من مفردات القرآن : الرؤيـــــا (2)
بقلم فضيلة الشيخ : جميل غازي - رحمه الله -
**************
7- هل تتحقق الرؤيا فورًا :
ليس حتمًا أن تحقق "الرؤيا الصادقة" فور رؤيتها ؛ بل قد يتأخر تحققها إلى أمد بعيد .فهذه رؤيا يوسف لم تتحقق إلا بعد عشرات السنين ، وبعد جهاد طويل خاصة يوسف عليه السلام .
8- المبشرات :
والمبشرات هي " الرؤيا الصالحة" كما جاء في حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة " .
وليس معنى هذا أن كل رؤيا صادقة تعبر بشارة ، بل قد تكون - أحيانًا - نذارة .
يقول القرطبي - (( التفسير )) (ج9 ص127) -: وهذا الحديث بظاهره يدل على أن الرؤيا بشرى على الإطلاق ، وليس كذلك ، فإن الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قبل الله تعالى لا تسر رائيها ، وإنما يريد الله تعالى المؤمن رفقًا به ورحمة ليستعد لنزول البلاء قبل وقوعه .
ولعل البشرى المشار إليها في قوله تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا } هي : الرؤيا الصالحة يرونها أو ترى لهم .
9- رؤيا الكافر :
وقد تصدق رؤيا الكافر ، ولا تكون حينئذ من المبشرات ، وإنما تكون إنذارًا له أو لغيره أو وعظًا - كما في رؤيا ملك مصر ، رجع الفصل لابن حزم (ج5 ص19) .
10- تعدد الأحلام في النومة الواحدة :
ويمكن للإنسان أن يرى أكثر من حلم أو رؤيا في ليلة واحدة ونومة واحدة كما حدث لملك مصر .
11- الرؤيا والنبوة :
أخرج البخاري في كتاب التعبير "باب رؤيا الصالحين" عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة " .
فما معنى هذا ؟
وهل يفيد هذا الحديث ... أن حقيقة الرؤيا الصادقة كحقيقة النبوة ؟
يقول ابن خلدون - مجيبًا على هذه التساؤلات وغيرها -: "وما ذهب إليه بعضهم في رواية ( ستة وأربعين ) من أن الوحي كان في مبتدئه بالرؤيا ستة أشهر - وهي نصف سنة - ومدة النبوة كلها بمكة والمدينة ثلاثة وعشرون سنة ، فنصف السنة منها جزء من ستة وأربعين - فكلام بعيد عن التحقيق ، لأنه إنما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أين لنا أن هذه المدة وقعت لغيره من الأنبياء " ؟
ثم يقول :" إن ذلك إنما يعطي نسبة زمن الرؤيا من زمن النبوة ، ولا يعطي نسبة حقيقتها من حقيقة النبوة " .
( وهناك رأي آخر يبديه صاحب كتاب مؤتمر تفسير سورة يوسف ( ج1 ص177 ) مؤداه أن كون الرؤيا الصادقة جزءًا مما ذكر إنما هو باعتبار صدقها لا غير ، وإلا لساغ لصاحبها أن يسمي نبيًّا ، وليس كذلك .
12- رؤي الأنبياء ورؤي غيرهم :
والفرق كبير بين رؤي الأنبياء ، ورؤي غيرهم ، فرؤي الأنبياء لا تكذب أبدًا ، بل هي صادقة دائمًا ، أما رؤي غيرهم فقد تصدق وقد تكذب .
ولا يحكم على رؤيا يراها الناس بالصدق إلا بعد ظهور صدقها ، أما قبل ذلك : فلا بخلاف رؤي الأنبياء فإنها وحي مقطوع بصحته .
فمثلاً - رؤيا إبراهيم عليه السلام - لو رآها غير نبي لما كان له أن ينفذها ، أو يهم بتنفيذها .
ولو فعل لكان فاسقًا أو عابثًا أو مجنونًا .
13- رؤي الأنبياء .. والرمزية :
أحيانًا تكون رؤي الأنبياء من قبيل الرمز والتمثيل والمجاز والاستعارة كما في آية الأنفال ، وكما في كثير من رؤي النبي صلى الله عليه وسلم التي روتها كتب السنة .
- "رأيت سوداء ثائرة الرأس تخرج من المدينة إلى مهيعة - ( المهيعة هي الجحفة ميقات أهل المدينة ) - فأولتها بالحمى " .
- "رأيت سيفي قد انقطع صدره ، وبقرًا تنحر ، فأولتها برجل من أهل بيتي يقتل ، والبقر نفر من أصحابي يقتلون" .
- " رأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة ، فأولتها المدينة " .
- " رأيت في يدي سوارين فنفختها فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي " .
14- هل يثبت بالرؤيا حكم شرعي ؟
والرؤيا المنامية - ولو كانت صحيحة وحقًا - لا يثبت بها حكم شرعي ، فلا تحرم الحلال ، ولا تحلل الحرام . ( مؤتمر تفسير سورة يوسف المعملي ج1 ص180 ) .
ويقول علاّمة الشام محمد ناصر الدين الألباني - (( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة المجلد الأول ج5 ص67 )) - :
" ومن المقرر عند العلماء أن الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي ، فبالأولى لا يثبت بها حديث نبوي ، والحديث هو أصل الأحكام بعد القرآن " .
15- حديث : " من رآني في المنام فقد رآني " .
وأما حديث : "من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي " فقد قال فيه صاحب "تحفة الأحوذي" (ج3 ص239) : "المراد به إذا رآه على صفته المعروفة في حياته ، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة " .
قال : "وقد ذهب إلى هذا جماعة ، فقالوا : في الحديث أن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها ، ومنهم من ضيق الغرض من ذلك حتى قال : لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة " !!
ثم يقول : " قال الحافظ : والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقة في وقت ما سواء كان في شبابه ورجولته وكهولته وآخر عمره" .
ويقول القرطبي : "اختلف في معنى الحديث ، فقال قوم من القاصرين : هو على ظاهره ، فمن رآه في النوم رأى حقيقته كما يرى في اليقظة ، وهو قول يدرك فساده ببادئ العقل ، إذ يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها ، وأن لا يراه اثنان في وقت واحد في مكانين ، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويخاطب الناس ، ويخلو قبره عنه فيزار غير جثته ، ويسلم على غائب لأنه يرى ليلاً ونهارًا على اتصال الأوقات ، وهذه حالات لا يقول بالتزامها من له أدنى مسكة من عقل وملتزم ذلك مختل مخبول .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق