتب الخرافة التاريخية غير الموثوقة بل من تراجم تراعي التمحيص والتنقيب فلا تقبل ما لا يتقبله عقل، إلا المعجزات الإلهية المعروفة والمشهورة. وقد درست القرآن بتفاسير مختلفة، وقرأت ما قاله مفكرون كانوا مسيحيين واعتنقوا الإسلام عن عقل وعن دراية وليس عن خداع ولا بأساليب غسل الأدمغة كما يفعل الإنجيليون -مع أبناء المسلمين الصغار- فاعتنقت الإسلام بعد سنة من بدء بحثي عن الحقيقة، وكان ذلك عن دراية كاملة وتامة بالفرق بين الإسلام التكفيري وإسلام الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بين إسلام الإرهابيين التكفيريين وبين محبة وحنان ورأفة المسلمين الحقيقيين الذين تعلموا حب الناس من كتاب الله (سبحانه) ومن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). أنا لم يخدعني مسلم لأعتنق الإسلام بل كنت امرأة كاملة العقل وواسعة الثقافة وكنت في سن الرابعة والعشرين حين أعلنت إسلامي ولم أتعرض لما تعرضت له رفقة باري التي اصطادها ماكر غسل دماغها الصغير -باعترافه- عبر فيس بوك، وأمرها بإبقاء علاقتها به سرا لأربع سنوات إلى أن فجر قضيتها إعلاميا بعد بلوغها سن الرشد وفقا للقوانين الأميركية، واستغلها لتحقيق مآرب سياسية لا علاقة لها بالدين ولا بالأيمان. هل تقولين إن رفقة باري هي ضحية خداع وغسل دماغ؟ الأسلوب الذي استعمله راعي كنيسة الثورة العالمية في فلوريدا بلايك لورنزو لتحويل رفقة باري إلى أسيرة لأوامره هو نفسه الأسلوب الذي تعتمده الكنائس المعمدانية والإنجيلية المتجددة مع كل الأشخاص الذين يصطادونهم. والمحامي الذي تقدم بدعوى يطلب فيها عدم إعادتها لأهلها هو رئيس جماعة في فلوريدا لا عمل لها إلا بث الحقد والكراهية ضد المسلمين. بالنسبة للورنزو ولزوجته فإن الفتاة المسلمة القاصر ليست سوى طريدة جرى اصطيادها عبر التواصل معها بواسطة فيس بوك دون علم والديها. ولو كان من اصطاد فتاة في عمر الثالثة عشرة عبر الفيس بوك قاتلا أو مهووسا جنسيا لجرى سجنه ولكن لأن لورنزو عضو في مجمع كنائس له أنصار في عموم الولايات المتحدة، وله حلفاء فيما يسمى المعمدانيين الجدد، وهم تيار يبلغ عشرات الملايين في أميركا، وغني ماديا وقوي إعلاميا وسياسيا وله حلفاء وأنصار في الجسم القضائي، فلا أحد يمكن أن يحاسبه على إغوائه طفلة للإيقاع بها في حبائله. تغيير الدين يمكن أن يحدث ويجب أن يحترم الإنسان خيار أي إنسان آخر كان تغييره لدينه عن فهم عميق لعقيدة تتركز في عقل الإنسان بالدراسة التامة، ولكن رفقة كانت طفلة حين التقط حبل العلاقة معها بلايك لورنزو وزوجته، ومن يدري أي فكر زرعه في عقل تلك الطفلة؟ ومن يدري ما يفعل بها هو وزوجته الآن؟. في رأيي هذه الفتاة مخطوفة بلا إرادة منها لسيطرة لورنزو وزوجته عليها بالخداع الديني الذي يتقنه منصرون يستعملون أشد علوم النفس تطورا للإيقاع بالضعفاء. رفقة لم تكن حرة حين أوقع بها لورنزو، وهو مخادع برأيي لأنه انتظر حتى بلغت السن القانوني في أميركا ليخرجها من منزل والديها وليبني من حولها حملة إعلامية جعلته شهيرا، ما يعني في تلك الأوساط تبرعات وأموالا كثيرة يقدمها متطرفون يدفعون التبرعات لأكثر الكنائس نجاحا في التنصير الإنجيلي. هذه الحملة التي أفادت لورنزو ولا شك، تلقفها عتاة أعداء المسلمين في أميركا ليتابعوا من خلالها عملهم الذي لم يتوقف أبدا منذ عشرات السنوات وهو ضخ الكراهية والحقد ضد المسلمين الأميركيين الذين يوصفون من قبل عتاة اليمين الديني بالفاشيين. لقد فقدت رفقة ولا شك قدرتها على التصرف الصحيح تجاه والديها بالسيطرة النفسية التي تعرضت لها على يد بلايك لورنزو، وهو أسلوب تعرضت له أنا نفسي في كنيستي وكذلك كل النساء في معظم كنائس المولودين الجدد من معمدانيين وخمسينيين وإنجيليين متجددين، حيث كانوا يستعملون معنا أساليب نفسية مجربة تؤدي إلى فقدان المرء سيطرته على عقله وعلى نفسه لمصلحة منح تلك السيطرة للموجه الديني الذي ما إن يكتسب ثقة الضحية حتى يبدأ باستغلالها بأبشع الطرق. ولورنزو واحد ممن نجحوا في استمالة ضحية نافعة إعلاميا في الحرب النفسية على المسلمين، ونافعة في كسب عطف المتبرعين الكبار، فيتجهون بأموالهم في المستقبل إلى قاهر المسلمين "لورنزو" سارق طفلة من والديها الذي ادعى أنها تخافهم. ومن يمكنه أن يثبت أن لورنزو ليس هو من يضع الكلام في فم رفقة؟ حين كنت في الكنيسة كنت مقتنعة بأن كلام الوعاظ هو كلام الله لأن الله يسكن في أجسادنا ونحن نسمع صوته كلما تقدمنا بالإيمان. وكل ما تقدم المرء (الرجال عادة هم من يسمعون صوت الله في كنائسنا حصرا) في التوبة وفي السفارة الممنوحة له من قبل يسوع، كلما كان الشخص متحدثا أشد قربا إلى لسان يسوع. هذه عقيدة إنجيلية متجددة تعتبر أن كل فرد متعمد من أفراد الكنائس الإنجيلية المتجددة يعيش حياة التوبة ودفن وقام من الموت بالمسيح (أي غطس في ماء العمادة ثم قام منها) يسكن في صدره الرب ويكلم الناس بلسان الله لا بلسانه. تصور لو أن رفقة خلال سنوات طفولتها الأربع الماضية صدقت هذا الكلام وتصور أي سيطرة لبلايك لورنزو ستكون عليها، أنا شخصيا حين كنت في الكنيسة لو أمرني أحد شيوخها بالانتحار لفعلت، لأني كنت أصدق أن كلامه هو كلام الله وهذا حتما ما زرعه بلايك في عقل هذه الطفلة. أنا أدعو إلى حملة تضامن مع والدي رفقة في أميركا وحول العالم، فما يحصل معهم اليوم قد يحصل لأي عائلة في الغد. إذن أنت ضد تغيير المرء لدينه؟ أنا مع حرية المرء في ممارسة اعتقاده الديني مهما كان دينه واعتقاده، ولكني ضد الخداع الذي يمارسه المنصرون الإنجيليون الذين يحملون عقيدة سياسية لا عقيدة مسيحية، هؤلاء حسب معرفتي هم أعداء المسيح لأن المسيح آمن بالوصايا، أي لا تكذب لا تسرق، وهؤلاء يكذبون ويخادعون ويشوهون عقائد الآخرين ويستقوون بالقدرات المالية الهائلة التي يحصلون عليها عن طريق تبرعات تتميز بأنها تعتبر حسومات ضريبية من قبل حكومات عدة منها حكومتا كندا وأميركا. أنا مع حرية المرء في اعتناق أي دين يشاء ولكني ضد أن يضحك رجل كهل وزوجته على طفلة ويستغلان جهلها الطفولي ليس لتغيير دينها وحسب بل لاستعمالها كأداة في حربهم الصليبية على المسلمين. أعرف أنك كتبت عن التبشير الحميد والتبشير الخبيث؟ التبشير الحميد قصدت به رجال دين يحبون ما يعتقدون أنه الحق في دينهم ويسعون لتعميم الخير على الناس كافة، هؤلاء يستحقون احترامنا ولو خالفونا المعتقد لأنهم واضحون ولا يتلاعبون بالكلام ولا يخادعون ولا يشوهون الحقائق، ويجب أن يكون لنا موقف لا يعاديهم بل يجادلهم ويناقشهم لأن ديننا ليس ضعيفا في المواجهة الفكرية المتكافئة. أما التبشير الخبيث فذاك الذي يعتمد أجندة خفية سياسية وربما أكثر من سياسية، ورجال التبشير الإنجيلي الخبيث متمرسون في تأليف الأكاذيب عن الإسلام، وعلى سبيل المثال فإن واعظا معمدانيا شهيرا لا يزال حتى الآن يقول إن المسلمين يعبدون "الهبل" إله القمر ويسمونه الله. هؤلاء يرتبطون بمنظمات لها مشاريع كبرى على مستوى العالم، ولهم إيمان يقول إن أحداثا يجب أن تقع حتى يظهر يسوع ثانية، وإن لم تحدث تلك الكوارث تلقائيا نراهم يعملون سرا على تحقيق تلك النبوءات، خاصة التي ذكرها الكتاب المقدس والتي يعرفها الناس بهرمجدون أي نهاية العالم. كيف نعرف الفرق بين الفريقين الحميد والخبيث؟ هناك ثمانمائة ألف مبشر معمداني وإنجيلي متجدد في العالم غالبيتهم من المبشرين الخبثاء الذين يغزون العالم الإسلامي تحت مسميات المساعدات الإنسانية والعمل التطوعي، وهؤلاء مدعومون بقوة من أوساط سياسية دولية لهدفين: أولا تنصير أكبر عدد من المسلمين ليكونوا حصان طروادة، ثانيا: اختراق الكنائس المشرقية بهدف ضربها من الداخل. لذا هم لا يطلبون ممن يقع في حبائلهم -إن كان مسيحيا مشرقيا- ترك كنيسته بل ينصحونه بالبقاء فيها لاصطياد آخرين. بينما يستخدمون من يتنصر من المسلمين في وسائل إعلامهم لشن حرب نفسية على من يعتبرونهم أعداء الله أي المسلمين. هل تخافين تأثير هؤلاء على المسلمين؟ أنا أخاف من استغلال هؤلاء لنوعية معينة من المسلمين جاهلة بدينها، لأنهم يتلاعبون بالقصص النبوية ويشوهون معاني القرآن عبر اقتطاع الآيات أو وضعها في سياق خارج عن سياقها ويفسرون الكلام حرفيا و"من لا يعرف ينحرف". يجب ألا نستخف بهم فهم استطاعوا من خلال عملهم التبشيري أن يحصدوا ثمارا كثيرة في كردستان العراق وفي شمال أفريقيا، وأما في البرازيل على سبيل المثال، حيث إنها بلد كاثوليكي لم يكن فيها وجود للإنجيليين المتجددين في مطلع القرن الماضي، فقد كسب المبشرون المتجددون -بعد قرن وتسع سنوات- إلى كنائسهم 50 مليون برازيلي، وفي الصين كسبوا الملايين وفي الهند، وفي نيجيريا لهم قوة شعبية لا يستهان بها، وفي كندا يكسبون كل عام عشرات آلاف الكاثوليك والأنغليكان. ولكن في العالم الإسلامي يعانون مشاكل جمة في تنصير أعداد كبيرة إلا في منطقتين، حيث سمعت من كبار المنصرين خلال سنواتي في الكنيسة أن الناس في كردستان وفي مناطق الأمازيغ في شمال أفريقيا يقبلون على التنصر لوجود مشاكل إثنية بينهم وبين العرب المسلمين. كيف يمكن مكافحة ظاهرة التنصير الخبيث الذي له أجندة سياسية كما تقولين؟ للأسف هناك أكثر من عشرة آلاف موقع إلكتروني متخصص في مهاجمة العقائد الإسلامية وذلك لتوريط المسلمين في جدال عقلي يطيح بإيمان المسلم، وتلك المواقع تتحدث بكافة اللغات التي يتحدث بها المسلمون، بينما نجد أن القرآن لم يترجم إلى الأمازيغية إلا قبل أسابيع. هم منظمون ويتلقون دعما هائلا ماديا ومعنويا ودبلوماسيا ومن دول لها غايات سياسية تستعمل هذه المنظمات لتحقيق أهداف سياسية مباشرة. أظن أن البداية تكون بالتفريق بين المسيحيين من كل المذاهب والإنجيلي المتجدد فشتان ما بين الطرفين. الأول صاحب دين يعتبره صحيحا ولكنه لا يحقد على الآخرين لأنهم يخالفونه في الدين، ويمكن للمسيحيين المشرقيين أن يكونوا فعالين في مواجهة التنصير الخبيث، لأنهم أدرى بطرق تدمير منطق المبشرين الخبثاء. بينما الإنجيلي المتجدد يعتبر أن مهمته في الحياة تنحصر في التبشير وفي اصطياد البشر لضمهم إلى إيمانهم الهرمجدوني، لذا ترى شعارهم ليس الصليب بل السمكة، وهم لا يتورعون عن استعمال أساليب دنيئة مثل التحريض والتشويه وبث الكراهية ضد الآخرين بهدف الحصول على اختراقات في صفوفهم. المسيحيون التقليديون والمسلمون في عرف الإنجيلي المتجدد طرف واحد يجب القضاء عليه بتنصيره واصطياده لينضم إلى المختارين من الرب بزعمهم. مع هذا الفارق في الإمكانيات هل ترين أملا في مواجهة التنصير الخبيث خصوصا بين المسلمين في الغرب؟ هم يستغبون الناس أو يستغلون حاجاتهم أو يشتتون أفكارهم بنقاشات تبدو صعبة ولكن أجوبتها سهلة جدا. لديهم سؤال متكرر وهو يقول إن محمدا عليه الصلاة والسلام كان دمويا ويستشهدون على ذلك بآيات من القرآن وبقصص من كتب السيرة النبوية، المسلم الجاهل يصدق أن رسولنا كان دمويا لأن مصدره ملفق وعقله مغلق، ولكن لو بحث عن الجواب الصحيح لعرف أن كل حروب الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت دفاعية، ولعرف أن آيات القرآن التي تحث على القتال لها علاقة بظرف آني كان فيه المسلمون متقاعسين عن نصرة دينهم، ودائما تبعت آيات التحريض على القتال آيات تدعو للسلم إن جنح المعتدي على المسلمين إلى السلام. كيف يمكن مساعدة المشوشين فكريا لإنقاذهم من التبشير الخبيث؟ بنشر الوعي وبإنشاء مواقع بكل اللغات التي يتحدث بها المسلمون تشرح أساليب الخداع التي يعتمدها المبشرون. أنا مثلا وبكل تواضع أخطط لافتتاح مكتبة–مقهى تكون الضيافة فيها مجانية للطلاب في وسط مونتريال، وتكون ساحة للنقاشات حول الإسلام وهي مكان مجاني للاطلاع على الكتب الإسلامية الصحيحة. ويمكن للضيوف أن يطلعوا في تلك المكتبة–المقهى على أفلام تروي سيرة الرسول (ص) وتحكي قصة الرسالة، ويمكن للضيوف أن يحصلوا على كتب وعلى منشورات إسلامية تثقيفية مجانية. هذه فكرة أحاول تنفيذها وحدي وهنا نحتاج إلى روح المبادرة، ويجب على كل مسلم ملتزم أن يعتبر نفسه سفيرا للإسلام، وعليه أن يبادر وحده إلى القيام بعمل لا شك أنه سينجح إن كان خالصا لله. هل بدأت عمليا في تنفيذ المشروع؟ أرتب الأوراق القانونية للمؤسسة التي ستحمل هم هذا المشروع، ولكن ما كان لله ينمو إنشاء الله.

الجمعة، 18 ديسمبر 2009

الراحةُ في الجنَّةِ

الراحةُ في الجنَّةِ
عائض القرني
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ . يقولُ أحمدُ بنُ حنبلَ ، وقد قيل له : متى الراحةُ ؟ قال : إذا وضعت قدمك في الجنةِ ارتحت . لا راحة قبل الجنةِ ، هنا في الدنيا إزعاجاتُ وزعازعُ وفتنٌ وحوادثُ ومصائبُ ونكباتُ ، مَرَضٌ وهمٌّ وغمُّ وحزنٌ ويأسٌ . طُبِعَتْ على كدرٍ وأنت تريدُها صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ أخبرني زميلُ دراسةٍ من نيجيريا ، وكان رجلاً صاحب أمانةٍ ، أخبرني أن أمَّه كانت تُوقظُه في الثلثِ الأخير ، قال : يا أمَّاهُ ، أريد الراحة قليلاً . قالت : ما أوقظك إلا لراحتِك ، يا بني إذا دخلت الجنة فارتحْ . كان مسروقٌ – أحدُ علماءِ السلفِ – ينامُ ساجداً ، فقال له أصحابهُ : لو أرحت نفسك . قال : راحتها أريدُ . إن الذين يتعجَّلون الراحة بتركِ الواجبِ ، إنما يتعجَّلون العذاب حقيقةً . إنَّ الراحةً في أداءِ العمل الصالحِ ، والنفعِ المتعدِّي، واستثمارِ الوقتِ فيما يقرِّبُ من اللهِ . إنَّ الكافر يريدُ حظَّه هنا ، وراحتَهُ هنا ، ولذلك يقولون : ﴿ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ . قال بعضُ المفسِّرين : أي : نصيبنا من الخَيْرِ وحظَّنا من الرزقِ قبل يومِ القيامةِ . ﴿ إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾ ، ولا يفكِّرون في الغدِ ولا في المستقبلِ ، ولذلك خسرُوا اليوم والغد ، والعمل والنتيجة ، والبداية والنهاية . وهكذا خُلقتِ الحياةِ ، خاتمتُها الفناءُ فهي شربٌ مكدَّرٌ ، وهي مزاجٌ ملوَّن لا تستقرُّ على شيء ، نعمةٌ ونقمةٌ ، شدَّةٌ ورخاءٌ ، غنىً وفقرٌ . هذه هي النهاية : ﴿ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ ।

الخميس، 17 ديسمبر 2009

الهجرة واصناف الناس فيها

الهجرة واصناف الناس فيها
اعداد / سعيد عامر
مدير الوعظ بمدينة العاشر من رمضان
---------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد: معنى الهجرة الهجرة عند أهل اللغة: المفارقة والترك والبعد، قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت: 26]. أي: تارك لقومي ومفارقهم.شرعًا: الخروج من أرض إلى أرض، وترك الأولى للثانية.(لسان العرب، مادة: هجر: 51/4617، والنهاية لابن الأثير 5/224).قال الحافظ ابن حجر: الهجرة الترك، والهجرة إلى الشيء: الانتقال إليه عن غيره.وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه، وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين:الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة.الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان.وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فُتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيًا. (الفتح: 1/23).
أنواع الهجرة وأصناف الناس
الهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة، أو «حسية ومعنوية».
أولاً: الهجرة الباطنة:
وهي ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان، وهذه الهجرة في مقدور كل مسلم، وتجب عليه عند وجود ما يقتضيه حتى تحصل له السلامة من المنكرات والموبقات، وتحقق له الاستقامة في دينه ودنياه، روى البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». وفي رواية لابن حبان والحاكم: «المؤمن من أمنه الناس».فدل ذلك على أن المهاجر: هو الذي امتثل جميع أوامر الشرع ونواهيه في نفسه ومع غيره، فيهجر كل ما يضر بالمسلم أو يؤذيه، كما في مسند أحمد: «الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، ثم أنت مهاجر وإن مت بالحضر». (صححه الشيخ أحمد شاكر).
ثانيًا: الهجرة ظاهرًا:
الهجرة من دار الكفر والحرب إلى دار الإسلام والأمان।أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يبلغ الدعوة للناس كافة: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 1، 2]، فامتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فآمن من آمن، وكفر من كفر، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن: 2].وهذا التقسم العقدي ينبني عليه أحكام ونتائج في الدنيا والآخرة.المسلمون: كلهم إخوة، وبلادهم واحدة، ولو صارت دولاً شتى.غير المسلمين: على اختلاف طوائفهم وعقائدهم كلهم ملة واحدة، فالكفر كله ملة واحدة.وقد رتب الفقهاء على هذا التقسيم أحكامًا شرعية، بسبب اختلاف الدارين، وقبل بيان الأحكام نشير إلى الضابط الذي يميز الدارين ويحدد كلاً منهما:
دار الإسلام
في تحديد دار الإسلام نجد آراء للعلماء منها: كل ما دخل من البلاد في محيط سلطان الإسلام، ونفذت فيه أحكامه، وأقيمت شعائره، قد صار من دار الإسلام. راجع تفسير المنار (10/316).
وسكان دار الإسلام نوعان
مسلمون: وهم كل من آمن بالدين الإسلامي. وذميون: وهم غير المسلمين، الذين يقيمون إقامة دائمة في دار الإسلام، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، وسكان دار الإسلام جميعًا مسلمين وذميين معصومو الدم والمال، لأن العصمة في الشريعة الإسلامية تكون بأحد شيئين: بالإيمان والأمان، أي: العهد. (راجع بدائع الصنائع 7/102).
دار الحرب
كل البلاد غير الإسلامية، التي لا تدخل تحت سلطان المسلمين، أو لا تظهر فيها أحكام الإسلام، أي: لا سلطان للمسلمين عليها، وتجري فيها الأحكام الشركية।وليس معنى دار الحرب ودار الإسلام أنهما في حالة عداء وخصام مستمر، وإنما المقصود هو وجود الأمن والسلام، أو عدم وجوده।ولإمام المسلمين أن يعقد مع أهل الحرب صلحًا، للمصلحة على ترك القتال بينهما مدة محددة من الزمان، كما صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة قبل فتحها على وضع الحرب بينهما عشر سنين، وحينئذ تسمى دار عهد.والمسلم الذي يعيش في دار الكفر له أحوال:أ- قادر على الهجرة، ولا يمكنه إظهار دينه:المسلم الذي لم يستطع إظهار دينه خوفًا على نفسه، وباستطاعته أن يهاجر إلى بلدة آمنة لإظهار دينه، فهذا تجب عليه الهجرة، ويكون عاصيًا بتركها. قال تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت: 56]، وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء: 97].هذا الوعيد الشديد لا يكون إلا في ارتكاب المحرم وترك الواجب: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة: 217].روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث جرير بن عبد الله البجلي- الذي أسلم سنة عشر من الهجرة أو قبلها- أنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وعلى فراق المشرك. وقال الله عز وجل: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140].وهذا يدل على وجوب هجرة المسلم من بين المشركين ما دام لا يستطيع أن يظهر دينه، لأن في الإقامة خطرًا كبيرًا وشرًا مستطيرًا، من ذلك:- تشكيك المسلم في عقيدته ودينه.- العمل على انحراف المسلم وإضلاله.- تشبعه بأفكار الغرب وتقليدهم.- إفساد الأخلاق والوقوع في الرذيلة عن طريق تهيئة أسباب الفساد وجعلها في متناول اليد لكل شاب.وهذه الهجرة حكمها باقٍ في حق كل مسلم في دار الكفر، وقدر على الخروج منها.روى أبو داود والنسائي والدارمي والبيهقي وأحمد والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (6/186): «لا تنقطع الهجرة، حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».ب- لا يقدر على إظهار دينه وهو عاجز عن الهجرة لعذر، كالشيخ الطاعن في السن، والمريض مرضًا مزمنًا، والأسير، والمكره، أو ضعيف عن سلوك سبيل الهجرة كالنساء والأطفال، فهؤلاء ومن في حكمهم لا تجب عليهم الهجرة، وتجوز لهم الإقامة بين المشركين.جـ- قادر على الهجرة ويمكنه إظهار دينه:من كان يستطيع إظهار دينه في دار الحرب فهذا يستحب له أن يهاجر لتقوية شوكة المسلمين ولتكثير سوادهم، فضلاً عما يحصل عليه من الخير في بقائه مع المسلمين من شهود جنائزهم، وعيادة مريضهم وإفشاء السلام بينهم، ومواساة ضعيفهم وما يتبع ذلك من أوجه النفع. (راجع: التسهيل لتأويل التنزيل سورة النساء 2/228، 229).قال تعالى: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 100].(راجع فتح الباري: 6/190).د- من كان يدعوا إلى الله في ديار الكفر، ويستطيع إظهار دينه، مع بقائه في ديار الكفر للدعوة إلى الله ونفع العباد ولقضاء مصالح المسلمين، فهذا يستحب له البقاء فيها.ولا شك أن المسلمين إذا فتحوا بلاد الكفار، أو صالحوا أهلها على أن تنفذ فيهم أحكام الإسلام وتطبق عليهم شرائعه، فحينئذ لا يجوز لأي مسلم أن يهاجر من تلك البلاد لكونها صارت بالفتح أو الصلح دار إسلام، دليل ذلك الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا».
ثانيًا: الهجرة هربًا
إذا خشي المسلم على نفسه أو أهله أو ماله في أرض ما، فقد أذن الله له في الخروج من تلك الأرض والفرار بنفسه وبما يخاف عليه ليتخلص من ذلك المحذور، وهذه رحمة من الله بخلقه ورفقًا منه سبحانه بعباده، كما هاجر إبراهيم الخليل عليه السلام حين خاف قومه، خرج من بينهم وقال: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت: 26]، وكذلك موسى عليه السلام لما قَتَلَ مصريًا دون قصد وبلا آلة تفضي إلى القتل، وتآمر عليه الملأ من قوم فرعون ليقتلوه قال: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 21]،وهاجر لوط عليه السلام من القرية الظالم أهلها حين أراد الله عز وجل أن يجعل عاليها سالفها، وأرسل عليهم حجارة من سجيل: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ [هود: 81]، وهاجر يونس عليه السلام لما رأى إصرار قومه على الباطل وتماديهم في المنكر وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) [الأنبياء: 87]، وهاجر يعقوب والأسباط إلى مصر يوم جعل الله يوسف عليه السلام على خزائن الأرض، يلتمسون وطنًا صالحًا فيه الخصب ولين العيش، وقال يوسف لهم: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [يوسف: 99).وهاجر صالح عليه السلام من ديار قومه حين تأذن الله ليرسل عليهم العذاب الأليم، وهاجر هود عليه السلام يوم أرسل الله على قومه الريح العقيم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته لما عقد زعماء قريش وأشرافها اجتماعًا لوضع خطة حاسمة تكفل القضاء على محمد صلى الله عليه وسلم وتحجب دعوته نهائيًا عن الوجود، وعندما بدأت قريش التنفيذ أمر الله نبيه بالهجرة.
ثالثًا: الهجرة طلبًا لدين أو دنيا
وهي أن يخرج المسلم مهاجرًا من مكان إلى مكان آخر لغرض دنيوي أو ديني.أ- الهجرة لطلب دين:هذا السفر أحيانًا يكون واجبًا، ومن ذلك:الحج: إذا توفرت شروط الحج وانتفت موانعه، فيجب عند ذلك على المسلم المستطيع مفارقة وطنه والمبادرة بالسفر لأداء هذا الفرض، قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: 97].الجهاد: إذا اعتدى الكفار على ديار المسلمين أو احتلوا جزءًا ونحو ذلك، فعلى المسلم القادر الخروج للدفاع والمرابطة على الثغور وتكثير سواد المسلمين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38، 41].وأحيانًا يكون هذا السفر على سبيل الاستحباب، من ذلك:- الرحلة في طلب العلم:- قال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [التوبة: 122]، فالآية فيها الحث على طلب العلم دون الإلزام والوجوب. (راجع أحكام القرآن لابن العربي 2/1031).
الرحلة للأماكن المقدسة
ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومسجد الأقصى»، وقد خصصت هذه المساجد لأن الصلاة فيها تضاعف أضعافًا كثيرة، ولأن الأنبياء صلوا فيها. زيارة المسلم روى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «خرج رجل يزور أخًا له في قرية أخرى...».ب- الهجرة لطلب دنيا:أحيانًا يتعذر على الرجل معاشه في أرض، فيخرج منها إلى غيرها لتحصيل ما يحتاج إليه، وهذا من السعي في الأرض والمشي في مناكبها، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك: 15]، وروى أحمد والترمذي وصححه الشيخ أحمد شاكر: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصًا وتروح بطانًا». راجع ابن كثير في تفسيره.جـ- السفر للتنزه وترويح النفس:هذا السفر مباح إذا لم يهمل الفرائض والعبادات، ولم يضيع الحقوق والواجبات، وابتعد عن المحرمات والموبقات، وسلِمَ من الأوزار والتبعات، بل ربما يكون سفر المسلم ذاك مستحبًا ومسنونًا إذا أراد به الاعتبار والاتعاظ بعجائب الله في خلقه، وسننه في عباده، والانتفاع بما في الأرض من آثار. ويجب على المسلم أن يخلص النية ويحسن العمل في حركاته وسكناته وحله وترحله، وصحته ومرضه وكل أحواله، ويتحرى رضا الله وموافقة شرعه، حتى يفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل، ففي الحديث المتفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». وفي رواية: «إنما الأعمال بالنية وإنما لأمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». فالنية بما يصحبها من إخلاص أو رياء، أصل لقبول العمل أو رده.نسأل الله أن يرزقنا صدق النية، وحسن العمل، والتوكل عليه والإنابة إليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

هل يطير النعش

هل يطير النعش بقلم د : الوصيف علي حزة
- رحمه الله -
***********
من المضحكات المبكيات أن الناس لا يزالون يصدقون خرافة أن النعش يطير بصاحبه ، وأن الميت يوجه النعش حيث يشاء ليدفن في المكان الذي يحب . هذه الخرافة التي لا تنطلى إلا على السذج والبسطاء من الناس لا أساس لها في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . والغرض من هذه الخرافة التي ظلت تتردد على الألسنة ، وتتوارثها الأجيال التابعة لدولة الدراويش هو أن يزرع الميت الذي قيل كذبا أنه طار في مسجد من المساجد ليبني عليه ضريح ، وليوضع بجانبه صندوق للنذور ، لتمتلئ جيوب السدنة ، والمحاسيب بالباطل . ولو رددنا ذلك إلى الكتاب والسنة لوجدنا ما يلى : أولاً في كتاب الله يقول الله سبحانه وتعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(36)رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) ، ويقول سبحانه : ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) ويقول سبحانه : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) . ثانيًا : في السنة المطهرة : نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفن أحد في مسجد لأن هذا تقليد لليهود والنصارى ، وهو من أشد أسباب سخط الله عليهم . ففي حديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) متفق عليه . قالت عائشة رضي الله عنها : ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدًا . وفي مسلم عن أبي هياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة ، وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير وتماثيل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصور . أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم لا تعجل لقبري عيدًا - اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد - اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . بعد هذا السرد الطويل الذي كثيرا ما يردده أهل التوحيد ، والموحدون نرى في قرية من القرى المجاورة لمدينة الجمالية - دقهلية - قوما ادعوا أن نعش ميت طار به ، وحط في مكان معين ، وسرعان ما صدقوا الأكذوبة التي أطلقوها ، وسارعوا ببناء قبة عليه ، وأجروا عليه الطقوس التي لا تجرى دائمًا إلا في مملكة الدراويش كلما هلك هالك منهم . والسؤال الذي يطرح نفسه على الساحة الإسلامية فلا يجد جوابًا هو : هل يطير الموتى بنعوشهم ؟ وإذا كان هذا حقا - وهو ليس كذلك - فمن الذي يطير ؟ وهل يطير لأنه رجل صالح ! أم يطير لأنه رجل طالح فإن كان الميت قد طار لأن عمله صالح فلماذا لم يطر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولماذا لم يطر خلفاؤه الكرام ، وأصحابه رضي الله عنهم وهم أفضل خلق الله بعد أنبيائه ورسله ؟ وإذا كان الميت يطير لأن عمله طالح فكفى به إثما أن يكون ذلك ولكن لماذا أيضًا لم يطر أبو جهل ، وأبو لهب ، والوليد بن المغيرة ومن على شاكلتهم من أئمة الكفر . الحق أن هذا خلط أراد به المبتدعون في دين الله أن يلبسوا على الناس دينهم . وإن قال قائل : إن دفن الموتى في المساجد حرام . قالوا له فما بالك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دفن في المسجد . وقد نسوا أو تناسوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (نحن معاشر الأنبياء ندفن حيث نقبض) وقد مات صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة فكان من الطبيعي أن يدفن فيها وكانت الحجرة خارج المسجد في الجهة الشرقية منه وظلت كذلك رغم التوسعات التي طرأت على المسجد من الجهة اليمني ومن الخلف حتى كان عام 88 هجرية في خلافة الوليد بن عبد الملك الذي أمر بتوسعة المسجد من جميع الجهات ليتسنى له طرد بقية آل البيت من أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما لأنه كان يخشى من منافستهم له على الخلافة . وبهذا دخلت الحجرة الشريفة إلى المسجد . والذي يجب أن نضعه في الحسبان قول أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما للوليد بن عبد الملك حينما سأله مفاخرًا عليه بالبناء الجديد قائلا له : بناؤنا أم بناؤكم ؟ فقال أبان بن عثمان : لقد بنيناه بناء المساجد أما أنتم يا بني أمية فقد بنيتموه بناء الكنائس بإدخالكم قبر رسول الله فيه وتصويركم فيه تلك الصور . وقد يعجب الإنسان ، ويزداد عجبه حينما يرى إذاعة القرآن الكريم لا تقيم الأمسيات الدينية إلا من هذه الأماكن التي بها الأضرحة وكأنه اعتراف منها بهذه الأماكن فقط دون سائر المساجد . ولا يخفى على عاقل ما يحدث في هذه الموالد من بدع وموبقات ، وشرب الخمر ، وتدخين للحشيش ، واختلاط للرجال بالنساء ، وأكل لأموال الناس بالباطل ، وطواف بالأضرحة والذي هو أمر من أمور الجاهلية سماه الله شركًا ، وقال فيه : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) وفي هذه العجالة السريعة نذكر المسلمين بقول الله سبحانه وتعالى القائل : ( يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَءَامِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(31)وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) . ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه
د . الوصيف على حِزَّة

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

فضائل وآداب شهر الله المحرم

فضائل وآداب شهر الله المحرم
بقلم د جمال المراكبى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فإن الله سبحانه وتعالى فضل بعض الأيام والشهور على بعض، فخير الأيام عند الله يومُ النحر، وهو يومُ الحج الأكبر كما في «السنن» عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ» وقيل يومُ عرفة أفضلُ منه، وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي قالوا لأنه يومُ الحج الأكبر، وصيامُه يكفر سنتين، ومَا مِنْ يَوْمٍ يَعْتِقُ اللهُ فيه من الرقاب مثل يوم عرفة وكذلك فضل عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، فإنَّ أيامه أفضلُ الأيامِ عند الله، وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالح فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هذه الأيَّامِ العَشْرِ» قَالُوا وَلاَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ «وَلاَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ» رواه ابن حبان والبيهقي، وصححه الألباني وهي الليالي العشر التي أقسم الله بها في كتابه بقوله «وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ» الفجر ، ولهذا يُستحب فيها الإِكثارُ من التكْبِير والتهليل والتحميدِ، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأكْثرُوا فِيهِنَّ مِنَ التكْبِيرِ وَالتَّهْلِيل وَالتَحْمِيدِ» وَمِنْ ذَلك تفضيلُ شهر رمضان على سائر الشهور، وتفضيلُ عشرِهِ الأخير على سائر الليالي، وتفضيلُ ليلة القدر على ألف شهر هذا وقد فضل الله شهر المحرم بأن نسبه إليه وجعله شهرا حراما وجعل الصيام فيه أفضل من غيره من الشهور بعد الفريضة قال الله تعالى «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» التوبة ، وقد أجمع العلماء على أن الأشهر الأربعة المذكورة هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقد اختلف في الابتداء بعددها فذهب أهل المدينة إلى أنه يبتدأ بذي القعدة فيقال ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ويحتجون على ذلك بأن النبي عدها في خطبة حجة الوداع كذلك فقال السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واختاره أبو جعفر النحاس وذهب أهل الكوفة إلى أنه يبتدأ بالمحرم فيقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة ليأتوا بها من سنة واحدة وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم عليه من الضلال والكفر يعظمون هذه الأشهر ويحرمون القتال فيها حتى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه إلى أن حدث فيهم النسيء فكانوا ينسئون المحرم فيؤخرونه إلى صفر فيحرمونه مكانه وينسئون رجبًا فيؤخرونه إلى شعبان فيحرمونه مكانه ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم واعلم أنه يجوز أن يضاف لفظ شهر إلى جميع الأشهر فيقال شهر المحرم وشهر صفر وشهر ربيع الأول وكذا في البواقي على أن منها ثلاثة أشهر لم تكد العرب تنطق بها إلا مضافة إليها وهي شهرا ربيع وشهر رمضان ويؤيد ذلك في رمضان ما ورد به القرآن من إضافته قال تعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ» البقرة ويقال في المحرم أيضًا شهر الله المحرم ويقال في الربيعين ربيع الأول وربيع الآخر وفي الجمادين جمادى الأولى وجمادى الآخرة قال النحاس وإنما قالوا ربيع الآخر وجمادى الآخرة ولم يقولوا ربيع الثاني وجمادى الثانية كما قالوا السنة الأولى والسنة الثانية لأنه إنما يقال الثاني والثانية لما له ثالث وثالثة ولما لم يكن لهذين ثالث ولا ثالثة قيل فيهما الآخر والآخرة كما قيل الدنيا والآخرة ويقال في رجب الفرد لانفراده عن بقية الأشهر الحرم ويقال فيه أيضا رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ويقال في شعبان المكرم لتكرمته وعلو قدره، وفي رمضان المعظم لعظمته وشرفه، وفي شوال المبارك للفرق بينه وبين شعبان خشية الالتباس في الكتابة، ويقال في كل من ذي القعدة وذي الحجة الحرام كما قال النبي في خطبة عرفة «أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال أليس يوم الحج الأكبر؟ قلنا بلى ثم قال أي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال أليس شهر الله المحرم ؟ قلنا بلى»
صوم المحرم
عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، عن النبي قال «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» رواه مسلم قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ، يَحْتَمِل أَنْ يُقَال إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص، وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه تَعَالَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم وقال البغوي نسبه إلى نفسه على جهة التعظيم مع أن الشهور كلها لله، كما قال الله سبحانه وتعالى «نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا» الشمس وكان سفيان بن عيينة يقول في قوله عز وجل «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ» الأنفال ، نسب المغنم إلى نفسه لأنه أشرف الكسب، ولم يقل ذلك في الصدقة، فقال «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» التوبة ولم يقل لله، لأنها أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها قال ابن رجب ولما كان هذا الشهر مختصاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى، ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام وقال السيوطي سئلت لم خص المحرم بقولهم شهر الله دون سائر الشهور مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان ووجدت ما يجاب به أن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور فإن أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول، والذي بعده صفر الثاني فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم فأضيف إلى الله بهذا الاعتبار وهذه الفائدة لطيفة رأيتها في الجمهرة قال القرطبي إنما كان صوم المحرم أفضل الصيام من أجل أنه أول السنة المستأنفة فكان استفتاحها بالصوم الذي هو أفضل الأعمال فإن قلت قد ثبت إكثار النبي من الصوم في شعبان وهذا الحديث يدل على أن أفضل الصيام بعد صيام رمضان صيام المحرم، فكيف أكثر النبي منه في شعبان دون المحرم ؟ قلت لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما كذا نقله النووي رحمه الله في شرح مسلم عن القرطبي قال ابن رسلان فإن قيل كيف كان رسول الله يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم فالجواب أن جماعة أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم، كما قال النووي أفضل الشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم، وأفضلها المحرم، ويلي المحرم في الفضل رجب، والأظهر كما قال بعض الشافعية والحنابلة وغيرهم أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان شعبان لمحافظته على صومه أو صوم أكثره فيكون قوله أفضل الصيام بعد رمضان المحرم محمولا على التطوع المطلق وكذا أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن والرواتب التي قبل الفرض وبعده خلافا لبعض الشافعية، فكذلك ما كان قبل رمضان أو بعده من شوال تشبيهًا له بالسنن والرواتب اهـ فمن أحب أن يصوم أفضل الصيام بعد شهر رمضان، فعليه أن يصوم في شهر الله المحرم، فصوم يوم من هذا الشهر أفضل من صوم أي يوم من أيام العام، ولا يُفهم من هذا القول أنه يُلغي أو يُبطل أفضلية صيام ما ورد الشرع بذكره والتنويه به وبيان فضله، مثل صيام الأيام البِيض، أو صيام يومي الاثنين والخميس، أو صيام يوم عرفة، فالتنويه بشيء ليس بالضرورة ملغيًا فضيلة غيره ثم إن قولنا إن الصيام في المحرَّم أفضل الصيام، يعني تفضيل شهر المحرم في الصوم على غيره من الأشهر على العموم، ويبقى التنويه بأنواعٍ من الصيام على حاله من الفضل، وفي العاشر من هذا الشهر يومُ عاشوراء وصيامُه يكفِّر السنة التي قبله
أحاديث في فضل الصوم في هذا الشهر
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم» وعنه رضي الله عنه يرفعه «قال سُئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان ؟ فقال أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم» عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال «سأله رجل فقال أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ فقال له ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلاً سمعتُه يسأل رسول الله وأنا قاعد عنده فقال يا رسول الله أيَّ شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال إن كنتَ صائماً بعد شهر رمضان، فصم المحرَّم فإنه شهر الله فيه يومٌ تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على قومٍ آخرين» رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وأقرَّ المنذري تحسين الترمذي له ورواه أحمد بلفظ عن علي قال «أتى النبَّي رجلٌ فقال يا رسول الله أخبرني بشهرٍ أصومُه بعد رمضان ؟ فقال رسول الله إن كنتَ صائماً شهراً بعد رمضان فصم المحرَّم، فإنه شهر الله، وفيه يوم تاب فيه على قوم، ويُتاب فيه على آخرين»
حدث في شهر الله المحرم
نجاة موسى ومن معه من المؤمنين من فرعون فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدم المدينة، ووجد اليهود يصومون يوم العاشر من المحرم، فسألهم لماذا تصومون؟ قالوا إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، فنصومه شكراً لله، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «نحن أولى بموسى منكم»، ثم صامه وأمر بصيامه سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى طليحة الأسدي سنة هـ وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات سرية محمد بن مسلمة قبل نجد، وهي التي أسر فيها ثمامة بن أثال سنة هـ وكانت أول سرية بعد الفراغ من الأحزاب وقريظة، وكان عدد قوات هذه السرية ثلاثين راكباً خروجه إلى خيبر سنة هـ زواجه بصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وفاة أبي قحافة التيمي والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما سنة هـ وفاة مارية أم إبراهيم بن رسول الله سنة هـ قتل الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة، العاشر من المحرم، سنة هـ
بداية التاريخ الهجري
اتفق المسلمون على أن يكون هذا الشهر هو افتتاح السنة، وذلك أن الناس فيما سبق حتى في أول عهد الإسلام كانوا لا يؤرخون، فأمة العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ربما يؤرخون مثلاً بعام الفيل، فيقولون هذا حصل عام الفيل، لكن في عهد عمر رضي الله عنه عندما اتسعت رقعة الإسلام شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وصارت الرسائل تأتيه، ويشتبه عليه هل هذه الرسالة قبل الرسالة الأخرى أو بعدها؟ قال لا بد من تاريخ، فتشاوروا كعادتهم في النوازل من أين نبدأ التاريخ ؟ هل من مولد النبي عليه الصلاة والسلام، أو من بعثته، أو من هجرته؟ إن بدأ من مولده صار المسلمون أتباعاً للنصارى؛ لأن النصارى ابتدءوا التاريخ من مولد عيسى، والمسلمون أمة مستقلة، ذات طابع خاص،وكيان خاص متميزة عن غيرها قالوا إذاً نبدأ من البعثة؛ لأن ببعثته بدأ النور ينزل على هذه الأمة «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً» النساء فيكون من البعثة، ولكن البعثة لم يظهر فيها للإسلام دولة، ونحن نريد أن نؤرخ تاريخاً خاصاً بدولة الإسلام، والدولة لم تكن إلا بعد الهجرة، فإنه بعد الهجرة صار للأمة الإسلامية بلد خاص مستقلٌ قالوا إذاً يكون ابتداء التاريخ من الهجرة التي تكونت بها الدولة الإسلامية ثم اختلفوا اختلافاً آخر قالوا من أي الشهور؟ قال بعضهم من شهر رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وقال آخرون بل من شهر ربيع الأول؛ لأن ربيعًا الأول هو الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الذي كانت فيه هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الشهر الذي توفي فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن يخشى أن يكون هذا ذكرى لوفاته، ثم اختاروا أن يكون ابتداء التاريخ من المحرم؛ لأنه الذي ينصرف فيه المسلمون من أداء آخر أركان الإسلام وهو الحج، فكأن شهر ذي الحجة به تمام الأركان، فبدأوا التاريخ من شهر المحرم
عاشوراء بين السنة والبدعة
أولاً صوم عاشوراء
روى البخاري في صحيحه، باب صوم عاشوراء عن عائشة رضي الله عنها قالت «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه» وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال «قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال «ما هذا؟» قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه وعن أبي موسى رضي الله عنه قال كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدًا قال النبي «فصوموه أنتم» وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال «ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان» وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال «أمر النبي رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء» وعن إِسْمَاعِيلُ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما يَقُولُ حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» قال الحافظ في الفتح الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية، وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذًا من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عِشرًا، بكسر العين وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج انتهيت إلى بن عباس وهو متوسد رداءه فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائمًا قلت أهكذا كان النبي يصومه؟ قال نعم وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع لكن قال الزين بن المنير قوله إذا أصبحت من تاسعة فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من تاسعة إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة قلت ويقوى هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضًا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي قال «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» فمات قبل ذلك، فإنه ظاهر في أنه كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح وبه يشعر بعض روايات مسلم ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذلك، فوافقهم أولاً، وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم، ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ أمرنا رسول الله بصيام عاشوراء يوم العاشر، وقال بعض أهل العلم قوله في صحيح مسلم لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم فلما توفي قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر، والله أعلم
ثانيا بدع عاشوراء
قال ابن رجب وكل ما رُوىَ في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح وأما التوسعة فيه على العيال فقال حرب سألت أحمد عن الحديث الذي جاء «من وسع على أهله يوم عاشوراء» فلم يره شيئا وقال العقيلي هو غير محفوظ وقد روي عن عمر من قوله وفي إسناده مجهول لا يعرف وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم والله سبحانه وتعالى يعلم أننا نحب الحسين ونتولاه في الدنيا والآخرة ونحب كل آل بيت رسول الله ونعلم أن الحسين قُتل شهيداً مظلوماً، ونبرأ إلى الله عز وجل ممن قتله، ونبرأ كذلك من منهج أهل الضلالة الذين يتاجرون بدم الحسين وهو منهم ومن منهاجهم براء والله من وراء القصد

احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك
عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف " 1 . وفي رواية غير الترمذي: " احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أنّ النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسرِ يسراً " 2. الشـرح: " يا غلام " لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا ، والغلام يطلق على من لم يبلغ خمس عشرة سنة. قوله: " احفظ الله " أي حفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره، ونواهيه ، قال تعالى : {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} ق(32)(33). . قوله: " يحفظك " أي يحفظه الله في الدنيا من الآفات والمكروهات، وفي الأخرى من أنواع العقاب والدركات . قوله: " احفظ الله تجده تجاهك " قال تعالى:{ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}النحل(128).. قوله : " تعرف إلى الله في الرخاء؛ يعرفك في الشدة " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سره أن يستجيب الله له عن الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء " رواه الترمذي. وصححه الألباني في الصحيحة رقم (593). قوله: " واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك " . قال الله تعالى: { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التوبة(51). قال ابن رجب : وأعلم أن مدار جميع هذه الوصية على هذا الأصل. قوله : " رفعت الأقلام وجفت الصحف " قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} الحديد(22).
منقــول بإختصار
----------------
1 - رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح. والحديث ورد بألفاظ متعددة وقد صححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير (2/ 1318) برقم (7957). 2 - رواه أحمد.

الاثنين، 14 ديسمبر 2009

حكم إقامة القبور في المساجد

حكم إقامة القبور في المساجد بقلم: فضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين
- رحمه الله - (تعليق على فتوى)
--------
نشرت مجلة (نور الإسلام) التي تصدرها هيئة علماء الوعظ والإرشاد بالأزهر في عددها الصادر في ربيع الأول 1403 في باب (يسألونك) ما يلي: (يسأل المواطنون من أهل دلهمو منوفية فيقولون: في القرية مسجد به ضريح لأحد الأولياء في الجانب الغربي منه.
وحدث توسيع للمسجد حتى أصبح الضريح في وسط المسجد من جهة الغرب.
فهل يجوز نقل الضريح من مكانه؟).
وأجاب علماء الوعظ والإرشاد بما يلي: (إن دين الله لا تشدد فيه ولا غلو. فمدار الأعمال على النية.
وما دامت النية خيراً فلا مانع من بقائه بشرط أن يبنى عليه حاجز أو مقصورة.
وإذا كان فيه شبهة فيجوز نقله مع المحافظة على عظامه ورفاته لأن إيذاء الميت كإيذائه حياً وكسر عظم الميت ككسره حياً والله أعلم).
وأمام هذه الفتوى الغريبة عن الإسلام لا يسعنا إلا أن نضع أمام هيئة علماء الوعظ والإرشاد بالأزهر التي أصدرت هذه الفتوى بعض المراجع الأزهرية لعل هيئة العلماء تراجع موقفها من هذه الفتوى: أولا : كتاب الفتاوى للشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق الذي حرم دفن الموتى في أماكن العبادة.
ثانياً : كتاب الإبداع للشيخ على محفوظ وهو كتاب كان يدرس من قبل في كلية أصول الدين، ثالثاً : كتاب فقه السنة للشيخ السيد سابق. رابعاً- مجلة الأزهر عدد شعبان 1359هـ. وإذا كانت هيئة علماء الوعظ والإرشاد ليس لديها الوقت للرجوع إلى هذه المراجع فقد رأيت أن أنشر لكم نص ما نشرته مجلة الأزهر في عدد شعبان 1359 على لسان مفتي الديار المصرية وقتها .
وعنوان الفتوى: حكم إقامة القبور في المساجد وبناء المساجد على القبور.
وتقول الفتوى: أصدرت دار الإفتاء في الديار المصرية الفتوى الآتية في شهر جمادى الآخرة الماضي: كتبت وزارة الأوقاف ما يأتي: (يوجد بوسط مسجد عز الدين أيبك قبران ورد ذكرهما في الخطط التوفيقية، وتقام الشعائر أمامهما وخلفهما، وقد طلب رئيس خدم هذا المسجد إلى محافظة مصر دفنه في أحد هذين القبرين، لأن جده الذي جدد بناء المسجد مدفون بأحدهما.
فنرجو التفضل ببيان الحكم الشرعي في ذلك).
والجواب: إنه قد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا يجوز أن يدفن في المسجد ميت لا صغير و لا كبير ولا جليل ولا غيره، فإن المساجد لا يجوز تشبيهها بالمقابر.
وقال في فتوى أخرى: إنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غير، إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديداً الخ اهـ.
وذلك لأن الدفن في المسجد إخراج لجزء من المسجد عما جعل له من صلاة المكتوبات وتوابعها من النفل والذكر وتدريس العلم، وذلك غير جائز شرعاً، ولأن اتخاذ قبر في المسجد على الوجه الوارد في السؤال يؤدي إلى الصلاة إلى هذا القبر أو عنده، وقد وردت أحاديث كثيرة دالة على حظر ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم (ص158) ما نصه: إن النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترت بالنهي عن الصلاة عند القبور مطلقاً، وعن اتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها.أهـ
ومن الأحاديث ما رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: نص الإمام أحمد وغيره على أنه إذا دفن الميت في المسجد نبش.
وقال ابن القيم أيضاً: لا يجتمع في دين الإسلام قبر ومسجد، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق.
وقال الإمام النووي في شرح المهذب ج5 ص316 ما نصه: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث.
قال الشافعي والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحاً أو غيره.
قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفراني رحمه الله: ولا يصلي إلى قبر ولا عنده تبركا به ولا إعظاماً له، للأحاديث . أهـ
وقد نص الحنفية على كراهة صلاة الجنازة في المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له) وعلل صاحب الهداية هذه الكراهة بعلتين: إحداهما أن المسجد بني لأداء المكتوبات، يعني وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم.
وإذا كانت صلاة الجنازة في المسجد مكروهة للعلة المذكورة كراهة تحريم - كما هو إحدى الروايتين، وهي التي اختارها العلامة قاسم وغيره-كان الدفن في المسجد أولى بالحظر، لأن الدفن في المسجد فيه إخراج الجزء المدفون فيه عما جعل له المسجد من صلاة المكتوبات وتوابعها.
وهذا مما لاشك في عدم جوازه شرعاً. والله أعلم .
وبعد فكم كان بودنا أن يلتزم كل من يتصدى للإفتاء بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم وخاصة أن قضية بناء القبور في المساجد أوضح من أن يبسط فيها الكلام من جديد بل يكفي ان تراجع كتب الحديث والفقه وإلى الله المشتكى.
محمد صفوت نور الدين